مودرن دبلوماسي | التحديات الاقتصادية والاتجاهات السياسية في عصر بايدن

آية سيد

ترجمة – آية سيد

تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية باهتمام عالمي كبير؛ هذا لأن الرابح لن يؤثر فقط على الشئون الداخلية للولايات المتحدة, بل سيحدد أيضًا العلاقة بين الولايات المتحدة وبقية العالم. تُظهر دراسة متابعة لمؤسسة ANBOUND الصينية أن ست ولايات رئيسية, تشمل فلوريدا وبنسلفانيا, ستحدّد مصير دونالد ترامب في هذه الانتخابات؛ حيث إن استطلاعات الرأي الخاصة بترامب ليست جيدة، وتشير الإحصائيات إلى أنه ما لم يغير حدث مفاجئ هذا الاتجاه, فمن غير المرجح أن يُعاد انتخاب ترامب, بينما يمتلك جو بايدن احتمالية أكبر لأن يصبح الرئيس الـ46 للولايات المتحدة.

في حالة أن بدأ عصر بايدن, لا شك في أنه سيجلب مجموعة من التغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية, والمنافسة الجيوسياسية, ومشاركة الولايات المتحدة في القضايا العالمية متعددة الأطراف, والعلاقات الأمريكية – الصينية. في تحليل سابق يتعلق بالعلاقات الأمريكية – الصينية في عصر بايدن, يوضح ANBOUND أن إدارة بايدن سوف تُعدّل السياسات المتطرفة لإدارة ترامب بعدة طرق. فخلال رئاسة ترامب, كان وحده من يحدّد العلاقات الأمريكية – الصينية. في حالة أن أصبح بايدن الرئيس القادم للولايات المتحدة, حتى لو ظلت الطبيعة العدائية للولايات المتحدة ضد الصين دون تغيير, سوف تؤدي إلى إطار عمل أكثر انتظامًا وقابلية للتنبؤ, وربما نرى تباطؤًا أو حتى توقفًا للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وبالنسبة إلى السوق العالمية, ما يهم هو السياسات الاقتصادية التي ستُطبق في عصر بايدن وتأثيرها على اقتصاد العالم, ومن ثم ظهور ما يُعرف بـ”بايدنوميكس” (سياسات بايدن الاقتصادية). ما التحديات الاقتصادية التي يواجهها عصر بايدن؟ وما أولوياته في الاقتصاد؟ للإجابة على هذه التساؤلات, أدرجت مجلة إيكونوميست مؤخرًا في إحدى مقالاتها عدة قضايا مهمة يحتاج بايدن للانتباه إليها.

أولًا, يحتاج بايدن لتمرير مشروع قانون “تعافي” ضخم في الكونجرس. يُقدّر بعض محللي السوق أن الولايات المتحدة تحتاج 2 تريليون إلى 3 تريليونات دولار, والتي تشمل أموال تحفيز قصيرة الأجل لدعم تأمين البطالة ومساعدة حكومات الولايات والحكومات المحلية الأخرى في التعامل مع فجوة الميزانية. يحتاج بايدن أيضًا لتقديم منح أو قروض للشركات الصغيرة التي لم تحصل على مساعدات كثيرة مثل الشركات الكبيرة. بخلاف هذا, سيكون من الضروري لبايدن أيضًا أن يخفف التوترات مع الصين من أجل إرضاء السوق. إذا طُرحت لقاحات لفيروس كورونا المستجد, سيحتاج بايدن لتبني توجه تعاوني بدلًا من نهج المقايضة في العلاقات الدبلوماسية، وهذا سيجعل من الأسهل مشاركة اللقاحات على المستوى العالمي مع تسهيل إعادة فتح الحدود واستعادة التجارة.

يحتاج مشروع قانون بايدن للتعافي الاقتصادي أيضًا لاستهداف مشروعات “إعادة البناء بشكل أفضل”، مثل نقص الاستثمار في مشروعات البنية التحتية واسعة النطاق (متوسط عمر الجسر الأمريكي 43 عامًا). هذه ليست مجرد قضايا طويلة الأجل تحتاج الولايات المتحدة لحلها, بل أيضًا ينبغي أن تصبح من أولويات بايدن. ويُعد الاستثمار في البحث العلمي جانبًا مهمًا أيضًا، ويحتاج استثمار الحكومة الأمريكية في البحث والتطوير لأن يزيد. لقد مثّل البحث والتطوير في الولايات المتحدة أكثر من 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 1960 وهبط الآن إلى 0.7% فقط. سوف تحتاج إدارة بايدن إلى المزيد من استثمارات البحث والتطوير في التكنولوجيا والطاقة المتجددة. وسوف يرغب بايدن أيضًا في إلغاء سياسة الهجرة التي وضعها ترامب والتي تضر بتنافسية الولايات المتحدة, ولكي يحسن مستوى معيشة الطبقة المتوسطة وحراكها الاجتماعي. هذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تستثمر أكثر في التعليم, والصحة, والإسكان. وبالإضافة إلى هذا, تحتاج الولايات المتحدة لرفع الحد الأدنى للأجر بالساعة إلى 15 دولارًا. في الوقت الحالي, يجني 17 مليون أمريكي أقل من الحد الأدنى للأجور.

ومن أجل دعم خطط الإنفاق سالفة الذكر, ربما يحتاج بايدن لزيادة الضرائب وإصلاح السياسات المالية. وعلى فرض أن خطط الإنفاق المذكورة يمكن تطبيقها, يصبح نمو الإنفاق العام السنوي مساويًا لـ3% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن أجل هذه الغاية, يحتاج بايدن لرفع الضرائب لكي تغطي حوالي نصف النفقات المصدق عليها وفرض ضرائب أعلى على الشركات والأثرياء. لقد أظهرت الدراسات أن سياسة زيادة الضرائب الخاصة ببايدن ربما تقلّل أرباح الشركات بعد خصم الضرائب بمقدار 12%, بينما قد ينخفض دخل أعلى 1% من الأثرياء بمقدار 14%. ومن أجل الحفاظ على الاستدامة المالية, لن يتمكن بايدن من الهرب من توسيع العجز. يُظهر البحث الذي أجراه مكتب الميزانية بالكونجرس أن الدين العام سيصل إلى حوالي 200% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050. ولا يبدو أن هناك سببًا للقلق في المدى القريب, لأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تقترب من الصفر والاحتياطي الفيدرالي يشتري الدين الحكومي. إلا أنه, في المدى البعيد, ستضر الديون المتوسعة القوة الوطنية الأمريكية. 

يعتقد بعض المحللين أنه إذا استطاع الرئيس المقبل للولايات المتحدة التغلب على هذا التحدي طويل الأمد, ستستفيد الولايات المتحدة منه كثيرًا. هذا يعني أن الولايات المتحدة ستبدأ تأسيس إجماع على قيود مالية أقوى بناءً على الإنفاق على الرفاه والضرائب المستدامة. مع هذا, يعتقد الباحثون في ANBOUND أنه في ظل النموذج الاقتصادي الأمريكي الحالي, ربما يكون من الصعب التخلص من التوسع في إصدار الديون وزيادة العجز.   

وإذا ربح بايدن الانتخابات, فإن أحد التغييرات المضمونة هي إجراء تعديلات على السياسات التجارية. إن سلاسة عملية التجارة الدولية هي المظهر الأعمق والأكثر نمطية للعولمة, وترامب أبعد الولايات المتحدة, وهو ما عرّض الدولة لانتقادات من العالم. لكن بايدن على الجانب الآخر لديه سجل بدعم التجارة الحرة، وعلى الرغم من أنه لن يلغي على الفور الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة, إلا أنه يحتاج لتخفيض الحمائية التجارية الامريكية, وكذلك أيضًا تأسيس وإدارة إطار عمل جديد للعلاقات الاقتصادية مع الصين.

سوف يحتاج بايدن أيضًا للعودة إلى التعاون متعدد الأطراف حول قضايا مثل تغير المناخ العالمي. لقد أظهر في السابق رغبته القوية في هذا الصدد, قائلًا إنه سيعود إلى اتفاقية باريس في اليوم الأول لتوليه المنصب. إن قضية المناخ العالمي قضية متعددة الأطراف نادرة تتجاوز الخلافات الأيديولوجية والجيوسياسية, والصين تبدأ في لعب دور مهم بصورة متزايدة بها, بينما يولي الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة أهمية أكبر للتعاون متعدد الأطراف في قضايا المناخ العالمي. وإذا كانت إدارة بايدن تريد إبطال سياسات إدارة ترامب المتطرفة, ستحتاج لاتخاذ موقف تعاوني تجاه تغير المناخ العالمي في أسرع وقت.

والاستنتاج النهائي هو: سوف تُعلن نتائج الانتخابات الأمريكية قريبًا، وبالحكم حسب الاستطلاعات حتى الآن, من المرجح أن يخرج بايدن فائزًا، وإذا أصبح بايدن مسئولًا عن البيت الأبيض, سنشهد ظهور الـ”البايدنوميكس”. والمشكلات الأساسية والتحديات الرئيسية التي يواجهها “بايدنوميكس” سوف تحدد اتجاه السياسات المستقبلية لبايدن إلى حد كبير, وهو ما سيؤثر أيضًا على بقية دول العالم.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا