مودرن دبلوماسي| كيف تعمل الصين على تغيير ديناميكيات بحر الصين الجنوبي؟

ترجمات رؤية

ترجمة – بسام عباس

في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في 27 سبتمبر، سلط الضوء على أن الصين لم تف بوعدها بعدم عسكرة الجزر الواقعة تحت سيطرتها في بحر الصين الجنوبي وكذلك مواقعها العسكرية الموجودة في المنطقة. وبدلًا من ذلك، نشرت الصين عددًا من صواريخ كروز أرض – جو، ونصبت قباب رادار، وصواريخ مضادة للسفن متمركزة في تلك الجزر. كما أنها طوّرت قدرات استخبارات الإشارات، وبنت حظائر جديدة للطائرات المقاتلة، ووسعت المدارج الحالية التي يمكن أن تدعم عمليات طائرات المراقبة البحرية.

وقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الصين ليس لديها مطالبات قانونية بحرية في بحر الصين الجنوبي، ويجب أن تكف عن استخدام المواقع العسكرية لتهديد جيرانها. في الواقع، لقد لفت دور الميليشيا البحرية وسفن خفر السواحل المرافقة انتباه البحرية الأمريكية مؤخرًا، وأبدت البحرية الأمريكية اعتراضات شديدة على هذه الاستراتيجية، والأنشطة الحازمة التي تمنع الدول الساحلية عن القيام بأنشطة صيد مشروعة في أعالي البحار، وتنمية الموارد الهيدروكربونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لهذه الدول.

في الماضي، حاولت الصين بقوة فرض حظر الصيد لمدة ثلاثة أشهر في بحر الصين الجنوبي، وحرمت الدول الساحلية من إجراء مسوحاتها الهيدروغرافية وغيرها من المشاريع العلمية ذات الصلة. وفي شهري يوليو وأغسطس، جرت مناورات خطيرة بين البحرية الأمريكية والصينية. وقد تم دعم ذلك بطلعات استطلاعية قامت بها كلتا القوتين الرئيسيتين، وأكدت الولايات المتحدة في البيان أنها ستستعد لحلفائها وشركائها في جنوب شرق آسيا.

ويأتي هذا البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن فرضت واشنطن قيودًا على بعض الشركات المملوكة للدولة في جمهورية الصين الشعبية، وأدرجت 24 من هذه الشركات في قائمة العقوبات، وبموجب هذه القائمة، فقد أكدت أن أي مؤسسة أمريكية أو مؤسسات خاصة مرتبطة بها تلقائيًّا لن تمنح الإذن للتفاعل مع أي من هذه الكيانات الصينية لأغراض تجارية أو استثمارية.

ومن أبرز الكيانات التي تأثرت بشدة بسبب إدراجها في قائمة العقوبات هي شركة الصين للاتصالات والإعمار، التي شاركت في تطوير أكثر من 3200 فدان من الأراضي المستصلحة في المناطق المتنازع عليها في جزر سبراتلي. وأوضح البيان الصحفي الذي صدر عشية فرض العقوبات أن نشاط التجريف الذي قامت به الشركات الصينية تسبب في تدهور البيئة وألحق أضرارًا بالغة بالحياة البحرية في المنطقة، وذكر أن الولايات المتحدة تحرص على أن تظل الأنشطة العسكرية الصينية وأجندتها التوسعية تحت السيطرة.

في الواقع، هذا يعتمد على الموقف الأمريكي الثابت فيما يتعلق بالجزر الصينية المستصلحة منذ عام 2012، وتكرر مرة أخرى في يوليو 2020 عندما أكدت أن الصين لا يمكنها المطالبة بالمناطق البحرية والموارد البحرية في جميع أنحاء المنطقة لأنها غير شرعية، ولا اعتبار لها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

لقد أكدت الولايات المتحدة بقوة على أنها تدافع عن “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة”، وسوف تتأكد من أن النظام الدولي القائم على القواعد قابل للتطبيق في بحر الصين الجنوبي. كما أنها صرحت مرارًا وتكرارًا أن الصين ليس لها الحق في أية مطالبات قانونية لفرض مناطقها الاقتصادية من جانب واحد ومطالباتها بالمياه المتاخمة لجزر سبراتلي.

وبالإشارة إلى قرار المحكمة الدائمة للتحكيم في يوليو 2016 فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، ذكرت الولايات المتحدة أن الصين ليس لها الحق في المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة تحت شعاب سكاربورو المرجانية وجزر سبراتلي. كما أبدت اعتراضات شديدة على مضايقات الصيادين الفلبينيين، وانتقدت بشدة الأنشطة الصينية التي تلحق أضرارًا بالغة بموارد قاع البحر. ودعت بشدة إلى أن الصين ليس لديها أي حق في شعاب مسشيف المرجانية، بل ورفضت مطالبات جمهورية الصين الشعبية بضم 12 ميلًا بحريًّا من البحار الإقليمية لهذه الجزر المستصلحة. ومن المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة أشارت أيضًا إلى الطلعات الجوية البحرية الصينية بالقرب من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفيتنام، وأدانت بشدة قيام الصين ببعض الأنشطة التي ترقى إلى مضايقة سفن صيد الدول الأخرى وسفن استكشاف الهيدروكربونات.

وبعد ذلك، كان هناك رد قوي ودعم فيما يتعلق بالمذكرة التي قدمتها ماليزيا حول الجرف القاري في بحر الصين الجنوبي، والذي دعمته الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، بما في ذلك فيتنام والفلبين وبروناي وإندونيسيا. كما أشارت بروناي، التي كانت انتقائية قليلًا في ردها على التطورات الجارية في بحر الصين الجنوبي، ضمنيًّا إلى زيادة عسكرة البحار المتنازع عليها.

كما ذكرت إندونيسيا، التي لم تكن طرفًا مباشرًا في نزاعات جزر بحر الصين الجنوبي، أن سفن خفر السواحل الصينية التي ترافق ميليشيا الصيادين الصينيين تضايق الصيادين الإندونيسيين في مياه جزر ناتونا، لافتة إلى أن البحرية الإندونيسية اضطرت في العديد من المرات للتدخل وطرد سفن حرس السواحل الصينية لحماية منطقة الصيد التي تقع داخل حدودها البحرية السيادية.

ولكن منذ أغسطس 2020، شهدنا أن الصين تطلق صواريخ على الممرات المائية المتنازع عليها، في محاولة لترهيب التدريبات العسكرية التي تجريها الدول الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، فمع الصيد المفرط الذي تقوم به سفن الصيد الصينية، فقد لوحظ أن مخزون الصيد في بحر الصين الجنوبي قد استنفد بشكل كبير؛ ما زاد التوترات بين الدول الساحلية.

وتقدم الصين إعانات تقدّر بنحو 7.2 مليار دولار أمريكي إلى صياديها حتى يتمكنوا من البقاء لفترة أطول في بحر الصين الجنوبي والحصول على أعلى إنتاجية لكل قارب. ويلجأ الصيادون الصينيون إلى حيلة تغيير أعلام قواربهم حتى يتسنى لهم الصيد داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول الأخرى.

وعلى الرغم من إدراكها جيدًا أن العمليات العسكرية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي ربما تؤدي إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الصين تجري تدريبات عسكرية في بحر بوهاي والبحر الأصفر، خاصة بهدف تعبئة أسطولها في بحر الشمال جنبًا إلى جنب مع أسطول بحر الجنوب. أجرت قوات البحرية الصينية مناورات محاكاة من أجل تعبئة قوات كبيرة في حالة التدخل في تايوان أو تهديد مجموعات حاملات الطائرات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، كذلك فقد قامت الصين بتعبئة طائراتها المقاتلة وإجراء طلعات استطلاع بين الفلبين وتايوان لمعرفة زمن استجابة القوات الجوية التايوانية، وإحباط أي تدخل محتمل للقوات البحرية أو الجوية الأمريكية في وقت الأزمات.

وقد أدت التدريبات عبر بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي إلى زعزعة السلام والأمن الإقليميين في المنطقتين. ففي 28 أغسطس، استخدمت الصين صواريخها قاتلة الحاملات في بحر الصين الجنوبي في تحذير للبحرية الأمريكية. ويقال إن طائرة استطلاع أمريكية انتهكت المجال الجوي الصيني وتم الاستشهاد بها كسبب لإجراء عمليات إطلاق الصواريخ التهديدية هذه.

وفي أوائل الشهر الحالي، أكدت فيتنام أن المناورات العسكرية التي تجريها الصين تعرقل بشدة الحوارات والمفاوضات المتعلقة بمدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي، كما أن المناورات العسكرية المستمرة ستعرقل تطوير أي قانون بحري في بحر الصين الجنوبي. ونظرًا لكون فيتنام رئيسة رابطة الآسيان، فقد أخذت بعين الاعتبار تلك التطورات، وحذرت كثيرًا من أن تلك التصعيدات ستجعل الأمور أكثر صعوبة في المنطقة. ونتيجة للتطورات الأخيرة، نشر الجيش الأمريكي 120 طائرة وأكثر من 12 ألف جندي لتعزيز وجوده في المنطقة، ومن المرجح أن تعرقل هذه الأنشطة العسكرية أي نوع من عمليات التفاوض أو تهدئة التوترات التي ربما تؤثر على الانتعاش الاقتصادي فيما بعد جائحة كورونا.



للاطلاع على الموضوع الأصلى .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا