الصحافة الفرنسية| نجاح إماراتي في الحصول على المقاتلة F35.. وهل أخطأ ماكرون في خطابه ضد الإسلامويين؟

مترجمو رؤية

واشنطن تزوّد الإمارات بالمقاتلة إف-35

أبرزت جريدة “لوماتان” السويسرية نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في الحصول على المقاتلة إف-35؛ حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرًا عن تزويد الإمارات بأحدث جيل من الأسلحة بمبلغ إجمالي قدره 23 مليار دولار، بما في ذلك 50 مقاتلة شبحية من طراز F-35 التي تخشاها إسرائيل.

وفي بيان له، قال بومبيو: إن الصفقة التي تأتي “تماشيًا” مع الالتزام الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة، على حد قوله، تشمل أيضًا 18 طائرة من دون طيار مسلحة من طراز MQ-9 “ريبر”.

ولطالما أرادت الإمارات شراء طائرات F-35 وMQ-9 من دون طيار، لكن إسرائيل اعترضت على الحفاظ على تفوقها التكنولوجي، لكن منذ اعتراف الإمارات بالدولة العبرية في 15 سبتمبر، أعطت واشنطن تطمينات لإسرائيل. وقال بومبيو: “إن القرار التاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يوفّر فرصة تاريخية لتغيير إيجابي في المشهد الاستراتيجي للمنطقة، وتابع: “خصومنا، لا سيما في إيران، يعرفون ذلك ولن يتوقفوا عند أي شيء لمنع هذا النجاح المشترك”. وكما هو معتاد في الولايات المتحدة، يجب على وزارة الخارجية إخطار الكونجرس بأي بيع كبير لأسلحة أمريكية إلى دول أجنبية، ويكون أمام المسئولين المنتخبين 30 يومًا للاعتراض عليه.

انتشار الأسلحة

من جانبهم، قال نواب ديمقراطيون منتخبون، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت تستعد للموافقة على بيع الطائرة F-35، وهم قلقون من خطر “انتشار الأسلحة” في الشرق الأوسط، كما أعربت كل من قطر والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص عن اهتمامهما بهذه الطائرة الشبحية، التي يصعب اكتشافها بواسطة الرادار، وتتضمن الصفقة 50 طائرة من طراز F-35، مقابل 10.4 مليار دولار، و18 طائرة من دون طيار مسلحة MQ-9B، مقابل 2.97 مليار دولا، وذخيرة جو – جو، وجو – أرض بقيمة 10 مليارات دولار. وتاريخيًّا، عارضت إسرائيل بيع طائرات F-35 إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن ومصر اللتان وقّعتا معها اتفاقيات سلام، لأنها تريد الحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي.

الإسلامويون يحتكرون الخطاب الإسلامي على شبكات التواصل الاجتماعي

من جانبه، سلّط موقع “فرانس تي في انفو”، الضوء على تقرير نشره معهد مونتين مؤخرًا بعنوان “مصنع الإسلاموية”، وفي هذه الوثيقة المكونة من 600 صفحة، يؤكد المؤلف “حكيم القروي” أن الهدف من هذه الدراسة هو فهم كيفية عمل الإسلاموية من أجل التصدي لها بشكل أفضل، ولتوضيح وفهم سلسلة النقل الكاملة التي تبدأ من إنتاج هذا التفسير للعالم إلى الديناميكيات التي تسمح بانتشاره في فرنسا وأوروبا.

فعلى شبكة الإنترنت، يحتكر الإسلامويون الخطاب في جميع المسائل المتعلقة بالدين الإسلامي في العالم، وتشير الدراسة إلى أن “أشهر الحسابات وأكثر صفحات الفيسبوك متابعة، ترتبط بمفكرين من جماعة الإخوان المسلمين، أو مفكرين سلفيين، وهذه الحقيقة تمتد إلى المستوى العالمي والوطني. وبالمقارنة، نجد أن صفحات المفكرين المسلمين المعتدلين والمستقلين ضعيفة.

مقترحات تنظيمية

ومن خلال التقرير، يقترح “القروي” عدة حلول لمحاربة التطرف، ويتحدث عن استحداث أداة تكون تابعة لمنظمة وتعمل على خدمة المسلمين وتنظم الأسواق، لا سيما صناديق تمويل العبادة، ووكالات السفر التي تقدّم تأشيرات الحج وشهادات الحلال المزيفة. ومن بين الأمور الأخرى التي اقترحها “القروي” في الدراسة أنه في فرنسا، تُعد إعادة تنظيم العبادة لمحاربة الإسلاموية أمرًا ضروريًّا وستؤدي إلى إنشاء مؤسسة مسئولة عن تنظيم وتمويل الدين الإسلامي من تدريب ومكافأة للأئمة، وبناء دور العبادة، والعمل الديني ومكافحة الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية وهي: الجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا (AMIF)، بالإضافة إلى ذلك، فإن من الضروري أن يكون الخطاب الديني الإسلامي بالفرنسية، ويستبدل الخطاب السائد اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي والخطاب السلفي.

وتابعت الدراسة: “داخل الدولة، سيكون على وزارة التعليم تدريب المدراء والمعلمين على العلمانية، ومن الضروري إعادة إطلاق تعليم اللغة العربية؛ حيث كانت دروسها بالمساجد أفضل طريقة ينتهجها الإسلامويون لجذب الشباب”. ويعتقد حكيم القروي أن الدولة غير ملزمة بتمويل هذه الحلول، ولكن هذا الأمر يقع على عاتق المجتمع المسلم نفسه، ولفت إلى أنه لن يتم إحراز أي تقدم ما لم تتحرك الأغلبية المسلمة الصامتة، أما إذا ترك المسلمون دينهم للإسلاميين، فسيتحملون بعض المسئولية في تدهور الوضع، ويجب على الدولة التحدث إلى المجتمع المسلم لأنه لم يقم أحد بهذا العمل من قبل.

دعوة متعددة الأشكال

وتهدف الإسلاموية لإنشاء مشروع عالمي يتخذ من الدين بيئة معيشية ومشروعًا للفرد والمجتمع، وذلك عبر ثلاثة تيارات: السلفيون الذين يرغبون في العودة إلى ما كان عليه الأجداد المتدينين، والإخوان المسلمين، والأتراك. هذه التيارات الثلاثةـ التي تستهدف المسلمين بشكل رئيسي، لها نفس الهدف وهو أسلمتهم وتحويلهم إلى نفس الرؤية للإسلام، لكنهم ينتهجون أساليب مختلفة لنشر أيديولوجيتهم؛ فبينما يدعو السلفيون، عبر شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، فإن جماعة الإخوان المسلمين تستثمر في الأعمال المحلية أو الخيرية.

وفي النهاية، يمارس الأتراك السيطرة الاجتماعية من خلال الدين، ويخاطبون الفرد التركي المسلم المقيم في فرنسا بشكل أساسي. وبتعبير أدق، فإن من بين ستة ملايين مسلم في فرنسا؛ يوجد 4.5 مليون منهم تحت سن 15 عامًا، ويمثل التيار الإسلاموي أقلية بنسبة 28٪، وفقًا لحساب حكيم القروي، الذي يؤكد أن تقريره “ليس تقريرًا عن الإسلام في فرنسا ولكن عن الإسلاموية في العالم، بما في ذلك فرنسا.

فرنسا لن تتمكن من محاربة الإسلاموية مادامت تغفل ماهيتها

وفي السياق، ناقشت جريدة “أطلانتيكو” مع السيد جان لوك شافهاوزر، العضو السابق في البرلمان الأوروبي، تحديات هذ الملف، لا سيما بعد أن بدأ الرئيس ماكرون والحكومة محاربة النزعة الانفصالية والأصولية. وتعود حقيقة الإسلام إلى ما كان عليه قديمًا في تاريخنا، لكن الآن أصبح اسم العدو هو: الإسلام المتطرف، وإذا استطعنا استيعاب الهدف السياسي من هذا الموقف وهو: تجنب مواجهة متهورة وعديمة الجدوى مع 50٪ من المسلمين في فرنسا الذين يقولون إنهم يعيشون على هامش الجمهورية، ومن بينهم 28٪ من المتعصبين، وذلك فقًا لتقرير المعهد الفرنسي للرأي العام لعام 2016. ومع ذلك، فمن الضروري فهم الأسس أو المنطق اللاهوتي للإسلام وإلا فسيكون من الصعب فهم الموقف الراهن، وفهم لماذا يرى 69٪ من المسلمين أن نشر الرسوم الكاريكاتورية الدينية أمر خاطئ، وفقًا لاستطلاع المعهد ذاته لعام 2020.

إن الإسلام ليس مجرد دين؛ بل هو سياسة دينية وحضارة وقانون ومجتمع. ونحن الفرنسيين، القادمين من حضارة مسيحية، بالكاد نستطيع أن نفهم هذا الطابع العالمي للدين السياسي وللسياسة الدينية؛ لأنه حتى في ظل حكم ملوكنا المسيحيين، كان البعض يسعى لاستغلال الدين بشكل مسيء، وكان من الضروري إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. لقد كانت هناك استقلالية لكل ما هو ديني عما هو روحي، مع مراعاة السيادة الخاصة لكل منهما.

لذا فإن القول بأننا نحارب الإسلام السياسي يعني منطقيًّا أننا نحارب الإسلام، والدفاع عن الرسوم الكاريكاتورية هو نوع من معارضة النظام الإسلامي الديني والسياسي. ومن خلال التمييز بين الإسلاموية والإسلام، شن رئيسنا، دون أن يدرك ذلك، حربًا بين الحضارة والدين؛ لأن العلمانية الجمهورية ليست سوى علمانية مسيحية مبتذلة.

إذًا ما العمل؟! إذا كان علم اللاهوت والفلسفة يفسّران المنطق النظامي للإسلام وللجمهورية العلمانية أيضًا، فيجب على السياسي أن يتصرف بحكمة وحزم من خلال التكيف مع الحقائق المتعددة للنماذج المختلفة من الإسلام، مع الحفاظ على رؤية واضحة للمبادئ ومنطقها؛ فالإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تدعو المسلمين في فرنسا إلى احترام قوانينها ومحاربة “الإسلاموية”، والرئيس السيسي في مصر يخاطب علماء الدين في الأزهر لحثهم على إصلاح الإسلام؛ لذلك لدينا حلفاء داخل العالم الإسلامي نفسه يقاتلون ضد الإسلاموية.

وهكذا يمكن لفرنسا أن تتحالف مع المسلمين المعتدلين، ولكن يجب عليها أيضًا أن تبتعد عن دينها السياسي العلماني لاستعادة تقاليدها في الحرية الناتجة عن السمو المسيحي الذي يشكّل حضارتها؛ فباسم هذه الحرية، نحن مدينون للمسلمين بالاحترام في دينهم، ويجب علينا أيضًا أن نخاطب قلوبهم وذكاءهم ونتوقف عن التلويح بقطعة قماش حمراء من الرسوم الكاريكاتورية التي تفرض عليهم الدفاع عن أصالتهم.

وسياسيًّا، يجب بالاتفاق مع الدول الإسلامية المعتدلة، أن نطالب جميع أئمة فرنسا بالتوقيع على ميثاق حرية الدين والمساواة بين الرجل والمرأة، والأخوة العالمية مع الطرد الفوري للإسلامويين، والأئمة الذين يرفضون التوقيع عليه، وإغلاق مساجدهم وطرد جميع الأئمة المعارين من الدول التي تهاجم فرنسا، ويجب أن يتم هذا الإجراء بالتزامن مع طرد جميع الأجانب المسجلين من الدرجة “إس تطرف إرهابي” مع طرد الأجانب الجناة، بما في ذلك أولئك الذين يحملون الجنسية المزدوجة.

وللعمل وفقًا لهذه الرؤية المنهجية المصحوبة بسياسة تتكيف مع واقع عالمنا، تحتاج فرنسا إلى رئيس دولة يستعيد سيادة الأجهزة واحتكارها للقوة. ومثل هذه السياسة لن تكون ممكنة إلا في إطار ثقافة حرية حضارتنا، أي بموافقة الشعب عبر اللجوء للاستفتاء الموسع، الذي يستخدم في حالة الضرورة.

صعوبة في توضيح معنى الإسلاموية للعالم الإسلامي

من جانبها، ذكرت جريدة “لاكروا” أن الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش في مقبرة جدة بالمملكة العربية السعودية، خلال إحياء ذكرى 11 نوفمبر، أظهر مرة أخرى التوترات بين فرنسا والعديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وحاول إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته بالفعل العمل على بث رسالة “توضيح واسترضاء”، لكن المصطلحات المستخدمة لا تزال تتسبب في تشويش هذه الرسالة.

لماذا تبذل فرنسا كل هذه الجهود تجاه العالم الإسلامي؟

أوكل ماكرون إلى وزير خارجيته، جان إيف لودريان، مهمة دقيقة تجاه العالم الإسلامي تتمثل في “التوضيح والتهدئة”. وحتى لو باءت محاولة مقاطعة المنتجات الفرنسية بالفشل، إلا أن خطاب رئيس الجمهورية حول الانفصالية الإسلاموية في 2 أكتوبر الماضي، الذي ألقاه في جامعة السوربون أثناء التكريم المعلم صامويل باتي، أعاد المصداقية مرة أخرى لفكرة عداء فرنسا للإسلام والمسلمين.

والتقى لودريان، أثناء زيارته لمصر بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وقبل ذلك بأيام قليلة، لم يدّخر ماكرون، في مقابلة مع فضائية الجزيرة القطرية، أي جهد في محاولة شرح العلمانية للجمهور العربي المسلم وقال: “العلمانية مصطلح معقد لدرجة تؤدي إلى الكثير من سوء الفهم”، وتابع رئيس الجمهورية الفرنسي قائلًا: “كنت أتابع ما كان يُكتب على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بكم، ويُبث عبر أثيركم، لكن بالنسبة للمسلمين الفرنسيين، ومسلمي العالم كذلك، أود أن أقول لهم إن فرنسا تضمن حرية ممارسة هذا الدين، ولا يوجد تضييق أو عنصرية، وكل ما يثار عن هذا خطأ”.

هل تحدث التوترات بسبب الاستغلال؟

إن التفسير الأول الذي يتم تداوله لدى المقربين من الرئيس الفرنسى، يرى أن الغضب الذي جرى التعبير عنه في الكويت وغزة والأردن، جاء نتيجة لاستغلال بعض وسائل الإعلام العربية والتركية. حيث قال جان إيف لودريان في نهاية شهر أكتوبر: “دعونا لا نستمع إلى الأصوات التي تريد إثارة حالة عدم الثقة، ودعونا لا نعلّق في شباك أقلية من الاستغلاليين”.

وفي الواقع، يستند هذا الاتهام إلى أساس؛ ففي تركيا، يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان والصحافة التي يسيطر عليها إثارة حالة من الاستياء تجاه فرنسا، ويرى مارك لافيرن، مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمتخصص في شئون الشرق الأوسط، أنه “في هذه اللحظة معقدة، امتلك ماكرون الشجاعة أو الذكاء الكافي للظهور على الشاشة الفضائية الأقل استعدادًا لاستقباله وهي قناة الجزيرة، التي تأسست في الدوحة عام1996، على يد أمير قطر، الراعي الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في العالم. وكما اشتهرت القناة باحترافيتها، اشتهرت أيضًا بأنها انعكاس لازدواجية الإمارة التي يحكمها نظام استبدادي ديني في إطار مظهري خارجي لملكية منفتحة”.

لكن عادل بكوان، مدير معهد البحوث والدراسات المتوسطية والشرق أوسطيّة، شكك في هذه الرأي؛ فمن وجهة نظره، أخطأ ماكرون بالتدخل في مثل هذا الموضوع في سياق شديد الحساسية للمسلمين، وفي رغبته في تفسير موقفه؛ لأن الشيء الوحيد الذي ينتظره المبادرون بالمقاطعة هو أن يعتذر، وبما أنه استبعد هذا الحل منذ البداية، فكان من المهم عدم الرجوع إليه، ولديّ قناعة بأن الرئيس الفرنسي قدّم بهذا التصرف فرصة غير متوقعة لنظيره التركي للظهور كزعيم للعالم الإسلامي.

هل تستطيع فرنسا توضيح الأمر للعالم الإسلامي؟

يرى الباحثون أن سوء الفهم يعود بشكل أساسي إلى المصطلحات المستخدمة؛ حيث يوضح الباحث عادل بكوان أن كلمة “الإسلاموية” متعددة المعاني ومثيرة للجدل؛ فهي مفهومة لدى الباحثين الفرنسيين، ولكن معناها غير واضح في العالم العربي الإسلامي، ويجب على ماكرون استخدام مصطلحات أقل إثارة للجدل مثل “الجهاد” أو “الإرهاب”. ويقول مارك لافيرن: “إذا أردنا أن نضم الشارع العربي السلمي إلى صفنا، فيجب أن نكتفي بالحديث عن المجرمين. فهل كان الرئيس الفرنسي واضحًا بشأن هدفه وهم: السلفيون الذي ينسحبون إلى أماكن منعزله أو يلجأون إلى العنف”.

وبالنسبة إلى جان درويل، الباحث في المعهد الدومينيكي للدراسات الشرقية، فإن سوء الفهم يعود إلى مشكلة في المفردات ولكنه يتجاوزها أيضا: “فهنا في مصر، يعرف الجميع مَن هو المتطرف ويعرفون كيف يلبس، وكيف يأكل، وإلى أي مسجد يذهب. ويعلمون أيضًا أن لديه مشروعًا انفصاليًّا ومتطرفًا يستخدم الدين، لكن ما هو غير مفهوم على الإطلاق ولا يطاق حتى بالنسبة لمسلم يتبع الأزهر، إنه استخدام مصطلح مشتق من كلمة “إسلام” لوصف “التطرف”.

وتابع جان درويل: “بالنسبة للمسلم، لا يمكن أن يشير مصطلح (إسلام) إلا إلى الحقيقة الطاهرة والكاملة للدين التي أرادها الله وأعلنها على نحو مفصل. ولا يشير لا إلى إنجازاته التاريخية ولا إلى المجتمعات والثقافات التي تنتمي إليه؛ وبالتالي لا يمكن التطرق للربط بين الإرهاب والإسلام”.

وفي النهاية، قدّمت مقابلة ماكرون مع قناة الجزيرة توضيحًا رائعًا لحالة من عدم الفهم لظاهرة التطرف؛ حيث صرح الرئيس قائلًا: “يوجد اليوم عنف تقوم به حركات متطرفة باسم الإسلام”، وحرص على التذكير بأن “كل الأديان قد مرت بهذا النوع من الأزمات في تاريخها”. ومن جانبه صحّح مراسل القناة القطرية ذلك قائلًا: “الأزمة ليست في الإسلام، بل داخل المجتمع الإسلامي”.

من خلال منصة “المسلمون”.. الإسلامويون سعداء بالخلط بين الإسلام والإسلاموية  

وعبر جريدة “ماريان”، حللت “مارثا لي”، الباحثة في مشروع “إسلامست ووتش”، التابع لمؤسسة منتدى الشرق الأوسط البحثية الأمريكية، أداء منصة “المسلمون” التي أنشأها مروان محمد، الرئيس السابق لتجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا.

تعزيز تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا

وتبلغ مساحة مشروع مجمع نور التابع لمنصة “المسلمون” والمزمع إنشاؤه، ما يقرب من 150 مترًا مربعًا، ويتكلف مليون ونصف مليون يورو، كما تبلغ تكاليف تشغيله وصيانته نحو٢٠ ألف يورو سنويًّا، وفي الواقع تخطّط المنصة لمشروع كبير؛ فهذه المباني في منطقة باريس، والتي لم يتم تحديد عنوانها الدقيق بعد، تهدف إلى أن تكون متعددة المهام؛ بحيث تضم أماكن عمل وأماكن تصوير وورش عمل ومؤتمرات، قد يتناول بعضها موضوع الإسلاموفوبيا الشائك.

وتحت ستار تقديم “ميزة إضافية” للمسلمين الفرنسيين الذين لا يتعاطفون بالضرورة مع التنظيمات الرسمية المفترض أن تمثلهم، تستخدم منصة “المسلمون” ظاهرة الإسلاموفوبيا كحصان طروادة للدفاع عن الإسلاموية، ويبدو أن المنصة مسرورة بانتشارها، وتصف منصة “المسلمون” نفسها بأنها منصة تعاونية تجمع بين جميع الجمعيات والمساجد التي ترغب في العمل معًا في فرنسا، وهي لا تعمل فقط لخدمة جميع المسلمين؛ ولكن أيضًا لتحقيق المصلحة الجماعية.

وتفضّل المنصة إنشاء هيكل مرن بدرجة كافية، حيث يتنحى “مروان محمد” عن طيب خاطر لتسليط الضوء على المؤسسين الآخرين والمشاركين الذين استجابوا لهذا المشروع، بالإضافة إلى العديد من المتطوعين، ويتم إبراز هذا الجانب الجماعي باستمرار، والذي له ميزة كبيرة تتمثل في طمس المسئوليات الغامضة لمروان، ومع ذلك، كان من الممكن قبول المبادرة كما جرى عرضها؛ حيث كانت تهدف إلى تشكيل تمثيل حقيقي للمسلمين مع منحهم أيضًا الفرصة للمشاركة في المشروع إذا رغبوا في ذلك.

أهداف مثيرة للشك

والأمر الذي يستحق المزيد من الثناء، هو أنه لتجنب اللوم الموجه لبعض الهياكل الأخرى التي من المفترض أن تلعب دور تمثيل المسلمين ولكنها تعطي انطباعًا بأنها بعيدة عن الواقع اليومي لهم، تفخر منصة “المسلمون” بنفسها لأنها خاطبت المسلمين مباشرة. وفي الواقع، جرى إطلاق استبيان واسع النطاق، بهدف جمع آراء الجالية المسلمة في جميع أنحاء البلاد، وجمع أكثر من 27 ألف مشارك بالإضافة إلى 200 جمعية.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه مقارنةً بعدد المسلمين في فرنسا الذي يبلغ ملايين الأشخاص – على الرغم من وجود خلافات حول الرقم الدقيق وكذلك حول تعريف المسلم: هل هو الذي يمارس الدين أم الذي ينحدر ببساطة من مهاجرين من البلدان الإسلامية؟ – لا يمثل المشاركون – وعددهم ٢٧ ألفًا – سوى أقلية صغيرة على الصعيد الوطني. بيد أن وراء العبارات الجميلة للمنصة، أهدافًا مثيرة للشك، ولا تخفي المنصة ذلك، فهدفها واضح وتقره تمامًا وهو: تعزيز وتضخيم عمل شريكهم، وهو تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا، وهذه الخطة التي تضع إطار عمل ملموس للمؤسسات والدولة، وما يجب عليهم فعله للقضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا، لا تذكر حتى الإسلاموية ولا تميز بين هذه الأيديولوجية والإسلام.

وبالتأكيد، عندما تدعو منصة “المسلمون” إلى وضع تعريف للإسلاموفوبيا التي تعني “كل أشكال التمييز والعنف ضد الأشخاص والمؤسسات، بسبب انتمائهم الحقيقي أو المفترض إلى الدين الإسلامي”، فإنها تدّعي بذلك أن التعريف القائم لا يشمل النقد الحر للأيديولوجيات. ولكن ماذا عن الأشخاص أو المؤسسات الذين يتم انتقادهم بسبب عضويتهم الحقيقية أو المفترضة في الإسلام السياسي، مثل تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا؟ يبدو من الأرجح أن المنصة ستنظر إلى أي نقد من هذا القبيل على أنه معادٍ للإسلام، وكذلك الأمر بالنسبة للربط بين بعض الممارسات الدينية والتطرف. وفي الواقع، من بين تدابير هذه الخطة، نجد تفكيك سياسات معالجة التطرف، والتي لا تحتاج على ما يبدو إلى الاستبدال، فبينما يرتبط التطرف بالممارسات الدينية؛ تدعو المنصة إلى تفكيك أي أداة قد تجرم هذه الممارسات الدينية.

وفي الوقت نفسه، تدعو المنصة إلى تحديد الجماعات اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام وتفكيك أي هيكل يحرض أو يهيئ لعمل عنيف ضد المسلمين أو ممتلكاتهم وأماكن عبادتهم؛ لذا يمكننا أن نرى أن المنصة تدرك أن بعض الأيديولوجيات يمكن أن تؤدي إلى العنف، وتريد تدخلًا من وزارة الداخلية لحماية الضحايا المحتملين، ومع ذلك، وعلى الرغم من الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية، أصرت المنظمة على رؤية خطر واحد فقط، وهو خطر اليمين المتطرف المعادي للإسلام، وتجنبت إثارة عنف الإسلاميين.

ارتباك المنصة

وبحجة الانخراط في محاربة التمييز ضد المسلمين في فرنسا، يبدو أن منصة “المسلمون” تريد خدمة مصالح الإسلامويين عبر تشويه سمعة أتباع الإسلام الأكثر ليبرالية، وبما أن المنصة سترفض الاعتراف بوجود الإسلاموية وستشرح بوضوح الفرق بين هذه الأيديولوجية والإسلام، فإنها ستخلط بالضرورة بين الاثنين؛ مما يتيح فرصة للإسلامويين لنشر أيديولوجيتهم مع التلويح بعلم الإسلاموفوبيا في مواجهة أي انتقاد، وهذا ما يحدث بالفعل.

وخلال العرض التقديمي لمشروع نور بقيادة وسام خلكا، جرت الإشارة إلى “رشيد ايلجاي” إمام بريست الذي أعاد تقديم نفسه كإمام معتدل بعد تداول مقاطع فيديو شرح فيها للأطفال أن هؤلاء الذين يستمعون إلى الموسيقى يستمعون إلى “الشيطان”و “يتحولون إلى قرود وخنازير”، وحذر في خطب أخرى النساء من عدم ارتداء الحجاب قائلًا: “إذا خرجت المرأة بغير شرف (دون حجاب) فلا تتفاجأ من أن يسيء الرجال إليها”. وإذا افترضنا بأن “إيلجاي” قد تغير بالفعل منذ هذه التصريحات، كما يدّعي، فيجب أن يعرف أكثر من أي شخص آخر مخاطر الانجراف الأصولي والتحدث عنها بدلًا من التلويح بـ”فزّاعة الإسلاموفوبيا”.

ومن المؤسف أن أيًّا من ضيوف وسام زيلكا لم يكن على حق في الاعتراف بأن بعض المخاوف قد تكون مبررة، ويجب تقديم إجابات لها؛ بل على العكس من ذلك تمامًا، تنتقد الصحفية “فايزة بن محمد”، وهي أيضًا منخرطة جدًّا في مشروع نور، عددًا معينًا من المثقفين الزائفين أو حتى الأشخاص الذين لديهم مسئوليات دينية داخل المجتمع، والذين يحملون اليوم تصريحات يمليها عليهم المناخ السياسي والمجتمع الفرنسي، والذين يذهبون إلى حد إنكار وجوب ارتداء الحجاب.

ووفقا لفايزة بن محمد، سيكون من المستحيل تصور هؤلاء الذين يريدون التشكيك في هذه”الفريضة”، فكلماتهم مفروضة عليهم بالضرورة من قِبل المناخ السياسي الفرنسي، والمؤامرة تسير على ما يرام. علاوة على ذلك، فإن الحكم القائل بأن الحجاب واجب شرعي ليس إجماعيًّا ولا يزال محل نقاش. ويجب أن نتذكر أيضًا أن بعض القادة في تركيا وتونس، على سبيل المثال لا الحصر، قاموا بتقييد ارتداء الحجاب، وهذا قبل وقت طويل من انشغال المجتمع الفرنسي بهذه القضية.

وفي الواقع لا يوجد شيء اسمه تأويل واحد للإسلامـ وتصور أن التفسيرات الأكثر تحفظًا، وحتى الرجعية، على أنها بالضرورة الأكثر أصالة والأكثر مصداقية سيكون خطأً فادحًا. إن اتهام أي مسلم مختلف بالخضوع للاستغلال أو الإكراه من قِبل أيديولوجية غربية، كما يفعل الإسلامويون وأنصارهم، هو رد فعل شائع، لكنه ليس مقنعًا على الإطلاق، وسيكون من المستحيل إجراء نقاش حقيقي حول موضوع الحجاب إذا قام المدافعون عن الأيديولوجية الإسلاموية بالقضاء على كل معارض لذلك.

ومن جانبها، ترى “نصيرة غنيف”، عالمة الأنثروبولوجيا والاجتماع، أن الإسلاموية “نتيجة ديناميكية جيوسياسية معقدة للغاية”. وبحسب قولها، فإن داعش نبعت من تفكيك الإمبراطورية العثمانية ومن أنشطة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا في المنطقة. وبالاستدلال بهذه الطريقة، تبني السيدة غنيف ارتباطًا بين تنظيم داعش والقرارات التي اتخذتها القوى الغربية في القرن الماضي، لكنها لا تتطرق إلى الأيديولوجية الإسلاموية لهذا التنظيم الإرهابي، وتختزلها في مجرد مسألة جيوسياسية بعيدة.

أما سعيد بوعمامة، الناشط وعالم الاجتماع، فيرفض حتى استخدام كلمة “إسلاموية”، ويدعي أن الإسلام من المفترض ألا يعرف أي فصل بين الديني والسياسي، أي أن الإسلاموية، ليست موجودة سوى في وسائل الإعلام.

ربما يعجبك أيضا