ناشيونال إنترست | الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة اقتصادية تاريخية بسبب فيروس كورونا

آية سيد

ترجمة – آية سيد

إن آخر شيء يحتاجه الآن الاقتصاد الأوروبي المثقل بالديون والضعيف هو صدمة مرتبطة بالعرض، والتي قد تدفعه إلى ركود مزدوج وفترة مطولة من انكماش الأسعار.

غير أن هذا بالضبط هو ما تهدّد الموجة الجديدة لجائحة كورونا بفعله لأوروبا، وهذا لا يُبشر بالخير للاقتصاد الأوروبي ولا للتعافي الاقتصادي العالمي. هذا هو الحال نظرًا لحصة أوروبا الضخمة في الاقتصاد العالمي والخطر الحقيقي بأنه ربما تكون هناك جولة أخرى من أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو. 

وحتى قبل آخر موجة للجائحة، لم يكن الاقتصاد الأوروبي في حالة جيدة. وفي حين أن الاقتصاد شهد ارتدادًا قويًّا بعد انهياره السابق في الربيع، إلا أنه يظل أقل بكثير من مستواه ما قبل الجائحة. ونتيجة لهذا، دخل الآن في انكماش الأسعار.

في الوقت ذاته، تضخم عجز الميزانيات الأوروبية نتيجة للإجراءات المالية الجريئة التي اتُّخذت لمحاربة الجائحة وكذلك أيضًا للانهيار في جمع الضرائب في ظل الاقتصاد الأضعف. ومع اتساع العجز في الميزانيات، ارتفعت مستويات الدين العام في البلاد المثقلة بالديون مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا إلى أرقام ما بعد الحرب. هذا يثير تساؤلات جديدة الآن حول قدرة تلك البلاد على سداد ديونها.

وتهدّد الموجة الجديدة للجائحة بالتسبب في كساد اقتصادي مزدوج في أوروبا، والذي سيُفاقم مشكلة الانكماش المالي في منطقة اليورو. يبدو أن هذا هو ما سيصبح عليه الحال نظرًا لأن فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أُرغموا جميعًا على التراجع بشكل كبير عن تخفيفهم لقيود الإغلاق. وبنفس الطريقة التي تسبّب بها رفع الإغلاق السابق في ارتداد اقتصادات تلك البلاد، يجب أن يتوقع العالم الآن أن إعادة فرض قيود فيروس كورونا ستجعل الاقتصاد الأوروبي ينتكس إلى الركود.

إن حدوث تراجع آخر في الاقتصاد الأوروبي والفترة المطولة من انكماش الأسعار سيزيدون عبء خدمة ديون منطقة اليورو ويزيدون الأمر صعوبة على إيطاليا، والبرتغال وإسبانيا لإيجاد مخرج من مشاكل الديون. وكما وضحت تجربتهم في 2010 مع تقشف الميزانية خلال أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، أي محاولة من تلك البلاد لتحسين المالية العامة عن طريق التقشف في الميزانية من شأنها أن تُفاقم ركودهم الاقتصادي. ولكونهم عالقين داخل قيود اليورو التي حرمتهم من عملاتهم، لن تكون تلك البلاد في وضع يسمح لها بتخفيف وطأة الضربة الاقتصادية للتقشف المالي عن طريق تخفيض أسعار الفائدة أو عن طريق اللجوء إلى خفض قيمة العملة.

إن الركود الاقتصادي المزدوج سوف يُعقد أيضًا معركة البنك المركزي الأوروبي ضد الانكماش المالي، ناهيك عن السماح له بتحقيق هدفه الخاص بالتضخم الذي “يقترب من 2%.” وفي ظل وجود أسعار الفائدة الأوروبية في المنطقة السلبية، فإن أي محاولة لتخفيض سعر الفائدة سوف تخاطر بوضع المزيد من الضغط على القطاع المصرفي الأوروبي المتداعي بالفعل. وفي الوقت نفسه، أي محاولة لزيادة حجم برنامج شراء السندات في البنك المركزي الأوروبي سوف تخاطر بجلب رد فعل سياسي قوي ضد هذه النشاطات لا سيما في ألمانيا، أكبر مساهم في البنك المركزي الأوروبي.

من ناحية المبدأ، تمتلك منطقة اليورو مخرجًا من مأزقها الاقتصادي القاتم الحالي. سيكون عن طريق الانتقال سريعًا إلى اتحاد مالي كامل. هذه الخطوة سوف تتيح حزمة تحفيز مالي ضخمة على مستوى المنطقة لأوروبا من النوع الذي تشارك فيه الولايات المتحدة بصفة دورية. هذا من شأنه أن يوفر طريقةً لتفادي القيود الحالية على التحفيز الإضافي للميزانية التي تفرضها مستويات الديون المرتفعة على تلك البلاد في محيط منطقة اليورو.  

بيد أن العيب الوحيد هو أن مثل هذه الخطوة غير مرجحة في أي وقت قريب؛ فالأمر ليس مقتصرا على أنه توجد معارضة سياسية ألمانية قوية لفكرة الاتحاد المالي الأوروبي؛ بل توجد أيضًا معارضة مشابهة لهذه الفكرة فيما يُسمى بالدول المقتصدة الأربعة وهي: النمسا والدنمارك وهولندا والسويد.

وفي الوقت الذي يحذر خبراء الصحة الأمريكيون من شتاء أمريكي مظلم بسبب فيروس كورونا، يأمل المرء في أن يلاحظ صُنّاع السياسة الاقتصادية الأمريكية تراكم السحب العاصفة الاقتصادية الأوروبية والتداعيات المحتملة على الآفاق الاقتصادية العالمية. ربما حينها سيدركون الحاجة المُلحة لإيجاد تسوية مبكرة حول حزمة تحفيز أمريكية ثانية ضخمة لضمان ألا تستسلم الولايات المتحدة أيضًا لركود اقتصادي مزدوج.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا