ماذا قالت الصحافة الفرنسية عن حادث ذبح مدرس بمنطقة كونفلان في باريس؟

ترجمات رؤية

ترجمة: محمد شما

صدمة في فرنسا بعد اغتيال معلم على يد متطرف إسلاموي مزعوم

استعرضت جريدة “لوتومب” السويسرية المحررة بالفرنسية حالة الصدمة التي يعيشها المجتمع الفرنسي منذ حادث قطع رأس معلم في منطقة كونفلان سانت هونورين بالضواحي الغربية بباريس، بعد أن عرض على طلابه رسومًا كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتسبب الحادث في إثارة حالة من الهلع في فرنسا، التي تتعرض من جديد لهجوم إرهابي إسلاموي، على حد تعبير الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد ثلاثة أسابيع فقط من الهجوم الذي وقع أمام مبنى مجلة شارلي إبدو السابق.

من جانبه توعد ماكرون بملاحقة المتطرفين وقال : “لن يمروا مرور الكرام.. ولن تفوز الظلامية”، داعيًا بلاده إلى “التوحد” بعد اغتيال أستاذ التاريخ والجغرافيا عند خروجه من كلية كونفلان سانت هونورين. وقال مصدر مقرب من التحقيق إن الجاني – الذي صرخ “الله أكبر” قبل أن تُطلق الشرطة النار عليه – لم يتم التعرف عليه رسميًّا بعد، لكن بحسب مصدر قضائي، فإن وثيقة الهوية التي عُثر عليها بحوزته تشير إلى أنه وُلِدَ في موسكو عام 2002.

كما أبدى المحققون اهتمامًا برسالة جرى نشرها على موقع تويتر بواسطة حساب مغلق الآن، تُظهر صورة رأس الضحية وكتب تحتها: “إيمانويل ماكرون زعيم الكفار”.. فهل كان كاتبها الذي أعلن أنه يريد الثأر ممن “تجرأ على الاستخفاف بالنبي محمد” هو المعتدي؟

الرسومات المسيئة في الفصول الدراسية

وبحسب التحقيق الأولي، فقد عرض المعلم على طلابه صورة كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، وبعدها استقبل رودريجو أريناس، الرئيس المشارك للاتحاد الفيدارلي لمجالس آباء الطلاب، بلاغًا يفيد بغضب أحد الآباء بشدة من تصرف المعلم، ووفقًا لأريناس، كان الضحية قد “دعا الطلاب المسلمين لمغادرة الفصل” قبل عرض تلك الرسمة المسيئة.

صدمة مزدوجة

وسادت حالة من الصدمة وعدم الفهم بين الطلاب وأولياء أمورهم الذين التقت بهم وكالة الأنباء الفرنسية في الحي محل الجريمة، والذي كان يتصف بالهدوء وخلا سجّله من حوادث مماثلة. يقول تياغو، طالب في الكلية: “قابلت المعلم يوم الحادث، وجاء إلى صفي للذهاب لرؤية أستاذنا. لقد صدمني الحادث، فأنا أعلم أنني لن أراه مرة أخرى”. وأضاف ألفريدو والد الطالب: “كان لدينا انطباع بأن مثل هذه الحوادث تحدث للآخرين فقط، لكن لا، لقد حدث على أبوابنا، وفي بيتنا”. كما أثار الهجوم أيضًا موجة من السخط في صفوف الطبقة السياسية الفرنسية من جميع الأطياف، ففي الجمعية الوطنية، وقف النواب تخليًدا لذكرى المعلم واستنكارًا للاعتداء المروع الذي راح ضحيته.

ثلاثة أسبايع بعد الهجوم على شارلي إبدو

وعبر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، عبّرت مجلة شارلي إبدو التي قُتل طاقم تحريرها في يناير 2015 بهجوم إرهابي، عن “شعورها بالرعب والثورة”؛ حيث قع هذا الهجوم بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم الذي شنّه باكستاني يبلغ من العمر 25 عامًا أمام مبنى شارلي إيبدو السابق. وكان منفذ هذا الهجوم قد أبلغ المحققين بأنه أقبل على هذا العمل كرد فعل على إعادة نشره المجلة للرسوم الكاريكاتورية المسيئة، والتي سبق ونشرتها مع افتتاح المحاكمة في هجمات يناير 2015.

ومنذ اندلاع موجة الهجمات الجهادية غير المسبوقة في عام 2015 بفرنسا، لقي 259 شخصًا حتى الآن مصرعهم، مع احتساب هذا المعلم، حيث جرى تنفيذ عدة هجمات، منها بالأسلحة البيضاء، لا سيما تلك التي وقعت في مقر شرطة باريس في أكتوبر 2019، أو في منطقة رومان – سور – إيزير في أبريل الماضي.

ردود أفعال السياسيين في فرنسا عقب اغتيال معلم كونفلان

فيما رسم موقع عشرين دقيقة الفرنسي خريطة لردود أفعال الأحزاب السياسية في فرنسا على هذا الحادث. فمن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، علّق سياسيون على الهجوم الذي شهدته ضاحية كونفلانس سانت أونورين. وشهدت الطبقة السياسية ردود أفعال صدرت عن العديد من المسئولين المنتخبين ممن اختاروا تحميل الإرهاب الإسلاموي المسئولية، حتى لو لم يتم إثبات سوى القليل في هذه المرحلة من التحقيق. فمن جانبه غرد برونو ريتايو، زعيم كتلة الجمهوريين بمجلس الشيوخ الفرنسي قائلًا : “لا تكفي الكلمات ولا الشموع ولا الخطب لوصف الغضب الذي أعقب الهجوم؛ فعلينا شن حرب على سم الإسلام الراديكالي، وعلينا حقًّا شن حرب للقضاء عليه نهائيًّا”.

وقال نظيره بالجمعية الوطنية السيد دميان أباد: “لقد وصلنا إلى ذروة البربرية بعد هذا الرجل الذي قطعت رأسه في كونفلان، وأنا أفكر في أقاربه وضباط الشرطة هناك. إن الكفاح ضد الإرهاب الإسلاموي هو كفاح مستمر، ولن نكسب هذه المعركة بالأقوال فقط بل بالأفعال أيضًا”.

انزعاج في رئاسة منطقة إيل دو فرانس

وكرد فعل على الحادث، قالت السيدة فاليري بيكريس رئيسة منطقة إيل دو فرانس: “علمت أنّ مدرسًا قد وقع ضحية اغتيال بربري قام به إسلاموي متطرف. لكن في مواجهة أولئك الذين يريدون تدميرنا، وتدمير حرية التعبير لدى معلمينا، يجب أن نكون بلا هوادة وأن نتوقف عن النظر في الخارج!”. وبالنسبة لإكزافييه بيرتران، رئيس منطقة أوت دو فرانس، فقال: نحن أما “بربرية إسلاموية”، وكتب على تويتر يقول: “الهمجية الإسلاموية هاجمت أحد رموز جمهوريتنا، وهي المدرسة. هؤلاء الإرهابيون يريدون إسكاتنا وإركاعنا.. فلنجعلهم يعرفون أننا لن ننحني، ولن يمنعونا أبدًا من القراءة والكتابة والرسم والتفكير والتعليم”.

رعب التطرف الجهادي

كما تفاعلت أيضًا السيدة أورور بيرجيا، النائبة في كتلة الأغلبية بالجمعية الوطنية عن دائرة إيفيلين، على شبكات التواصل الاجتماعي وكتبت تقول: “هذا الحادث ليس عملًا جنونيًّا؛ فالإرهاب الإسلاموي يقتل، ويجب محاربة الانفصالية الإسلاموية بلا هوادة أو كلل، ويجب تطبيق أقصى عقوبة”. وعلى اليسار، تفاعل عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الاشتراكي الأوروبي رفائيل جلوكسمان على موقع تويتر وكتب: “يعرض مدرس رسمًا كاريكاتوريًّا لتشارلي في الفصل ويقطع رأسه في منتصف الشارع.. إنه الرعب اللامحدود للتعصب الجهادي. إن محاربة الإرهاب والأيديولوجية الأصولية التي تغذّيه هي من شأن الأمة بأسرها بعيدًا عن كل الانقسامات”.

حزب فرنسا الأبية ينددّ بالتعصب الديني

كما علّق أيضًا أعضاء حزب فرنسا الأبية على الهجوم، حيث قال جان لوك ميلنشون زعيم الحزب: “هذه جريمة نكراء! في الواقع، ينصب القاتل نفسه محل الإله الذي يؤمن به ويلوث دينه، ويجعلنا جميعًا نعيش في جحيم بالعيش مع قتلة من شاكلته”. وكتب صديقه المقرب أليكسيس كوربير، النائب عن سين سان دوني، على تويتر: “نحن أمام حالة من الرعب المطلق.. أنا ضد التعصب الديني القاتل؛ فالسلام والوحدة والمؤاخاة والعلمانية والجمهورية للجميع! ودعونا لا ندع كراهية وعنف المهوسيين بدين الله تمزق بلادنا”.

الإسلاموية تشن حربًا علينا

وعلى جانب التجمع الوطني، صرحت مارين لوبان بأن “قطع رأس معلم بسبب عرضه رسوم شارلي إيبدو وصل بنا إلى مستوى لا يطاق من الهمجية. إن الإسلاموية تشن حربًا علينا: ويجب علينا أن نخرجها من بلادنا بالقوة”. كما غرد جيلبرت كولارد النائب في التجمع الوطني قائلًا: “هذا الهجوم يرتبط بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد؛ ولا يجب أن نتنازل عن ملليمتر واحد من كلامنا أو أفعالنا، أو التنازل عن قمع الإرهاب الإسلاموي!”.

اليمين يطالب بالحرب على الإسلاموية بعد حادث كونفلان

أما جريدة “ليبراسيون” فسلّطت الضوء على استغلال تيار اليمين السياسي في فرنسا لهذا الحادث؛ حيث إن اغتيال مدرس التاريخ يعيد إحياء محاكمة العجز التي يقيمها الجمهوريون للرئيس الفرنسي ماكرون، والتي تحكم عليه بأنه ينتهج سياسة سيئة في الأمور السيادية. ويطالب اليمين بالحرب ويدعو ماكرون لإعلانها على الإسلام السياسي عقب الحادث، معتقدًا أن رئيس الدولة تأخر كثيرًا في إطلاقها. لذا يقول فرانسوا إكزافييه بيلامي، النائب الأوروبي بحزب الجمهوريين: “الإسلاموية تشكل إرادة للتدمير، وهي حرب حتى الموت ضد جوهر مبادئنا […] فمتى سنعلن القتال ضدها؟ الحرب! الحرب! الحرب على الإسلاموية! دعونا نتوقف عن لعب دور الحملان في مواجهة الذئاب!”.

وبالنسبة لليمين الفرنسي، تمثل مأساة كونفلان فرصة لإحياء تهمة قديمة يوجهها هذا التيار ضد رئيس الدولة؛ حيث يتهمه بالعجز والإهمال في مكافحة الإسلاموية، وفي ملفات الأمن والهجرة والدفاع عن العلمانية بشكل أعم. وفي السنوات الأخيرة، أتاح الانتظار الطويل لخطاب ماكرون حول هذا الموضوع للجمهوريين الحكم على سياسة رئيس الجمهورية بأنها “غير مريحة”، لكن خطاب الرئيس أتى في 2 أكتوبر الماضي واضطر العديد من اليمينيين لقبوله على مضض، ومنح بعض النقاط إلى رئيس الدولة، بعد أن استهدف “الإسلام المتطرف” بشكل واضح ودقيق.

سم الإسلام الراديكالي

لكن بعد حادث كونفلان، انعدم التساهل النسبي في ردود أفعال الشخصيات الرئيسية في حزب الجمهوريين، حيث يقول جييوم بلتييه، الرجل الثاني في الحزب: “هذا هو الوضع الذي يقودنا إليه جبن أولئك الذين يحكموننا. متى نشن حربًا ضروس ضد سم الاسلام الراديكالي؟”. وبالنسبة لحزب الجمهوريين، يُعدّ هذا الحادث أكبر من مجرد ضربة للسلطة التنفيذية والقضية الوجودية تقريبًا، توضح للرأي المتشكك أن هناك بالفعل فرقًا في الطبيعة بين تيار اليمين والتيار الماكروني، ومن شأن هذا الحادث أن يمكن تيار اليمين من مقاومة ضغط تحالف التجمع الوطني، مستفيدًا من المشاعر التي تثيرها مثل هذه الهجمات.

وفي جانب تيار اليمين، من المفترض أن تؤدي الحادثة إلى زيادة المخاطر الأمنية إلى أن يتم تقديم مشروع قانون “تعزيز العلمانية” نهاية العام، والذي يأتي ترجمة للالتزامات الرئاسية الأخيرة. يقول جيل بلاتريه النائب الفرنسي في حزب الجمهوريين: “هناك حوالي 3400 أجنبي مسجلين على قوائم المتطرفين، نريد طردهم خارج البلاد. ولقد تمكنا من كشف الهوية السلفية لمئات المساجد المشهورة الخاضعة للمراقبة بالتأكيد، لكنها لا تزال مفتوحة حتى الآن ونريد إغلاقها، كما سيتم إطلاق سراح المعتقلين المتطرفين أو من المحتمل أن يكونوا كذلك، ويجب معالجة هذا الأمر، حتى لو كان هذا الأمر يطرح مشاكل دستورية. وأخيرًا، أنا شخصيًّا أؤيد حظر عدد من المذاهب كالسلفية والوهابية؛ لأنها تقيد حرية الفكر، لكنني أعتقد أنه من الضروري تجنب تلوث العقول”.

تشديد التشريعات

لقد قام برلمانيو حزب الجمهوريين قبل الهجوم، بطرح نصين تشريعيين يهدفان إلى تشديد التشريعات. وسينظر مجلس الشيوخ في اقتراح قانون دستوري من شأنه تعديل المادة 1 من القانون الأساسي لمنع أي شخص “من استخدام أصله أو دينه لإعفاء نفسه من القاعدة العامة”، كما أنه سيحظر على الأحزاب السياسية المجتمعية الاستفادة من أي تمويل عام. من جانبهم، قدّم عدد من النواب الجمهوريين إلى البرلمان مشروع قانون يهدف إلى “التخفيف من شروط طرد الأجانب الذين يشكلون تهديدًا خطيرًا على النظام العام”.

ماذا يتبقى من الجمهورية عندما تغتال الانفصالية معلميها؟

وأجرت جريدة “لوبوان” حوارًا صحفيًّا مع السيد إيريك ديلبك، الخبير في الأمن الداخلي ورئيس معهد تأهيل المنتخبين المحليين، الذي رأى أن اغتيال المعلم يكشف عن استراتيجية تأثير الإسلام السياسي، وأن الهجوم الذي حدث يرسم وبكل أسف نموذجًا لآليات عمل التطرف الإسلاموي؛ حيث تعمل الأيديولوجيات المؤيدة للإسلام السياسي باستمرار في النسيج الاجتماعي لخلق بيئة ذهنية مواتية لأكثر الأطروحات أصولية. وبمجرد تحقق ذلك، سينتهي الأمر حتمًا ببعض الأفراد الأكثر تصميمًا ونقصًا وعنفًا، إلى الشروع في العمل المسلح.

وأضاف الخبير أن الاستراتيجية التي يقودها السلفيون، وجماعة الإخوان المسلمين، استندت دائمًا إلى استراتيجية الاستيلاء التدريجي على مناطق معينة من خلال السيطرة على العقول والسلوك؛ الأمر الذي برز في اغتيال أستاذ التاريخ الذي كان يحاول ممارسة مهنته، وهذه هي القراءة المذهلة للتضامن بين “القوة الناعمة” الإسلاموية والجهادية.

وتبدأ الجمهورية في التعرض للخطر عندما يتعرض موظفوها للتهديد بإجراءات قانونية، أو للترهيب الجسدي، بسبب أنهم يستكشفون ويشرحون حرية التعبير، التي تعتبر أساس نظامنا العلماني. إن رغبة الآباء في إفساح المجال للحريات الفردية أمام مصفوفة من الفكر “الديني” تكشف حقيقة الصراع الذي خاضه جميع معارضي الشمولية الإسلاموية.

الدين الصحيح ليس عدو فرنسا

ودعونا نلاحظ أن هذا الخطاب “الديني” يتم استيعابه في إطار استغلال سياسي، وأي روحانية تعيش بهدوء وتزدهر تجلب القوة لفرنسا الجمهورية؛ فالعلمانية تسمح لها بالوجود، وتحترم أولئك الذين لا يسعون إلى التعالي، والدين الأصيل ليس عدو فرنسا، لكن الفاشية هي عدوها الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك، فإن السياق الذي نعيش فيه منذ مارس 2020 يجعل ديناميكية “المعايير المزدوجة” أكثر قسوة، فبينما يتوجب على السكان الفرنسيين الامتثال لقيود متعددة بسبب أزمة كوفيد-19، تعاني بعض المناطق من الانسحاب الصارخ للدولة وقواتها الأمنية.

ولتوضيح الأمر بشكل أكبر، يمكننا أن نرى أن القوانين تنطبق بطريقة متباينة للغاية، وفي هذا الصدد، فإن فكرة حظر التجول ذاتها تطرح مشكلة كبيرة؛ فأساس العقد الاجتماعي هو الذي يتعرض للانهيار: كيف يمكن للفرنسيين ألا يقارنوا القيود القوية التي تثقل كاهل الحريات الفردية الأساسية منذ الحجر الأول في مارس وبين الفوضى التي تسود في مناطق معينة “حساسة”، حيث يتم مهاجمة مراكز الشرطة فيها بقذائف الهاون ويصاب ضباط الشرطة بانتظام؟ لماذا نطلب من الأغلبية بذل الجهود لتحقيق القاعدة الديمقراطية والليبرالية في مجتمعنا، بينما تبدو أقلية من الجانحين أو النشطاء الأيديولوجيين قادرة على القيام بأي شيء؟ هذا الاختلال الكبير في التوازن أشبه بالجلوس على بركان نشط أثناء انتظار الانفجار التالي.

آلات الاستغلال السلفية

في الواقع، نحن نعيش صدمة متزايدة، ففي جميع أنحاء فرنسا، تنتشر جيوب حقيقية وتتراجع الخدمات العامة أكثر كل يوم، حيث يتم وضع “لوائح” جديدة متعلقة بتهريب المخدرات، أو السلفية السياسية، أو النشاط اليساري المتطرف، أو من المجتمعات الأكثر تنوعًا. علاوة على ذلك؛ فقد تنضم بعض هذه المجموعات لتعيش مع بعضها البعض.

ويريد الفرنسيون ببساطة تطبيق القانون في كل مكان؛ الأمر الذي لم يكن متاحًا منذ سنوات عديدة، فالاغتيال الهمجي ألقى الضوء بشكل رهيب على ظاهرة التشرذم الجغرافي، وأظهر استراتيجية التأثير الإسلاموي والقوة الناعمة الشمولية، أي قوة الإسلام السياسي، التي تزرع التربة التي تنبع منها الجهادية.

ولقد اجتزنا عتبة مرحلة جديدة، كشفت الستار عن آلية الاسغلال السلفية التي تقوض المدارس والعديد من الخدمات الرئيسية الأخرى في الفضاء الاجتماعي والسياسي والفكري؛ لذا يجب على مشروع القانون الذي يهدف إلى مكافحة الانفصالية، أن يرقى إلى مستوى التهديد بخنق الجمهورية. فهل حان وقت البداية؟

الانفصالية.. قلق مسلمي فرنسا

وألقت جريدة “لاكروا” المتخصصة في الأديان الضوء على التيارات الإسلامية الرافضة لقانون ماكرون لمحاربة الانفصالية والتيارات الأخرى المؤيدة له. فبعد تقديم إيمانويل ماكرون لخطة مناهضة الانفصالية في أوائل أكتوبر الجاري، تأثرت العديد من المنظمات الإسلامية بالتشخيص الرئاسي للقضية، الذي يربط، وفقًا لهم، ربطًا مباشرًا بين عدم تنظيم الإسلام في فرنسا والانفصالية الإسلاموية المتطرفة. فهل ينبغي أن تكون هيكلة الإسلام في فرنسا هي الرد الرئيسي على “الانفصالية الإسلاموية”؟

وبعد أسبوعين تقريبًا من تقديم ماكرون لخطة مكافحة الانفصالية في 2 أكتوبر، يشهد عدد من المسلمين الفرنسيين، من خلال أصوات منظماتهم وجمعياتهم، على خلافاتهم العميقة مع أسلوب تعاطي الحكومة مع القضية. وشجب المسئولون المسلمون هذا المشروع ووصفوه بأنه “مصيدة تعمل بشكل كامل على الخلط بين الأشياء، على عكس ما يجب فعله إذا كنا نسعى إلى التهدئة”.

تشويه مستمر

ونددت رسالة مفتوحة وقعّها نحو خمسين مسجدًا في منطقة باريس، بالتشويه المستمر لمجتمعاتهم، من خلال استخدام مفاهيم عامة غامضة. ومن بين الموقعين على هذه الرسالة، عددٌ من القادة المعتدلين، وجمعية الإيمان والممارسة المحافظة، وفي أعقاب الخطاب الرئاسي، كانت هذه الجمعية محل مداهمة الشرطة في مسجدها بالدائرة 11 في باريس، وقال مسئولو إنفاذ القانون في وقت لاحق إنه لم يتم العثور على أي خرق للقانون.

وبشكل كبير، يعاني المسلمون من عمليات المكافحة التي أعلن ماكرون عن تعزيزها، والتي تُعد بالنسبة للكثيرين منهم، نتيجة لتشخيص خاطئ من رأس الدولة يقضي بمحاربة الانفصالية الإسلاموية، وسيكون من الضروري أولًا، إقامة إسلام التنوير الذي يتطلب هيكلة الديانة، و”إجازة” الأئمة. هذه الرؤية يرفضها بعض القادة المسلمين، حتى من أولئك الذين يريدون تنظيمًا أفضل لدينهم، وذلك لأنها ستقيم صلة مباشرة بين الإسلام والانفصالية.

لا للشرطة الدينية

ومما لا يثير الدهشة، أن خطاب الرئيس لم يحظ كذلك، لا من حيث الشكل ولا الجوهر، بدعم مروان محمد، المؤسس المثير للجدل للغاية لمنصة المسلمون (Les Musulmans)، والمدير السابق لتجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا. وقال مروان محمد: “لا لسياسة تستهدف المسلمين على وجه التحديد. ولا للشرطة الدينية التي تتحكم في تحديد الإمام الصالح من الطالح. إن مشروع الحكومة يغذّي المشكلة التي تدّعي محاربتها، من خلال فصل المسلمين، واعتبارهم مواطنين غير قادرين على تنظيم أنفسهم”.

من جانبه نشر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الشريك الرئيسي للحكومة في مشروع إصلاح الإسلام في فرنسا، بنشر عمود في جريدة لوموند، اعتبر من خلاله إصلاحات تنظيم الديانة الإسلامية “عاجلة ومفيدة وضرورية لتمكين المؤسسات من تحمل المسئولية التي تقع على عاتقها في مكافحة اعتداءات المتطرفين”. لكن يتعين على هذه الرؤية المنعزلة حشد دعم المسلمين، وإلا فإن هيكلة الإسلام في فرنسا، وبالتالي تحقيق أهداف الحكومة، قد تظل حبرًا على ورق.

ربما يعجبك أيضا