آسيا تايمز| بايدن سيواصل الحرب الباردة

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

بالتأكيد سيتغير الكثير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة عندما يقيم “جو بايدن” في البيت الأبيض، ستكون هناك نبرة مدروسة بدرجة أكبر، واعتماد أقل على تويتر للإعلان عن سياسة الولايات المتحدة.

كان دونالد ترامب فظًّا، كما يتضح من الطريقة التي دفع بها جانبًا رئيس وزراء الجبل الأسود “دوسكو ماركوفيتش” في اجتماع الناتو عام 2017؛ ربما لن يشق بايدن طريقه إلى مقدمة المجموعة بهذه الطريقة الفظة، غير أن ابتسامته الفضية ستخفي مجموعة من الأهداف القاسية. وفي السياسة الخارجية، سيبدو بايدن مختلفًا عن ترامب، إلا أن الخطوط العريضة لسياستهما ستكون متطابقة.

انعزالية ترامب تُخفي تحالفات شريرة

هل كان ترامب انعزاليًا؟ ليس تمامًا، على الرغم من سهولة معرفة كيف حصل على هذه السمعة، من الوهلة الأولى في سياسته الخارجية، فقد كان له موقف عدائي ضد كوبا وإيران وفنزويلا، مع سياسة العقوبات غير القانونية التي انتهجها ضد هذه الدول. وفي المقابل أظهر الولاء التام للسياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين.

كما أن “حربه التجارية” ضد الصين جاءت كوسيلة لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي، لكنها أيضًا تتعلق بالحفاظ على قوة الولايات المتحدة؛ فلأي هدف آخر يمكن استخدام أدوات مثل “مؤسسة تحدي الألفية” وبرنامج التنمية في أمريكا اللاتينية، عندما جرى تصميمها لتمكين الشركات الأمريكية في جميع أنحاء العالم؟

وبالتأكيد فقد هاجم ترامب نظام التحالف العسكري الغربي، محاولًا إجبار أعضاء منظمة حلف الناتو على إنفاق المزيد على جيوشهم. لكن في الوقت نفسه، طوّر تحالفات عسكرية أخرى، كان أحدها – وهو الذي أطلقه “جورج دبليو بوش” لأول مرة في عام 2007 – الحوار الأمني الرباعي، أو كواد، الذي جر أستراليا والهند واليابان إلى تحالف عسكري ضد الصين. وفي الوقت نفسه، قاد ترامب أجندة في أمريكا اللاتينية – عبر مجموعة ليما (التي تأسست عام 2017) – لإنشاء تحالف ضد فنزويلا.

بايدن ليس متعدد الأطراف

تصور وسائل الإعلام الليبرالية الأمريكية “جو بايدن” على أنه متعدد الأطراف، لكن الدليل على هذه التكهنات بشأن السياسة الخارجية للرئيس المنتخب، على أقل تقدير، يصعب إثباته.

حيث يريد بايدن إعادة بناء نظام التحالف العسكري الغربي الذي عمل ترامب على تدهوره، ومن المؤشرات على حماس بايدن تلك المكالمة الهاتفية المبكرة التي أجراها مع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، للإشارة إلى عودة الولايات المتحدة كلاعب أساسي في أوروبا. وهذا لا يُعدّ تقدمًا نحو نظام عالمي متعدد الأطراف، ولكنه عودة إلى نظام التحالف القديم حيث تحاول الولايات المتحدة (مع حلفائها الكنديين والأوروبيين) الهيمنة على النظام العالمي باستخدام قوتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. والدليل الإضافي المقدم على تعددية بايدن هو التزامه بإعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (الصفقة الإيرانية) واتفاقية باريس لعام 2016.

ولكن لماذا يرغب بايدن في إعادة الولايات المتحدة إلى التزاماتها تجاه إيران؟ لقد أبرم “باراك أوباما” هذه الصفقة لأن الأوروبيين كانوا في أمسّ الحاجة إلى مصدر للطاقة بعد أن دمرت الولايات المتحدة وفرنسا طرق الوصول إلى النفط الليبي في حرب الناتو عام 2011، وألحقت أضرارًا بالغة في الوصول للغاز الطبيعي الروسي بسبب الصراع في أوكرانيا عام 2014. فقد وافق أوباما على صفقة إيران لأن الأوروبيين كانوا يائسين من عدم التوافق مع متطلبات القانون الدولي، وسيمنح بايدن للأوروبيين هذه الهدية التي رحب بها الشعب الإيراني، من أجل تعزيز نظام التحالف الغربي. وفي غضون ذلك، يواصل الرئيس الجديد الحديث عن خنق الشعب الإيراني.

أما فيما يتعلق بالمناخ، ففي المفاوضات التي أسفرت عن صفقة باريس أثناء رئاسة أوباما، خفّفت الولايات المتحدة من نص الاتفاقية؛ وهو ما منع صفقة متعددة الأطراف كانت ستقبل المسئولية الغربية عن قرن من استخدام الوقود الأحفوري.

ومرة أخرى، لا يوجد التزام كبير بإنقاذ الكوكب في تعهد بايدن بالعودة إلى اتفاقية باريس؛ حيث إن الأجندة الرئيسية هي تقوية وإخضاع الدول الأوروبية لنظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

التفوق يظل هدف الولايات المتحدة

كتب فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية في السنوات الأولى من الحرب الباردة: “إن تحقيق قوة أقل من راجحة هو اختيار للهزيمة، ويجب أن تكون القوة الرابحة هي سياسة الولايات المتحدة”. وستظل هذه الرغبة في التفوق هي السياسة الأمريكية الواضحة، ولم يبتعد ترامب خلال السنوات الأربع التي قضاها كرئيس عن هذه السياسة، كما أن بايدن لم يتخلَّ عنها طوال خمسة عقود من وجوده في المناصب العامة المختلفة؛ ربما يختلفان في لهجتهما أو في استراتيجيتهما، ولكن ليس في السعي لتحقيق هذا الهدف.

وقد كتب “تشارلز كوبشان”، مستشار بايدن، كتابًا جديدًا بعنوان “الانعزالية”، والذي يقدّم وجهة نظر حول السياسة الخارجية الأمريكية، ثم يخلص إلى أن “الولايات المتحدة يجب أن تستعيد عباءتها الاستثنائية”، وهذا يعني أن واشنطن يجب أن تستمر في السعي وراء السيادة والتفوق.

وهدف التفوق هذا جعل من الصعب على النخب الأمريكية أن تتصالح مع حقيقة الاستنزاف البطيء للقوة الأمريكية منذ الحرب غير الشرعية على العراق (2003) وأزمة الائتمان (2007-2008). وأدى عدم الاعتراف بأن العالم لن يتسامح بعد الآن مع قوة عظمى واحدة بالولايات المتحدة إلى فرض وضع عدائي ضد الصين، ويبدأ هذا “بمحور” أوباما تجاه آسيا في عام 2015، ويزداد حدة مع “الحرب التجارية” التي شنها ترامب.

الحرب الباردة على الصين تلوح في الأفق

ومنذ عام 2015، لم يصدر أي رئيس تنفيذي في “وادي السيليكون” بيانًا قويًّا عن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، في حين عقد “تيم كوك” الرئيس التنفيذي لشركة آبل اجتماعًا مع ترامب في أغسطس 2019 للسماح لشركة أبل بالمنافسة بشكل أفضل مع شركة سامسونج، التي لم تتأثر بالتعريفات الأمريكية. ولم يكن هناك أي تصريح بشأن “الحرب التجارية” التي يشنها ترامب، والتي بدا كوك مسرورًا جدًّا بها.

وتدرك شركات وادي السيليكون أنه في بعض التطورات التكنولوجية – مثل شبكة G5 والروبوتات ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وقريبًا الرقائق الدقيقة – أنتجت الشركات الصينية بوضوح تقنيات الجيل التالي، وفي كثير من الحالات تجاوزت نظيراتها الأمريكية.

وقد سُرَّت شركات وادي السيليكون بشدة بوضع الحكومة الأمريكية ثقل الدولة بالكامل ضد الشركات الصينية، ويشمل ذلك استخدام الأجهزة الأمنية لاتهام هواوي بالتورط في عمليات تجسس لصالح الحكومة الصينية.

ومن دواعي الفضول ألا يثير القلق لدى أي من شركات وادي السيليكون بشأن الخصوصية في حد ذاتها، لأنه – وفقًا لما كشف عنه إدوارد سنودن – تستخدم وكالة الأمن القومي الأمريكية برنامج (PRISM) لجمع البيانات بحرية من شركات الإنترنت الأمريكية؛ إلا أن الولايات المتحدة تستخدم حجج الخصوصية والتجسس لمحاولة الإضرار بشركات التكنولوجيا الصينية وحماية الملكية الفكرية ومزايا السوق في وادي السيليكون.

ونظرًا لأن هذا هو السبب الحقيقي للحرب التجارية، فهناك احتمال كبير وهو أن تستمر إدارة بايدن في مواصلة الحرب التجارية، وهو ما أكده بالفعل. ففي عام 2013، أطلقت الحكومة الصينية برنامج الحزام والطريق (والذي أصبح الآن مبادرة الحزام والطريق) لتوسيع روابطها التجارية في جميع أنحاء العالم. وقد استجابت إدارة أوباما في عام 2015 بشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي منصة لكسر العلاقات التجارية الصينية على طول حافة المحيط الهادئ.

وقد تخلى ترامب عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، وخاض حربًا تجارية أكثر مباشرة. ولمواجهة تريليونات الدولارات التي ستعبئها الصين لمبادرة الحزام والطريق، استخدمت الولايات المتحدة مؤسسة تحدي الألفية (التي تأسست عام 2004) وأمريكا كريس (2019) لتوجيه مليارات الدولارات إلى الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك في محاولة يائسة لتقويض نفوذ بكين والحفاظ على تفوق واشنطن.

وفي النهاية، الولايات المتحدة ليست مستعدة بعد للاعتراف بتغير الوضع العالمي، وهذا سيستغرق بعض الوقت. وباختصار، من المهم أن يقف الناس ضد تصعيد الأعمال العدائية.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا