نيويورك تايمز| هل ستصبح فيتنام “المعجزة الآسيوية” القادمة؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في غضون أيام من إعلان الصين عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا، كانت فيتنام قد حشدت جميع الإمكانيات لوقف انتشار الفيروس، وذلك باستخدام الرسائل النصية الجماعية والإعلانات التلفزيونية واللوحات الإعلانية والملصقات ومكبرات الصوت، كما أن الحكومة حثت مواطنيها البالغ عددهم 100 مليون نسمة على الإبلاغ عن حاملي الفيروس وتتبع المخالطين ومخالطي المخالطين. وقد أدى العزل السريع لتفشي المرض إلى إبقاء فيتنام من بين أدنى أربع دول في العالم بالنسبة لمعدل الوفيات، الذي كان أقل بكثير من حالة وفاة واحدة لكل مليون شخص.

وقد سمح سرعة احتواء فيتنام للوباء، بإعادة فتح الأعمال بسرعة، ومن المتوقع أن يكون اقتصادها الآن الأسرع نموًا في العالم هذا العام. وبينما تعاني العديد من الدول من انكماشات اقتصادية هائلة دفعها إلى صندوق النقد الدولي طلبًا للإنقاذ المالي، فإن فيتنام تنمو بمعدل 3% سنويًّا. والأكثر إثارة للإعجاب أن نموها مدفوع بفائض تجاري قياسي، رغم انهيار التجارة العالمية.

ولقد تأخرت فيتنام في لحظة الانطلاق هذه طويلاً. فبعد الحرب العالمية الثانية، شقت “المعجزات الآسيوية”– اليابان أولاً، ثم تايوان وكوريا الجنوبية، وأخيرًا الصين– طريقها للخروج من الفقر عبر الانفتاح على التجارة والاستثمار، وتحولت إلى مراكز قوى صناعية مُصدِّرَة.

والآن، تسلك فيتنام نفس المسار، لكن في عصر جديد تمامًا. لقد تلاشت الظروف التي جعلت المعجزات الأصلية ممكنة. حيث انتهت فترة طفرة المواليد ما بعد الحرب، وولَّى عصر العولمة السريعة، مع تزايد تدفقات التجارة والاستثمار، وتباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. وفي ظل هذه البيئة، لم تعد القوى العظمى تتجاهل التكتيكات التي استخدمتها المعجزات السابقة لتحصل على الأفضلية.

ولكن، في الأسبوع الماضي، اتهمت الولايات المتحدة فيتنام رسميًّا بالتلاعب في العملة، وبدأت نفس النوع من التحقيق الذي أشعل فتيل حرب الرسوم الجمركية مع الصين.

إن التهديد الأكبر الذي يهدد النمو المستمر في فيتنام هو أن البلاد كان يحكمها نفس الحزب الاستبدادي لما يقرب من نصف قرن. وفي ظل عدم وجود معارضة، يمكن للحكام المستبدين أن يفرضوا نموًا سريعًا للغاية، ولكن غالبًا ما ينتج عن نزواتهم وهواجسهم السياسية غير المنضبطة دورات ازدهار وكساد، ما يؤدي إلى عرقلة التنمية. وهذه العقبات تجعل ما حققته الأوتوقراطية ذات الكفاءة غير العادية في فيتنام حتى الآن أكثر إثارة للإعجاب، ولكن أيضًا أكثر صعوبة في المحافظة عليها.

خلال سنوات ازدهارها، أنتجت المعجزات الآسيوية الأصلية نموًا سنويًّا للصادرات يقارب 20%، وهو ما يقرب من ضعف المتوسط للدول منخفضة أو متوسطة الدخل في ذلك الوقت. حافظت فيتنام على وتيرة مماثلة لمدة ثلاثة عقود. وحتى مع تراجع التجارة العالمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نمت صادرات فيتنام بنسبة 16% سنويًّا، وهو أسرع معدل في العالم على الإطلاق، وثلاثة أضعاف متوسط العالم الصاعد.

بينما تنفق الدول الصاعدة الأخرى بشكل كبير على الرعاية الاجتماعية في محاولة لإرضاء الناخبين، تخصص فيتنام مواردها لصادراتها، وبناء الطرق والموانئ لنقل البضائع إلى الخارج وبناء المدارس لتثقيف العمال، إذ تستثمر الحكومة حوالي 8٪ من إجمالي الناتج المحلي. وفي كل عام تستثمر في مشاريع البناء الجديدة، وتحصل الآن على تقييمات عالية لجودة بنيتها التحتية مقارنة بأي دولة في مرحلة مماثلة من التطور.

كما أنها توجه الاستثمار الأجنبي في نفس الاتجاه، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، بلغ متوسط ​​الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام، وهو أعلى معدل في أي دولة صاعدة. ويذهب معظمها إلى بناء المصانع والبنية التحتية المتعلقة بالإنتاج، ويأتي معظمها الآن من الدول الآسيوية الشقيقة، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان والصين، حيث تساعد المعجزات القديمة في بناء المعجزات الجديدة.

لقد أصبحت فيتنام وجهة مفضلة لمصنعي التصدير، تاركة الصين تبحث عن أجور أرخص. وتضاعف متوسط ​​دخل الفرد السنوي في فيتنام خمس مرات منذ أواخر الثمانينيات إلى ما يقرب من 3000 دولار للفرد، ولكن تكلفة العمالة لا تزال نصف مثيلتها في الصين، والقوى العاملة متعلمة جيدًا بشكل غير عادي بالنسبة لفئة الدخل لديها. وتساعد هذه العمالة الماهرة فيتنام على صعود “درجات السلم”، ربما أسرع من أي منافس، لتصنيع سلع معقدة بشكل متزايد. وقد تجاوزت صناعة التكنولوجيا صناعات الملابس والمنسوجات، التي كانت هي الصادرات الرائدة لفيتنام في عام 2015، ومثلت معظم الفائض التجاري القياسي لهذا العام.

وفي الحقبة الحمائية، عُدَّت فيتنام أيضًا بطلًا شيوعيًّا متجهًا نحو الحدود المفتوحة، وموقعًا على أكثر من اثني عشر اتفاقية للتجارة الحرة، بما في ذلك اتفاقية تاريخية تم توقيعها مؤخرًا مع الاتحاد الأوروبي.

فهل تستطيع فيتنام أن تواصل نجاحها، على الرغم من العقبات المحتملة مثل تقلص عدد السكان، وتراجع التجارة، وقبضة الحكومة المستبدة الشديدة على السلطة؟ من المحتمل ذلك. وفي حين أن النمو السكاني في سن العمل يتباطأ، فلا يزال معظم الفيتناميين يعيشون في الريف، ولذلك يمكن للاقتصاد أن يستمر في النمو عن طريق تحويل العمال من المناطق الريفية إلى العمل في المصانع الحضرية. ومع ذلك فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لم تُزِذْ أي دولة كبرى حصتها من الصادرات العالمية أكثر من فيتنام.

وحتى الآن، لم ترتكب حكومتها هذا النوع من الأخطاء السياسية الفادحة التي عادة ما تؤخر التنمية الاقتصادية في الدول المستبدة. إنها تجعل الرأسمالية الأوتوقراطية تعمل بشكل جيد، وذك من خلال السياسات الاقتصادية المفتوحة والإدارة المالية السليمة.

وقد كانت الحكومات المستبدة تدير الغالبية العظمى من اقتصادات ما بعد الحرب التي نمت بسرعة فائقة، أو انهارت، بينما حافظت فيتنام على نمو قوي حتى الآن، خالية من السقطات القديمة، مثل العجز الحكومي الكبير أو الديون العامة.

ومن الجدير بالذكر أن الديون المتزايدة أدت أيضًا إلى أزمات مالية كانت بمثابة نهاية النمو المستدام في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وهي الآن تقهر الصين أيضًا. لذلك فهناك مخاطر على أي مسار تنموي. ولكن في الوقت الحالي، تبدو فيتنام وكأنها معجزة آتية من حقبة ماضية، تُصدِّر طريقها نحو الازدهار.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا