مركز تحليل السياسات الأوروبية | اختبار أوروبا في شرق المتوسط

آية سيد

ترجمة – آية سيد

تخلق التوترات المستمرة في شرق المتوسط اختبارًا حاسمًا لصُنّاع السياسة الأوروبيين. لقد أظهرت ردود الأفعال الأخيرة على التصرفات التركية انقسامات مُقلقة، بينما يواصل الاتحاد الأوروبي المكافحة من أجل صياغة سياسة خارجية موحدة. إن عواقب التراخي المستمر قد تكون وخيمة، على الاتحاد نفسه وعلى استقرار محيطه الخارجي. هل ستدافع الدول الأوروبية الكبيرة عن سيادة القانون والحقوق السيادية لشركائها الأصغر، أم سترضخ للضغط الاقتصادي والدبلوماسي الذي تمارسه تركيا؟

تستمر قائمة المشاكل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في التوسع. في أواخر العام الماضي، وقّعت تركيا وحكومة ليبيا اتفاقية لتعيين الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية والتي تجاهلت المياه الإقليمية للجزر اليونانية. أمضت سفينة التنقيب عروج ريس – التي سُميت باسم القرصان وتاجر الرقيق العثماني الشهير – معظم الصيف في المياه المتنازع عليها بالقرب من قبرص واليونان. ونفّذت تركيا تدريبًا بحريًّا بالذخيرة الحية في سبتمبر، في حين تنتهك الطائرات الحربية التركية المجال الجوي اليوناني بانتظام وتشتبك في معارك جوية وهمية مع القوات الجوية اليونانية، وتصادمت السفن البحرية اليونانية والتركية في منتصف أغسطس.  

وقد تولى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زمام المبادرة في إدانة السلوك التركي. وفي سبتمبر، صرّح بأن تركيا “لم تعد شريكًا في منطقة المتوسط” ودعا لسياسة أوروبية أكثر ترابطًا. إلى ذلك، تظل العلاقات بين فرنسا وتركيا متوترة، حيث يشتبك الجانبان حول اشتعال القتال في ناجورنو قره باغ، إذ اتهم ماكرون الحكومة التركية بإرسال مرتزقة سوريين من أجل الانضمام لحملة أذربيجان.

وفي بداية هذا الأسبوع، أعلنت الصحافة التركية إجراء المزيد من المسح الجيولوجي حول كريت، وسيتم تنفيذ تدريبات بحرية أخرى بالذخيرة الحية في أواخر أكتوبر في قلب بحر أيجة لتتزامن مع العيد الوطني اليوناني الذي يحيي ذكرى مقاومة اليونان لإيطاليا الفاشية، هذه الاستفزازات لا ينبغي أن تكون مفاجأة، حيث حذّر الرئيس أردوغان صراحةً الاتحاد الأوروبي من أن تركيا ستواصل متابعة حقوقها المتصورة في الهيدروكربونات بالتسويات الدبلوماسية مع اليونان وقبرص لقضية المناطق الاقتصادية الخالصة أو من دونها.

وخلال هذه الأوقات العصيبة، أعادت اليونان وقبرص التأكيد على علاقاتهما العابرة للأطلسي، في محاولة لإقحامهما في الفجوات المتنامية بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب عدد من القضايا. كانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأخيرة لنيقوسيا ورحلته اللاحقة لخليج سودا، كريت، ترمز إلى هذه العلاقات الجيدة ورغبة الولايات المتحدة في العمل من أجل استقرار المنطقة. غير أن هذه التدخلات، في حد ذاتها، لن تكون كافية لإنهاء المواجهة، لا سيما في ظل انعقاد الانتخابات الأمريكية بعد أقل من شهر.

إن المسئولية الأكبر عن حفظ السلام في شرق المتوسط وحماية حقوق أعضائه تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، لكن رده كان مترددًا. لقد فشلت أكبر قوتين في الاتحاد، وهما فرنسا وألمانيا، في تنسيق رد، وقوبل خطاب ماكرون الصريح بالتردد الألماني في اتخاذ نهج قوي، حيث تضغط المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أجل حل الصراع عبر دعوات شاملة لمزيد من الحوار، وربما يكون حذرها مرتبطًا بشكلٍ رئيسٍ بمخاوف من إفساد صفقة اللاجئين التي وقّعتها مع أردوغان عام 2016.

ويُعدّ هذا المأزق على مستوى الاتحاد الأوروبي مصدرًا للإحباط، حيث جدد رئيس قبرص، أناستاسيادس، دعواته مؤخرًا إلى المجلس الأوروبي “لاتخاذ موقف أكثر تماسكًا وفاعلية”. وبالنسبة إلى الكثير من اليونانيين والقبرصيين، توترت العلاقات مع بروكسل خلال أزماتهم المالية في 2009-2018 و2012-2013 عندما خضعوا لإجراءات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي. وخرجت قطاعات كبيرة من الشعبين اليوناني والقبرصي من هذه الأزمة متشككة في قيمة عضوية الاتحاد الأوروبي والمشروع الأوسع، وتعزّز هذه الأزمة من قبضة المتشككين في الاتحاد الأوروبي في كلا المجتمعين.

إن عواقب التراخي تدفع المنافسين أيضًا إلى ارتكاب المزيد من الأذى، وسوف تتطلع روسيا والصين إلى استغلال الثغرات في الاتحاد الأوروبي والناتو، وربما تكون قبرص واليونان مستجيبتين لهذه المبادرات، وقد تتطلعان إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية مع قوى كبرى أخرى. وإذا كانت تركيا استطاعت شراء صواريخ إس-400 من روسيا بالرغم من معارضة الناتو، فما العائد الذي قد تتفاوض عليه اليونان من خلال التهديد بعلاقة أوثق مع روسيا؟ وفي ظل غياب الاتحاد الأوروبي.. هل تستطيع اليونان وقبرص رفع الاستثمار الصيني أكثر، مرسخةً النفوذ السياسي الصيني أكثر؟ والإجابة أنه لا واحدة من هذه النتائج محتومة، غير أن الأوروبيين أصحاب الفكر الاستراتيجي لا ينبغي أن يكونوا متهاونين.

إن الأزمة في شرق المتوسط لا تهدد الأمن الإقليمي فقط، بل تختبر أيضًا استعداد الاتحاد الأوروبي للدفاع عن القيم التي يدعي الاعتزاز بها. ومن أجل الحفاظ على شرعيته، يجب أن يتصرف الاتحاد الأوروبي بشكل مترابط وحاسم.. يحتاج صُناع السياسة الأوروبيون لتذكر أن الدبلوماسية ليست مجرد حوار مفتوح، وهذا النزاع ليس مجرد مشاحنات إقليمية ضيقة الأفق، لكنه معركة حول كيف ستلعب سيادة القانون دورًا في جوار أوروبا في السنوات المقبلة.. هذا ليس وقتًا للمراوغة.. إن القيم الحقيقة على المحك.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا