الصحافة الألمانية|رعب تركي بسبب شبح الانقلابات..وهل يمكن لأوروبا التعايش مع الإسلام السياسي؟

مترجمو رؤية

فرنسا في مواجهة الإسلاموية

نشر موقع “دويتش فيلله” تقريرًا للكاتبة “باربرا فيسيل”، لفت إلى أحداث المواجهة المحتدمة بين الإسلاموية في فرنسا وبين الحكومة الفرنسية، حيث يُصرّ الرئيس إيمانويل ماكرون على مواجهة التيارات الإسلامية المتشددة، مهما كانت المخاطر، ومهما كانت التبعات التي كلّفت وتكلف فرنسا الكثير حتى هذه اللحظة. فقد لقي أكثر من 270 شخصًا مصرعهم في فرنسا على يد إرهابيين مسلمين منذ الهجوم على مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة، وهذا العدد من الضحايا لم تشهده أي دولة أوروبية، فلماذاتنتشر أيديولوجية العنف في فرنسا بهذه الصورة؟

وقد أظهر رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد غضبه من تصريحات ماكرون، فغردّ على تويتر عقب حادث القتل الأخير الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية قائلاً: “قتل الفرنسيون على مدار تاريخهم ملايين من المسلمين وغيرهم، وللمسلمين الحق في أن يغضبوا ويقتلوا ملايين الفرنسيين ثأرًا لمجازر الماضي، لكن المسلمين لن يصنعوا ذلك لأنهم لا يُطبّقون قانون “العين بالعين”. وأضاف: “بما أنك يا ماكرون تلقي باللوم على كل المسلمين ودينهم وتُحمُّلهم أوزار ما فعله مسلم واحد غاضب، فإن من حق المسلمين معاقبة الفرنسيين كافة جراء صنيع ما فعله أجدادهم”. لكن سرعان ما قام موقع تويتر بحذف التويتة بعد شكوى من الحكومة الفرنسية.

كما ظهرات دعوات الكراهية والعنف تجاه فرنسا خلال الاحتجاجات في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، مثل باكستان ولبنان وإندونيسيا وبنغلاديش؛ وظهرت ملصقات تحمل صورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتطالب بقطع رأسه، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان”: “إن المسافة بين مثل هذه الكراهية والعنف الحقيقي صغيرة جدًّا”.

حرب في الداخل والخارج

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمانين” في مقابلة تليفزيونية أن بلاده في حالة حرب ضد المتطرفين المسلمين في الداخل والخارج، وحذر من المزيد من الهجمات المحتملة. وفي المقابل حشدت الحكومة الفرنسية الآلاف من ضباط وجنود الشرطة الإضافيين من أجل حماية الكنائس والمدارس، لكن هذه الإجراءات لا يمكنها أن توفّر وحدها الشعور بالأمان.

كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد أعلن في نهاية فبراير 2020 عن قيامه بحملة ضد الإسلام السياسي و”الانفصالية الإسلامية”، وانتقد ماكرون الأئمة التابعين للسلفية والإخوان المسلمين الذين ينتقدون الجمهورية الفرنسية، وقال إنه سيمنع مثل هؤلاء الأئمة المدربين في الخارج من العمل في فرنسا. وحتى قبل الهجمات الأخيرة في باريس ونيس، كان ماكرون يخطّط لمواجهة القلق المتزايد للعديد من الفرنسيين بشأن تأثير التطرف الإسلاموي في العديد من الضواحي الفرنسية المحرومة اجتماعيًّا، مثل ضاحية سارسيل (بالفرنسية: Sarcelles)، وهي تابعة لإقليم “فال دواز”، وتبعد عن باريس بضعة كيلومترات.

من جانبه، أشار “فرانسوا بوبوني” العمدة السابق لهذه الضاحية في كتابه (إمارات الجمهورية) إلى خبرته الكبيرة في متابعة المشهد السلفي في الضاحية، حيث وصف في كتابه كيفية سيطرة الإسلامويين على الضواحي، ويصف الاشتراكي السابق كيف تمكنت مجموعة صغيرة تتراوح أعدادها من 100 إلى 200 متطرف أن تُرهب مجتمعًا يضم 60 ألف مواطن، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم، ويضف “بوبوني” بأن السبب في ذلك هو انتشار الراديكالية الإسلاموية في هذه الضواحي.

السلفيون والإخوان

وفي السياق، أجرى معهد البحث الاجتماعي “مونتين” في باريس قبل أربع سنوات دراسة معمقة لحكيم القروي حول ظهور التيارات الراديكالية الإسلاموية في فرنسا، وذكر القروي أن هناك أسبابًا عديدة أدت لظهور هذه التيارات في فرنسا، منها تمويل إحدى الدول الخليجية لهم في جميع أنحاء العالم منذ عقود، ولأن فرنسا بها أكثر من ستة ملايين مسلم – أي حوالي تسعة في المائة وهي النسبة الأكبر للمسلمين في دول الاتحاد الأوروبي- فإن نشر هذا المنهج أتى ثماره في أرضٍ خصبة.

كما تابع “القروي” بأنه بعد موجة الربيع العربي ونجاح الأحزاب السياسية التي لها علاقات بالإخوان المسلمين، كما في تونس، زاد تأثير الإخوان المسلمين الأوروبيين أيضًا، ويشترك جميع أعضاء تنظيم الإخوان العابرة للحدود في الأهداف، لكنهم يختلفون في الأساليب والتطبيق فقط، كذلك الحال بالنسبة للسلفية، التي تُعد الحركة الأكثر ديناميكية في أوروبا، وتعدّ في الوقت نفسه بالنسبة للعديد من المسلمين المرجع الصحيح لفهم وممارسة الشعائر الدينية بطريقة صحيحة؛ فالسلفية، بحسب القروي، تقوم على دراسة النصوص المقدسة وتضع نفسها في مواجهة ما يسمى بـ”الانحطاط الغربي”. ويعمل هؤلاء عن الابتعاد التام عن المجتمع الغربي والعيش، طبقًا للشريعة الإسلامية على حد زعمهم.

وتنقسم السلفية في فرنسا إلى فئتين، الأولى يطلق عليهم التبليغيون، وترفض العنف ولكنها أيضًا تتبنى القطيعة مع المجتمع الفرنسي، بينما يؤمن السلفيون الجهاديون بأنهم في حالة حرب مع المجتمع الفرنسي، لكن الفئتين تؤمنان بوجوب العزلة عن المجتمع الفرنسي. ووفقًا لمسح أجراه معهد مونتين، فإن نسبة 28% من مسلمي فرنسا جرى تصنيفهم على أنهم “انفصاليون وسلطويون”، وهذا ما يسميه ماكرون حرفيًّا “الانفصالية”، أي تشكيل مجتمع موازٍ، وهذه الانفصالية تتعارض مع الحرية والمساواة ومع عدم قابلية الجمهورية للتجزئة وضرورة وحدة الأمة.

هل احتلوا أراضينا؟

ويشرح عالم الاجتماع “برنارد روجير” في مقال له بعنوان: “الأراضي التي تحتلها الإسلاموية”، كيف أصبحت مناطق بأكملها من المدن الفرنسية تحت السيطرة الاجتماعية للإسلامويين، ويرى روجير أن الاهتمام بالمظاهر الدينية هو أحد أسباب صعود السلفية في فرنسا وأوروبا، وأضاف أن السجون هي الأماكن الرئيسية التي تنتشر فيها الأيديولوجية الإسلاموية، وقد أثبتت التحقيقات الخاصة بهجمات 2015 أن عددًا من الإرهابيين الذين شاركوا فيها كانوا قد اعتنقوا الفكر المتطرف في السجون.

ولا يؤمن روجير باستراتيجة الذئاب المنفردة في تنفيذ الهجمات الإرهابية، بل يعتقد أن “النظم البيئية السلفية” توفّر لأمثال هؤلاء الإرهابيين من الشباب أساسًا أيديولوجيًّا وتشجّعهم على ارتكابها، ويحذر عالم الاجتماع أيضًا من هذه الطريقة المنهجية التي يستولي بها السلفيون على عقول الشباب، حيث اشتروا مسجدًا في أحد ضواحي فرنسا، ثم ما لبثوا أن سيطروا على الحي بالكامل مع مرور الوقت.

ويضيف روجير بأن السلفية هي انتشار لعالم جديد من الأفكار الدينية، وأنها أيديولوجية تحاول أن تقدّم لنا خيالًا دينيًّا على أنه حقيقة، وقد استغلوا الحرمان الاجتماعي والجريمة والبطالة في استقطاب المسلمين الفرنسيين وتجنيدهم، بالإضافة إلى النظام البيئي الاجتماعي والديني الذي يلعب الدور الحاسم في هذه القضية.

هل الإجراءات القاسية هي الحل؟

يظهر جانب من الجدل الواسع والمثير للجدل حول أسباب الراديكالية الإسلاموية في فرنسا مدى تنوع هذه الظاهرة، ولطالما أنكرت الأحزاب اليسارية ذلك واعتبرتها ظاهرة اجتماعية بحتة، ورفضت هذا النقاش باعتباره نوعًا من “معاداة الإسلام”.

في حين كان اليمين الفرنسي يحذّر من مخاطر هذه الظاهرة منذ سنوات، لا سيما حزب مارين لوبان (الجبهة الوطنية سابقًا)، ومما يؤكد ذلك أن مُرتكِب حادث مدينة نيس الفرنسية مهاجر غير شرعي، الأمر الذي استغله حزب اليمن ليُبرهنَ على صحة موقفه ويزيد من انتقاد سياسة فرنسا في التعامل مع اللاجئين، ويدعو إلى الحسم في التعامل معهم، لدرجة أن النائب “إريك سيوتي” (من حزب المحافظين) طالب بإقامة “جوانتانامو جديد في فرنسا” لمنع مثل هذه الجرائم الإرهابية في المستقبل.

 ومع ذلك، يدرك ماكرون أنه لا يمكن كسب المعركة ضد الإسلامويين من خلال إجراءات من شأنها أن تزيد من انقسام البلاد، لذلك كان يتبنى نهجًا أكثر مرونة ودقة، غير أنّ الانتخابات المقبلة في ربيع عام 2022، ومحاولة استمالة المحافظين، لعبت دورًا مُهمًّا في تغير نبرة ماكرون في التعامل مع هذه الظاهرة، بالإضافة إلى الأحداث الأخيرة التي وقعت في نيس، ومقتل المدرس صموئيل باتي.. وهي كلها أحداث كفيلة بإثارة الخوف والغضب لدى الفرنسيين قاطبة.

هل يمكن التعايش السلمي مع الإسلام السياسي؟

نشر موقع “تاجس بوست” مقالًا للكاتبة “رينيه فريغوسي” تحدث عن نتائج الأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، والتي راح ضحيتها العديد من الأشخاص، وتأثير هذه الأحداث على مستقبل الإسلام والمسلمين في القارة العجوز. فقضية “التعايش” السلمي مع الإسلام ليست جديدة، ولكن أعيد طرحها مرة أخرى بعد الجريمة البشعة للمعلم “صامويل باتي”.

وتعتقد “فريغوسي”، الفيلسوفة وعالمة السياسة الفرنسية، أن التعايش السلمي مع الإسلام لا يجب أن يتم على حساب القيم الديمقراطية الغربية ولصالح المعايير الإسلامية، وأن مثل هذه الجرائم، التي منها قطع رأس المدرس “صمويل باتي”، والتهديدات المتكررة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يجب أنّ تُثني الأخير عن مكافحة التطرف والإرهاب في بلادنا، وتضيف فريغوسي بأن ماكرون مُصمّم على اتخاذ إجراءات ملموسة ضد عنف المنتسبين للإسلام، ولكن يجب عليه إذا كان مقتنعًا حقًّا بأن هذا الإرهاب ليس سوى جزءًا مرئيًّا من جبل الجليد، أن يعي مدى ونطاق هذا الإرهاب.

التلقين والإرهاب والخداع!

في فرنسا، كما في أغلب دول الغرب، هناك جماعات وتيارات شمولية متأسلمة تستغل الحريات والديمقراطيات، وتستخدم وسائل غير مشروعة لنشر أيديولوجيتها التي تُبنى على التلقين وتمارس الإرهاب والعنف والخداع، وتخطّط هذه الحركات الدينية السياسية لإعادة نشر الإسلام وفق تصورهم في البلاد الإسلامية، ومحاولة أسلمة المجتمعات الغربية لإقامة الخلافة الإسلامية المزعومة.

وتضيف الكاتبة أن هذه الخطط بدأت بمحاولة تغير نمط الحياة الغربية وتحويلها شيئًا فشيئًا، فأخذوا ينادون بفصل الجنسين وإعادة المرأة إلى ما كانت عليه في العصور القديمة التقليدية، عن طريق نشر الحجاب في الشوارع والمدن، وقد بدأت تؤثر مثل هذه الدعوات حتى في الدولة الإسلامية (مثل: مصر، وتركيا، والعراق، وسوريا، والجزائر، وتونس) على نحو متزايد، وهم في ذلك يستغلون الدين ويدّعون أن النقاب فريضة، ومن ثم تعرضت – ولا تزال – الفتيات الصغيرات، في أوروبا عامة وفي فرنسا خاصة، للتهديد والاعتداء والعنف لعدم ارتدائهن الحجاب، وهنا يكمُن الخطر؛ حيث تخطّط هذه التيارات لفرض الأسلمة تدريجيًّا بحيث تسود قوانين الإسلاموية في الأماكن العامة والمجتمع (في المدرسة من خلال الفصل بين الجنسين، ومن خلال وجبات الطعام، وفي حمامات السباحة من خلال ارتداء البوركيني، وفي الشركات من خلال الزوايا التي يخصصونها للصلاة في أوقات العمل، وغير ذلك).

الاندماج المعكوس

وتتابع الكاتبة بأن هذه الإسلاموية تنشر أفكارها وأيدولوجيتها من خلال لعب دور الضحية، ومن خلال تحريف مفهوم العلمانية، التي أعادوا تعريفها باعتبارها حامية للأديان. هذه التيارات تُحتّم على كل مسلم أن يؤمن بفهمها وتصورها للإسلام على أنه الحقيقة المطلقة، كما أنها تحاول فرض هذا التصور على غير المسلم، وأنه يجب عليه أن يظهر احترامه لهذه الأيدولوجية وأن يخشى من أي انتقاد لها؛ لأن ذلك يُعدّ انتقادًا للإسلام نفسه.

وتواصل “فريغوسي” بأن التمييز بين هذه التيارات يعدّ نوعًا من العبث؛ فالسلفية الأصولية، و”الإسلاموية الراديكالية”، و”إسلاموية الإخوان المسلمين” و”الإسلامين المعتدلين”.. كلها بدائل كاذبة، ولا يجب أن ينخدع المرء بالتصريحات المخادعة عن وجود إسلام فرنسي مسالم، ويُصدم في النهاية بسكين على رقبته من قِبل أحد أتباع هذه التيارات. وفي هذا السياق يجب أن نؤكد أن خطر جماعة الإخوان المسلمين لا يقل عن غيرها من الجماعات؛ فقد دأبت تلك الجماعة على نشر صورٍ مزيفة لخداع الأوروبيين، ومن ثمّ فلا ينبغي لنا أن نقدّم تنازلات ناعمة، ولن يمكننا العيش معًا ما داموا يريدون منا أن نندمج نحن أصحاب الأرض معهم.

إنَّ حرية المرء في أن يطبّق معتقداته ويمارس دينه لا تعني الحق في إجبار الآخرين على الانصياع لهذه المعتقدات والخضوع لها، ويجب على السياسيين في بلادنا أن يكفوا عن مثل هذه السذاجات في التعامل مع التطرف والإرهاب بحجة ضرورة تعددية الثقافات في المجتمعات الديمقراطية، وغيرها من الحجج التي تُعد المدخل الرئيس لمثل هذه التيارات الراديكالية لتدمير المجتمعات ونشر الصراعات في المجتمعات الآمنة.

سياسة أردوغان تزيد من العداء لبلاده في الشرق الأوسط

نشر موقع “أوسبرجر ألجيمينا” تقريرًا للكاتب “توماس سيبيرت” تحدث عن السياسة العدائية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه منطقة الشرق الأوسط، والتي أظهرت الوجه الحقيقي لأطماعة في ثروات هذه المنطقة؛ فانخفضت أسهم أنقرة، وبدا واضحًا في النهاية العداء لأردوغان الذي ما فتئ يدّعي أنه يتحدث بلسان جميع المسلمين ويدافع عن حقوقهم.

ولا تقتصر العداوة لأردوغان على اليونان والاتحاد الأوروبي فقط بسبب سياسته الخارجية العدوانية؛ بل تتزايد أيضًا في العالم العربي؛ فأنقرة التي تتصارع مع اليونان جارتها بسبب التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه البحر الأبيض المتوسط، وتتحدى الاتحاد الأوروبي عن طريق استغلال ورقة اللاجئين، تستفز سياستها الخارجية العدوانية العالم العربي أيضًا، ولذلك دعا السيد “عجلان العجلان”، رئيس الغرفة التجارية السعودية مؤخرًا إلى مقاطعة تركيا كليًّا، سواء فيما يتعلق بالاستثمارات أو السياحة، وعلى المستوى السياسي أيضًا، وهناك مقاومة متزايدة للسياسة التركية التي ترفضها دول الشرق الأوسط باعتبارها تدخلًا سافرًا، ورغم أن الحكومة التركية تقلّل من شأن رد الفعل العربي، إلا أن هناك حقيقة قائمة بالفعل تتمثل في أن أنقرة باتت معزولة بالفعل في المنطقة.

موقف دول الخليج من سياسة أردوغان

يعتقد أردوغان بأن أنقرة قوة إقليمية تمتد مصالحها إلى ما هو أبعد من حدودها، فهو لم ينس إرث الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة لقرون، وهو ما يفسّر تمركز القوات التركية في مناطق عديدة خارج الحدود التركية، مثل شمال سوريا وشمال العراق وليبيا والقوقاز؛ ولذلك هاجم أردوغان بعض الدول الخليجية بقوله: “لا ينبغي لأحد أن ينسى أن هذه الدول (في إشارة لبعض الدول الخليجية) لم تكن موجودة بالأمس، وأنها ربما لن تكون موجودة غدًا”. هذه الدول الخليجية التي يقصدها أردوغان هي التي تفهم مخططه جيدًا وتدرك أنه يسعى بكل السبل لإحياء الخلافة العثمانية القديمة؛ ولذلك ساند أردوغان جماعة الإخوان المسلمين، المنظمة المصنفة إرهابية في بعض الدول العربية، في انتفاضات الربيع العربي قبل تسع سنوات.

ومن ثم يعتبر ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان تركيا جزءًا من “مثلث الشر”، الذي تكتمل أضلاعه بإيران والجماعات الإسلامية المتشددة، ولذلك تدهورت العلاقات التركية السعودية وصارت في أزمة أعمق، كما تعادي أنقرة أيضًا مصر والإمارات.

وأظهرت دعوة المقاطعة التي انطلقت من المملكة العربية السعودية جانبًا من هذه العلاقة المتوترة، ووفقًا لبعض التقارير الإعلامية، فقد أبلغت الجهات المسئولة في السعودية المصدّرين الأتراك بأن البضائع التركية لم تعد موضع ترحيب في المملكة، وقال السيد ميثات ينيغون رئيس اتحاد شركات البناء التركية لصحيفة سوزكو: إن التراجع في عقود المقاولات جاء نتيجة لعدم تلقي شركات المقاولات التركية أي عقود من السعودية، وكذلك دولة الإمارات؛ وبالتالي فإن الانخفاض يتجاوز تأثير وباء كورونا، كما قامت المغرب مؤخرًا بالتضيق على الواردات التركية وفرض تعريفة عالية على منسوجات أنقرة.

استفادة الأسد من المعسكر المناهض لتركيا

ورغم مقاطعة هذه الدول الخليجية للواردات التركية، إلا أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بتركيا محدودة؛ لأن معظم صادرات أنقرة تتجه إلى أوروبا والولايات المتحدة؛ ففي العام الماضي كانت هناك دولتان فقط من الشرق الأوسط من بين أكبر عشرة مشترين للصادرات التركية، ومع ذلك فإن هذه الدول تحاول كبح جماح أردوغان وصد سياسته العدوانية؛ فقد شكلت جامعة الدول العربية مؤخرًا لجنة للتعامل مع التدخل التركي في الشئون العربية، وتقف مصر جنبًا إلى جنب مع حلفائها (السعودية والإمارات) ضد وجود القوات التركية في سوريا، وبالتالي يمكن أن يستفيد بشار الأسد من هذا المعسكر المناهض لتركيا في المنطقة، ولذلك أجرى الأسد، العدو اللدود لأردوغان – والذي كان حتى وقت قريب منبوذًا بسبب الحرب الأهلية في بلاده – اتصالات مع بعض الدول المجاورة، وقد كانت سلطنة عمان أول دولة خليجية تُرسل سفيرًا إلى دمشق مرة أخرى منذ عام 2012، كما فتحت دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في سوريا منذ عامين.

تاريخ من الفشل والتستر في إيران

نشر موقع قناة “إيه أردي1” بنشرة الظهيرة تقريرًا للمراسلة “أوفا لوب”، أشار إلى الفشل الذريع للحكومة الإيرانية في التعامل مع انتشار وباء كورونا الذي ضرب البلد بأكمله، وعن نظرية المؤامرة التي يتبناها نظام الملالي للتغطية على الفشل الذريع في إدارة الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة؛ بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قِبل واشنطن.

ويمكن تلخيص أزمة وباء الكورونا في إيران على أنها قصة فشل وإهمال وتستر، هكذا وصفها السيد “ويلفريد بوختا”، الباحث الإسلامي والمحلل السياسي لشئون الشرق الأوسط السابق في منظمة الأمم المتحدة. وحين نلقي نظرة على التطورات الأخيرة في إيران، سرعان ما ندرك أن هذا التعبير عكس حقيقة الأوضاع الكارثية هناك؛ فإيران تشهد حاليًا ما يزيد عن 300 وفاة يوميًّا بسبب كورونا، وربما يكون العدد الحقيقي ضعف هذا العدد مرتين ونصف، كما صرح بذلك السيد “مسعود مرداني” المستشار العلمي في مكافحة الوباء، أي أن العدد الفعلي قد يصل لـ 1000 حالة وفاة يوميًّا، بالإضافة لأعداد المصابين التي لا يمكن حصرها بسبب عدم إمكانية إجراء الاختبارات لمثل هذه الأعداد.

نقص الوعي بمخاطر الفيروس

يقول السيد “علي هاغدووست”: إن سبب خروج الأزمة في إيران عن السيطرة يكمن في نقص الوعي بمخاطر الفيروس، وأنه إذا ما أردنا السيطرة فيجب علينا التنسيق بشكل أفضل؛ ففي البداية يجب أن ندرك مخاطر التهديد الذي يشكّله هذا الفيروس، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية؛ فالوعي بالمخاطر لا يزال مفقودًا بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك، إذا اضطر أحدنا للذهاب إلى المستشفى بسبب كورونا، فيجب عليه أن يعلم أنه في حالة أكثر خطورة مما كانت الأوضاع خلال الموجة الأولى للفيروس، ولذلك يقول السيد “تقي الرياحي”، مدير أحد مستشفات العزل في طهران، إنه نظرًا لضعف قدرات وإمكانيات المستشفيات، فإن أعداد الوفيات في حالات الطوارئ تزداد؛ حتى وصلت أرقامًا قياسية.

اليأس يسيطر على وزير الصحة

هذه الأزمة جاءت نتيجة لارتباك السلطات وغرور المسئولين والصراعات على السلطة، بالإضافة للنهب أموال وموارد الدولة المحدودة نسبيًّا، كما أن للسياسة دورًا في هذه الأزمة، فالرئيس حسن روحاني لا يكاد يولي هذه الأزمة أي اهتمام خوفًا من إفساد العلاقة مع الصينيين، الشريك الاقتصادي الأهم بالنسبة للإيرانيين، كما ادّعى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، أن الولايات المتحدة هي التي طوّرت هذه الفيروس لإلحاق الضرر بإيران.

وحتى على المستوى الشعبي هناك استهتار في التعامل مع الفيروس، حيث قال وزير الصحة الإيراني “سعيد نمكي” قبل أيام قليلة: إن نصف من يسيرون في الشوارع لا يرتدون الكمامات تقريبًا، الأمر الذي يعني استمرار انتشار العدوى وعدم السيطرة على الوضع، فلا يمكن مكافحة هذا الفيروس إلا من خلال الوقاية أولًا عن طريق ارتداء الكمامات والحفاظ على المسافات والنظافة الشخصية، ثم تأتي في النهاية الخطوات العلاجية للمصابين.

وهناك المزيد من الإجراءات الضرورية التي يجب اتخاذها في هذا الشأن، ولا يجب أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام هذه الخروقات، فالذي لا يرتدي قناعًا يجب أن يعاقب، ولا ينبغي أن يستمر الوضع هكذا، فلا بد من تطبيق العقوبات على المخالفين، ولا بد من تطبيق الحظر إذا أردنا أن نسيطر على الوباء، كما يقول نمكي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنوزير الصحة الإيراني يعرف جيدًا أنه لن يلتفت لأقواله وأن القيادة السياسية في البلاد لا ترغب في مواجهة الوباء على هذا النحو؛ ومن ثم يطالب الكثير نمكي بالاستقالة من موقعه إذا لم تتحسن الأمور.

الرعب التركي من شبح الانقلابات

نشر موقع قناة “إيه ار دي 1” بالتلفزيون الألماني تقريرًا للمراسل “أوليفر ماير روث”، أشار إلى المخاوف التركية من شبح الانقلابات، حيث علق أحد قضاة المحكمة الدستورية العليا عبر تويتر على صورة للمحكمة قائلًا “أضواء المحكمة مضاءة”، في إشارة إلى جملة شبيهة استُخدمت في تسعينيات القرن الماضي كتهديد بانقلاب عسكري، فانتفضت أذرع أردوغان وتبارت للرد على هذه الصورة، التي اعتُبرت تهديدًا مباشرًا بإمكانية حدوث انقلاب مرة أخرى.

 وتتوتر أعصاب الحكومة التركية عندما يتعلق الأمر بالانقلاب، ولذلك أثارت تغريدة القاضي الدستوري جدلًا واسعًا؛ الأمر الذي دفعه لحذف تغريدته وأعلن أنه لم يكن يقصد ذلك إطلاقًا، وأنه يقصد أن أنوار القانون مضاءة. كانت رئاسة الأركان التركية قد استخدمت جملة “أضواء رئاسة الأركان مُنارة” كتهديد بانقلاب عسكري في عام 1997 عندما أجبر العسكريون رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان على الاستقالة.

واستدعت هذه التغريدة ردًّا من وزير العدل الذي علّق قائلًا: “الذين يحنّون للوصاية يفتقدون صلاحية الحديث باسم القانون؛ فالأنوار يضيئها الشعب ويطفئها الشعب”. كما علقت وزارة الداخلية في حسابها الرسمي على تويتر قائلة: “أضواؤنا لا تنطفئ أبدا”، وأرفقت صورة لمبنى الوزارة. وبدوره لم يترك حزب العدالة والتنمية الحاكم الفرصة للهجوم على القاضي رغم اعتذاره وأنه لم يكن يقصد ذلك.

وتعود حيثيات الموضوع إلى محاكمة النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري أنيس بربر أوغلو، الذي اتهم بتسريب صور لشاحنات تتبع جهاز الاستخبارات التركية تنقل أسلحة لسوريا، وخلال المحاكمة جرى انتخاب بربر أوغلو عضوًا في البرلمان؛ الأمر الذي يستدعي وقف محاكمته بسبب الحصانة التي حصل عليها بانتخابة عضوًا في البرلمان، لكن مع ذلك استمرت المحاكمة وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات و10 أشهر بتهمة “إفشاء معلومات سرية”، ثم أسقطت عضويته في البرلمان، وبعدها تقدم بربر أوغلو بطلب للمحكمة الدستورية والتي أقرّت بأن المحاكمة باطلة، وأن المحكمة انتهكت القانون بإصدار الحكم مع عضوية المذكور بالبرلمان؛ ومن ثم طالبت المحكمة بإعادة محاكمته. وردًّا على هذا القرار، قالت المحكمة المختصة إنها لن تعيد محاكمته، باعتبار أنه ليس من حق المحكمة الدستورية – بعد الحكم بانتهاك حق ما – أن تقرر المسار المستقبلي، وأن هذا يُعدّ تدخلًا في عمل المحكمة المختصة، وفي ظل هذه الصراع المحتدم بين هذه المؤسسات، جاءت تغريدة القاضي في المحكمة الدستورية العليا لتبث الرعب من جديد في قلوب أردوغان وأنصاره وتسدعي شبح الانقلابات والاضطرابات.

ربما يعجبك أيضا