الجارديان | هل ستنجح استراتيجية ألمانيا الفعالة في مواجهة جائحة كورونا مع دخول موجتها الثانية؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

بقلم: كارل لوترباخ، عضو البوندستاغ وأستاذ اقتصاديات الصحة وعلم الأوبئة السريري في جامعة كولونيا.

اجتازت ألمانيا الموجة الأولى من وباء فيروس كورونا بشكل معقول مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية الأخرى، إذ كانت العناية المركزة في البلاد لا تزال تحتفظ بقدرة على التعامل مع الحالات الحرجة، ولم يكن هناك أي مناطق خاصة للعلاج. ولكن عند الضرورة، تتوفر علاجات مثل جهاز أكسجة الأغشية خارج الجسم (ECMO)، ومع ذلك، توفي نحو 9867 شخصًا، وأصيب 367،419 شخصًا، بينما يوجد حاليًا 769 مصابًا بالكورونا في العناية المركزة. وبالنسبة للموجة الثانية، فإن الوضع حتى الآن أفضل نسبيًّا مقارنة بدول أوروبية أخرى. إذًا ما الذي يفسر نجاح ألمانيا النسبي في التعامل مع الموجة الأولى؟ وهل يمكن لها أن تحقق ذلك مرة أخرى في الموجة الثانية؟

أعتقد أننا استفدنا بشكل كبير من ثلاثة عوامل في الموجة الأولى: الأول كان الحظ المطلق، الذي مكَّن ألمانيا من التصرف في وقت مبكر، فمع الصور المزعجة والمأساوية لتفشي المرض في شمال إيطاليا وفي الدول التي كانت تسبقنا بأسابيع قليلة، فقد أصبح السكان الألمان شديدي القلق بحلول الوقت الذي سجلنا فيه أول زيادة كبيرة في حالات الإصابة. وكانت الأجواء مهيأة لانخفاض تنقل السكان بشدة قبل أن نتخذ قرارًا بشأن الإجراءات السياسية الأولية ونعلن عنها. وقد أثبتت تقييمات التنقل باستخدام بيانات الهاتف ذلك بوضوح.

أما العامل الرئيسي الثاني فقد كان القرار المبكر الذي اتخذته الحكومة، بدعم من أعضاء بارزين في البرلمان. فقد كانت استراتيجية الحكومة منذ البداية أن تكون صريحة مع الجمهور من خلال وصف الخطر الذي يشكله هذا الوباء على السكان بعبارات واضحة وصريحة. وبالفعل كانت الخطة تهدف إلى التعامل مع جميع النتائج العلمية بشفافية وإقرار أي شكوك علانية. وهذا يعني أن العلماء لم يشاركوا فقط في المشاورات الحكومية منذ البداية، بل إنهم كانوا أيضًا أحرارًا في تشكيل عملية التواصل. وبشكل عام، أعتقد أن الإبلاغ عن التدابير التي أدخلناها كان أكثر استثنائية من التدابير نفسها. كذلك لم يتم التفكير بجدية في فكرة مناعة القطيع أو عزل المرضى المعرضين لمخاطر عالية. ففي رأيي، هذا أيضًا كان ركيزة مهمة لنجاحنا الهش حتى الآن.

والعامل الثالث هو أنه كانت هناك محاولات من برلين لإشراك الحكومات المحلية، على مستوى الولايات والبلديات، وذلك في جميع الأوقات، بالإضافة إلى محادثات تنسيقية منتظمة مع المعارضة. وقد نتج عن ذلك موقف متفق عليه نشره الجميع بشكل موحد إلى حد ما. حتى أن بعض أحزاب المعارضة كانت مترددة نسبيًا في انتقاد عمل الحكومة، وقد منح البرلمان بعض الحقوق الإضافية المؤقتة، والمهمة في ذات الوقت، للسلطة التنفيذية للإسراع في تبني الإجراءات وتنفيذها قدر الإمكان.

وفي الوقت نفسه، لم تكن الإجراءات التي اعتمدتها ألمانيا على وجه التحديد صارمة مثل التي اتخذتها الدول المجاورة، فلم يكن هناك حظر تجول، ولم يكن هناك إغلاق صارم في أي وقت من الأوقات. صحيح أن المدارس ظلت مغلقة لفترة ربما كانت طويلة جدًا. وظلت الحانات والمطاعم مغلقة في ذروة الإغلاق، لكن أعيد فتحها في أقرب وقت ممكن. كما أُوصي بارتداء الأقنعة في وقت مبكر نسبيًا. نظمت عملية توزيع الاختبارات بحيث يمكن إجراؤها بسرعة وسهولة نسبيًا في مراكز الاختبار، وقد كانت سعة الاختبار عالية وفقًا للمعايير الأوروبية، وأُجري أكثر من مليون اختبار في الأسبوع لعدة أشهر.

فأين ألمانيا الآن؟ من الواضح أننا لن نتمكن من تجنب الموجة الثانية. فقد ارتفع عدد الحالات اليومية الأسبوع الماضي إلى أكثر من 7000 حالة للمرة الأولى، وهو أعلى مستوى منذ بدء الجائحة. فمن المسلم به أن هذه الأرقام لا يمكن مقارنتها بأرقام الربيع؛ لأننا نختبر حوالي ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص اليوم. ومع ذلك، فإن 7000 حالة جديدة هي مؤشر واضح على أننا قد نكون على عتبة فقدان السيطرة. ولذلك فقد التقى رؤساء حكومات الولايات وممثلو المستشارية الفيدرالية والمستشارة ميركل لاتخاذ قرار بشأن إجراءات جديدة.

أولاً: اتُخِذَ قرارٌ بناءً على تحديد الاحتفالات والحفلات الخاصة كمحرك رئيسي للعدوى. لذلك ستقتصر الاجتماعات الخاصة على 10 أشخاص كحد أقصى. كما ستبقى الحانات والمطاعم مفتوحة في البداية، ولكن في المناطق عالية الخطورة ستكون هناك ساعات إغلاق من الساعة 11 مساءً وربما حتى قبل ذلك. لقد قسمنا البلاد إلى مناطق، بها إما أكثر من 35 حالة أو أكثر من 50 حالة في الأسبوع لكل 100 ألف نسمة. وأثبتت هذه الحدود أنها مفيدة للتنبؤ بنجاح تعقب الأشخاص المصابين بالعدوى. والهدف من ذلك هو تقليل عدد المناطق التي تم الإعلان عنها بأنها عالية المخاطر قدر الإمكان.

ما هو المنظور طويل المدى؟ يفترض سكان ألمانيا– إلى حد كبير– أن التطعيم سيكون ممكنًا في المستقبل، إذ إن خطة السياسة تقضي بتلقيح المرضى المعرضين لمخاطر عالية في الربيع، وربما لقطاعات كبيرة من السكان في الخريف.

ويعتمد البلد إلى حد كبير على هذا المنظور. وهذا أيضًا هو منظوري الخاص، بناءً على نتائج البحث حول التطعيم حتى الآن. إذا لم ننجح في التطعيم بنجاح ضد المضاعفات الهائلة للكورونا، فسوف تتغير حياتنا ومجتمعنا بشكل كبير على المدى الطويل. وفي هذه الحالة، يجب أيضًا إعادة النظر في الإجراءات الحالية التي نمارسها في ألمانيا.

ومع ذلك، فإن الرحلة المقبلة ستكون طويلة وصعبة. ومن الناحية الواقعية، فحتى مع زيادة سعة الاختبار والاستخدام المتزايد لاختبار المصل المضاد، ولكن نظرًا للظروف الجوية، لا يمكن توقع أي تحسن كبير في الوضع الحالي حتى مايو 2021. ولا تزال الاستراتيجية الألمانية، في هذه المرحلة على الأقل، تمليها الرغبة لتجنب الزيادة الهائلة لما أسماه أينشتاين بـ (عجائب الدنيا).

لذلك نعود إلى الأساسيات، والتي تتمثل في التواصل الشفاف حول ما نعرفه علميًا، وما لا نعرفه، والأسس التي تقوم عليها قراراتنا السياسية. ويقترن هذا بمبدأ إشراك المواطنين معنا بأقل قدر ممكن من التدخل، والذي يجب اتباعه بعد ذلك. وبهذه الطريقة ندافع عن أنفسنا ضد الانطباع بالتعسف ونقص السياسة القائمة على الأدلة. لأن عدم اليقين والشك ليسا وصمة عار للعلماء أو السياسيين في هذا الوقت، ولكن الأمر المخزي هو الإفراط في الثقة بالنفس أو الاعتزاز بها أو عدم الأمانة تجاه إخواننا من البشر.

للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا