ذا هيل| فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأمريكية لمنطقة المحيط الهندي – الهادئ

آية سيد

 ترجمة – آية سيد

لم يلحظ الكثيرون في الولايات المتحدة أن الصين و14 دولة آسيوية أخرى وقعّوا على أكبر اتفاقية تجارية في العالم، الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، والتي تمثّل 30% من اقتصاد العالم. إنها اتفاق تجاري واسع لكنه سطحي؛ حيث ستصبح الصين واليابان وكوريا الجنوبية أكبر مستفيدين، وربما تصبح الولايات المتحدة أكبر خاسر. وإذا كانت آسيا هي أولويتنا الاستراتيجية الأولى، فهناك شيء خاطئ في هذه الصورة.

وبالرغم من الاستطلاعات التي تُظهر أن 87% من الأمريكيين يعتقدون أن التجارة جيدة لاقتصادهم، و63% يقولون إن الاتفاقيات التجارية الأمريكية تنفع كلا الجانبين، فإن المسئولين الأمريكيين يتحاشون التجارة مثل ماري تيفوئيد، بينما الدول الآسيوية منشغلة بتحرير التجارة. بعد انسحاب الرئيس ترامب من الشراكة العابرة للهادئ، تولت اليابان دفة القيادة، ومضت قدمًا مع الدول العشر المتبقية لتحقيق الشراكة الشاملة التي أعيد تسميتها من الشراكة العابرة للهادئ. يوجد ستة من أعضائها أيضًا في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.

لماذا يهم هذا؟ الإجابة المختصرة هي أنه يهم للازدهار الصيني والأمريكي. لقد تفاوضت إدارة أوباما على الشراكة العابرة للمحيط الهادئ من أجل تعزيز قدرة الولايات المتحدة على رسم قواعد ومعايير التجارة العالمية، التي كانت الصين تحاول أن تُخضعها في اتجاهها. كانت حُجة أوباما هي أننا إذا لم نرسم القواعد، ستفعل الصين ذلك. وتمتلك منطقة آسيا – الهادئ ناتجًا محليًّا إجماليًّا بقيمة 21 تريليون دولار، ومن المتوقع بحلول 2030 أن تمثل 60% من النمو العالمي، ولا يمكن للولايات المتحدة تحمُّل خسارة إمكانية دخول تلك السوق.

ومثل إدارة أوباما، ترى إدارة ترامب منطقة آسيا – الهادئ كأبرز أولوية استراتيجية للولايات المتحدة من أجل السلام والازدهار. وبإضافة الهند، تدعو الإدارة إلى “منطقة الهندي – الهادئ الحرة والمفتوحة”. لكنها رفضت التجارة الحرة مقابل “التجارة المُدارة”، غير أن أي استراتيجية تُخلي المجال الاقتصادي للمنطقة الديناميكية، بها فجوة كبيرة وعلى الأرجح غير مستدامة. يحتاج الرأي العام الأمريكي رؤية أن المنافع المنبثقة من دور واشنطن الضخم في آسيا تستحق التكاليف. لقد أصبحت سياسة الولايات المتحدة الآن معسكرة بصورة مفرطة وتفتقر لأدوات القوة الرئيسية الأخرى: الاقتصاد والدبلوماسية.

لقد اتبع ترامب حربًا تجارية وتكنولوجية بلا قيود مع الصين، حيث يدور اتفاقه التجاري بشكل رئيسي حول جعل الصين تشتري بضائع أمريكية بقيمة 200 مليار دولار على مدار عامين. الصين متأخرة في هذا الصدد، لكن بغض النظر، وصل العجز التجاري الأمريكي العالمي إلى مستويات قياسية. وفي ظل التعافي من كوفيد-19، أصبحت الصين هي الاقتصاد الكبير الوحيد في مسار امتلاك النمو الإيجابي في 2020.

وفي ضوء هذا، مضى الآسيويون قُدمًا، بدافع الخوف من أن يعلقوا وسط المواجهة الأمريكية – الصينية، ووطدوا الاندماج الاقتصادي الإقليمي على حساب المُصدِّرين الأمريكيين، كما يخشى الكثيرون. وتبرر الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الاتفاقيات الثنائية المتداخلة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) واللاعبين الإقليميين الآخرين ذوي قواعد المنشأ المشتركة، وهذا يعني أن أي منتجات صُنعت في أي دولة من دول الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة تحصل على 90% تخفيض على الرسوم الجمركية، ويتحوط الآسيويون من الغموض حول الدور الأمريكي في المنطقة.

وهذا لا يضر بمصالح الشركات الأمريكية فحسب، بل الشركات التي تسعى لتجنب أن تعلق في حروب الرسوم الجمركية الأمريكية ربما تنقل سلاسل الإمداد إلى المنطقة بصورة أكبر، غير أنه بسبب دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2000 الذي أدى إلى خسارة حوالي 3-4 ملايين وظيفة أمريكية، هناك عزوف عن الاتفاقيات التجارية الكبيرة الجديدة. لكن الحقائق الاقتصادية الجديدة هي أن الصين خسرت ميزة عمالتها الرخيصة، وأصبح مصدر معظم التهديدات على الوظائف الأمريكية من التشغيل الآلي، والذكاء الاصطناعي والروبوتات.

على أية حال، سوف يشعر كثيرون بغياب الولايات المتحدة عن هذه الاتفاقيات التجارية في الاقتصاد الأمريكي، وسوف يتيح للصين صوتًا أكبر في رسم القواعد والمعايير، وهو ما يعزز هيمنتها في آسيا. ومن شبه المؤكد أن يؤدي هذا إلى تراجع الدعم الشعبي للدور الاستراتيجي الأمريكي الأكبر في المنطقة.

لقد قال الرئيس المنتخب جو بايدن إنه سيدرس إعادة الانضمام إلى الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ على شرط إعادة التفاوض على البنود التي تعارضها الولايات المتحدة. وتريد اليابان أن تنضم الولايات المتحدة مجددًا، وهيكلت الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ لتيسير ذلك الهدف، كما تشير مناقشاته مع اليابانيين وغيرهم في المنطقة إلى أن طوكيو ستكون منفتحة على إعادة النظر في الاتفاقية، غير أن الولايات المتحدة تحتاج أولًا مقعدًا على الطاولة؛ لهذا ربما يصبح الأمر أشبه بمعضلة.

وعلى عكس الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي تغفل بشكل كبير مناطق نمو أساسية في التجارة (الكثير من الخدمات والتجارة الرقمية) تملك الشراكة العابرة للهادئ معايير مرتفعة، تهدف لأن تصبح معايير عالمية. وإذا انضمت الولايات المتحدة مجددًا، سوف تمثل الشراكة العابرة للهادئ 40% من اقتصاد العالم، وقد ترسم القواعد للتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والسيارات الإلكترونية والمزيد غيرها. ومن المقرر أن تتوسع اتفاقية الشراكة العابرة للهادئ، حيث إن المملكة المتحدة وتايلاند تفكران في الانضمام. كان منطق الاتفاقية في تصورها الأصلي هو أن اتفاق التجارة ذا المعايير المرتفعة، والذي يغطي معظم السوق العالمية، سوف يدفع الصين إلى تغيير سياساتها الافتراسية والانضمام في النهاية أو المخاطرة بخسارة الأسواق. وفي الواقع، أعرب القادة الصينيون عن اهتمامهم باتفاقية الشراكة العابرة للهادئ.

لكن الأمر لا يتعلق بالصين وحدها؛ فمنذ الأزمة المالية الآسيوية 1997-1998، التي لم تفعل الولايات المتحدة الكثير لإدارتها، والكساد العظيم 2008-2009، سعى الآسيويون سعيًا متزايدًا إلى حماية أنفسهم من الصدمات الاقتصادية ومتابعة طريقهم. وفي 1998، اقترحت اليابان إنشاء صندوق نقد آسيوي منفصل عن صندوق النقد الدولي. لقد شجعت دول آسيان الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وتُعد الصين أكبر شريك تجاري لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا، والترتيبات التجارية التي تُقصي الولايات المتحدة نفسها منها ستؤدي بشكل شبه مؤكد إلى زيادة الهيمنة الاقتصادية الصينية.

وفيما يتعلق بالمنافسة الاستراتيجية مع الصين؛ سوف تسترد الولايات المتحدة بعضًا من المجال الاقتصادي الذي تخلت عنه بطريقة غير حكيمة عن طريق العودة إلى اللعبة الخاصة بالتجارة. ومن أجل التنافس ليس فقط مع الصين لكن مع منطقة آسيا -الهادئ الصاعدة والمتكاملة على نحو متزايد؛ تحتاج أي استراتيجية ناجحة للسياسة الأمريكية في منطقة المحيط الهندي – الهادئ لفعل هذا في جميع المجالات والهيئات: الجيش، والتكنولوجيا، والدبلوماسية والاقتصاد.

الرابط الأصلي من هنا

ربما يعجبك أيضا