نيويورك تايمز | ما يحدث في إثيوبيا مأساة!

آية سيد

ترجمة – آية سيد

لقد جاء إعلان الأسبوع الماضي بأن الحكومة بصدد شن عملية عسكرية في واحد من أقاليم البلاد كصدمة. لم يكن هذا بعيدًا كل البعد عن فن الحكم المهدئ الذي منح رئيس الوزراء آبي أحمد جائزة نوبل للسلام العام الماضي فحسب، بل بدا أيضًا وكأنه يحطّم الغرض من رئاسته للوزراء. عندما صعد للسلطة في 2018، وعد آبي بقيادة إثيوبيا إلى عصر جديد من السلام والازدهار والتوافق الوطني.

بيد أنه في 4 نوفمبر، أرسل الجيش إلى تيجراي، وهو واحد من الأقاليم العشرة شبه المستقلة وموطن حوالي 6% من السكان، واتهم زعماء الإقليم – الذين تشاحن معهم بصورة متزايدة – بالهجوم على مركز دفاع تابع للحكومة ومحاولة سرقة معدات عسكرية.

وفي الأيام التالية، فرض آبي حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر على إقليم تيجراي، وأعلن أن سلطته التشريعية باطلة وصدّق على بديل مؤقت. ومع احتدام القتال، قُطعت شبكات الإنترنت والهاتف، ووردت تقارير عن مقتل المئات.

وتلك مأساة! تقف إثيوبيا على أعتاب الحرب الأهلية، والتي ستجلب الخراب على الدولة والمنطقة. وفي حين أن الوضع متقلب وغامض، هناك شيء واضح: مشروع آبي السياسي، بتقريب الدولة في عملية من إرساء الديمقراطية، انتهى، ويجب أن يقع معظم اللوم على عاتقه.

والآن وبعد سنوات من الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة، والمشاكل الاقتصادية والاضطراب المنتشر، تولى آبي حكم دولة على حافة الانهيار. كان مليون شخص على الأقل نازحين داخليًّا في 2017، وفقًا للأمم المتحدة، حيث كانت البلاد تهزها احتجاجات الأورومو والأمهرة، الجماعتين العِرقيتين اللتين تُشكلان نحو ثلثي عدد السكان. وبتقديم نفسه كإصلاحي، يبدو وكأن سيل التغييرات التي وعد بها آبي، الذي تولى السلطة في أبريل 2018، يجنّب الدولة أسوأ مشاكلها.

لكن آبي تجاوز! فقد كان أول خطأ جوهري له هو تهميش الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي كانت القوة السياسية الأكثر قوة في البلاد لعقود، في السلام الذي عقده بين إثيوبيا وإريتريا. وعن طريق إبعاد قيادة التيجراي أثناء توقيعه على إنجازه المميز، أوضح آبي حدود حديثه عن الوحدة.

وكان هذا مؤشرًا على ما سيحدث لاحقًا، ففي العام الماضي، اتجه آبي إلى تفكيك النظام السياسي القديم. وفي تجاوز لاختصاصه الأصلي، اقترح إعادة تشكيل الائتلاف الذي حكم البلاد لـ27 عامًا – الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية التي ضمت مجموعة كاملة من الأحزاب الإقليمية – إلى حزب واحد جديد.

ولم تكن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي شكّلت الائتلاف وهيمنت عليه، متحمسة للتغيير، لكن آبي مضى قدمًا فيه بغض النظر، وهو ما خلق شقاقًا مع التيجراي وقوّض الاستقرار السياسي الهش للدولة. وبدلًا من تخفيف التداعيات، فاقم آبي الوضع، حيث عزل كل وزراء الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من مجلس الوزراء.

وفي الوقت الذي جرى الإعلان عن الحزب الجديد، في نوفمبر 2019، كان الضرر قد وقع، ولم تنضم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي كانت غاضبة من خفض سلطتها وقلقة من أن النظام الاتحادي للبلاد كان تحت التهديد. ولم تكن لوحدها في انزعاجها. في إقليم آبي، أوروميا، كان الكثيرون متشككين في النظام الجديد، بينما انقسم جنوب إثيوبيا في حالة من الاضطراب، حيث طالبت عدة مناطق إدارية بالحكم الذاتي. وبعد الوصول إلى السلطة على وعد الوحدة، أبعد آبي وأحبط عناصر أساسية من ائتلافه، وفجأة بدا وأنه ضعيف!

لكن فيروس كورونا غيّر الحسابات، حيث تأجلت الانتخابات الوطنية المهمة، التي كانت مقررة في شهر أغسطس؛ وأصبح التركيز منصبًا على كيفية التخفيف من الضرر الذي سببته الجائحة، غير أن المشاكل السياسية لم تختفِ.

في الصيف، أطلق حادث مقتل مغني شهير من قومية الأورومو – ادّعت الحكومة أن منفذيه كانوا يعملون بأوامر من جماعة المعارضة المسلحة (جيش تحرير الأورومو والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي) أعمال عنف واسعة النطاق ضد الأقليات في أوروميا وقتل الشرطة للمحتجين، والتي لقي فيها 166 شخصًا على الأقل حتفهم. لقد أدى أيضًا إلى حملة أمنية مشددة كبرى على قادة المعارضة السياسيين، ومن ضمنهم حليف آبي السابق وناقده الشرس حاليًا، جوهر محمد.  

ثم في سبتمبر، مضى إقليم التيجراي قدمًا في انتخاباته، في تحدٍّ واضح لأوامر الحكومة، ومنذ هذا العمل التخريبي، ارتفعت التوترات بين الحكومة والقادة في تيجراي، والتي كانت تغلي لعامين، وفي الأسبوع الماضي، امتدت إلى صراع مفتوح.

وسواء تصاعد ذلك إلى حرب أهلية أم لا، سوف يترك علامة لا تُمحى على السياسة الإثيوبية. والدولة التي كانت مستقطبة بشدة ستصبح أكثر انقسامًا، لكن الأهم، قد يسحق هذا آمال التحول الديمقراطي، وربما تتعارض حرية الرأي والحريات المدنية والإجراءات القانونية الواجبة مع التحول إلى التسلط العسكري والقمع.

في تيجراي، قد تفاقم إمكانية وقوع خسائر مدنية، وهجمات عشوائية وصراع ممتد المظالم أكثر؛ في إقليم له تاريخ طويل من مقاومة الدولة المركزية، وهذا قد يؤدي إلى تمرد، في حين تبدو العواقب على المنطقة أوسع، إذا امتد الصراع إلى إريتريا، والسودان وجيبوتي؛ بل قد تصبح وخيمة.

وبالحكم بناءً على خطوات آبي على مدار الأسبوع الماضي، خاصة استبدال وزير الخارجية وقادة القطاع الأمني بأكمله بموالين موثوقين، فإنه ليس ميالًا إلى خفض التصعيد. إن القائد الذي التزم من قبل بـ”الكد من أجل تحقيق السلام كل يوم وفي كل المواسم” كان يعمل مثل رئيس للأركان وليس رئيسًا للوزراء.

وفي النهاية يمكن القول إن آبي قطع شوطًا طويلًا. لقد قال عند استلامه جائزة نوبل للسلام: “الحرب هي صورة مصغرة من الجحيم”، وهو يبدو الآن مستعدًا لذلك.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا