المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية| كيف تخسر أوروبا منافسة القوى العظمى في أفريقيا؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

إن السمة المميزة لسياسة إدارة ترامب تجاه أفريقيا هي تأطيرها للقارة كمكان لمنافسة القوى العظمى. وبدلًا من التأكيد على الإيجابيات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، أثار مستشار الأمن القومي “جون بولتون” موضوع الصين أكثر من 15 مرة عند تقديمه لاستراتيجية الولايات المتحدة لأفريقيا في ديسمبر 2018. لقد كان يجتهد في التأكيد على أن “الدول التي تصوّت بشكل متكرر ضد الولايات المتحدة، أو تتخذ إجراءات تتعارض مع المصالح الأمريكية، في المنتديات العالمية، يجب ألا تتلقى أية مساعدات خارجية أمريكية سخية”.

واتبعت الولايات المتحدة نهج الحرب الباردة في استراتيجيتها لمواجهة فيروس كورونا، ما أدى إلى تفاقم منطق المحصل الصفري في ديناميكية الولايات المتحدة والصين. ففي أفريقيا، أكد هذا النهج اتجاهات الحكومات بأن هذا هو العنصر الأساسي الآن في الجغرافيا السياسية التي تحتاج إلى الانخراط فيها.

ولا ترقى جميع الأنشطة الدولية في أفريقيا إلى مستوى منافسة القوى العظمى، بل هي على النقيض من الحرب الباردة، إذ لا تقاتل الولايات المتحدة منافسيها عبر الحروب بالوكالة، ولكن بدلًا من ذلك، حددت المناخ استجابةً للأدوات التي تستخدمها الصين لزيادة نفوذها في القارة. ويشمل هذا في المقام الأول مجال الاتصال، والقروض، والبنية التحتية، والاتصالات، والتقدم الثابت العام للصين للمؤسسات الخاصة المدعومة من الدولة للحصول على حصة سوقية مهيمنة. أما الأنشطة التقليدية الأمريكية الأخرى، والتي تشمل المساعدات الأمنية، وعمليات حفظ السلام، والمساعدات الإنسانية والإنمائية، وحتى وقت قريب الصحة، فقد خرجت من المنافسة الجيوسياسية، حيث لم يتم حتى الآن إثارة منظور منافسة القوى العظمى في هذه المجالات.

ماذا يعني هذا لأوروبا؟

ظهور هذا التمييز مهم لأوروبا، إذ يتعلق جزء كبير من وثيقة السياسة الرئيسية للاتحاد الأوروبي بشأن أفريقيا، “نحو استراتيجية شاملة معها”، بقضايا الاتصال. بعبارة أخرى، ضل الاتحاد الأوروبي طريقه في منطقة اللعبة الكبرى الجديدة، فبعد أن دخلت هذا المجال المشحون للغاية، أصبحت المبادرات الأوروبية التي تم تصويرها دون وضع سياسات اللعبة الكبرى في الاعتبار خاضعة للتأويل، خاصة أنها تقف إلى جانب الولايات المتحدة. ومن دون قصد، ربما يجد التكنوقراط الأوروبيون أنفسهم مشاركين في الصراع الجديد دون رغبتهم.

الناتج الثانوي الثاني هو التضخم المحتمل للسوق الجيوسياسي الأفريقي، حيث يندد القادة الأفارقة بإرث الحرب الباردة باعتبار تأثيراته السلبية الملحوظة على القارة. ومع ذلك، فإن ديناميكية الحرب الباردة تعني أنه عندما سعت الدول الأفريقية إلى الاهتمام والاستثمار، كانت الحرب الباردة تعني أنها من المرجح أن تحصل عليه. وربما تظهر ديناميكية مماثلة مرة أخرى. ولكن بالنسبة لأوروبا، فهذا يعني أن عرضها للقارة يجب أن يكون على قدر المنافسة المتزايدة.

وأخيرًا، فإن زيادة تسليح الصين والولايات المتحدة للأدوات متعددة الأطراف تعمل على حساب الاحتياجات الأفريقية بشكل خاص في سياق انتشار فيروس كورونا. ويتجلى هذا في الفشل في التجمع وراء مبادرة (كوفاكس)، المنصة متعددة الأطراف للتطعيم ضد فيروس كورونا، كما أنه يتجلى أيضًا من خلال استخدام مؤسسات “بريتون وودز” للاستثمار النقدي. وفيما يتعلق بالقضية الأولى، تُعد مبادرة كوفاكس طريقة لتنويع الاستثمار ومشاركة المخاطر في إنتاج لقاح مضاد لكورونا. كما أنها أيضًا وسيلة لدعم الدول الفقيرة التي لا تستطيع تمويل تطوير اللقاحات بنفسها؛ وهو ما يجد اهتمامًا كبيرًا من دول أفريقيا. لقد وقعت الصين على مبادرة كوفاكس في الساعات الأولى من تدشينها، ومع ذلك فقد غابت الولايات المتحدة نفسها حتى الآن.

أما فيما يتعلق بالقضية الثانية، فإن الآثار الاقتصادية الكارثية لفيروس كورونا في أفريقيا لا يمكن تحديدها إلا من خلال الوسائل المتعددة الأطراف – والتي هي مؤسسة بريتون وودز في هذه الحالة. كما كان من الممكن إصدار أقوى سلاح مالي تحت تصرف صندوق النقد الدولي، أو حقوق السحب الخاصة، أو “الذهب الورقي” لزيادة مساحة التنفس المالي المختنق في أفريقيا. ونظرًا إلى أن حقوق السحب الخاصة هذه تتدفق إلى جميع أعضاء صندوق النقد الدولي، فربما تعود فائدة زيادة الإنفاق على خصوم إدارة ترامب، وتحديدًا: إيران وروسيا والصين. وبدلًا من اتخاذ هذا في خطوتها، مارست إدارة ترامب حق النقض في صندوق النقد الدولي من وراء الكواليس، وخَنَقَ مبادرة تدعمها أوروبا، وألحق الضرر بالاستجابة الأفريقية لفيروس كورونا نتيجة لذلك الرفض.

ما الذي يمكن أن يفعله الرئيس بايدن؟

بالنسبة إلى “دونالد ترامب” أو “جو بايدن”، ستبرز المنافسة مع الصين بشكل كبير. يمكن أن يكون الاختلاف بالنسبة لأفريقيا من الدرجة الأولى: فقد اختار ترامب التنافس وجهًا لوجه مع الصين في أفريقيا. ولكن ربما تحوّل إدارة بايدن النهج إلى نهج أقل تصادمية مباشرة، وهو ما يمكن أن يخفف من التصور المستقطب حول المجال الاقتصادي، الذي هو موضوع هذا التكرار الجديد لمنافسة القوى العظمى.

وكرد فعل على ذلك، ربما يكون من الممكن تجنب فخاخ حرب العطاءات والتحزب الأوروبي غير المقصود، فإذا تراجعت ثنائية القطبية بدرجة كافية في الخلفية، فقد تتمكن أوروبا حتى من التعاون مع الولايات المتحدة والصين على أساس كل حالة على حدة، دون أن يتم تجنيدها قسرًا في هذا المعسكر أو ذاك.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا