الإندبندنت | حان الوقت لإعادة التفكير في حائزي جائزة نوبل للسلام

هدى اسماعيل

رؤية

ترجمة: بسام عباس

مرة أخرى، يقود أحد الحائزين على جائزة نوبل للسلام حربًا على مواطنيه، إذْ يشنُّ آبي أحمد هجومًا شرسًا ضد منطقة تيغري القوية والمتحدية؛ ما أجبر عشرات الآلاف على الفرار من البلاد، وأثار شبح صراع أوسع في منطقة القرن الأفريقي المضطربة بالفعل.

ولم تلقَ نداءات لجنة نوبل للسلام آذانًا صاغية، حيث بدأت الدبابات تنطلق بعد عام واحد فقط من تسلم رئيس وزراء إثيوبيا الجائزة المرموقة. في ذلك الوقت، كان الإعلان عن فوزه على المرشحتين المفضلتين آنذاك “جريتا ثونبرج” و”جاسيندا أرديرن”، مفاجأة للكثيرين في العالم.

وأشادت اللجنة، رغم الانتقادات التي وُجِّهت لها بأنها سارعت في اتخاذ القرار، بصفقة السلام التي أبرمها مع إريتريا وجهوده “لتحقيق السلام والتعاون الدولي … والمصالحة”. وإذا انتقلنا إلى الوضع الحالي، فإن البلاد تبدو على وشك حرب أهلية يمكن أن تتحول إلى صراع إقليمي، حيث قُتل المئات، واتُّهمت القوات الحكومية باستهداف المدنيين – مع نفي الحكومة لتلك المزاعم– فيما اندلعت التوترات العرقية الخطيرة مرة أخرى.

كانت السرعة التي تحول بها آبي من وسيط سلام إلى متسببٍ في الحرب سرعة مذهلة تحط من قيمة الجائزة التي كانت تحظى بالاحترام. وعندما رُشِّحَ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للجائزة، أصاب الذعر العالم، ولكن الأزمة في إثيوبيا لم تُثر الكثير من التساؤلات حول إخفاقات اللجنة. ففي تجاهلٍ صارخ لقيم نوبل للسلام والمصالحة، تعهد آبي بشن حرب “نهائية وحاسمة” ضد شعبه.

ومع ذلك، فلم يكن آبي أول من تلطخت أيديهم ممن نالوا الجائزة بدماء المدنيين، فقد توقع القليل من الناس السقوط الدراماتيكي لزعيمة ميانمار “أونج سان سو كي”، التي كانت ذات يوم محبوبة للسياسيين الدوليين، فقد أدت حملة القمع الوحشية التي شنها الجيش ضد مسلمي الروهينجا في ولاية راخين إلى دفع أكثر من 700 ألف شخص إلى البحث عن ملاذ آمن في بنجلاديش المجاورة، فيما صدرت العديد من التقارير حول اغتصاب وطرد وقتل جماعي، وهو ما نفته الحكومة.

وقد هزت الصور المروعة للاجئين العالم؛ ما زاد الضغط على “الناشطة الديمقراطية” لاتخاذ إجراء، فيما جادل البعض بأنها ربما كانت تعمل ضمن النظام، في محاولة يائسة لاسترضاء جيش لا يزال قويًّا أبقاها قيد الإقامة الجبرية لمدة عقدين من الزمان.

ولكن الآمال في أن تتحدث نيابة عن الأقلية المضطهدة، وهو بالتأكيد شرط أساسي للحصول على جائزة نوبل، تبددت بسرعة خلال خطاب سيء السمعة في المحكمة الجنائية الدولية، فقد اختارت، على رأس وفد ميانمار، إنكار الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية، والدفاع عن الجيش، والأهم من ذلك، رفض حتى النطق بكلمة “روهينجيا”.

كذلك، فقد حصل الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” أيضًا على الجائزة في عام 2009 مع احتدام الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، وقبل 10 أيام فقط من تسلمه الجائزة، أعلن (آنذاك) عن نشر 30 ألف جندي إضافي في أفغانستان.

كما أنه تبنى حرب الطائرات من دون طيار بالكامل، حيث سمح بضربات جوية أكثر بعشر مرات في الحرب السرية على الإرهاب من سلفه، “جورج دبليو بوش”. وقد سمح له ذلك علنًا بالحفاظ على شخصية دعاة السلام جيدة الصياغة بينما، وفقًا لمكتب الصحافة الاستقصائية، قُتل مئات المدنيين في باكستان والصومال واليمن.

كما أن الحرب في اليمن تحولت إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث ساعدت الطائرات الأمريكية في التزود بالوقود ودعم حرب التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين.

حتى باراك أوباما اعترف بأنه فوجئ بذلك، حيث صرح قائلًا: “الفكرة القائلة بأنني– أو أي شخص آخر– أستطيع أن أجلب النظام لمثل هذه الفوضى تبدو مضحكة”، وذلك وفق ما جاء في مذكراته الجديدة، “أرض الميعاد”. إنه إرث شوّه سمعة اسم نوبل، حيث جرى تسليم الجوائز على عجل كرد فعل على السياسات الرائجة التي فشلت في الصمود أمام اختبار الزمن.

والآن، ألا تستطيع اللجنة أن تفعل ما هو أفضل؟ حتى الفائز هذا العام كان شديد الغرابة، فقد تجاهلت اللجنة آلاف العاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم ممن يخاطرون بحياتهم لإنقاذ ضحايا فيروس كورونا. ويبدو أن الجائزة تُمنح في كثير من الأحيان على أنها ملصق “جهد جيد” للسياسيين، وفي التركيز على قضية واحدة، بينما تتجاهل إخفاقات القادة الحرجة في مجالات السياسة الأخرى.

كما قال أوباما ساخرًا: “كل ما تفعله لن يكون كافيًا… حاول على أي حال”. إنه أمر محرج للجنة، وكل من يدَّعون الدفاع عنه، عليهم أن يخرجوا علنًا لمناشدة أحد الفائزين بعدم خوض الحرب.

وإنني شخصياً أقل غضباً من ترشيح ترامب، فهو لن يفوز أبدًا. لكن بالنسبة لمن يحصلون على الجائزة، ربما يتعين علينا الآن التفكير في إلغاء التكريم لأولئك الذين أعطوا الضوء الأخضر لقتل المدنيين.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا