The Strategist | العقوبات والمقاطعات هي أسلحة الحرب المفضلة بين واشنطن وبكين

آية سيد

ترجمة – آية سيد

في الوقت الذي تُشدّد فيه الصين حملتها القسرية ضد أستراليا وتستهدف صناعة الفحم، قاد سفيرها في الأمم المتحدة، تشانج جيون، الأسبوع الماضي احتجاجًا من 26 دولة ضد الإكراه الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة.

لقد أخبر لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: “نحن نشهد استمرار تطبيق إجراءات قسرية أحادية، والتي تتناقض مع هدف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتعددية الأطراف والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية”. لقد تحدث نيابة عن مجموعة من الدول تضم الأهداف الرئيسية للعقوبات الأمريكية: كوريا الشمالية، وكوبا، وفنزويلا، وإيران، وفلسطين، وروسيا، وسوريا وزيمبابوي.

ووجّه تشانج الانتباه إلى إدانة حركة عدم الانحياز للإجراءات القسرية الأحادية وحث على إلغاء تلك الإجراءات دعمًا لفاعلية التدابير الوطنية لمواجهة جائحة كوفيد-19.

إن التناقض الذي يحمله شجب الإكراه الاقتصادي الأمريكي مع ممارسة نفس الإكراه يعكس رفض الصين المستمر للاعتراف بأنها تستخدم قوتها الاقتصادية على الدول من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وحتى عندما أطلقت حملة منسقة ضد كوريا الجنوبية بسبب قرارها في 2017 باستضافة منظومة أمريكية مضادة للصواريخ، صرّحت الصين أمام منظمة التجارة العالمية أنها لم تفعل شيئًا. الحملة، التي شملت حظرًا على المجموعات السياحية، ومقاطعة لشركة هيونداي والإغلاق الجبري لـ70% من متاجر لوت الكورية في الصين، هدأت في النهاية بعد أن تفاوضت كوريا الجنوبية على اتفاق عسكري لـ”تطبيع” العلاقات.

وكما هو موضح في تقرير “الإكراه الاقتصادي: العقوبات والمقاطعات – أسلحة الحرب المفضلة”، الصادر عن معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، كثّفت كل من الولايات المتحدة والصين استخدامهما للإكراه الاقتصادي على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ويمتلك الطرفان طرقًا مختلفة جذريًّا. إن الهيكل الأمريكي للعقوبات الاقتصادية رسمي بدرجة كبيرة، حيث يحتفظ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، بقوائم للمنظمات والأفراد الخاضعين للعقوبات والتي تصل إلى آلاف الصفحات وتفرض جزاءات مخيفة على المخالفات. 

بينما نظام الصين غير رسمي، حيث يعتمد على المقاطعات والتدخلات التنظيمية لمنع الوصول إلى السوق الصينية الضخمة. هذه الممارسات لها تاريخ طويل. لقد تم إجراء أول دراسة أكاديمية عن الإكراه الصيني في عام 1930، حيث تتبعت المقاطعات المتلاحقة للمنتجات القادمة من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة واليابان على مدار الـ25 عامًا السابقة.

وعن طريق إنكار أن تصرفاتها منسقة على المستوى الرسمي، تهرب الصين من المساءلة وتشجع الآخرين على تخمين رغباتها من أجل تجنب أن يصبحوا هدفًا لقصاصها.

ومنذ أن أغضبت الحكومة الأسترالية الحكومة الصينية في أبريل من هذا العام عندما دعت إلى إجراء تحقيق مستقل عن منظمة الصحة العالمية في منشأ أزمة كوفيد-19، فُرضت رسوم جمركية باهظة على صادرات الشعير الأسترالية، وجرى تعليق واردات اللحم البقري القادمة من عدد من أكبر الشركات الأسترالية بسبب مخالفات صحية مزعومة، وحذرت الإرشادات الحكومية الصينية الطلاب والسائحين من السفر إلى أستراليا لأسباب تتعلق بالسلامة. تقول التقارير الخاصة بصناعة الفحم إن الأمر صدر الأسبوع الماضي لمصانع الصلب والموانئ بوقف مشتريات الفحم الأسترالي.

وفي حين أنه من المستبعد أن تصبح أستراليا هدفًا للعقوبات الأمريكية، تواجه الشركات الأسترالية خطر تكبد الأضرار الجانبية. وتؤكد الولايات المتحدة على القوة خارج أراضيها من خلال العقوبات، حيث تقول إما أن يتعامل الشخص مع الكيان الخاضع للعقوبات أو مع الولايات المتحدة، لكن ليس الاثنين.

على سبيل المثال، إذا باعت شركة أسترالية دون قصد بضائع إلى إيران، قد تواجه الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة وخطر فرض غرامات كبيرة وحظر على التعامل بالدولار الأمريكي. كانت أكبر غرامة على مخالفة العقوبات الأمريكية 8.8 مليارات دولار والتي فُرضت على أكبر بنك فرنسي، وهو بي إن بي باريبا، في 2014.

لقد رأت إدارة ترامب الإكراه الاقتصادي بديلًا أرخص للتدخل العسكري. قبل انتخابات 2016، صرّح دونالد ترامب بأن “الحرب والعدوان لن يكونا أول ما يخطر ببالي”. وقال: “النفوذ المالي والعقوبات قد يكونان مقنعين جدًا – لكننا نحتاج لاستخدامهما بطريقة انتقائية وبثبات تام”. وضاعف ترامب المعدل الذي تُفرض به العقوبات، بينما ارتفع أيضًا مستوى الجزاءات.

لقد اتسع أيضًا نطاق الدول المتأثرة بالعقوبات الأمريكية، كما فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على أوروبا، حيث منعت أي شركة تشارك في خط أنابيب الغاز من روسيا إلى ألمانيا من القيام بأي عمليات في الولايات المتحدة.

وضاهى استخدام الصين المتزايد للإكراه الاقتصادي قوتها الاقتصادية المتنامية، حيث كان ذلك جليًّا هذا العام على نحو خاص، حين تعاملت الصين مع المحاولات عبر توزيع المسئولية عن جائحة كوفيد-19 ومع المخاوف الأمنية الناشئة في الكثير من الدول بشأن مخاطر الاستثمار الصيني، وجرى التهديد بالمقاطعات والإجراءات التجارية الأخرى، وتطبيقها في بعض الحالات، ضد المملكة المتحدة، وألمانيا، وكندا، وهولندا، والتشيك، والسويد وأستراليا.

وقد تصاعد الإكراه الاقتصادي في الوقت الذي أصبح الدعم المؤسسي للتجارة الدولية أكثر ضعفًا، حيث فقدت منظمة التجارة العالمية قدرتها على الفصل في النزاعات، كما أن هيئة استئنافها لم تعد تمتلك النصاب القانوني من القضاة بعد أن عارضت الولايات المتحدة جميع التعيينات، فيما تفرض الدول الرسوم الجمركية والحصص التجارية وجزاءات لمكافحة الإغراق بمعدل أكبر بكثير، غالبًا خارج إطار المبادئ التوجيهية لمنظمة التجارة العالمية. وفي وجه الحواجز التجارية المرتفعة، توقفت مجموعة العشرين عن دعوة أعضائها لمقاومة الحمائية.

ولا شك في النهاية أن تلك بيئة تجارية عالمية تجعل استخدام التجارة كسلاح سهلًا للدول، ولكونها دولة صغيرة نسبيًّا، فإن مصلحة أستراليا تكمن في الحفاظ على بيئة تجارية عالمية تحت حكم منظمة التجارة العالمية، ولسوف تصبح في النهاية خاسرًا في عالم حيث العلاقات التجارية تحكمها ممارسة القوة الاقتصادية.

وفي حين أن أستراليا تحتاج لإظهار العزم في وجه الإكراه الصيني، ينبغي أيضًا أن تكافح لوقف وإبطال تآكل مؤسسات التجارة العالمية، عن طريق العمل مع الحلفاء والشركاء الإقليميين على الإصلاح.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا