سبكتاتور البريطانية| لقد حان الوقت لطرد تركيا من حلف الناتو

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

يعترف الجميع بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد أسعد السفن التي تبحر في مياه السياسة العالمية. إن “الديمقراطية غير الليبرالية” التي أعلنها “فيكتور أوربان” تتزايد بشكل متزايد غير متوافقة مع قيم الاتحاد الأوروبي، وقد أعربت بولندا عن استيائها من “نخب بروكسل، التي أعمتها الصوابية السياسية”، وفي مناسبتين، دخلت اليونان في صراع مع المستويات العليا في الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة الديون. ولكن وبينما كان الاتحاد الأوروبي موضوعًا رئيسيًّا يوميًّا لسنوات؛ جرى إهمال وضع الناتو إلى حد كبير، على الرغم من أن أحد أعضائه، وهو تركيا، يهدد بتقويض الحلف بشكل قاتل. ورغم أن علاقات أنقرة مع الغرب تدهورت منذ سنوات، إلا أن هذا التدهور تسارع خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إن رئيس فرنسا “إيمانويل ماكرون” بحاجة إلى “علاج نفسي” بعد محاولاته للتصدي للمتطرفين الإسلاميين في فرنسا.

لقد كان “دونالد ترامب” الزعيم العالمي الوحيد الذي لفت الانتباه إلى قضايا الناتو، لكنه كان يركز أكثر على قضية تحمُّل أمريكا العبء المالي للحلف وعدم الكفاءة العسكرية الألمانية (قواعد الاشتباك السخيفة للجيش، والتي تمنعه ​​إلى حدٍّ كبير من رد نيران العدو). ومع ذلك، فلم يتم التعامل مع العداء التركي المتزايد تجاه الغرب.

لم يكن الأمر هكذا دائمًا. كان انضمام تركيا إلى الناتو في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي جزءًا من استراتيجية سليمة في ذلك الوقت؛ إذ تحد تركيا الدول السوفيتية الجنوبية، جورجيا وأرمينيا، ومنعت الاتحاد السوفيتي من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور، وسمحت عضويتها في حلف الناتو أن تضع الولايات المتحدة صواريخ باليستية على أراضيها– على الرغم من أن هذا انتهى به الأمر إلى أن يصبح أحد العوامل المحفزة لأزمة الصواريخ الكوبية. وحتى بعد تفكيك الصواريخ، ظلت تركيا موطنًا لوجود كبير للقوات الجوية الأمريكية في قاعدة إنجرليك الجوية وواصلت دورها كشوكة في الجناح الجنوبي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.

كانت هناك بالطبع مشاكل مع عضوية تركيا في الناتو قبل نهاية الحرب الباردة؛ إذ شهدت أزمة قبرص عام 1974 دخول تركيا واليونان– وهما عضوان في الناتو– في حرب ضد بعضهما البعض؛ ما أدى إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح منسية إلى حد كبير تابعة للأمم المتحدة تفصل بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من الجزيرة.

ولكن على الرغم من أن تصرفات تركيا في السبعينيات كانت مثيرة للقلق، إلا أنها في ذلك الوقت لم تتواطأ مع القوى المعادية، ولم تسعَ إلى تقويض الغرب بالطريقة التي فعلتها في السنوات الأخيرة. كانت فكرة أن تتخلى إحدى قوى الناتو عن الغرب من أجل الكرملين غير واردة في أثناء الحرب الباردة، ولكن هذا تحقق الآن في شكل صداقة الرئيس بوتين مع أردوغان. لقد أصبحت علاقات أنقرة وثيقة الآن بما يكفي مع موسكو لدرجة أنها اشترت أنظمة مضادة للطائرات روسية الصنع، بل وأجرت عمليات مشتركة مع القوات الروسية في سوريا.

في المقابل، يستمر تدهور العلاقة بين أنقرة والغرب، وكان آخرها الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وفرنسا بشأن تصريحات “إيمانويل ماكرون” فيما يتعلق بتفشي الإسلاموية بشكل متزايد، ودعوة أردوغان للأتراك لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

كما شهد شهر أغسطس أيضًا توترات أكبر بين أنقرة وأثينا، وهذه المرة بسبب المياه المتنازع عليها – والموارد الطبيعية الموجودة أسفلها – في شرق البحر الأبيض المتوسط. وأطلق كلا البلدين مناورات حربية بحرية، لكن الموقف ازداد تعقيدًا عندما أرسلت الدول الأعضاء في الناتو سفنًا حربية للمشاركة في تدريبات البلدين: عملت السفن الفرنسية والإيطالية مع نظيراتها اليونانية، بينما شاركت مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية في تدريب تركيا، وهذه هي الجبهة الموحدة التي لم يكن الناتو يحتاجها.

أما في الشرق الأوسط، فقد شنت تركيا هجمات على الجماعات الكردية المدعومة من الغرب في سوريا، وكذلك أجرت عمليات في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني. ولتكملة جهودها الحربية، نقلت مقاتلين من فصائل المتمردين السوريين (بعضهم متهم بارتكاب جرائم حرب) إلى ليبيا. وهناك تقارير موثوقة تفيد بأنها فعلت الشيء نفسه لدعم أذربيجان في حربها المستمرة ضد أرمينيا.

إذن؛ أشعلت أنقرة نيران الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، والأخيرة حليف وثيق لتركيا (إذ تصف الدولتان نفسيهما بأنهما “شعب واحد ودولتان”)، وقد قدم الرئيس أردوغان كل دعم لباكو في جهودها الحربية. وهذا يتناقض مع بقية المجتمع الدولي الذي دعا– بما في ذلك روسيا حليف أرمينيا– إلى وقف فوري لإطلاق النار. باختصار، لم تعد تركيا تبذل مجهودًا لإخفاء نزعاتها الإسلامية والاستبدادية المتزايدة، بل إنها تعمل بنشاط ضد المصالح الغربية.

لكن لماذا إذن لم يتحرك الناتو ضد عضوه المحارب؟

سيكون الحل الواضح هو طرد تركيا من الحلف، وهي خطوة من شأنها أن تظهر أن الناتو لديه شجاعة في تحقيق قناعاته الخاصة، ولن يتسامح مع الأعضاء الذين أصبحوا فعليًّا قوى معادية. وهذا أفضل من أن ندع تركيا تستقيل بشروطها الخاصة. لكن لا توجد آلية لطرد الدول الأعضاء من الناتو، إذ تنص المادة 13 من المعاهدة التأسيسية للحلف على أن الدولة قد تشير إلى رغبتها في الخروج منه، ولكن لا توجد آلية لطرد دولة مزعجة وبالقوة.

ومما لا شك فيه، أنه في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، لم يكن من المتصور لأي دولة من الدول المؤسسة للناتو أن تظهر إحدى دولها علامات مثل هذه الدرجة من الخيانة في خضم الحرب ضد الشيوعية. ومع ذلك، فقد حان الوقت الآن لتعديل هذا: لقد تغير العالم بشكل جذري منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وتضخم الناتو نفسه بشكل كبير، والأهم من ذلك، فالتهديدات التي تواجه الناتو أكثر تعقيدًا من تلك التي استلزمت إنشاءه، دون الضمانات الأخلاقية للحرب الباردة.

والآن، ربما يستطيع الناتو تغيير وثيقته التأسيسية حتى يتمكن من طرد تركيا؛ فصورة الحلف الحالية ليست سوى صورة ضعف، ليس فقط أمام منافسيه من الروس والصينيين أو لأصدقائها الأتراك المفترضين، ولكن أيضًا لشركائها الخارجيين الذين يسعون للحصول على العضوية. ولكن هناك علامة مشجعة للأعضاء المحتملين بأن الناتو لن يسمح بارتكاب مخالفات في صفوفه، وهذا ينفي فكرة الأمن التي تأسس عليها. وبعبارة أخرى، إذا لم يتمكن الناتو من مواجهة حلفائه، فمن غير المرجح أن يواجه أعداءه بشكل مناسب.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا