معهد كاتو| هل تشعل تركيا المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

أعلنت أرمينيا وأذربيجان في 20 أكتوبر أن وزيري خارجيتهما سيلتقيان وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” في واشنطن هذا الأسبوع في محاولة لإنهاء أعنف قتال بين البلدين منذ التسعينيات. إنها مهمة جديرة بالاهتمام، ومع هذا فعلى إدارة ترامب أن تتوخى الحذر.

ففي أواخر سبتمبر، اندلعت اشتباكات مسلحة بين القوات الأرمينية والأذربيجانية؛ ما فجّر المرحلة الأخيرة في صراع دام عقودًا بين البلدين للسيطرة على إقليم “ناغورنو كاراباخ”. وهذه المنطقة الأرمينية العرقية هي قانونيًّا جزء من أذربيجان، لكن أرمينيا تتحمل مسئولية ضمان الاستقلال السياسي المعلن ذاتيًّا لهذا الجيب، وتطبق القوات المدعومة من أرمينيا هذه السياسة. وعلى الرغم من اندلاع العنف عدة مرات من قبل، غير أن القتال الحالي جد خطير؛ فقد أعلن كلا البلدين على الفور الأحكام العُرفية، وبدآ التعبئة العسكرية الكاملة. وحتى 19 أكتوبر، لقي أكثر من 1000 شخص حتفهم في هذا الصراع. ورغم أن معظم القتلى حتى الآن هم أفراد عسكريون، إلا أن عشرات المدنيين قُتلوا من كلا الجانبين أيضًا.

من الواضح أن واشنطن تسعى إلى مبادرة دبلوماسية منسقة لتهدئة الوضع الخطير في جنوب القوقاز، إذ يشعر المسئولون الأمريكيون بالقلق من أن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة، ويجتذب قوى خارجية كبرى، وخاصة تركيا وروسيا وإيران. من بين المشاكل الأخرى، أن الصراع الموسع يمكن أن يهدد أمن وسلامة خطوط الأنابيب في أذربيجان التي تنقل النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية.

وربما يؤدي انغماس بومبيو في الوساطة إلى مزيد من المشاكل، إذ يمكن لإحدى تلك القوى الخارجية – أو عدد منها – أن تسيء بسهولة تفسير دور واشنطن على أنه محاولة لتقويض أهدافها ومصالحها المهمة، وهذا التفسير سيجعل الوضع المتقلب بالفعل أسوأ، حيث إنه من المرجّح أن تتبنى روسيا وجهة نظر شديدة التوتر إزاء التدخل الأمريكي. فقد كانت موسكو شديدة النشاط دبلوماسيًّا منذ الأيام الأولى للقتال، حيث تفاوضت مرتين على وقف إطلاق نار هش. وعلى الرغم من هذه الإخفاقات، ربما يفسّر الكرملين أية مبادرة دبلوماسية أمريكية على أنها محاولة لإزاحة النفوذ الروسي في جزء آخر من منطقة نفوذها. إذ لا تساعد العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا على الثقة في أي قضية.

كذلك على واشنطن أن تحذّر حيال رد فعل تركيا. فحتى الآن، كان موقف أنقرة فيما يتعلق بالصراع غير مفيد، بل يحتمل أن يكون تدخلاً شديد الخطورة.

تدخلت تركيا في الصراع بطريقة فجة، معلنة “دعمها الكامل” لأذربيجان، وملقية اللوم الكامل على أرمينيا في اندلاع القتال. ومن جانبه، انتقد “نيكول باشينيان”، رئيس الوزراء الأرميني، تركيا بسبب ما وصفه بـ “سلوكها العدواني”، وطالب الأتراك بالابتعاد عن القضية، غير أن أنقرة لم تتراجع. وفي الواقع، هناك أدلة على أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان نقلت مقاتلين سوريين للانضمام إلى القتال إلى جانب أذربيجان.

ومثل هذا التدخل يثير خطر المواجهة بين أنقرة وموسكو؛ لأن الكرملين يدعم أرمينيا، إن لم يكن يعتبرها محمية كاملة. وفي الوقت نفسه، تشارك تركيا وروسيا بالفعل في حربٍ بالوكالة في ليبيا، حيث تدعمان الحكومات المتنافسة وأرسلتا قوات مرتزقة لدعم القوات الموالية لهما. وفي وضع مماثل في جنوب القوقاز يمكن أن يثير الكثير من التوترات.

إن مجرد احتمال وقوع مواجهة مسلحة بين أحد أعضاء حلف الناتو وروسيا يثير القلق، حيث إن المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي تعتبر الهجوم على أي عضو في الحلف هجومًا على جميع الأعضاء، كما أن وقوع حادث عسكري بين تركيا وروسيا سيتطلب من الولايات المتحدة تحديد الطرف المدان بالعدوان، وإذا بدا أن موسكو هي التي بادرت إلى الاشتباك، فسيكون على واشنطن الالتزام بالدفاع عن تركيا.

ويمكن انتقاد كل من أنقرة وموسكو على سلوكهما في ليبيا، إلا أنه من الواضح أن تركيا هي اللاعب الأكثر اضطرابًا في القوقاز. إذ حث الكرملين باستمرار كلًّا من أرمينيا وأذربيجان على تهدئة القتال، لكن حكومة أردوغان، مصممة على دعم أذربيجان، حتى لو أدى هذا الموقف إلى اندلاع حرب أشرس وأكثر فتكًا.

ولا تزال هناك قوة إقليمية أخرى، وهي إيران، لديها مصلحة كبيرة في استمرار النزاع في “ناغورنو كاراباخ”. ولكن فكرة أن هناك التضامن الإسلامي بين إيران وأذربيجان هي غير صحيحة. ففي الواقع، يبدو أن حكومة الملالي في إيران تميل قليلًا نحو أرمينيا، ويبدو أن المخاوف الإيرانية بشأن الطموحات التركية الإقليمية تفوق أي اعتبارات للتضامن الديني، كما أن ميول طهران هذه ترجع إلى التحالف الروسي الإيراني الفعلي الذي ظهر فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا.

ويعلي القادة الإيرانيون من تقدير مصالح بلادهم، وأن إيران ستلعب دورًا مهمًا في أي مناقشات أو مفاوضات تتعلق بالنزاع في “ناغورنو كاراباخ”. ففي 16 أكتوبر، اقترح وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” إجراء محادثات ثلاثية مع موسكو وأنقرة لمعالجة هذه القضية، وهي خطوة رحّبت بها أرمينيا.

ومع ذلك، ولأسباب واضحة، ستكون طهران متشككة للغاية في أي محاولة أمريكية للتعامل مع الاضطرابات المستمرة، أو أي قضية أخرى في الجوار. ففي أحسن الأحوال، سيكون رد إيران فاترًا تجاه مبادرة واشنطن الدبلوماسية. وفي أسوأ الأحوال، سيحاول القادة الإيرانيون تقويضها.

وبالإضافة إلى توخي الحذر في جهود الوساطة بين الحكومتين الأرمينية والأذرية، تحتاج الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوتين مهمتين؛ إذ يجب على واشنطن أن تؤكد لموسكو أنه ليس لديها مصلحة في محاولة تجاوز مكانة روسيا الرائدة في القوقاز، فقد قامت الولايات المتحدة بالفعل باستفزاز روسيا بلا داعٍ بالتدخل في أوكرانيا وجورجيا ودول أخرى على طول حدودها. ومن هنا يجب الحرص على عدم تكرار هذا الخطأ الفادح في جنوب القوقاز.

وربما الأهم من ذلك، أن إدارة ترامب بحاجة إلى إرسال رسالة صريحة إلى أردوغان مفادها أن الولايات المتحدة ليس لديها نية للتورط في مواجهة مع روسيا أو إيران بسبب نزاع مزمن بين دولة عميلة لتركيا وبين عدوها الإقليمي اللدود، كما أنها ستكون مناسبة جيدة للتأكيد لأنقرة على أن دورها التخريبي في جنوب القوقاز في أعقاب سلوكها المماثل في ليبيا ومناطق أخرى يجعل من الصعب– إن لم يكن من المستحيل– اعتبار تركيا حليفًا في الناتو يتمتع بمكانة جيدة.

وينبغي أن تواصل واشنطن جهودها لتكون وسيطًا محايدًا فعّالًا بين أرمينيا وأذربيجان. ومثل هذا الدور يتوافق مع الدور القيادي البناء للولايات المتحدة في النظام الدولي. ومع ذلك، يجب أن يظل قادة الولايات المتحدة على دراية كاملة بكيفية إساءة فهم الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة لمثل هذه المبادرة. وآخر شيء يجب أن تتمنى إدارة ترامب القيام به هو جعل دور الولايات المتحدة نفسها قضية بارزة ومثيرة للجدل تعيق التسوية السلمية، وتزيد من التوترات الإقليمية الخطيرة؛ بل يجب أن يكون الإبداع الدبلوماسي المقترن بالحذر هو المبدأ التوجيهي لواشنطن.

للاطلاع على الرابط الأصلي من هنا

 

ربما يعجبك أيضا