ذا هيل| السياسة الأمريكية يجب أن تتواكب مع القضايا العابرة للحدود

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

ستفتح الانتخابات الأمريكية، المزمع عقدها في نوفمبر المقبل، آفاقًا جديدة للتفكير في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع بقية دول العالم، بغض النظر عمن سيفوز برئاسة البيت الأبيض. وهناك بالفعل نقاش قوي حول الدبلوماسية والدفاع، وهما قضيتان مرتبطتان بالشئون الخارجية، ولكن ماذا عن القضية الثالثة: التنمية؟

مبدئيًّا، ربما يجب استبعاد كلمة “التنمية”، واستبدالها بكلمة أخرى توضح بشكل أفضل مدى تطور العالم.

ففي فترة الستينيات، بدا من المعقول وضع مسار خطي للأمام نحو وجهة “نهائية” محددة مسبقًا، حيث تنتقل كل دولة على حدة من حالة “غير مطورة” إلى “متقدمة” كجزء من عملية مرحلية، وتعكس إلى حد كبير نفس المسار الذي تتبعه دول أوروبية مختلفة خلال القرن الماضي.

ويبدو هذا النموذج الآن أقل إقناعًا أو صلة بالموضوع، على الرغم من حقيقة أن المؤسسة الأمريكية الرئيسية المشاركة في هذا العمل لا تزال تسمى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).

من الناحية الواقعية، فإن الدول التي كانت تبدو يومًا ما “أقل تطورًا” لديها الآن عدد متزايد من السكان من الطبقة المتوسطة، والتي، في بعض الحالات، تكون كبيرة ومزدهرة مثل أي دولة موجودة في أوروبا أو أمريكا الشمالية. وعلى العكس من ذلك، فإن المؤشرات الصحية في بعض أجزاء الولايات المتحدة تقارن بشكل غير مواتٍ مع تلك التي جرى الإبلاغ عنها في دولٍ تعدّ أقل تطورًا بكثير.

وفي إطار هذا الوضع، ربما تفكر الإدارة الأمريكية القادمة أولًا في تغيير اسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو إصلاحها أو حتى إعادة تشكيلها، أو تشكيل منظمة جديدة أو مختلفة جذريًّا تعترف صراحة بعالم تغير أيضًا بشكل جذري وتتفاعل معه، وهذا سيتطلب عقلية جديدة واختيار شخصيات بارزة، ولكن قد يكون هذا هو الوقت المناسب لأخذها في الاعتبار.

ربما يكون نفض الغبار عن اسم قديم – وكالة التعاون الدولي (ICA) – منطقيًا كبداية. وبالفعل، فإن كلًا من اليابان وكوريا تستخدمان هذا الإطار، وتفضل كلمة “تعاون” على “تنمية” في تسمية وكالات المساعدة الخاصة بهما. ويمكن نسج أفكار أخرى في عملية تغيير الأسماء، بما في ذلك الحاجة إلى استجابة عالمية إبداعية للصين، وأهمية إضافة وكالة جديدة بشكل دائم إلى مجلس الأمن القومي، تعمل بشكل مباشر على المخاوف العابرة للحدود وتتخذ ما يلزم من إجراءات وفقًا لها.

بالطبع، ليس مصطلح “التنمية” فقط هو الذي يحتاج إلى إعادة النظر؛ إنه أيضًا إطار العمل للمشاركة فيما يسمى بالقضايا “الناعمة”، بما في ذلك تلك التي تتضمن مشاريع وبرامج في مجالات لا يمكن للدبلوماسية والدفاع معالجتها على المستويات المطلوبة. وكما كشفت جائحة كورونا، فإن مثل هذه المشكلات، إذا لم يتم توقعها أو معالجتها في الوقت الفعلي، يمكن أن يكون لها عواقب “وخيمة” للغاية على مستوى العالم.

وعندما ننظر إلى باقي دول العالم، نجد أن صانعي السياسة يستخدمون عادةً عدسة ثنائية، حيث ينظرون إلى المسرح الدولي على أنه مجموع ما يقرب من 200 دولة ذات سيادة تم اقتطاعها ووضعها عليها.

كان إنشاء الأمم المتحدة والوكالات المرتبطة بها بعد الحرب العالمية الثانية بمثابة محاولة تقديم المقاربات المتعددة الأطراف وتعزيزها. ولكن، بشكل عام، تظل الدول الفردية التي تتفاعل مع بعضها البعض هي الوحدة الرئيسية للتحليل ونقطة الاتصال لمعالجة المخاوف العالمية.

وإضافة إلى ذلك، تعمل الوكالات المتعددة الأطراف مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسيف والبنك الدولي دائمًا تقريبًا مع الدول الأخرى بشروط ثنائية بحتة، وتحلل تمويلها وبرامجها على أساس كل دولة على حدة. في الواقع، حتى الوكالات المتعددة الأطراف تجد صعوبة في معالجة المخاوف العابرة للحدود بشكلٍ فعال.

ومع ذلك، وكما يشير منظرو العلاقات الدولية باطراد، فقد أصبح العالم مكانًا أكثر تعقيدًا. ولا تزال الدول الفردية مهمة، إلا أن بعض أكبر قضايا عصرنا الحالي، وعلى نحو متزايد، هي قضايا عابرة للحدود الوطنية وغير مرتبطة بها. ومن هذه القضايا الهجرة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتجارة، والتوسع العمراني، والإرهاب، والأوبئة، والقضايا البيئية التي تبدأ من المياه مرورًا بالهواء النظيف وصولًا إلى الاحتباس الحراري.

إن الأهمية المتناقصة للحدود الوطنية جنبًا إلى جنب مع ازدهار الجهات الفاعلة غير الحكومية – والتي يكون بعضها عنيفًا (مثل المنظمات الإرهابية)، وبعضها قويًّا للغاية (مثل الشركات متعددة الجنسيات) – تؤكد أيضًا على الحاجة إلى الاستجابة لبعض أكبر المخاوف في عصرنا بطريقة أكثر اختلافًا ومباشرةً.

وبعبارة أخرى، يمكن رؤية بعض القضايا بشكل أكثر وضوحًا ومعالجتها بشكل أكثر فاعلية عند النظر إليها من خلال مجموعة من “النظارات ثنائية البؤرة”، يتم تعديلها عند الحاجة لتأخذ في الاعتبار واقع كل من الاهتمامات الداخلية والعابرة للحدود.

وسواء كانت ستحتفظ باسمها الحالي أم لا، فإن “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” هي إحدى المؤسسات التي ستستفيد بالتأكيد من الاعتراف بشكل أكثر وضوحًا بقوة الفكر العابر للحدود، وربما إعادة تنظيم نفسها على أساس خطوط وظيفية، وليست جغرافية. في حين أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – ووزارة الخارجية في هذا الصدد – لديهما مكاتب عالمية راسخة منذ فترة طويلة، وأن مركز الثقل المؤسسي لكلتا المنظمتين لا يزال حيث كان دائمًا، ويوجه بقوة في اتجاه ثنائي.

ونظرًا للتهديدات الوجودية المتزايدة التي تشكلها القضايا العالمية مثل الصحة والبيئة، قد تبدأ إعادة التنظيم الفعالة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بفرضية أن نموذج الدولة الثنائية القائم منذ فترة طويلة يحتاج إلى قلبه رأسًا على عقب، مسترشدًا بالاعتراف بضرورة أن تتمركز المقاربات العابرة للحدود في قلب مهمتها العالمية.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا