الصحافة الفرنسية| كورونا يعود بقوة ويسجل أرقامًا قياسية.. وهل نحن أمام حرب دينية؟

ترجمات رؤية

ترجمة – محمد شما
بسبب كورونا.. الوضع الصحي في فرنسا يواصل التدهور

استعرضت جريدة “لوموند” مستجدات انتشار وباء كورونا داخل فرنسا؛ فوفقًا للأرقام الصادرة عن هيئة الصحة العامة الفرنسية، ارتفع عدد مرضى كوفيد-19 بالعناية المركزة بشكل طفيف يوم الجمعة الماضية، ووصل إلى 1439 شخصًا، بزيادة 21 حالة عن اليوم السابق؛ لتتدهور المؤشرات أكثر وتسجل رقمًا قياسيًّا جديدًا منذ مايو الماضي.

ويعدّ هذا المؤشر من أهم المؤشرات لرصد تطور الوباء في فرنسا، ويتمثل التحدي الرئيسي في منع المستشفيات الغرق في تدفقات هائلة من المرضى. ففي ذروة الوباء في أوائل أبريل، جرى نقل أكثر من 7 آلآف مريض إلى المستشفيات في أقسام العناية المركزة؛ بينما تبلغ القدرة الوطنية الحالية حوالي 5 آلاف سرير للعناية المركزة.

بالإضافة إلى ذلك، خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، جرى اكتشاف أكثر من 20300 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا. وهذا رقم قياسي منذ استخدام الاختبارات على نطاق واسع هذا الصيف، لكن لا يمكن التأكيد بأن هذا رقم قياسي في حالات العدوى؛ حيث يستمر معدل إيجابية الاختبارات (أي: عدد الأشخاص الإيجابيين نسبة إلى جميع الأشخاص الذين جرى اختبارهم) في الزيادة وتجاوز 10٪ ليصل إلى 10.4٪ حتى الآن.

• المجلس العلمي لمكافحة كورونا يدافع عن المزيد من الإجراءات التقييدية

في أعقاب الإعلان عن قيود جديدة في بعض المدن الفرنسية، قال رئيس المجلس العلمي، البروفيسور جان فرانسوا دلفريسي، إنه لا يستبعد المضي قدمًا، مشيرًا إلى إمكانية إعادة فرض الحجر الصحي المحلي. فدور المجلس العلمي، الذي لا يقدّم إلا المشورة بشأن الوضع الصحي، هو توجيه الحكومة في قراراتها السياسية، كما طالب دلفريسي الفرنسيين بالاستعداد للتعايش مع الفيروس حتى الصيف المقبل.

وعبر قناة “بي إف إم تي في” الفرنسية، قدر السيد دلفريسي أن كل الإجراءات مطلوبة لتجنب إعادة فرض الحجر الصحي المحلي. وإذا اقتضت الظروف، فسيتعين فرضه. وأضاف: “إذا اضطررت في أوقات معينة إلى اتخاذ قرار بشأن أمر لا يزال محتملًا، مثل حظر التجول، فسيتعين عليّ القيام به”.

 اختبارات سريعة من أجل إنجاز عمليات الفحص المستهدفة

وقالت الهيئة العليا للصحة إنها “تؤيد” استخدام اختبارات الأجسام المضادة للكشف عن فيروس كورونا، وسيتم استخدام هذه الاختبارات، التي تتم بشكل أسرع من اختبارات بي سي آر، كجزء من عمليات الفحص المستهدفة للجامعات ودور رعاية المسنين..إلخ. وأوضح دومينيك لو جولوديك، رئيس كلية الهيئة العليا للصحة أن “الهدف هو أن القدرة على اختبار المزيد من الأشخاص وبسرعة أكبر حتى نتمكن من الاكتشاف السريع لبؤر العدوى”. وعلى العكس من الاختبارات الفيروسية بي سي آر، حيث يتم أخذ عينة الاختبار من فتحتي الأنف باستخدام مسحة قطنية طويلة، لا تتطلب اختبارات الأجسام المضادة تحليلًا معمليًّا لأن آليتها أبسط، وبينما يكتشف الأول المادة الجينية للفيروس التاجي، يحدد الأخير بروتينات الفيروس، وهذا يسمح بإعطاء نتيجة أسرع بكثير، في غضون عشر إلى ثلاثين دقيقة.

• مستشفيات ليون بدأت في إلغاء العمليات غير الطارئة

وأعلن المدير العام لوكالة الصحة الإقليمية في “أوفيرني رون ألب” ا جان إيف جرال، أن المستشفيات في ليون وضواحيها ستبدأ في إلغاء برنامج العمليات غير الطارئة اعتبارًا من الأسبوع المقبل، وسيسري ذلك على المنشآت في مدينة ليون والمدن المجاورة.

ويأتي هذا القرار في أعقاب وضع ليون في منطقة التأهب القصوى بعد تسارع انتشار الفيروس. فعندما كان معدل الإصابة بالفيروس مستقرًا، “أو حتى أقل قليلاً”، حوالي 240 إصابة لكل 100 ألف نسمة في ليون (وبالتالي أقل من العتبة الحرجة البالغة 250 إصابة) أوضح السيد “جرال” أن الأيام الأخيرة شهدت زيادة كبيرة، حيث ارتفعت الأعداد إلى 245 يوم الأربعاء و270 الخميس و290 الجمعة، وأشار إلى أن هذه الزيادة الكبيرة التي نشهدها في التلوث ستترجم تلقائيًّا إلى زيادة حادة في حالات الاستشفاء في غضون عشرة إلى خمسة عشر يومًا، كما أعلنت المؤسسات الصحية في منطقتي لوار وأرديش الشمالية عن إلغاء جزئي لبرامج الأنشطة الطبية والجراحية والتداخلية غير العاجلة.

من جانبها، ذكرت وزارة التعليم الوطنية أن حوالي 199 فصلًا دراسيًّا و24 مدرسة مغلقة حاليًا بسبب حالات الإصابة، بزيادة عن الأسبوع الماضي؛ حيث أفادت الأرقام الرسمية بإغلاق 290 فصلاً و14 مدرسة فقط.

• مجلس الدولة يلغي الالتزام بتوفير الكمامات لسجناء تولوز

وألغى مجلس الدولة قرارًا أصدرته محكمة تولوز الإدارية يقضي بإلزام مركز الحبس الاحتياطي في سيسيس، بالقرب من تولوز، بتوفير أقنعة للمسجونين، وعرض عليهم فحص كوفيد-19. ففي نهاية أغسطس الماضي، تقدم أربعة محامين من تولوز بدعوى أمام المحكمة الإدارية بعد أن تبين لهم أن موكليهم المحتجزين لم يرتدوا أقنعة أثناء مؤتمرات الفيديو، على الرغم من أنهم يتشاركون نفس الغرفة، وأن هناك أقل من متر واحد بينهم. وفي أمرها الصادر يوم 4 سبتمبر، أكدت المحكمة أن غياب الفحص المعمم، إلى جانب عدم توفير الأقنعة، يمثّل اعتداءً واضحًا وغير قانوني على الحريات الأساسية.

لكن بالنسبة لوزارة العدل، التي استأنفت على هذا الأمر، فإن استخدام حملة فحص واسعة النطاق يشكل التزامًا غير متناسب مقارنة بعدد الأشخاص المحتجزين الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس. وذكرت الوزارة أنه جرى تشخيص حالتين فقط بالمنشأة منذ بداية انتشار الوباء، وتابعت: “يعدّ الفحص العام لجميع السجناء والموظفين في مؤسسة السجون مهمًا فقط في حال تبين إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل، وهو ما لا يحدث في الوقت الحالي. وأخيرًا قرر مجلس الدولة طرح مفهوم “الحلقة الصحية” في السجون. ومع ذلك، يتم فحص المعتقلين الجدد بشكل منهجي بعد يومين من وصولهم، ثم في اليوم التاسع من اعتقالهم، ويتم وضعهم في الحبس الانفرادي في منطقة معينة.

وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن إدارة السجون، فقد ثبتت إصابة 482 سجينًا بكورونا منذ بداية الوباء، بينهم 47 مصابًا حاليًا في 188 سجنًا فرنسيًّا. وتوفي في منتصف مارس معتقل واحد فقط، وهو رجل يبلغ من العمر 74 عامًا كان مسجونًا في سجن فريسنس بفال دو مارن.

تحرك فرنسا ضد “الانفصالية الإسلاموية” يستحق الدعم

وأبرزت جريدة عرب نيوز بنسختها الفرنسية الإيجابيات التي ستتحق من مشروع الرئيس ماكرون لمكافحة الانفصالية؛ حيث كشف الرئيس مؤخرًا عن سلسلة قوانين تهدف إلى معالجة ما أسماه “تهديد الإسلامويين المتطرفين والمتطرفين الآخرين”. وقال ماكرون إنه يريد وضع القيم الجمهورية الفرنسية على خط المواجهة في محاربة الانقسامات داخل المجتمع، وكرر أنه يريد أن يكون الإسلام مكونًا إيجابيًّا في المجتمع الفرنسي. وقال: “أنا لا أقول إننا يجب أن نخلق نموذجًا للإسلام الفرنسي، بل أقول إنه يمكن للإسلام أن يقيم شراكة قوية مع الدولة الفرنسية، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي تحرير الإسلام من كافة أشكال النفوذ الأجنبي”.

وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي بعد وقت قصير من الهجوم الدموي بسكين خارج المكاتب السابقة لمجلة شارلي إيبدو الساخرة في باريس، ووصف مسئولون فرنسيون الهجوم بأنه عمل إرهابي إسلاموي. وفي الواقع، لطالما كانت فرنسا منارة للإصلاحيين، ومع ذلك، فهي تجد نفسها الآن عند مفترق طرق ثقافي واجتماعي حقيقي، وأولئك الذين يتابعون السياسة الداخلية الفرنسية سيفهمون هذا بسهولة، وهكذا فإن اقتراح ماكرون بإجراء إصلاح ليبرالي جديد لنظام التقاعد الفرنسي، الذي جرى وضعه في نهاية الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى مظاهرات السترات الصفراء، والتي نجح في إيقافها وباء فيروس كورونا فقط، أمثلة واضحة، ومع ذلك، يجب أن تظل القيم الفرنسية التقليدية للحرية والمساواة والأخوة كما هي.

وللأسف، يحتل المسلمون من شاكلة أولئك الذين نفذوا مذبحة شارلي إيبدو رأس قائمة الإصلاح. وبالطبع، من المهم توضيح أنه ليس كل المسلمين إرهابيين، بالرغم من أن العديد من الإرهابيين في السنوات الأخيرة كانوا للأسف مسلمين أو زعموا أنهم كذلك. وعلى العكس من ذلك، هناك أمثلة متوهجة لمسلمين فرنسيين حققوا نجاحًا مذهلًا، والعديد منهم أطباء وسياسيون ولاعبو كرة قدم، مثل زين الدين زيدان وحاتم بن عرفة ونجولو كانتي وكريم مصطفى بنزيمة ووسام بن يدر وحسام الأعور.. جميعهم اندمجوا بشكل مثالي في المجتمع الفرنسي.

مثال آخر هو المطربة منال ابتسام، وعلى الرغم من نجاحها في برامج مثل The Voice، فقد تعرضت لأقسى أنواع التنمر عبر الإنترنت لمجرد أنها مسلمة، ولاحقًا بعد أن خلعت غطاء رأسها، ومن المؤكد أننا نخشى أن تتحول هذه الهجمات الإلكترونية إلى هجمات مادية حقيقية. يقول فيصل عباس رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز: “من الواضح أن هناك الكثير ممن سيضيفون ذرة ملح لكلامي”. وسيكرر البعض نظريات المؤامرة الدينية المتطرفة التي تشير إلى أن المملكة العربية السعودية، إلى جانب الدول العربية المعتدلة الأخرى، تدعم سرًا أولئك الذين يروجون للإسلاموفوبيا لكسب الدعاية، ولكن لكي ندرك أن الإصلاحات الدينية في المملكة حقيقية، يكفي مقارنة التصريحات بالإجراءات المتخذة على هذا المستوى.

لقد قال لي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، وزير العدل السعودي السابق الذي يرأس الآن رابطة العالم الإسلامي عام 2018: “أنا أعتبر أنه لا يمكن لأي مسلم أن يصف المرأة المسلمة بأنها خائنة أو يشكك في قيمها لمجرد أنها لم ترتدِ الحجاب قط؛ فالمسلمة إذا لم تلبس الحجاب ليست كافرة ولا تخرج عن الإسلام”.

وفي بلجيكا، أوضح الشيخ العيسى عام 2017، أنه يجب على المسلمين احترام قوانين وثقافة وعادات الدول غير الإسلامية التي يعيشون فيها، حتى لو شعروا أن ذلك ينتهك عقيدتهم. ونصح الشيخ العيسى المسلمين بأنهم إذا كانوا غير قادرين قانونًا على إقناع سلطات البلاد باحترام رغباتهم، فعليهم إما الامتثال لقوانين البلاد أو المغادرة.

وفي عرب نيوز، أدركنا تأثير الكلمات الراديكالية الدينية على قلوب وعقول المؤمنين من جميع ديانات العالم، ومن هذا المنطلق، أطلقت عرب نيوز في عام 2019 سلسلة بعنوان “دعاة الكراهية”، وهي سلسلة تُسمِّي وتوصم الدعاة الراديكاليين من جميع الأديان والجنسيات، وبدأنا بالدعاة في السعودية. ولدعم عمل الرئيس ماكرون، يسعدنا ترجمة هذه السلسلة إلى الفرنسية وإطلاقها اليوم، وسيشمل ملفات تعريف جميع الدعاة المتطرفين الذين كشفناهم في الماضي، بالإضافة إلى ملامح الدعاة الفرنسيين.

لكن سيتوجب على السلطات الفرنسية أيضًا استكمال ما بدأناه، وأعتقد أن أهم شيء هو السيطرة على أولئك الذين يحملون خطاب الكراهية من داخل أو خارج البلاد والانفصاليين والعنصريين والمعادين للسامية. من جانبها قالت السناتور الفرنسية ناتالي جوليه لصحيفة عرب نيوز في يوليو الماضي: “هذه الخطابات تتعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية”، وكانت تعلق على تقرير قال إن المشرعين الفرنسيين أوصوا بمنع الوعظ لرجال الدين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة المصنفة على أنها إرهابية في معظم البلدان.

ومن المؤكد أنه إذا كان السيد ماكرون جادًّا في تحرير مسلمي فرنسا من النفوذ الخبيث للأجانب، فيجب على السلطات الفرنسية أيضًا أن تشعر بقلق بالغ إزاء التأثير المدمر لقطر أيديولوجيًّا، حتى لو كانت قد اشترت مباني تاريخية واشترت نادي باريس سان جيرمان كجزء من “قوتها الناعمة”.

فقطر هي الممول الرئيسي للإخوان المسلمين على مستوى العالم. ولفهم تأثير الأفكار الخبيثة لهذه الجماعة بشكل كامل، يكفي تصفح مقاطع الفيديو والفتاوى المروعة ليوسف القرضاوي، داعية الإخوان المسلمين في الدوحة. ويمكن للمحققين الفرنسيين أن يبدأوا بقراءة كتاب رائع: “أوراق قطر – كيف تمول الإمارة إسلام فرنسا وأوروبا”، من تأليف الصحفيين الاستقصائيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شيسنو؛ حيث يشرح هذا الكتاب كيف تضخ قطر مئات الملايين من الأموال في المنظمات التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء فرنسا.

تمخض الجبل فولد فأرًا يسمى “قانون مكافحة الانفصالية”

من جانبها، اعتبرت جريدة “ماريان” أن مشروع ماكرون لم يأت بجديد، ويكفي تفعيل القوانين القائمة. فبالنسبة لجورج كوزمانوفيتش رئيس حركة “الجمهورية ذات السيادة” الفرنسية وفيرجيل بيكوك المسئول عن قسم النقاش بالحركة، يجب أن يحارب هذا القانون ضد “الانفصالية” الإسلاموية بقوة أكبر وأن يحسن من اندماج المهاجرين الفرنسيين.

وبين تواضع في غير محله والإيحاءات الاستعمارية، اختار رئيس الجمهورية، خلال خطابه في يونيو 2020، استخدام كلمة “الانفصالية”، وهو مصطلح مخصص حتى الآن لوصف الحركات الاستقلالية، ليضيف بذلك وكعادته خلطًا مع هذا الموضوع المعقد بالفعل، ويمهد الطريق للقيام بعمل يمثل دربًا من النشاز داخل السلطة التنفيذية.

الإسلام ليس الإسلاموية

وفي داخل جمهورية ذات سيادة، نفضل تحديد مشكلتين مختلفتين، ونطرح مجموعتين من الحلول. فمن ناحية، تحديد هوية خصم أيديولوجي، بات اليوم أحد اللاعبين الرئيسيين في الجمهورية، وهذا الخصم هو: الإسلاموية. ومن ناحية أخرى، الحفاظ بل حتى زيادة المسافة بين الفرنسيين من أصحاب الأصلول المهاجرة، وأغلبهم من المسلمين، وغيرهم. وإذا كان السبب الأول هو أحد الأسباب العديدة للثاني، فمن الضروري التمييز بين المشاكلات من أجل الاستجابة بشكل أفضل، والدين الإسلامي بالمعنى الدقيق للكلمة لا ينطوي على أدنى تناقض مع الحياة في ظل الجمهورية.

ولكي نكون محددين؛ نعني بالإسلاموية الخطابات والممارسات الاجتماعية التي تريد أن تفرض على مجتمعات ومناطق معينة، نموذجًا للمجتمع يتناقض بشدة مع أساسيات المجتمع الفرنسي. ويمكن لديانات أخرى أن تستخدم نفس النهج لتوليد أيديولوجيات على نفس القدر من الخطورة، لكن قوتها لا ترتقي للمقارنة. ودعونا نخرج من هذا المأزق؛ فالدين الإسلامي بالمعنى الدقيق للكلمة، الذي يقوم على الإيمان والفرائض الأساسية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، لا ينطوي على أدنى تناقض مع الحياة في الجمهورية. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نلاحظ أن الممارسات الدينية الصارمة التي تستجيب لهذه الأركان تشكّل أقل المشاكل بالنسبة للفرنسيين غير المسلمين.

وعندما نترك مجال الدين أو الأخلاق الفردية نبدأ بالاصطدام بعدم التوافق. ومع ذلك، فإن خصوصية الإسلاموية تتمثل في الرغبة في تطبيق قانون إسلامي مبني إلى حد كبير على تفسيرات محددة تاريخيًّا وجغرافيًّا على جميع جوانب الحياة الاجتماعية؛ حيث تعود إلى شبه الجزيرة العربية في العصور الوسطى العليا. ومن الواضح أن هذا المشروع يتعارض مع الفصل بين الدين والسياسية، لا سيما أن هذا المفهوم راسخ في فرنسا مع مفهوم العلمانية. إن محتوى الشريعة الإسلامية في نسختها الإسلاموية غير متوافق تمامًا؛ بسبب ما يحمله من دونية المرأة، والفصل بين الجنسين، والتحريض القوي على زواج الأقارب وتحريم الردة والميل إلى رهاب اليهود. ويجب التوقف عن الحديث عن الإسلام الراديكالي أو الأصولي.

لذلك فمن المناسب فصل الإسلام، أي الدين، عن الإسلاموية، التي هي أيديولوجية. ويجب أن نتوقف عن الحديث عن الإسلام الراديكالي أو الأصولي، لأنه هدية تُمنح للإسلامويين ليعتبروا أن المسلمين الذين لا يتبعونهم سيكونون أقل إيمانًا. لكن علينا أيضًا التوقف عن الحديث عن “السلفية الهادئة”، التي يُفترض أنها غير مؤذية لأنها غير مسلحة، أو اعتبار المنظمات التابعة للإخوان المسلمين محاورين شرعيين.

إن مشروع فرض الشريعة الإسلامية على مجموعات سكانية معينة وفي مناطق معينة ينطوي على هجمات أقل وطأة من إطلاق خطاب مهيمن، وممارسة ضغط اجتماعي، وبناء قاعدة دينية يستوعبها حتى أولئك الذين لا يحترمونها. والإرهابيون، على سبيل المثال، لن يكونوا هم من يمنع المسلمين من الشرب أو تناول الطعام في الأماكن العامة خلال شهر رمضان، أو الذين يفرضون الحجاب على الفتيات والنساء اللاتي لا يرغبن في أن يتم إزعاجهن.. هذه الظواهر هي نتيجة الصراع الثقافي الذي خاضته السلفية الهادئة أو الأئمة الإخوان ذوو الخطاب المزدوج الراسخ.

المشكلة الإسلاموية

وبمجرد تمييز الإسلاموية بوضوح عن الإسلام، يجب بالتالي تعريفها على أنها الخصم الرئيسي للجمهورية في جميع مجالات السياسة. ففي السياسة الخارجية، يجب على فرنسا أن توقف تساهلها مع الدول التي تبث نسخًا مختلفة من هذه الأيديولوجية، كقطر وتركيا على وجه الخصوص، وتتوقف عن أي تعاون معهما. ويجب دعم معارضة الحكومات الديكتاتورية في هذه الدول، خاصة في تركيا، حيث لا يجب اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، ويجب طرد الأئمة التابعين للحكومة التركية وتنقية المنظمات التابعة لديكتاتور أنقرة بعناية.

وفي السياسة الداخلية أيضًا، يجب على الجمهورية أن توقف كل تعاون مع المنظمات المرتبطة أيديولوجيًّا بالإخوان المسلمين أو السلفية، وحيثما تسمح السلطة التقديرية للدولة، فإن المصلحة العامة تُملي القيام بكل شيء لسد الطريق أمام هذه المنظمات، ويمكن تعديل القانون الجنائي من أجل مقاضاة الأفعال الأكثر قسوة والتي تُرتكب بدوافع الترويج للإسلاموية، كما هو الحال مع الكراهية العنصرية أو رهاب المثلية الجنسية.

ولا ينبغي أن يكون للإسلاموي الذي يرى الجمهورية عدوًّا الحق في خدمتها، وهذا ينطبق أيضًا على أيديولوجيات العدو الأقل انتشارًا، مثل المعتقد بتفوق البيض، كما يجب أيضًا أن يتم فصل ضباط شرطة روان الذين يأملون في اندلاع حرب أهلية بسبب عدم التوافق الأيديولوجي مع الجمهورية. هذا، وعلى عكس ما يدّعيه الليبراليون، ليس نظامًا محايدًا أيديولوجيًّا، فبينما تحترم الدولة حرية الرأي، فإنها تطالب موظفيها بالالتزام بمبادئها؛ وبالتالي ستستفيد الجمهورية من إعادة التأكيد بقوة على القوانين القائمة دون الدخول في تصعيد.

وإذا كانت الجمهورية تقاتل بشكل فعّال ضد أعدائها، فلن تحتاج إلى اتخاذ تدابير غالبًا ما يُنظر إليها على أنها مزعجة وذات نتائج عكسية، مثل حظر الحجاب على الطالبات أو مرافقات الرحلات المدرسية. وفي الواقع، يمكن أن يدل ارتداء الحجاب بالتأكيد على التمسك بالأيديولوجية الإسلاموية، ولكن يمكن أن يدل أيضًا على الالتزام الديني العميق. وبالتالي، فإن الجمهورية ستكسب، على هذا الأساس، من خلال إعادة التأكيد بقوة على القوانين السارية دون الدخول في تصعيد لا يؤدي في كثير من الأحيان إلا إلى تقديم حجج تخدم مناهضي الجمهوريين.

ومن ناحية أخرى، ولمحاربة النفوذ الأجنبي في العقيدة الإسلامية، من المستحسن تحديد حصة مقبولة من رجال الدين الأجانب للدخول إلى فرنسا. وللسماح للمسلمين الفرنسيين ببناء إسلام فرنسي وإعادة ترسيخ المساواة الحقيقية بين الأديان، يمكن تصور إعادة عام 1905 بتأميم جميع أماكن العبادة الموجودة على الأراضي التي لا تنتمي بالفعل إلى السلطة العامة، قبل تكليف جمعيات دينية بإدارة شئونها. هذا من شأنه أن يحرّر المسلمين من مسئوليات المالك، مثل معظم دور العبادة الكاثوليكية. وأخيرًا، سيسمح هذا، مع احترام استقلالية الجمعيات الدينية، بالحصول على وسيلة سهلة وسريعة للرد على الانجراف الأيديولوجي المحتمل وهي: حقوق المالك.

الاندماج الجمهوري

لكن فصل الإسلام عن الإسلاموية لا يكفي، ولا يزال يتعين علينا جمع كل الفرنسيين، فلا يكفي التذكير بقوانين مكافحة التمييز والوعد بتطبيقها بصرامة أكبر؛ بل يجب أن نتعامل بشكل أعمق مع الشعور الذي يعتبره الفرنسيون أنه من أصل مهاجر لا يندمج حقًّا في المجتمع الوطني، وانعدام الثقة تجاه عدد متزايد من الفرنسيين الآخرين.

لذلك سيكون من الضروري، من خلال تدابير ملموسة ورمزية، إعادة التأكيد على وحدة الأمة الفرنسية في تنوع أصولها ودياناتها وألوان بشرتها، وسيكون من الضروري التوقف عن التأكيد الذي وضعه “آلان بيرفيت” على لسان الجنرال ديغول، والذي مفاده أننا “شعب أوروبي من العِرق الأبيض، من الثقافة اليونانية واللاتينية والدين المسيحي”. كان هذا صحيحًا، لكن الأمور تغيرت، ويجب أن نكون قادرين على القول في نفس الوقت إن فرنسا ولدت الابنة الكبرى للكنيسة، لكنها أصبحت شيئًا آخر دون أن تُنكر نفسها. وخلافًا لما قاله الرئيس ماكرون، هناك ثقافة فرنسية شأنها شأن جميع الثقافات، تتطور بمرور الوقت مع الاحتفاظ بالخصائص الأساسية؛ فهي لا ترفض فقط زراعة ثقافات من أصل أجنبي، بل إنها تثري نفسها أيضًا. وعلى عكس ما يزعمه السياسي جان لوك ميلينشون، فإن الاستيعاب لا يتطلب الإنكار بأي شكل من الأشكال؛ ولا يفترض أن المهاجر يستبدل ثقافته بثقافة البلد الذي يستقبله، ولكنه يستوعبها ويندمج فيها، تمامًا كما نقول عن الطعام.

بخلاف الإسلاموية.. النزعات الانفصالية التي تقودنا نحو الحرب الأهلية

ونشرت صحيفة “ماريان” مقالًا يلقي الضوء على التهديدات الأخرى التي تحيط بالدولة الفرنسية. فمن متطرفي اليمين واليسار إلى النساء اللاتي يكرهن الرجال واليساريين الاستبداديين وغيرهم؛ فأنصار الإسلام السياسي ليسوا وحدهم من قاموا بتفكيك المجتمع الفرنسي. إن الإجراءات التي أعلنها رئيس الدولة مفيدة، ولكن لا يزال هناك الكثير يجب فعله للحفاظ على تراثنا المشترك لعصر التنوير.

وقد يقول البعض إن اللحظة قد حانت بعد انتظار دام ثلاث سنوات لخطاب تأسيسي كبير حول العلمانية أولًا، ثم الطائفية، لكنه أتى عن “الانفصالية” وابتعد عن الجوهر. لقد جعل ماكرون خطابه مقيدًا بالأحداث وأجبره على ذلك الهجوم الذي وقع أمام المبنى السابق لجريدة شارلي إبدو، وذكرتنا بهجوم عام 2015 الذي أودى بحياة 250 قتيلًا، أو أنه تحرّك بدوافع انتخابية وتبنى مسارًا “ملكيًّا” من أجل تقسيم صفوف اليمين قليلًا.

لقد تجرد رئيس الجمهورية بهذا الخطاب من لهجته السجعية المفرطة، ومن آثار الدرامية المعتادة وعرف العدو بصراحة: إنها الإسلاموية التي تسعى إلى تشكيل مجتمع مضاد عبر استخدام كل جزء من أجزاء دولة القانون وتحويل مبادئنا ضدنا، وأعلن الرئيس عن إجراءات محددة لا جدال فيها.. فهل كانت العديد من الإجراءات غير مفعلة لسنوات؟ بكل تأكيد! ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن السلطات العامة قررت أخيرًا تنفيذها.

وفي الواقع، يُعد التوضيح بين الجمعيات الثقافية والجمعيات الدينية أمرًا أساسيًّا لتجنب التحايل على مؤسسات الدولة الفرنسية لأغراض الأدلجة العقائدية. وفيما يتعلق بإلغاء نظام تعليم اللغة والثقافة الأم، والذي نعرف جيدًا أنه يعمل منذ ثلاثين عامًا ضد أي مشروع اندماج منذ ذلك الحين. فبحجة السماح لأبناء المهاجرين للحفاظ على ارتباطهم بثقافة والديهم، فإنهم يحافظون على وضعهم كمهاجرين من خلال تركهم لمعلمين يتم اختيارهم دون أي رقابة من قِبل بلدانهم الأصلية.

الفخ الطائفي

أشار خطاب ماكرون إلى المشكلة دون مبالغة ودون أي شائبة من شأنها أن تترك شبهة “غموض” من تلك التي اعتاد البعض على تعقبها، وهذا لم يمنع الطائفيين الحقيقيين من الخروج من مخابئهم، كالتجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا، الذي يمارس خطابًا رائعًا باستخدام الحقوق الفردية للدفاع عن أيديولوجية تنكرها بعد ذلك. ومن خلال دفع ثمن الترف، بل واتهام فرنسا بالانجراف الاستبدادي والقاتل للحريات يتشكل الفخ الذي تقع فيه جميع الجمعيات التي تتكتل من أجل تنظيم الديمقراطية على النموذج المجتمعي الأنجلو ساكسوني والمتعدد الثقافات بدلًا من النموذج الجمهوري الفرنسي.

ويمكن للجمعيات التي يتمثل هدفها الأساسي في إنكار أي حرية فردية، أن تطالب بتأكيد حقوقها واحترام اختلافها، لكن الجمهورية تعترف فقط بالمواطنين المستقلين الذين يرون أن القيم المشتركة، مثل المساواة بين الرجل والمرأة، غير قابلة للتفاوض، ويتظاهر التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا بعدم فهم ما تعنيه كلمة الإسلاموية، ويمارس أسوأ أنواع الخلط بالقول إن هذه الكلمة لن تؤدي إلا إلى وصم الممارسات الشائعة لجميع المسلمين.

 لذا يقول إمام المسجد الكبير: “الانفصالية هي موقف يقود دوائر متطرفة معينة، وأحيانًا من مؤيدي الإسلام الطائفي أو مناضلي الإسلام السياسي، إلى رفض قوانين الجمهورية واستبدالها بتفسيراتها الدينية وقوانينها العرفية. أولئك الذين يتصرفون بهذه الطريقة، فعلوا ذلك لأنهم كانوا قادرين على القيام به، ولأنه سُمح لهم بذلك، أو لأننا ظللنا لفترة طويلة نغمض أعيننا عن الموقف الطفولي الذي يروج لخطاب الضحية، علاوة على الازدراء الشديد للمسلمين الذين يُنظر إليهم غالبًا على أنهم مسلمون فقط، بدلًا من النظر إليهم كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات”.

هل نحن أمام حرب دينية؟

على الأقل باتت الأمور واضحة، وأصبحنا نعرف من يرى المسلمين باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من الجمهورية ومن يريد إلقاءهم في أحضان الأصوليين. كما أن تعهُّد إمام المسجد الكبير بالوقوف إلى جانب الرئيس ماكرون شريطة أن تصاحب إجراءاته محاربة صادقة ضد ظاهرة الانعزالية التي تشكّل حجر الأساس للانفصالية، يعدّ أمرًا ضروريًّا كباقي الإجراءات، ولا تتعلق هذه الإجراءات بإطلاق عدد لا يحصى من أعمال التجديد الحضري المكلف لأن الذي ينقص الضواحي كما في الريف هو الوجود الملموس للدولة من خلال الخدمات العامة وموظفي الخدمة المدنية والبنية التحتية.

وهنا يجب التنويه بشكل خاص إلى جان لوك ميلينشون، الذي ندد بخطاب ماكرون ورأي أنه يشن حربًا دينية. وبعد ذلك بيومين، اعترض على تفتيش مسجد عمر في الدائرة 11 بباريس، مسنكرًا دخول ضباط إلى قاعة التعليم بالمسجد وهم مدجّجون بعدد كبير من التسليح، ونسي زعيم حزب فرنسا الأبية أن يذكر أن هذا المسجد الذي يقع في شارع جان بيير تمبو كان منذ خمسة عشر عامًا مرتعًا لنشر السلفية والسيطرة على الفضاء العام، وكان حلقة الاتصال مع الباحثين عن الانضمام إلى الحركات الجهادية.

الانقسامات التي تهددنا

هذه هي المشكلة برمتها؛ فالصور الرمزية المختلفة للسلفية ليست هي الوحيدة التي تتسبب بتصدع المجتمع الفرنسي. والعنف الذي يتميز به ما لم نعد نجرؤ على تسميته بالنقاش العام، يخبرنا بأن المواجهة بين الفردية التي يروج لها النموذج النيوليبرالي وقوة المشهد الإعلامي تفضل هذا المزيج من الإيذاء وخلق عدو رمزي يشبع نهم وسائل الإعلام. ويثبت النص الصادر عن التجمع ضد الإسلامفوبيا في فرنسا إلى أي مدى يتم استيراد النموذج الأنجلو ساكسوني للحقوق الفردية في ظل تأثير العولمة الثقافية؛ ما يتيح سلاحًا في يد الإسلامويين.

ولذلك نجد أن الرؤية نفسها للعالم باتت مفروضة الآن من خلال تضخم مشكلات الهوية، وإعادة قراءتها من خلال المنظور االفردي لعلاقات الهيمنة. وهناك شيء مذهل في تحول بطل عالم سابق لكرة القدم إلى ناشط مناهض للعنصرية عبر تصور وجود ما يسمى بالتفكير الأبيض، وفي الأثناء تواصل الاستفزازات التي تصدر عن إريك زمور وتعدّ نوعًا من الإطراء الموجه إلى جمهوره، إضفاء التطرف على الخطاب العام من خلال إجبار أي شخص على اتخاذ موقف من تجاوزاته.

وفي مثل هذا المناخ يُعدّ النجاح مضمونًا لأننا نعيش فقط على شجب “تبني العقول لفكر إيريك زيمور”. ويحلل الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي “جان بيير لوغوف” هذا الأمر بأنه عبارة عن: “مباريات بينج بونج أو ملاكمة تُلعب يوميًّا بين معسكرين متعارضين. فمن ناحية، يسار ثقافي ينكر المشاكل، ومن ناحية أخرى، يمين متطرف غير مقيد حريص على توجيه الضربات. ولا شيء حقيقي في العمق، فهذه الصراعات، التي يُفترض بها بتحرير الكلام، لم تعد تعالج المشكلة بعمق. وعلى سبيل المثال، يتغير الموضوع الحساس تحت تأثير الجدل، ويتحول الأمر إلى صراع عنصري بسيط وغير مثمر بين جيهة زيمور وجبهة المطالبة بالنجدة من العنصرية، حيث لا وجود لتوافق بينهما، ويسلك كلا الجانبين درب الفوضى”.

المنطق الذي يقوّضنا

وبدلًا من التناقض، نحن أمام حركة جدلية تكمن في داخلها القوة التدميرية للنيوليبرالية. فمنطق إلغاء القيود، وتفكيك الدولة نزولًا على إرادة المواطنين، وتجاوز الديمقراطية من قبل الهيئات التي تسمح بفرض التجارة الحرة لصالح الشركات متعددة الجنسيات غير الإقليمية، أضعف فكرة المجتمع السياسي، ولنتذكر شهادة مارغريت تاتشر حيث أعلنت عن إيمانها بأنه: “لا يوجد شيء اسمه المجتمع؛ بل يوجد فقط أفراد ورجال ونساء وعائلات”.

ويبقى أن نتجنب تحول هذه المشكلة الاجتماعية إلى خطاب شعبوي يحمل مواجهة بين الشعب الأسطوري والنخب البغيضة، التي تضم اليمين المتطرف الانتهازي وكذلك اليمين المتطرف الذي يحن إلى العنف الثوري. والحل يكون بإعادة تشكيل مجتمع سياسي يتألف من مواطنين مستقلين ومسئولين، مع الاحتفاظ بانتمائهم وهويتهم في الفضاء الخاص، بالإضافة إلى دولة ضامنة للمصلحة العامة، ومسلحة بما يكفي لإنجاز مهامها، وأولها خدمة جميع المواطنين من خلال البنى التحتية والخدمات العامة التي من دونها لن تتحقق المساواة الحقيقية، وبالتالي لن تكون هناك حرية حقيقية. هذا هو المجال الذي تلتقي فيه الخيارات الاقتصادية للحكومة ومعاملتها لما يسمى بالرعايا “السياديين”. وفي الواقع نحن بحاجة لما هو أكثر من مجرد خطابات؛ نحتاج للتماسك الوطني.

أعداء الجمهورية من وجهة نظر الكاتب الطاهر بن جلون

من جهتها، أبرزت صحيفة “لو بوان” وجهة نظر الكاتب الفرنسي من أصل مغربي “الطاهر بين جلون” حول قانون الانفصالية، ورأى أن هذا المصطلح الذي يستخدمه رئيس الدولة ليس في محلّه؛ فالإسلامويون الراديكاليون لم يشاركوا قط قيم الجمهورية التي يرغبون في الانفصال عنها.

إن كلمة “الانفصالية” التي يستخدمها رئيس الجمهورية لا تتناسب مع حقيقة الوضع الخطير الذي يود تحسينه؛ فهي تعني التوجه للانفصال عن شخص تشاركه عدد من الأشياء، وهذا ما يسمى “بالعيش معًا”. ومع ذلك، فإن الإسلامويين الراديكاليين لم يرغبوا يومًا في تقاسم أي شيء مع الجمهورية، لا سيما قيمها الأساسية، وقليلون هم من وُلدوا في هذه الجمهورية والتحقوا بمدارسها وتعلموا لغتها وتاريخها، وتحولوا عن مسارهم الطبيعي، وغالبًا ما تركوا المدرسة نتيجة تكرار الإخفاقات وانجذبوا إلى الشوارع وأوهام الحياة السهلة.

السجون مختبرات تصنيع الهوية الإسلاموية

تبدأ العملية بالتفاصيل: من رفض أكل لحم الخنزير وطلب وجبة حلال، وطلب مساحة للصلاة؛ فحقيقة كون المرء مسلمًا يفرض هوية تعارض كل شيء آخر، وتذكّر بالاستعمار وجراحه، وأن كل شيء مهيأ للتحضير للقتال.

في بداية الثمانينيات، أصبح السجن مختبرًا لتصنيع الهوية الإسلاموية التي تدّعي الاعتراف بالثقافة التي أعادها الآباء من بلدانهم والتي ستتعرض للتلوث ببذور قتال مُعد وقائم في مكان آخر، بعيدًا عن فرنسا، وبعيدًا عن أوروبا، حيث ينتقل علم الإسلام من اللون الأخضر إلى الأسود، وينطلق من دين التوحيد الذي استمد جزءًا من قيمه من اليهودية ومن الكاثوليكية وطور أيديولوجية الإرهاب والموت.

صحيح أن أول ضحايا الإسلام الراديكالي، ضحايا تنظيم القاعدة ثم داعش، هم من المسلمين. ووقعت هجمات مميتة بشكل خاص في مكة ومصر وباكستان والمغرب العربي؛ ما أسفر عن مقتل مئات الأبرياء، وضرب هذا الإرهاب بعد ذلك وفي وقت واحد بقية العالم، دائمًا بالعلم الأسود حيث كُتب اسم الله والنبي محمد باللون الأبيض.

غريزة الموت تحل محل غريزة الحياة

من هنا، عادةً ما يتم الخلط بين الإسلام كدين والإرهاب، وسيبحث البعض في القرآن عن آيات تبرر هذه الفظائع، وسيتذكر آخرون كم كان الإسلام ضحية لقراءة خاطئة، وكم اختُطف وجرى وضعه في خدمة قضية تقوم على العنصرية والقتل. هؤلاء الناس، أعني أنصار أيديولوجية الموت هذه، لم “ينفصلوا” عن فرنسا لأنهم لم يرتبطوا أبدًا بمصيرها. وفي وقت مبكر جدًا، على الرغم من أنهم ولدوا على الأراضي الفرنسية، تركوا فرنسا وقيمها ذهنيًّا. إنهم ليسوا متمردين على بلد ومجتمع ينتمون إليه.. وطنهم ومجتمعهم ومصيرهم قيل لهم إنه في مكان آخر، في الجنة التي وعد بها الله.. في محاربة الكفار (وكذلك المسلمين السيئين واليهود والنصارى).. في غريزة الموت التي حلت محل غريزة الحياة.. وفي الكراهية والانتقام بلا تمييز.

الإسلامويون لا يهتمون كثيرا بخطاب رئيس يسعى إلى تهدئة التوترات في أعقاب الأعمال الإرهابية التي جلبت الحداد إلى فرنسا عدة مرات. إن الإسلاموي الراديكالي، المقتنع بالدور الذي يجب أن يقوم به، لا يستمع إلى خطابات السياسيين؛ فهو يتخذ لنفسه مهمة نشر الإسلام ثم الهجوم لمعاقبة الكفار، أما قيم الجمهورية فلا يبالي بها! فقط قيم محاربة العلمانية، والخلط بينها وبين الإلحاد فقط هو ما يهمه. لقد تم تدريبه بهذا الشكل، ومن هنا جاء التعصب شبه الطبيعي الذي نراه في النصوص الدعائية في مقاطع الفيديو القتالية.

استراتيجية حرب

تتعرض فرنسا وأوروبا لهجمات الإرهاب الذي لن يتوقف من تلقاء نفسه. ولمحاربته، يجب أن تكون هناك استراتيجية حرب يشارك فيها مسلمو فرنسا، وأولئك الذين هم أيضًا ضحايا محتملون للإسلاموية، بالإضافة إلى قادة الدول التي أتي منها آباء جيل مجنّدي داعش.

ودون مساعدة والتزام حكام المغرب العربي، لن يتم القضاء على الإسلام الراديكالي؛ فالديمقراطية لا تمتلك أسلحة لهذا الغرض؛ بل على العكس من ذلك، تفيد الديمقراطية القتلة الذين يحاكمون اليوم في المحاكم وتفترض بأنهم جميعًا أبرياء.. إنه شرف الديمقراطية، لكن القتلة لا يهتمون بهذا النوع من القيم.


للاطلاع على الموضوع الأصلى .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا