فورين بوليسي | هل انتهت منظمة أوبك؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

في شهر سبتمبر, أتمت منظمة الدول المُصدِّرة للبترول (أوبك) عامها الـ60 – وهي ذكرى تأتي في لحظة حرجة في تاريخها. في حين أن سلطتها على أسعار النفط ارتفعت وتراجعت على مدار تاريخها, غير أنه لم يحدث مطلقًا قبل جائحة كوفيد-19 أن يصبح تواجدها نفسه محل تساؤل. فبعد تردد مبدئي وحسابات خاطئة كبرى, لعبت أوبك منذ شهر أبريل, على مضض, دور المحافظ على استقرار السوق من أجل إنقاذ صناعة النفط التي كانت توشك على الانهيار. والآن بالإمعان في ذروة الطلب وبيئة الطاقة التي أصبحت تنافسية أكثر بكثير من الماضي, ينبغي أن تنحي أوبك جانبًا طموحاتها الاحتكارية وتطمح إلى العمل بشكلٍ رئيسٍ كثقل موازن. 

على مدار العقود الستة الماضية, تطور سوق النفط بدرجة كبيرة على جانبي الطلب والعرض, وهو ما أجبر أوبك على التكيف بصورة مستمرة, حتى عندما بدت وكأنها عفا عليها الزمن. لكن, مثلما جادل البروفيسور روبرت كيوهان من جامعة برينستون, المؤسسات الدولية قلما تموت: “إن الإبقاء عليها أسهل من إنشائها”. وهكذا, عبر ثلاث مراحل رئيسية, استمرت أوبك.

في الفترة بين 1960 و1980, عملت أوبك كمتحدٍّ جيوسياسي. وكجزء من عملية إنهاء الاستعمار التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية, أراد أعضاؤها المؤسسون (إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا) استعادة السيطرة على احتياطيات النفط الخاصة بهم, التي كانت في ذلك الحين تحت السيطرة الفعلية لمجموعة من الشركات الغربية متعددة الجنسيات. وفي 1973, عندما أصبح منتجو النفط في تكساس غير قادرين على مواكبة الارتفاع في الطلب المحلي الأمريكي المرتفع, نجحت المجموعة في إخضاع الاقتصادات الغربية ردًّا على دعم واشنطن لإسرائيل في حرب أكتوبر.

حثت صدمة النفط الأولى هذه – والتي أعقبتها صدمة ثانية في 1979 بسبب الثورة الإيرانية – المستهلكين الغربيين على البحث عن مصادر طاقة بديلة, وتحسين كفاءة الطاقة, ومحاولة تقليل اعتمادهم على النفط. وكما صاغها أحد المحللين: “عندما يرتفع سعر شيء أساسي مثل النفط, تفعل البشرية شيئين: إيجاد المزيد منه وإيجاد طرق للحد من استخدامه”. وسريعًا, لم تواجه أوبك طلبًا منخفضًا وحسب بل واجهت أيضًا إنتاج المزيد من براميل الخام من منتجين غير تابعين لأوبك مثل ألاسكا, والمكسيك, والنرويج والاتحاد السوفيتي.

من 1980 إلى 2000, تعاملت أوبك مع التحديات عن طريق محاولة أن تصبح اتحادًا احتكاريًّا. في هذه المرحلة الثانية, حاولت – بطريقة غير ناجحة – أن تتصرف كاتحاد احتكاري حقيقي, حيث استهدفت حدًّا أقصى وحدًّا أدنى للسعر, مع تعديل الإنتاج وفقًا له، وقام قائد أوبك المُسلّم به, السعودية, بمعظم التعديلات. لم يمكن أن ترتفع الأسعار بسرعة جدًّا, وإلا كان الطلب العالمي سيضعف. ولم يمكن أن تنخفض بشدة أيضًا, وإلا كان العائد سيعاني. نظريًّا, حصص الإنتاج, التي جرى سنها لأول مرة في 1982, كانت تهدف لأن تخدم كآلية تقييم لجانب الطلب لكي تساعد في بقاء الأسعار الفورية داخل النطاق المرجو. في الواقع, الغش, والاقتتال الداخلي, والمنافسة الخارجية قوضوا فاعلية استراتيجية أوبك.

وقد أعفى صعود الصين – المتعطشة للنفط في العقد الأول من الألفية الثانية – الاتحاد الاحتكاري عن طريق رفع الأسعار إلى مستويات تاريخية؛ حيث اقترب مؤشر غرب تكساس الوسيط, أحد المؤشرات العالمية الرئيسية, من 150 دولارًا للبرميل في 2008. في هذه المرحلة الثالثة, وحتى 2014, ظلت أوبك أشبه بمراقب سلبي للسوق (مع محاولة قصيرة لأن تصبح نشطة أكثر خلال الكساد العظيم). ومادام الطلب على النفط استمر في الارتفاع؛ ارتفعت على إثره الأسعار أيضًا, ولم تتحمل أوبك عناء التدخل. لكن مع بداية ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة في 2014, شهدت أوبك تآكل سلطتها الاحتكارية مرة أخرى. ومنذ ذلك الحين, صارعت لتجد دورًا جديدًا.    

في البداية, بدت السعودية غير راغبة في العمل كمنتج متحكم – أي خفض أو تعزيز الإنتاج لتثبيت الأسعار العالمية لطرد المنتجين الأمريكيين من السوق. في الفترة بين 2014 وبداية 2016, هبطت أسعار النفط من 110 دولارات للبرميل تقريبًا إلى 29 دولارًا، لكن في 2016, أجبرت المالية العامة المستنزفة أوبك على الدخول في تحالف غير مريح, وهو ما يُسمى بأوبك بلس, مع روسيا وعدد من الدول داخل مدارها الجيوسياسي, لمحاولة مواجهة التهديد الأمريكي، غير أن هشاشة أوبك بلس أصبحت واضحة وضوح الشمس خلال أزمة كوفيد-19.

وكما هو الحال بالنسبة إلى أي اتحاد احتكاري, فقد مثّل فرض الالتزام بالحصص المتفق عليها التحدي الرئيس لأوبك, التي تُعدّ مهمتها تثبيت أسعار النفط من أجل تحقيق أقصى عائدات للحكومات المعتمدة على الطاقة، وعندما تحولت أوبك إلى أوبك بلس, ارتفع عدد أعضائها من 13 إلى 24 دولة, وهو ما جعل التنسيق أصعب, لا سيما بين المنافسين مثل السعودية وروسيا؛ حيث أرادت الرياض أن يصبح هذا التحالف دائمًا, وأصرت بشكل مستمر على خفض الإنتاج. لكن موسكو, على العكس, أرادت شراكة مؤقتة, وأظهرت نوعًا من التساهل مع الإنتاج المرتفع والسعر المنخفض.

وعندما بدأت جائحة كوفيد-19 في الانتشار في أنحاء العالم في شهر مارس, تبلورت الاختلافات بشكل مفاجئ. إن الفشل المبدئي لأوبك بلس في عقد اتفاق لتخفيض الإنتاج في وجه الطلب المتراجع أثار حرب أسعار والتي انتهت بدخول مؤشر نفط غرب تكساس الوسيط  في المنطقة السلبية للمرة الأولى على الإطلاق وبسعة تخزين شبه ممتلئة. وبعد تعلم الدرس بالطريقة الصعبة, توصلت أوبك بلس, في شهر أبريل, إلى اتفاق دبلوماسي غير مسبوق, حيث اتفقت على خفض الإنتاج إلى 9.7 مليون برميل في اليوم (حوالي 10% من الإنتاج العالمي) في الوقت الذي حصلت على دعم دول مجموعة العشرين الأخرى. وفي ظل تحسن الطلب, وكما تقرر في الأصل, جرى تخفيف الضوابط على الإنتاج قليلًا في أغسطس ومن المرجح أن تُثبت عند هذا المستوى الأسبوع المقبل في الاجتماع السنوي لأوبك بلس.  

وحتى الآن, كان الالتزام بالاتفاق الذي يفرض تخفيضات كبيرة في الإنتاج على الاقتصادات الهشة المعتمدة على النفط مرتفعًا, حيث اقترب من 100%. وهذا ليس بسبب المخاوف من حرب أسعار جديدة فقط؛ بل أيضًا طرح آلية جديدة تُجبر الموقعين غير الملتزمين بالتعويض عن الإنتاج الزائد القديم عن طريق الإنتاج أقل من حصصهم لعدد معين من الأسابيع. هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية التي وجدتها أوبك حتى الآن للثني عن الغش. وفي الوقت نفسه, الالتزامات الموثوقة والاستراتيجية المُعممة بشكل جيد لإلغاء قيود الإنتاج حددت توقعات السوق وأبقت الأسعار مستقرة نسبيًّا.

ينبغي أن يصبح تعامل أوبك بلس أثناء جائحة كوفيد-19 نموذجًا لأنشطتها في المستقبل، ولا ينبغي أن تعمل كمجرد محافظ على استقرار السوق خلال الأزمات الحادة، وفي السنوات المقبلة, سوف تشرف على التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. لقد سرّعت الجائحة الاتجاهات في التنقل وتنظيم العمل والتي كانت تؤدي بالفعل إلى انخفاض الطلب على النفط. وعلاوة على هذا, وبالرغم من التحديات التي يفرضها الكونجرس المنقسم, فإن جعل الاقتصاد الأمريكي أكثر صداقة للبيئة يبقى أولوية لرئاسة بايدن، حيث تبتعد الصين وأوروبا أيضًا عن النفط.

في المقابل, سوف يتراجع الطلب العالمي. ومن أجل تجنب انخفاض هائل في الأسعار, سيتعين تعديل الطلب باستمرار لموازنة السوق ووضع حد أدنى لأسعار النفط. فقط تحالف مثل أوبك بلس, والذي يمثّل حوالي 45% من الإنتاج العالمي, يستطيع ضمان درجة الجاهزية اللازمة لتعويض فائض الإنتاج. إن المنتجين الأمريكيين كثيرون  وصغار جدًا على التعاون. لهذا السبب, ينبغي أن تتطور أوبك بلس من تحالف مؤقت إلى منظمة حقيقية لكي ترسم توقعات السوق بطريقة موثوقة.

سوف يصبح وضع حد أدنى للسعر رئيسيًا للحد من تقلبات السوق, والحفاظ على السلامة المالية للصناعة وتجنب الاضطراب السياسي في مناطق رئيسية مثل الشرق الأوسط. هذا لن يعني أسعار مرتفعة على وجه التحديد, لأن أي محاولة لخفض الإنتاج بشدة وبعيدًا عما يحتاجه السوق، ستشجّع منتجي النفط الصخري الأمريكيين المرنين على فتح الصنبور وتعزيز الإنتاج, وهو ما يخفض الأسعار مرة أخرى. بعبارة أخرى, في سياق السوق التنافسية الحالية, أوبك بلس في موقع يسمح لها بتحديد الحد الأدنى للسعر, بينما يحدد منتجو النفط الصخري الأمريكي الحد الأقصى للسعر.

وإذا لعبت أوبك بلس أوراقها بطريقة صحيحة, قد ينتهي بها الحال بأن تصبح منتدىً قيّمًا لتبادل المعلومات المهمة ومشاركة أفضل الممارسات بين الدول الأعضاء لكي تجعل اقتصاداتها أقل اعتمادًا على عائدات صادرات الخام, بينما تنصب نفسها كلاعب رئيس في الاقتصادات الخضراء أيضًا. وفي النهاية تبقى أوبك بلس تحالفًا هشًا، وأعضاؤها منافسون جيوسياسيون في أغلب الأحيان ويحكمون مجتمعات ممزقة بشدة, وهو ما يخلق أرضًا خصبة للمصالح المتعارضة، غير أنه أخذ الجائحة كفرصة لبدء انطلاقة جديدة للمنظمة.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا