منتدى شرق آسيا| عبر «الاستقلال التكنولوجي»..كيف ستحوّل الصين اقتصادها؟

بسام عباس

ترجمة: بسام عباس

من أهم القضايا التي تشغل المجتمع الدولي في حقبة ما بعد جائحة كورونا؛ اتجاه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، واستدامة التنمية الاقتصادية للأخيرة.

وقد أصدرت القيادة السياسية الصينية مؤخرًا مقترحين للتنمية،وهما: الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين (2021-2025) والأهداف بعيدة المدى حتى عام 2035،وهما يوضحان توجهات بكين السياسية ونواياها.

ويمثل هذان المقترحان نهاية الاستراتيجية الاقتصادية القائمة علىعملية التصدير، والتي قادت التنمية لمدة 40 عامًا، وتحولًا نحو نمط نمو “مزدوج الانتشار” مدفوعًا بالطلب المحلي المدعوم بالطلب الخارجي.وتضع هذه الاستراتيجية الجديدة الابتكار في صميمها، كما أنها تضع الاستقلال التكنولوجي كركيزة استراتيجية للتنمية الوطنية.

كان نهج “الابتكار المحلي” تركيزًا استراتيجيًّا لعقود من الزمن في الصين، حيث حققت سياسة “الابتكار المحلي”بقيادة القطاع المملوك للدولة بعض النجاح، بما في ذلك تطوير تقنيات السكك الحديدية عالية السرعة، ونقل الجهد الفائق والتطبيقات العسكرية. وقد أدت هذه السياسة أيضًا إلى ظهور عدد كبير من الأوراق العلمية وبراءات الاختراع التي تعمل كمخرجات وسيطة للبحث والتطوير.

وفي بيئة معولمة، كان الابتكار الصيني يميل إلى حد كبير في السابق نحو التنمية التطبيقية،حيث حصلت البلاد على لقب “المصنع العالمي” لاستيراد المواد والأجزاء الرئيسية ومعدات التصنيع لتجميعها بعد ذلك تمهيدًا لتصديرها. ونظرًا لإجبارها على تلبية المتطلبات سريعة التغير لسوق المستهلك الدولي، تبنَّت الصين نهج “الاستيراد، والتوطين، والاستيعاب” للتكنولوجيا، لتغطية العجز التكنولوجي المحلي في البلاد.

وقد وضع هذا النمط من التطور التكنولوجي الصين في وضع منخفض القيمة المضافة، كما جعلت اللوائح التكنولوجية للدول الأكثر تقدمًا من الصعب على الصين أن تدخل تكنولوجيا أكثر تطورًا، وردًّا على ذلك أطلق صُنّاع السياسة والصناعة “صُنع في الصين 2025” لمواجهة هذه الأزمة الداخلية.

وفي العصر الرقمي، عززت الولايات المتحدة “شراكة التصنيع المتقدمة” و”الإنترنت الصناعي” والمشروع الاستراتيجي “الصناعة 4.0” بهدف النهوض بالصناعة التحويلية،في حينأعطت هذه الحركات حافزًا للصين، حيث استشعرت وجود الأزمة،لا سيما الفجوات الموجودة في قدراتها التكنولوجية وقدرتها التنافسية، ودون تدخل لحل تلك الأزمة، من المرجح أن تتسع هذه الفجوات.

وفي الوقت نفسه، أدت النجاحات الأخيرة للابتكار التكنولوجي العضوي في الصين، وقدرة بكين على كبح جماح جائحة كورونا،إلى توسيع الثقة في التطور الرقمي الصيني.وبينما كانت سياسة الابتكار المحلية في الصين في البداية تتمثل في استراتيجية اللحاق بالركب، يمكن قياس نهج “الاستقلال التكنولوجي” باعتباره طريقًا نجو تجاوز تلك الدول المتقدمة التي تهيمن حاليًا على التكنولوجيا العالمية.

وقد أطلقت الصين سياسة وطنية “للتجديد الذاتي”، وهي نسخة منهجية للابتكار المحلي، في عام 2006. وبعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، أجبرت عملية الدفع المستمرنحو العولمة الصين على السعي لتحقيق الكفاءة القائمة بشكل أساسي على الميزة النسبية،ونتيجة لذلك، اعتمدت الصين بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية.

فعلى سبيل المثال، تعتمد الرقائق الصينية شبه الموصلة بشكل أساسي على الواردات من الخارج. ووفقًا لمسح أجرته مجموعات صناعية أمريكية، تبلغ حصة الصين من الطلب العالمي على أشباه الموصلات نحو 35%، في حين أن الحصة الصينية من الشركات المصنعة للأجهزة المتكاملة في العالم– الشركات القادرة على تصميم منتجات الدوائر المتكاملة وتصنيعها وبيعها– أقل من 1%.

هذا،وتسببت إجراءات الرقابة على التكنولوجيا والتصدير، التي اتخذتها الولايات المتحدة بذريعة الأمن القومي، في صعوبات مالية خطيرة واجهت الشركات الصينية، مثل هواوي و زد تي إي، كما تنطبق هذه الإجراءات التنظيمية أيضًا على مئات الشركات التكنولوجية الصينية الناشئة والتي أدرجتها الولايات المتحدة على القائمة السوداء. ومن هنا، توجهت الصين للاستعاضة بسلسلة توريداتها الصناعية، واضطرت إلى تعزيزها من خلال تدابير الاستقلال التكنولوجي التي تهدف إلى حماية الأمن القومي والاقتصاد. بعبارة أخرى، فإن الخوف من فصل التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين هو عامل خارجي يُسرِّع من استراتيجية الصين للاستقلال التكنولوجي.

وقد كان ينبغي حل قضية القيود التجارية عن طريق المفاوضات من خلال آلية دولية أو ثنائية لتسوية المنازعات. ولكن، ولسوء الحظ، فإن آليات حل النزاع هذه معطلة. وسواء كان النهج الذي اختارته الصين محليًّا أم لا، فمن المرجح أن يضخّم الفصل التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.

وبالتركيز على وفرة الموارد البشرية وأصول البيانات ومشاهد التطبيق في العلوم والتكنولوجيا، تحاول الصين تحقيق الاستقلال التكنولوجي بحلول عام 2035. ولكن في العصر الرقمي حيث يزداد التعقيد الاقتصادي والاجتماعي وتتطلب كفاءة الابتكار وسرعته، يجب على الصين بالاشتراك مع أعضاء نظام الابتكار العالمي،ومثلما جرى انتقاد سياسة الابتكار المحلية التي تقودها الحكومة الصينية في الخارج، يتطلب النظام البيئي العالمي للابتكار وضع القواعد وآليات تسوية المنازعات.

ولذلك، سيكون من المهم لإدارة بايدن الجديدة أن تُدرك الحاجة إلى استعادة وتعزيز التعاون العالمي في مجال التكنولوجيا.

الرابط الأصلي من هنا

ربما يعجبك أيضا