الصحافة الفرنسية|نواجه أعداء في الداخل والخارج.. وكيف تحول الاغتيال الافتراضي إلى قتل حقيقي؟

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

فرنسا تحارب أيديولوجية تيار الإسلام الراديكالي

أبرزت النسخة الفرنسية من جريدة “عرب نيوز” عزم فرنسا القضاء على الأيديولوجية المتطرفة. فبعد مرور خمس سنوات على هجمات 13 نوفمبر 2015، باتت فرنسا في مرمى الإرهاب الإسلاموي، ولمواجهة هذا التهديد المستمر، تلتزم الحكومة الفرنسية الحزم وتدخل فرنسا في حالة حرب مع أيديولوجية تيار الإسلام الراديكالي وتواصل الحرب ضد الإرهاب. وبحسب وزارة الداخلية، فإن ثلاث هجمات وقعت خلال ثلاثة أسابيع في فرنسا، تسببت في إدخال البلاد إلى “مناخ حرب” وأثارت المخاوف من احتمالية دائمة لوقوع أعمال إرهابية على الأراضي الفرنسية.

من جانبه قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين: “إن التهديد الإرهابي مرتفع للغاية، ونحن في حالة حرب ونواجه عدوًّا داخليًّا وخارجيًّا في آنٍ واحد. إننا لسنا في حرب ضد أي دين؛ ولكن ضد أيديولوجية إسلاموية تريد أن تفرض قوانينها الثقافية الأحادية، وتؤثر على العواطف من خلال الإرهاب، وقد فعلوا ذلك من قبل في بلدان عدة”.

الوحدة الوطنية

أما جان كاستكس رئيس الوزراء فأعلن أن “الطريقة الأولى لكسب الحرب تكون بوحدة صف المجتمع الوطني. ومن الآن فصاعدًا، لا يجب أن يكون هناك أي تهاون من جانب المثقفين أو الأحزاب السياسية. ويجب أن نتحّد جميعًا على أساس قيم وتاريخ بلدنا”، ودعا المجتمع الوطني إلى الشعور بالفخر تجاه جذوره وهويته وجمهوريته وحريته وأن يكسب هذه المعركة الأيديولوجية.

محاربة الفكر

وتتمثل استراتيجية محاربة تيار الإسلام الراديكالي في شن حرب ضد هذه الأيديولوجيا، والتي تنتشر أحيانًا عبر الجمعيات التي تعمل كواجهة والمساجد المزيفة والمدارس السرية وشبكات التواصل الاجتماعي، وفقًا لرئيس الوزراء، الذي أوضح خلال مداخلة عبر القناة الأولى الفرنسية أن “المعركة أيديولوجية بامتياز، حيث يسعى العدو إلى تقسيمنا من خلال نشر الكراهية والعنف بهدف تفتيت المجتمع الوطني؛ لذا علينا مهاجمة الشر من جذوره”.

فيما قال وزير الخارجية جان إيف لودريان: إن التهديد موجود في كل مكان، وقد انتقل من مرحلة الكراهية الافتراضية إلى مرحلة العنف الحقيقي، ولذلك قررنا اتخاذ جميع التدابير لضمان أمن مصالحنا ومواطنينا، وتحقيقًا لهذه الغاية، أوضح أنه جرى إرسال تعليمات إلى السفارات وجهات التمثيل الفرنسي في الخاج لتعزيز الإجراءات الأمنية.

كان لودريان قد أعلن بعد أسبوعين من اغتيال المعلم صمويل باتي، أنه سيتم تكثيف الأمن حول المدارس. وقال: “لقد اتخذنا أيضًا قرارًا بعدم فتح المدارس إلى أن يتم رفع درجة التأمين وحماية الآباء والمعلمين والطلاب”.

خطاب مفتوح للمطالبة بحل منظمة “مسلمو فرنسا

في حين سلّطت جريدة “أطلانتيكو” الضوء على المطالبات بحظر جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، حيث شارك 22 من الشخصيات العامة الفرنسية من النواب المنتخبين والمثقفين وأعضاء المجتمع المدني، في توقيع رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، وإلى رئيس الوزراء جان كاستكس، وإلى وزير الداخلية جيرالد دارمانين، يطالبون من خلالها بحل منظمة (مسلمو فرنسا) المعروفة قديمًا باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)

ووفقًا للخطاب؛ فإن حل المنظمة ومحاربة هيدرا الإسلاموية يقتضي ضرب مصفوفتها الأيديولوجية في القلب. وجاء في الخطاب أن “الحكومة تريد محاربة الإسلامويين الذي ارتكبوا جرائم قتل للتو في بلدنا، وإن محاربتها تتمثل في محاربة الشبكات الإرهابية، لكن الدولة تحارب أيضًا الأيديولوجية التي تغذيهم، ونحن نعلم أن لهذه الأيديولوجية شقَّيْن هما: السلفية وتنظيم الإخوان المسلمين؛ فالسلفية معروفة ومعترف بها حتى الآن، وجرى رصد تأثيرها، خاصة على شبكة الإنترنت، لكن ماذا عن التيار الآخر للأيديولوجية الإسلاموية؟

إن تنظيم الإخوان المسلمين هو تنظيم سري تأسس في مصر، يطالب بتطبيق إسلام سياسي وشمولي، يهدف لفرض الشريعة الإسلامية. فكل من أعداء الغرب، وأنصار النظام النازي، ومفكري الجماعة، كانوا السبب وراء ظهور الجهاد العالمي. وفي فرنسا، ولد الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان، وهو اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)، الذي أعيد تسميته إلى “مسلمو فرنسا” في عام 2017 لأسباب سياسية.

ونجحت الجماعة (التي دخلت فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي على يد متشددين إسلامويين أجانب) في ترسيخ نفسها لدى الحكومات المتعاقبة، وكان اتحاد المنظمات الإسلامية يهدف إلى جمع كل المسلمين الفرنسيين تحت مظلة هوية مجتمعية واحدة، وتحويلهم إلى إسلام أصولي، لضمان السيطرة على تمثيل المسلمين، وليصبحوا المتحاور الأبرز مع السلطات العامة، وعلى المستوى الوطني ومستوى الإدارات. وتحقيقًا لهذه الغاية، عكفت هذه المنظمة على لعب دور الضحية وإثارة الكراهية من خلال نشر مفهوم “الإسلاموفوبيا”.

لقد جرت المطالبة بحل تجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، الذي يحمل لواء الشق المتشدد والناشط والشعبوي للإسلاموية في فرنسا، وهذا أمر مهم، لكن يجب علينا أيضًا العمل على البنية التاريخية، المتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، بدعاته وعلماء دينه والقنوات التابعة له، ومنها: “المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” (IESH) في شاتو شينون وسان دوني، وجمعية “Havre de Savoir”، والمدارس الدينية، والمساجد، والجمعيات المختلفة التابعة له، وكل هذه المؤسسات، المعروفة لدى أجهزة الدولة، ترتبط بشكل مباشر مع الاتحاد.

ويشغل يوسف القرضاوي، المنظر الديني الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين، عضوية الهيئة العلمية للمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH) في شاتو شينون، وهو المرجع الديني لكلٍّ من المعهد واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا. وبعد أن مُنع من دخول فرنسا منذ عام 2012، ووضعه على قوائم التعقب في الإنتربول، برّر القرضاوي ارتكاب الهجمات الانتحارية، كما دعا الرجل المعادي المتعصب للسامية، والمؤيد لعقوبة الإعدام للمثليين جنسيًّا، إلى غزو أوروبا من خلال الوعظ والأيديولوجية.

 وفي الحالة الراهنة للقانون الفرنسي، لا يُقرّ قانون العقوبات مباشرة بتهمة التغلغل الأيديولوجي لمرتكبي الأعمال الإرهابية؛ لذا فنحن بحاجة ملحة إلى تكييف ترسانتنا القانونية مع الواقع واتخاذ الإجراءات الفورية الممكنة. والآن: هل من المقبول أن يتم تمثيل أعداء الجمهورية داخل هيئة مثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المكلف بالتعاون مع الجمعية الإسلامية لإسلام فرنسا لتنظيم البرنامج المنتظر لتأهيل الأئمة؟ وهل من المقبول أن تحصل التنظيمات الإسلاموية في فرنسا على تمويل من دول أجنبية، مثل قطر، التي تدعو بشدة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية؟

وهل من الطبيعي أن تدّعي هذه الهياكل العمل من أجل المصلحة العامة، وبالتالي تحصل على الأموال من دافعي الضرائب الفرنسيين؟ إن حرمان الجمعيات المناهضة للجمهورية من هذه الإعفاءات الضريبية، ومطالبة إدارة الضرائب بفرض مزيد من الرقابة، سيشكّل خطوة مهمة في الحرب الفعلية ضد الحركة الإسلاموية.

وفي الواقع تعدّ فرنسا، بلد التنوير وموطن فولتير، الهدف الأساسي للإخوان المسلمين، سواء تحقّق هذا الهدف عبر الرئيس التركي أردوغان، أو عبر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي محيي الدين القره داغي، الذي يدّعي أن اغتيال المدرس صمويل باتي ليس إلا عملية “تلاعب من أجهزة المخابرات الفرنسية”.

وجدير بالذكر أن القره داغي شارك في “الاجتماع السنوي لمسلمي فرنسا” الذي نظمه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا في حي لو بورجيه بالعاصمة باريس في عام 2015، وشارك معه أيضًا العديد من مسئولي الاتحاد، مثل أحمد جاب الله والعربي بشري، عمداء المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية الذين يقومون بالفعل بتدريب الأئمة، والأعضاء أيضًا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

لقد كان أجدادنا قادرين على كبح جماح الفكر النازي، ومن واجبنا ألا نتوقف عن محاربة الأيديولوجية الإسلاموية التي تشكّل الذين يرتكبون هجمات دموية بلا هوادة على أرضنا. إن فرنسا تمر بلحظة تاريخية تتمثل في إشكالية حفظ السلم الأهلي، ويتوقع الفرنسيون من السلطات العامة النجاح في تحييد الأيديولوجيين والمتشددين الإسلامويين الذين يهددونها، وعلينا أن نتجنب الخطأ فيما يخص المنظمة التاريخية للإخوان المسلمين في فرنسا.

وفي النهاية، رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء والسيد وزير الداخلية؛ نطلب منكم حل اتحاد “مسلمو فرنسا”، وريث “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” السابق، ذراع جماعة الإخوان المسلمين!

قريبًا.. الإعلان عن مجلس وطني للأئمة

أشارت جريدة “ليبراسيون” إلى الجهود القائمة لتأطير عمل أئمة المساجد في فرنسا، حيث تمارس الحكومة ضغطًا على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من أجل توضيح أوضاع الأئمة، حيث من المفترض أن يحصلوا على نوع من التقنين عبر الإنشاء المحتمل لطائفة من “رجال الدين المسلمين المواليين للدولة”.

وفي معركتها ضد الإسلامويين والراديكالية، تصعّد الحكومة الفرنسية من وتيرة أعمالها؛ حيث استقبل قصر الإليزيه مؤخرًا، الاتحادات الكبرى التي يتشكّل منها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، وعرضوا على رئيس الجمهورية الخطوط العريضة لمشروع مجلس الأئمة الوطني، الذي طلبته السلطة التنفيذية. ومن المفترض أن يضم هذا المجلس نحو 20 عضوًا، نصفهم من الاتحادات التابعة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وسيختص بشكل أساسي في إعطاء نوع من التصريح لممارسة الوظيفة الدينية، وفي الأسابيع المقبلة، يجب على CFCM زيادة تحسين وضع هذا المجلس.

يقول عالم الاجتماع المتخصص في الإسلام فرانك فريجوسي: “هذا المشروع يقوم بتأسيس طائفة من رجال الدين المسلمين التابعين للدولة”، فهل سيتمكن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من فرضها على القاعدة الشعبية؟ في جميع الأحوال، هذا عمل ميداني لمؤسسة لا تزال سلطتها محل نزاع. وبالنسبة لأنور كبيبش، الرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، فإن إنشاء مجلس الأئمة يعدّ نوعًا من الانتقام، وقال لصحيفة ليبراسيون: “قلت في اجتماع الإليزيه إننا أمام لحظة تاريخية”. ففي عام 2015، حاول كبيبش بالفعل وضع ميثاق للأئمة، ولكن دون جدوى، حيث واجه آنذاك مقاومة داخل المجلس، من عدد قليل من الاتحادات الكبيرة التي لم تكن ترغب في التنازل عن استقلاليتها، لكنهم يقبلون هذا المبدأ هذه المرة.

محاربة النفوذ الأجنبي

من جانبه، قال عمار الأصفر، رئيس منظمة مسلمو فرنسا: “منذ إنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، تمت مناقشة مسألة وضع الأئمة. ودائمًا ما كنا نفتقد شيئًا ما لتحقيق ذلك الهدف”. وفي الواقع، لا تترك الحكومة سوى القليل من الخيارات أمام المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وتضغط عليه لإنشاء هذا المجلس الوطني للأئمة. وبالنسبة للحكومة، فإن تصنيف الأئمة يأتي ضمن خطتها لمحاربة التطرف والنفوذ الأجنبي.

وكان رئيس الجمهورية قد أعلن في فبراير الماضي عن رغبته في إنهاء نظام الأئمة المعارين الذيم يتلقون أجورهم من الجزائر والمغرب وتركيا، حيث يعمل حاليًا من هؤلاء في فرنسا نحو 300 إمام، نصفهم يخضعون للتأثير التركي، ومن المقرر انتهاء فترة عمل الأئمة المعارين في عام 2024. لكن في ضوء العلاقات المتوترة حاليًا مع حكومة أنقرة، من المرجح أن تتعقد المفاوضات بهذا الشأن.

التأهيل والميثاق

بالكاد يوجد في فرنسا 2000 إمام ولا يزال وضعهم غير واضح. ووفقًا لعالم الاجتماع، فرانك فريجوسي، فهناك عدد لا يستهان به من المتطوعين العاملين داخل المساجد. ويوضح الباحث “أنهم يفضّلون البقاء مستقلين عن الجمعية التي تدير دور العبادة”. وعلى الأرض، يبدو الوضع مختلطًا، فوفقًا لعمار الأصفر، فإن معظم دور العبادة الإسلامية في منطقة (نورد با دو كاليه السابقة) والبالغ عددهم أكثر من مائة مسجد، تقوم بدفع الرواتب لأئمتها.

وعلى كل حال، لا يعدّ التأهيل شرطًا لأداء الوظيفة، لكن الحكومة ترغب في معالجة هذا الوضع، وقد طلبت من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) التعهد بإعداد محتوى للتأهيل في حوالي عشرة مراكز خاصة. وفي اجتماع يوم الأربعاء الماضي في قصر الإليزيه، طلب رئيس الدولة أيضًا من المجلس وضع ميثاق للقيم الجمهورية، وعلى الاتحادات التي يتشكّل منها المجلس الالتزام بالتوقيع عليه.

ووفقًا لتصريحات بعض المقربين من الرئيس ماكرون لبعض وسائل الإعلام، فإن بعض المنظمات التي يتشكّل منها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية تطرح مشكلة فيما يتعلق باحترام القيم الجمهورية، ولا سيما منظمة (مسلمو فرنسا) ومنظمة (ميللي جوروس التركية)، المشتبه في نشرها للإسلام السياسي. لكن عمار الأصفر، يقول لصحيفة ليبراسيون: “لم يتم التطرق إلى هذا الأمر خلال اجتماعنا مع رئيس الدولة”.

الإسلاموية وشبكات التواصل الاجتماعي.. من الاغتيال الافتراضي إلى القتل الحقيقي

أوضحت جريدة “لاكروا” المتخصصة في الأديان التطور النوعي الذي طرأ على عمل الحركة الإسلاموية في فرنسا. حيث يقول أوميرو مارونجيو بيريا، أستاذ علم الاجتماع المتخصص في شئون الإسلام: إن رفض الخلط بين الدين الإسلامي والإسلامويين لا ينبغي أن يقود إلى إغفال مسئولية بعض الأطراف المسلمة الفاعلة من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فالهجمات لم تتوقف أبدًا عن احتلال عناوين الصحف في فرنسا، وأعقبها الكثير من الإدانات والخراب والإصرار على عدم الخلط بين الدين الإسلامي والعنف الشديد والقاتل الذي أظهره إرهابيون يدّعون أنهم من الإسلام.

ومع ذلك، فإن الاعتراف بهذا التمييز لا ينبغي أن يؤدي إغفال مسئولية بعض الأطراف المسلمة الفاعلة من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، في استراتيجيتهم للتعبئة الجماهيرية التي تقوم بشكل أساسي على التواصل العاطفي الذي يقوم على الترويج لما يُزعم من رهاب الإسلام المؤسسي والذي يتم الإشارة إليه في أي خبر، حتى لو كان ذلك عبر تزييف حقيقة الوقائع الإجرامية.

وتُعدّ حادثة المعلم صموئيل باتي أحد أعراض هذا النهج ذي العواقب الوخيمة. لقد توفي المعلم، وجرى الضحية به على مذبح الانتقام الشعبي الذي دشّنته كلمات والد أحد التلاميذ والذي يبدو وأنه وابنته قد كذبا، سواء فيما يتعلق بأحداث الواقعة أو بوجود الفتاة في الفصل يوم الدرس. ويبدو هذا الواقع المحزن أكثر مرارة لأنه يدل على التجسيد الأسوأ لاستراتيجية التعبئة الشاملة لشبكات التواصل الاجتماعي المختبئة تحت ستار مكافحة الإسلاموفوبيا.

نموذج روزا باركس

في الواقع، لقد جرى تدريب الجهات التعاونية الفاعلة التي قامت بتدريب عددٍ كبيرٍ من النشطاء والوسطاء الميدانيين في إطار استراتيجية المواجهة مع المؤسسات العامة، بشكل ينبثق مباشرة من استراتيجية حركة الحقوق المدنية الأفروأمريكية. ونموذجهم الأعلى في ذلك هي روزا باركس، الناشطة الأمريكية السوداء التي رفضت في عام 1955 التخلي عن مقعدها لراكب أبيض في الحافلة.

وتمتلك هذه الاستراتيجية مفردات رئيسية مثل “التمكين”، أي في العمل أو تنظيم المجتمع، الذي يعني هيكلة العمل الجماعي بهدف بناء ميزان قوى مع المحيط، والأشخاص والمنظمات التي جرى تدريبهم، يمتكلون في أيديهم سلاح دمار شامل، يتمثل في القدرة على إشعال جحيم من “النوايا الحسنة”.

إن العمل الذي قادته هذه الحركة ذات الأصل الأفروأميركي يندرج تحت مفهوم الحرب الشاملة؛ حيث إن الهدف منها يسعى فقط إلى تسليط الضوء على التمييز الذي يعاني منه المواطنون الفرنسيون المسلمون – والذي يُعدّ بحد ذاته شرعيًّا تمامًا – ولكن الهدف الحقيقي هو إثناء السلطة السياسية عن تعديل القانون العام وذلك للحفاظ على مفهوم متكامل للهوية الدينية الإسلامية. ومنذ ما يقرب من عشرين عامًا، احتضنت الجمعيات الحقوقية ملامح الخطاب الديني الذي يتحدث عن سمات الملبس والأعراف الاجتماعية المريبة للغاية باعتبارها جزءًا من الهوية الإسلامية.

ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديدة، أصبح مديرو المجتمع وغيرهم من منظمي المجتمع المسلم هم المستخدمون لهذا السلاح، ولديهم نوعان من الذخائر يسهل استخدامهما: الأول هو الأمة ذات المصير المشترك والذي يجب على جميع المسلمين تشكيلها، ولتحقيق هذه الغاية، يتم الإشارة إلى الدولة الفرنسية باعتبارها تتعمد فرض العنصرية البنيوية بهدف القضاء على أي سمة من سمات الانتماء إلى الإسلام في جميع مجالات الحياة الاجتماعية؛ لذلك، يجب على جميع المسلمين أن يتضامنوا مع الجماعات الأكثر تشددًا، وإلا فسيأتي عليهم الدور في تدمير الهوية الدينية لمجتمعهم.

إثارة الاستياء

أما النوع الثاني فيتمثل في استخدام السجل العاطفي، الذي يؤدي إلى الفحش التام؛ فالمشاحنات المبتذلة، والخلافات بشأن الأحداث البسيطة والمتنوعة ينبغي حلها بسرعة من خلال الوساطة التقليدية، يتم الآن تصويرها وبثها على الفور، من أجل إثارة استياء أعضاء “المجتمع المسلم”. وبإمكان إيماءة بسيطة من العاطفة والدعوة إلى التضامن المجتمعي تحقيق استجابة ضخمة على شبكات التواصل الاجتماعي. ولسوء الحظ، يحترق الفتيل وتنفجر الذخيرة في معظم الحالات؛ ما يتسبب في وابل من الانفجارات.

لقد شهدت السنوات الأخيرة سوابق لعدة محاولات لـ “القتل الاجتماعي” استهدفت أشخاص اعتُقد أنهم يجسّدون هذه العنصرية البنيوية. ففي أغسطس 2016، بعد أن رفض مدير مطعم لو سيناكل في منطقة ترمبلاي أون فرانس، خدمة امرأتين مسلمتين محجبتين، جرى نشر مجموعة من هذه الأدوات الاستراتيجية على شبكات التواصل الاجتماعي، لتشجيع الناس على رؤية حقيقة أن المسلمين يعانون للعيش في فرنسا، ولتدمير سمعة المطعم في المقام الأول. وبناءً على مقطع الفيديو الذي جرى اقتطاعه وتداوله في البداية، أُنشئ تكتل قوة على أساس مجتمع المصير الواحد والعاطفة، حتى قبل أن يتم عرض الحقيقة أمام المحاكم المختصة.

إنقاذ شرف الأمة

وفي العام التالي، تعرّضت مدربة في مركز لياقة بدنية بمنطقة الألزاس لمضايقات خطيرة بعد أن نشرت تعليقًا على صفحتها على فيسبوك أشارت فيه إلى قلقها بشأن زيادة استخدام الحجاب في ستراسبورغ. ومرة أخرى، كان الهدف أن تكون عبرة للجميع من خلال إجبار المركز على فصل المدربة. لكن المدعي العام رفض الشكوى المرفوعة ضد هذه السيدة. والقائمة بهذا الصدد طويلة بما يكفي لإدراك أننا لا نواجه مجرد ظاهرة عابرة؛ بل على العكس، يمكن لهذه القائمة أن تجعلنا نتوقع أن نشهد يومًا ما عملًا لإنقاذ شرف الأمة.

التعبئة عبر الإنترنت

في الواقع، لم يكن لدى قدامى الإسلامويين أبدًا مثل هذه القدرة على التعبئة أو التأثير: فخلف جمعياتهم ومعاهدهم التدريبية، كافحوا لتوسيع قاعدتهم القتالية المباشرة وحجم أعضائهم، لكنهم نجحوا داخل هياكلهم في تزويد أجيال عديدة من المسلمين بقاعدة أيديولوجية قوية بما يكفي لتشجيع بعضهم على الاتحاد حول فكرة هيكلة المجتمع وتعديل القانون العام بما يتناسب مع مفهومهم للهوية الدينية الإسلامية.

لقد تلاشت الاتحادات القديمة والمنصات الأخرى، وصار الإنترنت والمنصات الإلكترونية هما المكان الحالي للتعبئة؛ ما أتاح تحسين موارد المجال الاجتماعي، الدينية والسياسية والاقتصادية والفكرية..إلخ. والمشكلة أن هذا السلاح ينتشر الآن بين المسلمين العاديين، الذين تحولوا إلى ناشطين في قضية مشكوك فيها للغاية، وذات آثار ضارة، وباتت تتجه بنا من السيء إلى الأسوأ.

ربما يعجبك أيضا