الصحافة الفرنسية|أذرع أردوغان الإسلاموية تتوغل في باريس.. والموجة الثانية من كورونا قد لا تكون الأخيرة

مترجمو رؤية

إسلام فرنسا.. الانقسامات الداخلية تخرج إلى السطح

اهتمت جريدة “ليبراسيون” بعرض مشهد الصراع على السيطرة على الإسلام في فرنسا، حيث ناصب عميد المسجد الكبير في باريس العداء للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وأصدر تصريحًا قويًّا ضد الإرهاب. ففي إحدى الغرف التابعة للمسجد الكبير بباريس، حاول شمس الدين حافظ، عميد المسجد، إضفاء أكبر قدر من الجدية على موقفه، وقرأ – وهو محاط بالعشرات من القادة المسلمين – من خلال الميكروفون بيانًا يدين الإرهاب والدعوات إلى مقاطعة فرنسا. حيث قال: “العلمانية قيمة أساسية تسمح للأديان المختلفة، بما في ذلك الإسلام، بالازدهار في فرنسا. إننا ندين كل مَن يريد التلاعب بإخواننا في الدين، وخاصة الشباب والرأي العام الدولي، عبر الزعم بأننا في فرنسا نتعرض لسياسة عنصرية من قِبل الدولة أو نعاني سياسة كراهية ضد المسلمين”.

وعقب هجوم كونفلان وسانت هونورين، ساند حافظ الحكومة الفرنسية بعد أن تعرضت للهجوم من قبل بعض الدول المسلمة بسبب دفاعها عن حرية التعبير ونشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ترابط مجتمعي

ولدعم شمس الدين حافظ وموقفه هذا، حضر الرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنور كبيبش، وزعيم مسلمي جنوب الصحراء في فرنسا، عساني الفاسي، ومسئولون من دور العبادة المهمة، مثل المسجد الكبير في سان دوني دو لا رينيون ومسجد الدعوة في شرق باريس. وقال إسلام تيمول، رئيس مسجد سان دوني دو لا رينيون، أقدم مسجد بني على الأراضي الفرنسية: “أشعر براحة أكبر في فرنسا عند ممارسة ديني مقارنةً بالعديد من البلدان الإسلامية”. وقال أنور كبيبش إن “هناك أخوة كبيرة بين المسلمين والكاثوليك”.

وفي البيان، قال شمس الدين حافظ: “ندعو سلطات بلادنا إلى اتخاذ إجراءات صارمة حتى لا يندمج المكوّن الإسلامي في فرنسا، الذي أدان إلى حد كبير الأعمال الإرهابية الأخيرة، مع دعاة الكراهية”. ويتمتع حافظ، الذي خلف “دليل أبوبكر” في عمادة المسجد الكبير بباريس، بحضور في كل مكان على الساحة السياسية والدينية منذ يناير الماضي، وقد أثار عموده الصحفي الذي أدان فيه الإسلاموية، والذي ألقاه في اليوم السابق لخطاب الرئيس ماكرون بشأن الانفصالية، ضجة كبيرة.

وخلف الكواليس، كان عميد الجامع الكبير بباريس يبحث عن حلفاء لشن معركته الداخلية الخاصة ضد مؤسسة إسلام فرنسا. وبعيدًا عن بيانه الرسمي ضد الإرهاب، يجهز حافظ الآن في المسجد الكبير بباريس للحلقة الألف من المعركة بين الجزائريين والمغاربة للسيطرة على الإسلام في فرنسا.

شعور بالأسف

وفي أحد المؤتمرات الصحفية بعد خطابه قال حافظ: “لقد دعوت إلى الوحدة، وأنا أشعر بالأسف لعدم حضور رئيس المجلس الأعلى للديانة الإسلامية هنا”، في إشارة منه إلى منافسه المغربي محمد موسوي رئيس المجلس. وفي وقت سابق، وجه أساني الفاسي، الحليف الجديد لحافظ، تهمة عنيفة للمجلس ووصفه بأنه “مخترق ومستهدف”. وقد يكون هذا الموقف شاذًا في السياق العام، لكن بالنظر إلى سياق الهجمات والتوتر الراهن، فإن هذا الانقسام يُعدّ مأساويًّا ويصعب فهمه؛ فالرئيس ماكرون حث في خطابه في مورو على تنظيم إسلام فرنسا بشكل أكثر صرامة، واعتماد تأهيل واختيار الأئمة وقطع جسور النفوذ الأجنبي.

ويأتي هجوم حافظ، المقرب من السلطات الجزائرية، على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في أسوأ الأوقات، حيث يتعارض مع رغبة الحكومة في تحرير الإسلام في فرنسا من نفوذ قنصليات البلدان المسلمة. لكن بحسب أحد الخبراء، فإن عميد الجامع الكبير بباريس ينال ثقة وزارة الداخلية، المسئولة عن الأديان، وبالفعل قام وزير الداخلية جيرالد دارمانين في 18 سبتمبر الماضي بزيارة مميزة إلى المسجد الكبير بباريس.

وبتمويل من الجزائر، يعدّ المسجد الكبير بباريس، الممثل الشرعي للإسلام في فرنسا، وقد حال دائمًا دون أن ينال المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أهمية كبيرة. وتهدد هذه المعارك الجديدة قبل كل شيء بتعميق الصدع مع الأجيال الجديدة من النشطاء في المجتمعات المسلمة التي تكافح من أجل المشاركة في إدارة المساجد وتنظيم شئون الدين.

الإسلاموية والتقارب بين الصراعات في فرنسا

كما ألقت جريدة أوبنيون – إنترناسيونال الضوء على تأثير الإسلاموية على تأجيج الصراعات في فرنسا. فعلى الرغم من حالة الرعب والغضب والتكتل الحالية، سيسود الصمت مرة أخرى في مواجهة الإسلامويين. لماذا؟ لأنهم استحوذوا بالفعل على معظم الشباب، ولكن كيف استطاع هؤلاء الملتحون العصريون أن يجمعوا تحت رايتهم شباب العالم الحر؟

والإجابة لأن الإسلامويين أدركوا أن الإرهاب والهمجية وحدهما لا يسمحان بغزو عقول الشباب، حيث نجد صندوق أدوات الجماعات الإمبريالية الإسلاموية ممتلئ بتقنيات أكثر حداثة وكفاءة، ومن بين هذه الأدوات: الانتشار على شبكات التواصل الاجتماعي، وبالرغم من أن هذه الأداة قد تتخذ أشكالًا متعددة، لكنها دائمًا تتبع نفس أساليب التشغيل وهي: النشاط المفرط، والحضور على مدار الساعة، وإعادة صياغة الرسائل ومشاركتها بلا توقف كل يوم من خلال الشخصيات المؤثرة.

وتكثر على الإنترنت مقاطع الفيديو التعليمة الدينية الإسلاموية، ومقاطع الجمعيات الخيرية السلفية، والمواقع الإخبارية المتخصصة مثل “إسلام إنفو”، وغيرها من محتويات الجمعيات الأخرى التي تهاجم الإسلاموفوبيا باستخدام ممارسات مثيرة للشكوك. ولكي تتمكن هذه الإسلاموية من البقاء في فرنسا، لا يمكن أن تكتفي بتقديم خدمة دينية عبر الإنترنت فقط، لكنها تهتم أيضًا بجعل عملها واضحًا وضخمًا للغاية، وكان لا بدّ من إيجاد طرق أخرى لاختراق النسيج الاجتماعي وزعزعة المسلّمات السياسية لديمقراطية قديمة مثل فرنسا.

لذلك تكمن القوة في إنشاء العديد من دور العبادة ذات الخطاب الغامض إلى حدٍّ ما، الذي يتوافق بشكل ما مع العقيدة الجمهورية ويسلّط الضوء على الشخصيات المعروفة جيدًا، كمغنيي الراب والكوميديين، بهدف استقطاب أكبر عددٍ من الأشخاص الذين يمكنهم بشكل أو بآخر تقديم أنفسهم باعتبارهم ينتمون إلى الهوية المسلمة.

ويظهر قادة تلك الحركات بمظهر حداثي، وعندما يكنّ من النساء، نجد أنهنّ لا يرتدين الحجاب على الرغم من عملهن الدعوي. وبفضل علمهم الجيد بالثقافة الفرنسية، وقربهم من الشباب ومظهرهم العصري وخبرتهم في ممارسة التخفي، ينقل هؤلاء القادة خطابًا عنصريًّا ساخرًا من العلمانية، ويستخدمون “نحن” و “هم” بإصرار مثير للقلق.

وتكمن عبقرية النشطاء الإسلامويين في خوضهم النضالات السياسية الحديثة الكبرى لحسابهم، مثل قضيتي النسوية ومناهضة العنصرية، وبالطبع الهوس بقضية الاستعمار والعِرق، ويُعدّ العمل على هذه القضايا بمثابة ضربة من شخص متمكن لأن هذه الموضوعات تتمكن من وجدان الشباب في بلدنا الذي يضم شبابًا من جميع الأصول وجميع الأديان، وغالبًا ما يعانون من صراع الهوية. كما نجد أنهم يقدّمون الدين، الذي هو الإسلام في هذه الحالة، كحقيقة لا مفر منها في المعارك السياسية، وهذا الأمر ليس بجديد، فدائمًا ما ارتبط الإسلام بمناهضة الاستعمار.

وهكذا تصبح المفاهيم أو الممارسات القادمة من الزمن السحيق، مثل الازدراء والكفر والخضوع ووصم المرأة، أمرًا شائعًا، والشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، المستعد لخوض جميع النضالات التحررية، بات أسير هذه الظاهرة الدينية. واليوم، أصبح بوسعنا أن نلاحظ الفجوة الكبرى بين شباب النسويات المثليات اللائي ينتقلن من الدفاع عن الحجاب الإسلامي إلى الدفاع عن كراهية الذكور، دون أن يمثّل هذا الأمر أدنى مشكلة بالنسبة لهن؛ حيث اختلطت الآن كل هذه المعارك والنضالات.

وهكذا، يتم تدريجيًّا تشكيل وعي سياسي جديد على الإنترنت؛ ما يشكّل أرضًا خصبة للإسلام السياسي على الطريقة الفرنسية. ومن الصعب للغاية في هذا الإطار الأيديولوجي فرز المعارك المشروعة عن الحمقى المستخدَمين والمتواطئين الحقيقيين مع الإسلاموية الفتاكة، لا سيما وأن ظاهرة تقارب مجالات النضال قد امتدت بالفعل للولايات المتحدة وجزء من أوروبا.

وللأسف، نعلم جميعًا العقوبة التي يتعرض لها أي شخص يجرؤ على انتقاد هؤلاء الأفراد في أوروبا؛ ففي أحسن الأحوال، سيتعرض هذا الشخص لتهمة العنصرية أو “الإسلاموفوبيا”، وفي أسوأها سيتم شن حملة ضخمة عليه، وسيجري ترويجها بشكل جيد، وهذا الأمر يساعد بشكل خاص على ترهيب الشباب الأكثر هشاشة تجاه الإحساس بعدم المساواة، ويولّد أيضًا إحساسًا بالاضطهاد لدى العديد من المواطنين ورغبةً في الانتقام، وخير دليل على ذلك تلك الهجمات التي تُرتكب على أراضينا مرارًا وتكرارًا.

وأخيرًا نعلم أن وراء بعض هذه الشبكات جمعيات إسلاموية أو سلفية دولية ودول تدعمها، فيا له من تحدٍّ هائل يشكّل سياسات بلدنا تدريجيًّا، والمواطنون الفرنسيون المسلمون السود، أحفاد البلدان المستعمرة سابقًا، يجدون أنفسهم محاصرين في هذه الرذيلة، بين الدين والتحرر الضروري والنضالات الاجتماعية ومكافحة العنصرية وصراعات الهوية، وهذا الأمر يمثّل دوارًا حقيقيًّا بالنسبة لليبراليين من جميع الأطياف، الذين لا يستطيعون معارضة هذه المعارك النضالية من حيث المبدأ، لكنهم لا يستطيعون أيضًا تحمل رؤية الشباب الفرنسي فريسة للإسلامويين.. فما المخرج؟!

إنها العقوبة عندما يسمح القانون بذلك. لكن بالنسبة للباقي، فالأمر يتعلق بصراع سياسي يتعيّن علينا أن نتصرف فيه بحزم وذكاء، ونحقق ونستنكر ونعلن عن الأسماء المتورطة، وأن نكون حاضرين في الأحياء، ونستمر في تعليم ديمقراطيتنا والمبادئ العالمية التي نؤمن بها والكفاح من أجلها، ولا ننخدع، وأن نحمل راية مناهضة للعنصرية ومحاربة عدم المساواة، مع تجنب فخاخ الخصوم.

وقبل كل شيء، يجب معرفة كيفية الاعتراف بالإسلام التقدمي ودعمه في كل مكان، وليس فقط في فرنسا. ويجب أيضًا أن نتذكر كل الذين ماتوا في الجزائر وتونس ومصر ومالي ونيجيريا وإيران وأفغانستان وسوريا والمملكة العربية السعودية، والعديد من البلدان الأخرى لتحديهم الإسلاموية.

ما الوزن الحقيقي لتركيا داخل إسلام فرنسا؟

واستعرضت جريدة “لوموند” مقدار التأثير التركي على الملف الإسلامي الفرنسي، وذلك بعد تصاعد حدة الخلافات بين أنقرة وباريس، حيث تُعدّ تركيا هي المورد الرئيس للأئمة العاملين في فرنسا بنظام الإعارة، وهو النظام الذي يريد الرئيس ماكرون إنهاءه. وبالرغم من استمرار النفوذ التركي داخل الإسلام في فرنسا، غير أنه لايزال متواضعًا.. فهل يسيطر أردوغان الآن على إسلام فرنسا؟

لقد أدت عمليات التراشق بين أنقرة وباريس، بالإضافة إلى قضية تمويل العقيدة الإسلامية الشائكة وتصاعد الهجمات الجهادية، منذ أكتوبر الماضي، إلى عدة مغالطات حول مكانة الإسلام التركي في فرنسا. ووفقًا لإشاعة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن 50٪ من الأئمة في فرنسا يأتون من تركيا، كما قدر السناتور الإيطالي المحافظ أندريا كانجيني، أثناء إدانته للهجوم على كاتدرائية نوتردام في نيس، أن “تركيا تموّل 50٪ من المساجد الفرنسية، وتجذب العديد من تيارات التطرف الإسلاموي، وفقًا لأجهزة الأمن بباريس”.

وفي الواقع، فإن تلك الأرقام خاطئة؛ حيث تمثل المساجد أو الأئمة الأتراك خُمس الإسلام في فرنسا على الأكثر، ومع ذلك، يتمتع ممثلوها بنفوذ وطموحات متزايدة.. فما تفسير ذلك؟

يقدّر عدد السكان الأتراك أو السكان من أصل تركي في فرنسا بحوالي ٧٠٠ ألف شخص، أغلبهم من المسلمين، ويرتكز عدد كبير منهم في شرق البلاد، لا سيما في مدينتي ستراسبورغ ومولوز. ووفقًا لتقديرات مختلفة، فإن هناك ما بين 300 و400 دار عبادة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالجالية التركية في جميع أنحاء فرنسا من بين 2600 مسجد فرنسي؛ أي نسبة 15٪ من دور العبادة على أقصى تقدير. علاوة على ذلك، توفر تركيا 50٪ من “الأئمة المعارين”، هؤلاء الشيوخ الذين ترسلهم دول أخرى للإشراف على الجالية المسلمة في فرنسا وتعويض النقص في الأئمة المتدربين، والذي يريد ماكرون الآن الاستغناء عنهم؛ ومع ذلك، فإن المسئولين الدينيين الذين أرسلتهم أنقرة لا يمثلون سوى جزءًا صغيرًا من العدد الإجمالي للأئمة في فرنسا الذين يقدر عددهم ما بين 1500 و1800 إمام.

كيف يتم تمويل هذه المنظمات؟

يعود الفضل في وجود ما يقرب من 80٪ من المساجد في فرنسا إلى مجهودات المسلمين أنفسهم، الذين يساهمون في إقامتها في شكل مساهمات أهلية أو تبرعات، والمساجد التركية ليست استثناءً من هذا، لكنها تعتمد بشكل أكبر على المصلين الأكثر ثراءً.

يقول المتخصص في علم الاجتماع “أوميرو مارونغيو بيري” مؤلف كتاب (إنهاء مفاهيم خاطئة عن الإسلام والمسلمين): “إن للجالية التركية ثقلًا اقتصاديًّا مُهمًّا للغاية، من خلال اقتصاد الخدمات والعقارات، الذي حقق فيه مواطنوها ثرواتهم”؛ ومن ثم فإن عملية جمع الأموال تتم بشكل أسرع، في فترة تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات لبناء مسجد، مقارنةً بخمس إلى عشر سنوات في المجتمع المغاربي. من ناحية أخرى، تتكفل تركيا بدفع رواتب 151 إمامًا منتدبًا إلى فرنسا، فضلًا عن 56 مساعدًا مؤقتًا، كما موّلت أيضًا كلية الدراسات الإسلامية التي افتُتحت في ستراسبورغ عام 2012.

ما الأطراف الفاعلة في الإسلام التركي بفرنسا؟

ويتشكل الإسلام التركي، أو بالأحرى أفرع الإسلام التركي في فرنسا، من ثلاثة هياكل رئيسية، اثنان من المذهب السني مقربان من بعضهما البعض، وفرع ثالث مخالف للاثنين السابقين: فاتحاد الشئون الثقافية التركية الإسلامية، المنبثق من وزارة الشئون الدينية التركية في فرنسا، يمثّل الصوت الرسمي والتاريخي للطائفة السنية التركية المعتدلة تاريخيًّا، ويضم 280 جمعية و151 من الأئمة الأتراك أو من ذوي الأصول التركية العاملين بنظام الأئمة المعارين.  

أما حركة مللي جوروش أو “الرؤية الوطنية”، فهي منظمة إسلامية أوروبية، مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، ولديها 100 ألف عضو في جميع أنحاء القارة الأوروبية، ويشرف فرعها الفرنسي (CIMG) على 300 جمعية وعشرات الآلاف من المؤمنين في فرنسا.

والفرع الثالث وهو الاتحاد الفرنسي للعلويين (FUAF)، ويمثل فرعًا غير نمطي من الإسلام، يتخذ نهجًا صوفيًّا توفيقيًّا ومتساهلًا، حتى أن بعض العلويين يدحضون انتماءهم إلى الإسلام. ويعارض هذا الفرع بشدة الإسلام التركي الرسمي وأردوغان، حيث يتعرض لسياسة تهميش في تركيا بالرغم من أن العلويين يمثلون 20٪ من الأتراك في فرنسا.

هل يمكن اعتبارهم من تيارات الإسلام المتطرف؟

ليس صحيحًا؛ فمن الواضح أن الحركة العلوية معادية بشكل كبير للإسلام الراديكالي، وكذلك لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يمكن وصفها بأنها متطرفة. ويمكن قول الشيء نفسه، ولكن بدرجة أقل، عن اتحاد الشئون الثقافية التركية الإسلامية. على الرغم من أنه اقترب كثيرًا من النموذج الإسلامي المنفصل الهوية منذ انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنه يقوم الآن بحملة لدعم العيش في فرنسا، وأدان بشدة الهجمات الأخيرة في فيينا ونيس.

أما بالنسبة لأعضاء حركة “مللي جوروش”، فينتهجون منحىً قوميًّا محافظًا للغاية. يقول جان ماركو، الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجرونوبل، والمتخصص في شئون تركيا المعاصرة: “في رأيي، هؤلاء ليسوا سلفيين ولا متطرفين؛ لكنهم يشغلون مناصب تقليدية ودينية”.

هل هم متأثرون بتركيا؟

باستثناء العلويين، نعم جميعهم متأثر بها. فبعد أن ظل الإسلام السني التركي مستقلًا نسبيًّا في فرنسا حتى التسعينيات، إلا أن الوضع تغير منذ ذلك الحين. يقول صميم أكغونول، مدير قسم الدراسات التركية في جامعة ستراسبورغ: “لم يعدّ الإسلام التركي السُّني في فرنسا يتمتع بأي استقلالية. ويجب القول إن مللي جوروش، منذ أن تم إحياء الحزب السياسي الخاص بها في تركيا، تتخذ موقفًا أكثر معارضة فيما يتعلق بالرئيس أردوغان. لكن بشكل عام، جميع الأفرع الإسلامية التركية في فرنسا متحالفة مع أنقرة”.

ومن أجل الحفاظ على هذا الرابط، يحرص الرئيس التركي على الظهور دوليًّا كحامي حمى المسلمين السنة المهضومة حقوقهم؛ ومن هنا كان احتجاجه على ماكرون والعلمانية الفرنسية. وفي الواقع يتعلق هذا الموقف بهدف انتخابي وهو: الأتراك في أوروبا، الذين يمثّلون نحو ثلاثة ملايين ناخب، أغلبهم من الشاب والمحافظين والمتدينين للغاية. وخارج العواصم الأوروبية، مثل باريس، يصوّت هؤلاء الأتراك بشكل أساسي لصالح أردوغان.

يقول أوميرو مارونغيو بيريا: “أردوغان ليس شخصًا متدينًا جدًا من حيث الجوهر، لكنه استراتيجي جيد ويعرف كيف يستخدم القضية الدينية لأغراض انتخابية. ففي السنوات الأخيرة، قدّم العديد من التعهدات للإسلاميين على أمل إعادة انتخابه”.

ما التأثير الحقيقي للمسلمين الأتراك في فرنسا؟

إنهم يمتلكون تأثيرًا متزايدًا، يقول سميم أكجونول: “من الناحية التاريخية، لطالما كان المسلمون القادمون من تركيا هامشيين في فرنسا. لكن من ناحية أخرى، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، كان هناك نشاط غير مسبوق من جانب الأفرع التركية الثلاثة، الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك دور المراكز الثقافية، والمدارس والجمعيات الفرنسية التابعة لتركيا. ونتيجة لذلك، تمكن أحمد أوجراس، الوجه السياسي لاتحاد الشئون الثقافية التركية الإسلامية، من أن يصبح أول رئيس تركي للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، ونجح الإسلام التركي في أن ينال أغلبية عدد المقاعد في المجلس، في سابقة تُعد الأولى منذ إنشائه في عام 2003”.

ومع ذلك، يعاني هذا التطور أيضًا من صعوبات؛ فمن الناحية المالية، توقف المشروع الضخم لبناء مسجد أيوب سلطان، الذي أطلقته حركة مللي جوروش في ستراسبورغ في عام 2019 بميزانية بلغت 32 مليون يورو؛ بسبب نقص التمويل. ومن الناحية الاستراتيجية، يذهب العديد من الأئمة المدربين الشباب إلى تركيا لاستكمال الدراسة الجامعية الدينية الخاصة بهم، لكنهم يفضّلون البقاء هناك بفضل الظروف المعيشية المواتية للغاية من الناحية المالية.

وأخيرًا، وعلى العكس من ادّعاءات التيارات السلفية الأخرى في العالم، فإن الإسلام الرسمي في تركيا يتسم بطابع قومي ويظل جمهوره مقصورًا على المتحدثين باللغة التركية؛ ولذلك نجد أن الإسلام الفرنسي لا يزال يعتمد على الانتماءات القومية والعِرقية، ونجد الأتراك يتحدثون اللغة التركية في المساجد، ونلاحظ أيضًا اختلافات قليلة جدًّا في الممارسات الدينية بين الأتراك والمغاربة، وهما الطائفتان الرئيسيتان للإسلام في فرنسا.

الموجة الثانية من كورونا قد لا تكون الأخيرة

وفي إطار آخر، سلطت جريدة “لوباريزيان” الضوء على مستقبل وباء كورونا في فرنسا؛ حيث يرى المجلس العلمي الفرنسي المكلف بمحافحة وباء كورونا أن باريس قد تخرج من الموجة الثانية في نهاية العام أو بداية عام 2021، لكن الفرنسيين لن ينتهوا بعدها من فيروس كورونا. فماذا لو لم يكن هذا الحجر الصحي الجديد هو الأخير؟ في الواقع، يبدو الخروج من النفق بعيدًا بالفعل. يقول المجلس العلمي: “لا شك أن الموجة الثانية من وباء كوفيد -19 ليست الأخيرة.. ويمكننا أن نتعرض لعدة موجات متتالية خلال نهاية الشتاء والربيع المقبل”.

ويحذر المجلس المسئول عن تقديم المشورة للحكومة الفرنسية، قائلًا “لا يزال أمامنا عدة أشهر سنعيشها في وضع صعب للغاية. ومن العسير التكهن بمدة استمرار الموجة الثانية، لأنها تعتمد على الفيروس وبيئته المناخية، والتدابير التي ستُتّخذ للحد من انتشاره وتأثيرها عليه”، وتابع المجلس في بيانه: “يمكننا الافتراض أننا سنخرج من الموجة الثانية في نهاية العام الجاري أو بداية عام 2021، وينبغي أن يكون هذا الخروج مصحوبًا بعودة معدلات انتشار الفيروس إلى مستوى مقبول للغاية، بنحو خمسة آلآف إلى ثمانية آلآف حالة إصابة جديدة في اليوم كحد أقصى”.

ومن خلال الإعلان عن إعادة فرض الحجر الصحي حتى 1 ديسمبر، أشار الرئيس ماكرون إلى أن الهدف من هذا الإجراء الوصول إلى حوالي خمسة آلآف حالة يوميًّا، مقابل ما بين 40 ألف و 50 ألف حاليًا.

الإجراءات لن تكون كافية لتجنب المزيد من الموجات

من جانبه، أكد وزير الصحة الفرنسي “أوليفيه فيران” أن “الكريسماس لن يكون عطلة عادية هذا العام، وأنه سيكون من الضروري الحفاظ على مستوى من الحماية للسكان يكفي لتجنب موجة ثالثة بينما نحن في انتظار اللقاح”. لكن المجلس العلمي كان أكثر تشاؤمًا؛ فبحسب قوله: “مهما بلغ نجاح الإجراءات التي سيجري تنفيذها؛ فلن تكون كافية على الأرجح لتفادي موجات أخرى بعد الموجة الثانية”؛ وبالتالي، يمكننا أن نشهد عدة موجات متتالية خلال نهاية شتاء – ربيع 2021، اعتمادًا على عناصر مختلفة، كالحالة المناخية، والمستوى والكفاءة التشغيلية لاستراتيجية الفحص والتتبع وعزل الحالات الإيجابية، ولذلك سيكون على الحكومة إدارة الموجات المتتالية حتى وصول اللقاحات الأولى، وربما في الربع الثاني من عام 2021.

فترات متناوبة من القيود والاسترخاء

ويمكن إدارة هذه الموجات المتتالية بطرق مختلفة: أولًا: يمكننا التفكير في اتباع استراتيجية التشغيل/الإيقاف، أي التبديل بين فترات متناوبة من القيود والاسترخاء للحد من انتشار الفيروس. فهل هذا ممكن على المدى الطويل؟ وهل سيقبل الفرنسيون مثل هذه الاستراتيجية، وهل هي مُجدية اقتصاديًّا؟ وهنا يؤكد المجلس العلمي برئاسة البروفيسور جان فرانسوا دلفريسي أن تلك التساؤلات طُرحت بالفعل ولم يتم الرد عليها بعد.

وهناك استراتيجية أخرى تسمح بالحفاظ على الفيروس بمعدل انتشار أقل من عتبة خمسة آلآف إصابة في اليوم، وذلك باتّباع سياسة قمع الدورة الفيروسية، على غرار العديد من البلدان الآسيوية والدنمارك وفنلندا وألمانيا، وهذه الاستراتيجية تنطوي على إجراءات قوية ومبكرة في كل مرة يستأنف فيها الوباء تفشيه. وفي النهاية، يرى المجلس العلمي أن هذه الاستراتيجية هي الضامن الأفضل للحفاظ على النشاط الاقتصادي.

ربما يعجبك أيضا