ذا هيل | ماذا ينتظرنا في عالم ما بعد الجائحة؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

لقد بدا فيروس كورونا جديدًا بكل المقاييس تقريبًا عند وصوله إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأولى من هذا العام. كمجتمع، أدرك الكثيرون أن الوقت لم يكن أصلًا متوفرًا؛ فمنذ ظهور الجائحة في 2019، توجد أكثر من 57 مليون حالة مؤكدة و1.3 مليون وفاة على المستوى العالمي.

وبالانتقال بالزمن سريعًا من مارس 2020، بات هناك أمل كبير في تجاوز الجائحة عبر إمكانية ظهور عدة لقاحات فعالة.

لقد طلبت فايزر مؤخرًا ترخيصًا طارئًا من إدارة الغذاء والدواء بعد أن أكملت دراسة المرحلة الثالثة من لقاح كوفيد-19 والتي أظهرت أن اللقاح فعّال بنسبة 95%، وأبلغت موديرنا عن معدل فاعلية شبه متطابق للقاحها، ومن المقرر أن تنشر لقاحات مرشحة واعدة أخرى بيانات التجارب السريرية.

غير أنه بعد التصديق على لقاح فعال والسيطرة على الجائحة بدرجة كبيرة، لا يزال الملايين يسألون: “إلى أين سنصل؟”.

يجب أن يظهر تركيز أكبر على مقاييس الصحة العالمية وجمع البيانات في الدول ذات الموارد المنخفضة. وبينما تكافح الولايات المتحدة من أجل تطوير إجراءات وبروتوكولات اختبار للحد من انتشار كوفيد-19؛ من غير المعقول أن نعتقد أن التقدم الذي تحقق في هذا البلد يكافئ ما تحقق في البلاد الأخرى.

يجب أن يتغير إطار كيف ننظر إلى إنهاء الجائحة.

في وقت سابق من هذا الشهر، صرحت ميلندا جيتس، الرئيس المشارك لمؤسسة جيتس، “كوفيد-19 في أي مكان هو كوفيد-19 في كل مكان” حيث تعهدت مؤسستها بـ70 مليون دولار لتسريع أبحاث اللقاح والتوزيع العادل لمنع النزعة القومية في التعامل مع اللقاح.

وفي حين أن الرغبة في تطعيم كل سكان العالم باللقاح تبدو مثالية، فإنها عنصر أساسي في إنهاء هذه الجائحة وهي ممكنة. يعتمد تطعيم سكان العالم على ثلاثة أشياء بعد التصديق على اللقاح: القدرة على إنتاج جرعات اللقاح، والتمويل، وأنظمة توصيل اللقاحات.

وبصفتي المدير التنفيذي للائتلاف العالمي للصحة، شهدت في عملي القوة التي تمتلكها البيانات الهادفة في المجتمعات الريفية في هايتي وجمهورية الدومينيكان. تسمح البيانات للمديرين بتخصيص الموارد بطريقة أفضل، وتطوير تدخلات صحية موجهة وإشراك الأطراف المعنية في قضية الصحة العالمية العادلة.

هذا يحتاج لبناء القدرة وعقد شراكات، حيث يضع الناس مواهبهم معًا لحل مشكلة مشتركة. ودون ذلك النهج، ليس من الممكن التعامل ببراعة مع أوجه عدم المساواة في الصحة العالمية، ويشمل ذلك تداعياتها على الدول الغنية.

من المفترض أن منظمات الصحة العالمية سيتعين عليها إيجاد حلول لمكافحة القوة الشرائية المحدودة في الدول الفقيرة وتحسين أنظمة توصيل الرعاية الصحية المفككة من أجل منع التوزيع المختل للقاح. سوف يحتاج هذا لتعاون عالمي وتعزيز لمؤسسات الصحة العالمية من أجل توفير الوصول العادل إلى لقاح فيروس كورونا.

لكن السؤال الحاسم هو ما إذا كانت معادلة انعدام المساواة تُعالج. لعل البعض يزعمون أن براعة العالم الأول واستثماره يخوّلان الولايات المتحدة للحصول على اللقاح بشكل أحادي أولًا. إن عدد من الشركات التي تطور هذه اللقاحات هي شركات مساهمة عامة في البورصة الأمريكية بمسئوليات تجاه المساهمين الذين سيرغبون في مواصلة الحصول على مكافآت مقابل استثماراتهم. شهدت موديرنا هذا الشهر فقط ارتفاعًا بنسبة 44% في أسهمها.

غير أن أستراليا ونيوزيلندا تقدمان مثالين رائعين للدول التي تحركت مبكرًا لمنع انتشار كوفيد-19. إذا لم يُوزع اللقاح بصورة عادلة وعلى مستوى عالمي، لا يمكن لهاتين الدولتين فتح حدودهما أمام شركائهما التجاريين، وهو ما له تداعيات على اقتصادنا العالمي.

وحيث إن الجائحة عالمية في نطاقها بحكم التعريف، فإن تطعيم جزء من سكان العالم لن يسيطر على الجائحة. إن القدرة على القضاء على انتشار كوفيد-19 في مكان ما تعتمد على القضاء عليه في كل مكان.

ومن الضروري إلقاء نظرة جادة على المضي قدمًا خاصة عند إنتاج اللقاحات. ومن الضروري حدوث نقلة نوعية من الأفكار الشعبوية التي تتبنى النزعة القومية إلى أفكار أخرى تتبنى التضامن العالمي.

ومع الأسف، يُظهر التاريخ أن هذه لن تكون الجائحة الأخيرة. يجب أن يعزز دور الحكومات مؤسسات الصحة العالمية لكي تكافح الأزمات الصحية الحالية والمستقبلية. وفي حين أن الإدارة الحالية تقول إن منظمة الصحة العالمية “فشلت فشلًا ذريعًا،” فإن قطع العلاقة الأمريكية معها لم يكن بالخطوة الصحيحة، لا سيما في وسط الجائحة.

إن منحنى التعلم خلال هذه الجائحة، من فهم الانتشار، إلى وسائل العلاج، إلى اللقاح، مثير للإعجاب، ولقد كان ممكنًا بسبب الالتزام بجمع البيانات من أجل فهم الفيروس بشكل أفضل وفي التضامن العالمي في محاربة عدو مشترك.

يعتمد الباحثون والمتخصصون والمديرون في مجال الرعاية الصحية على البيانات، فيما يجمع مقدمو الرعاية الصحية البيانات من المرضى والسكان، ويفسرونها، ثم يوصون بالتدخلات اللازمة للمشاكل المُشخّصة.

وتفعل الدول الغنية بالموارد ذلك بطريقة جيدة. إنها تستثمر بشدة في القدرة على الحصول على البيانات وتحليلها كطريقة فعّالة لتحسين النتائج الصحية؛ لكن فات الأوان للتفكير في تحقيق تكافؤ الفرص على المستوى العالمي.

ومن الاستعراض العام للتاريخ، فإن تلك الجائحة ليست غير مسبوقة كما تبدو. وقد ظهرت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهي فترة شهدت اضطرابًا عالميًّا ومعاناةً إنسانية حادة.

والآن، وبالنظر إلى الأمام عندما تُخمد النيران ويتبقى فقط رماد جائحة كوفيد-19؛ سيكون من الضروري إعادة تصور وإعطاء الأولوية للمساواة والتضامن في مجال الصحة العالمية؛ لذا يجب أن نبدأ من هنا.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا