معهد الشرق الأوسط | ماذا يعني انتخاب بايدن لحزب الله؟

آية سيد

رؤية

ترجمة: آية سيد

على الرغم من التصريحات الأخيرة لزعيم حزب الله حسن نصر الله بأن فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية لن يغير السياسة الخارجية الأمريكية الموالية لإسرائيل في الشرق الأوسط تغييرًا كبيرًا, يبدو أن الحزب متفائل إلى حد كبير بمستقبله تحت حكم الإدارة الجديدة. غير أن حزب الله يبدو قلقًا من الأشهر القليلة القادمة حتى يغادر الرئيس  ترامب البيت الأبيض في يناير، وفي حين أن الحزب سيستفيد بالتأكيد من إعادة التمهيد في العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران, والتي قد تُترجم إلى سيولة لازمة للتنظيم وتوطيد لوضعه الداخلي, غير أنه لا يزال يواجه عدة تحديات داخلية، والتي لا يمكن للمال وحده أن يحلها.

علامات التفاؤل

في الضاحية, معقل الحزب في الضواحي الجنوبية لبيروت, بدا مؤيدو حزب الله ومسلحوه على حدٍّ سواء مبتهجين بأنباء انتخاب بايدن. يقول مصدر مقرب من قادة الحزب: “يعتقد الناس أن بايدن سيكون متساهلًا أكثر مع إيران وسيعود إلى عقد اتفاق مع طهران, والذي سيكون بالتبعية جيدًا للحزب. إن العقوبات الأقل على إيران وحزب الله سوف تعني المزيد من المال للجماعة, التي ستصبح بدورها قادرة على إعادة الخدمات والمعونات التي اضطرت لقطعها في السنوات الأخيرة بسبب سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعها ترامب. لقد أعاقت سياسة ترامب نشاط الحزب في غسيل الأموال بشدة, وقطعت تمويل طهران السنوي للجماعة بـ700 مليون دولار, وأغلقت البنوك اللبنانية التي تعاملت مع التنظيم, وفي نفس الوقت أدرجت الحلفاء السياسيين للجماعة على قوائم العقوبات بسبب إساءة استخدامهم لمنصبهم الحكومي.

وبصورة مشابهة, بيد وأن نصر الله يحتفل بخسارة ترامب, واصفًا إياها بـ”السقوط المُذّل” وإدارته بـ”من بين الأسوأ, إن لم تكن الأسوأ”. 

لقد تبنت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله نغمة من التفاؤل الحذر. في مقال في جريدة الأخبار, الناطقة بلسان حزب الله, بعنوان “تفاؤل حذر في إيران”، يوضح الكاتب أن بايدن سيكون مفاوضًا موثوقًا أكثر من ترامب نظرًا لعلاقته المتضاربة مع السعودية وإسرائيل, أعداء إيران. بيد أن مقالًا آخر في نفس الجريدة يحذّر من أن فريق بايدن الجديد سوف يشمل شخصيات “متشددة” من إدارة أوباما, تحديدًا سوزان رايس وتوني بلينكين. والأولى هي سفيرة الأمم المتحدة ومستشارة الأمن القومي لأوباما سابقًا, بينما بلينكين هو نائب وزير الخارجية, ونائب مستشار الأمن القومي سابقًا, ومستشار لبايدن منذ فترة طويلة.

إن أكثر ما يُقلق حزب الله على ما يبدو هي الفترة الانتقالية. في مقال آخر في الأخبار, بعنوان: “شهران من حبس الأنفاس”، يحذر الكاتب من هجوم أمريكي محتمل على إيران، كما يشير تقرير حديث لنيويورك تايمز إلى أن الرئيس ترامب فكر في هذه الفكرة، وتلك نظرية تقول مصادر مقربة من حزب الله إنها ممكنة؛ نظرًا لأن فوز بايدن شجّع الجماعة. إنهم الآن مرجحون أكثر للرد على أي هجمات إسرائيلية جديدة, نظرًا لموقف بايدن الأقل تعاطفًا تجاه إسرائيل, لكن ترامب لا يزال يتولى السلطة حتى يناير.

التداعيات المحتملة

بشكل عام, خبراء حزب الله المقربون من التنظيم متفائلون بشأن آفاقه تحت حكم الإدارة الجديدة.  يقول قاسم قصير, الخبير في شئون حزب الله والمقرب من الحزب: “فوز بايدن ينفع إيران وحزب الله. كان فوز ترامب سيصبح كارثيًّا ويُترجم إلى تصعيد عسكري وربما إلى حرب (في الشرق الأوسط)”.  

وبالنسبة إلى إبراهيم بيرم, الصحفي والمحلل اللبناني المقرب من الجماعة, سوف يعود بايدن بالتأكيد إلى خطة العمل الشاملة المشتركة, الاسم الرسمي للاتفاق النووي الإيراني. وتابع: “هذا يفتح آفاقًا جديدة لحزب الله وإيران, لأن أي مفاوضات جديدة سينتج عنها تخفيف الضغط على حزب الله”.

كانت خطة العمل الشاملة المشتركة, التي وضعتها إدارة أوباما, اتفاقًا توصلت إليه مجموعة 5+1  (الولايات المتحدة, وروسيا, والصين, وفرنسا, وألمانيا, والمملكة المتحدة)   في 2015، والذي هدف إلى كبح نشاط إيران النووي. في مايو 2018, أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة وتُعيد فرض العقوبات النووية الأمريكية على طهران. ذكر بايدن أنه سيُنهي سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعها ترامب ضد طهران وينضم مجددًا إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. إن الاتفاق المُنقح مع إيران سيسمح لها ببيع النفط في الأسواق الدولية, وسوف تصل الدولارات الإيرانية في النهاية إلى أيادي حزب الله. في الوقت الحالي, يعاني التنظيم من نقص النقود بسبب العقوبات الأمريكية والوضع المالي الكارثي للبنان, وهو ما يجعل هذا التغيير مرحبًا به.

لقد تلقت الجماعة ضربة قاسية من الأزمة الاقتصادية في لبنان, التي تحولت من سييء إلى أسوأ على مدار 2020. في مارس, تخلفت الدولة عن سداد دينها بقيمة 90 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين, أثر خفض قيمة العملة بصورة غير متكافئة على الطبقة الفقيرة والمتوسطة, وأصبح أكثر من نصف السكان الآن تحت خط الفقر. وعلاوة على هذا, ومنذ أكتوبر 2019 شجبت حركة احتجاجية ضخمة الأحزاب السياسية, ومن ضمنها حزب الله وحلفاؤه المقربون.

إن الاتفاق الجديد مع إيران وتخفيف العقوبات يعني هدية لحزب الله، كما أن تحسين وضع إيران المالي, ولو بدرجة صغيرة, سيمنحه ميزة كبيرة مقارنةً بخصومه السياسيين, الذين تضاءلت سبلهم الاقتصادية بسبب إفلاس الدولة. هذه المشكلة الاقتصادية تنعكس أيضًا على قدرتهم المحدودة في الحفاظ على قاعدة, حيث شعر الناس بالإحباط من سنوات سوء الإدارة والفساد. وعلى المدى القريب, يشجع فوز بايدن حزب الله سياسيًّا وسيجعله أقل استعدادًا للتنازل في تشكيل حكومة جديدة, لا سيما عندما يتعلق الأمر بمطالب حلفائه بوزارات معينة. إن العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب على حليف حزب الله, وزير الخارجية السابق جبران باسيل, ستجعل التنظيم أكثر تقبلًا لمطالبه بوزارات معينة.

ومع ذلك, ربما يعطي انتخاب بايدن لحزب الله إحساسًا زائفًا بالثقة. إن أي عودة لطاولة المفاوضات مع إيران ستستغرق وقتًا وربما لا تؤدي إلى إلغاء العقوبات؛ نظرًا لأن هذه المسألة حصدت دعمًا من الحزبين في الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك, تأثر لبنان بالعقوبات بموجب قانون قيصر, الذي يستهدف بشكل رئيسي نظام الأسد في سوريا المجاورة, لكنه يؤثر بشكل غير مباشر على شركائه اللبنانيين, الذين يكونون عادة شركاء تجاريين مقربين من حزب الله وحلفائه السياسيين. وهكذا, ستواصل العقوبات المستقلة عن إيران خنق التنظيم ومحاسيبه ماليًّا.

التحديات في الداخل

على المستوى الوطني, يواجه حزب الله مجموعة أخرى من العقبات التي لا يستطيع المال وحده حلها. فقد الحزب مصداقيته بشكل كبير بسبب فضائح حكم متعددة منذ أن ربح الحزب وحلفاؤه أغلبية مريحة في البرلمان اللبناني. وفي السنوات الثلاث الأخيرة, أصبحت الدولة مفلسة وتضاعفت فضائح الفساد, التي ركزت على حليفين رئيسيين للحزب, وهما باسيل ورئيس البرلمان نبيه بري، ويُنظر للتنظيم الآن على أنه حارس نظام سياسي فاسد بشدة, والذي شجبه قطاع كبير من الشعب اللبناني فيما سُمي بثورة أكتوبر في أواخر 2019. وبالإضافة إلى ذلك, أعضاء الحزب الأثرياء الذين أودعوا الملايين في القطاع المصرفي خسروا مدخراتهم الآن بسبب الانهيار المالي للدولة, والذي نتج عن تعرض البنوك للإفلاس، وعلاوة على ذلك, يبدو مُبرِّر وجود حزب الله, وهو الحرب على إسرائيل, شيئًا من الماضي, حيث فشلت الحركة في الاشتباك في صراع مع جارتها الجنوبية لخمسة عشر عامًا تقريبًا، وتجنبت الرد على مئات الهجمات في سوريا ولبنان, بالرغم من التهديدات المتعددة. وإلى جانب التطبيع العربي مع إسرائيل وجهود دول الخليج للاستفادة اقتصاديًّا من العلاقات الحديثة مع تل أبيب, يجعل ذلك قتال حزب الله المزعوم ضد “العدو الصهيوني” غير ذي صلة.

وفي حين أن رئاسة بايدن وعودة الدعم لخطة العمل الشاملة المشتركة ربما تظهر كهدية إلى الحزب, فإن هذه ليست 2015؛ حيث لم يعد لبنان وشعبه في نفس الوضع, ولا حزب الله, أو حتى المنطقة. لقد مرّت خمس سنوات وتغيرت الكثير من الأمور؛ وهي ليست بالضرورة في صالح الحزب.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا