آسيا تايمز| جائحة كورونا وظهور مبادرة «إعادة التعيين الكبرى» وكيفية مقاومتها

بسام عباس

ترجمة: بسام عباس

وفقًا لأحدث تقارير منظمة العمل الدولية، فإنه مع زيادة خسارة الوظائف بسبب عمليات الإغلاق التي تهدف إلى الحد من انتشار فيروس كورونا، فإن ما يقرب من نصف القوى العاملة العالمية معرّضة لخطر خسارة سبل العيش والوصول إلى الغذاء والقدرة على البقاء.

وقد صرح المنتدى الاقتصادي العالمي بأنه “مع وجود نحو 2.6 مليار شخص حول العالم يعيشون في أحد أنواع الإغلاق، فإنه يمكن القول إننا نجري أكبر تجربة نفسية على الإطلاق”. وبينما تقوم الحكومات والشركات بتشديد الاستبداد السياسي والمراقبة التكنولوجية، ما يحد من الخصوصية والاحتجاج الديمقراطي، فإن الكثير من البشر يتعرضون للشعور بالقلق والاكتئاب والعجز، حيث شهدت الدول التي لديها بعض أقسى عمليات الإغلاق، مثل الهند، زيادات كبيرة في حالات الانتحار.

السرد الوبائي والمعارضة

تقدّم المؤسسات السياسية والاقتصادية العالمية المهيمنة ووسائل الإعلام سردها الوبائي على أساس السلطة العلمية. ومع ذلك، فهناك خلاف متزايد حول أصل الفيروس والوقاية منه داخل مجال الطب الحيوي.

ويتساءل العديد من الأطباء والعلماء عما إذا كان فيروس كورونا حدثًا طبيعيًّا أم أنه ناتج عن تسريب من مختبر يقوم بتجربة فيروسات كورونا والأسلحة البيولوجية. وتزايد القلق إزاء دقة اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) والإيجابيات الخاطئة، فضلاً عن تصنيف الوفيات على أنها ببساطة ناجمة عن فيروس كورونا، وذلك عندما يرتبط عدد هائل من الوفيات بأمراض موجودة مسبقًا أو أمراض مصاحبة، مثل مرض السكري وأمراض القلب.

وحتى وفقًا للإحصاءات التي أصدرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يوم الأربعاء الماضي، فقد ذُكر فيروس كورونا باعتباره السبب الوحيد للوفاة في 6 ٪ فقط من الحالات. فيما ترجع المعدلات الأعلى لوفيات كورونا بين الأمريكيين الأصليين وشعب الإنويت في ألاسكا، على سبيل المثال، إلى ارتفاع معدلات السمنة والسكري والربو وأمراض القلب مقارنة بالمجتمعات الأمريكية الأكثر تميزًا.

لم تكن جائحة كورونا هي “المعادل الكبير”، كما قال حاكم نيويورك “أندرو كومو” وأعضاء المنتدى الاقتصادي العالمي. وبدلاً من ذلك، فقد أدت إلى تفاقم عدم المساواة القائمة على أساس الجنس والعرق والانقسامات الطبقية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

ومثلما يطالب الأمريكيون العاطلون عن العمل وغير المؤمّن عليهم الحصول على الدعم، فإن الثروة المجمعة لأصحاب المليارات الأمريكيين “تجاوزت المكاسب البالغة 1 تريليون دولار منذ مارس 2020 وبداية الوباء”، وفقًا لدراسة أجراها معهد دراسات السياسة، فيما زادت ثروات المليارديرات الأمريكيين الخمسة الأوائل– جيف بيزوس، وبيل جيتس، ومارك زوكربيرج، ووارن بافيت ولاري إليسون– بما مجموعه 101.7 مليار دولار، أو 26٪، خلال هذه الفترة.

ومن بين المستفيدين من الوباء الرؤساء التنفيذيون لشركات مثل زووم وسكايبي التي تقدم خدمة مؤتمرات الفيديو، بينما تقدم شركة أمازون خدمة التسوق عبر الإنترنت للمواطنين الخاضعين للإغلاق. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الشركات لم يترجم إلى تحسين أجور موظفيها وظروف سلامتهم.

ومع ذلك، فإن القوة السياسية والأيديولوجية لطبقة المليارديرات وتأثيرها على صنع السياسات المحلية والعالمية آخذة في الازدياد. ومن الأمور ذات الصلة في هذا الصدد الدور المركزي للملياردير “بيل جيتس” في تطوير وتسويق اللقاحات، والاهتمام باستخدام اللقاحات كوسيلة للتحكم في عدد السكان.

كما تشتهر شركات صناعة الأدوية الكبرى (بما في ذلك شركات تصنيع اللقاحات)، بتضخيم الأسعار وتجنب الضرائب والتلاعب بالعملية السياسية لتعظيم الأرباح. ولسوء الحظ، تعد هذه الصناعة الفاسدة لاعبًا رئيسيَّا في السباق لإنهاء جائحة كورونا.

وقد تلقت إدارة “جو بايدن” القادمة في الولايات المتحدة تمويلًا مكثفًا من شركات صناعة الأدوية، لكنها لم توافق على خفض تكلفة لقاح محتمل لفيروس كورونا تم تطويره بالأموال الاتحادية المخصصة للأبحاث. وبدلاً من ذلك، فإن إدارة بايدن، التي مولتها قطاعات التكنولوجيا والتمويل والدفاع بشكل كبير، تستعد لتسهيل مبادرة “إعادة التعيين الكبرى”، وهي مبادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي لإعادة تشكيل النظام العالمي فيما بعد الوباء.

مبادرة “إعادة التعيين الكبرى”

يرى المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يقدّم نفسه على أنه “المنظمة الدولية للشراكة بين القطاعين العام والخاص”، أن الدمار الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا “فرصة فريدة لتشكيل التعافي”.

وفي حديثه في مؤتمر نظمه المنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو، أعرب وزير الخارجية الأمريكي السابق “جون كيري” عن قلقه من “القوى والضغوط التي كانت تدفعنا إلى أزمة تتعلق بالعقد الاجتماعي تتفاقم الآن. … والعالم ينهار، بشكل خطير، من حيث المؤسسات العالمية والقيادة “.

في حين تسعى مبادرة “إعادة التعيين الكبرى”، التي قدمها المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى مواجهة هذه التحديات من خلال إعادة هيكلة عالمية جذرية، وتسعى أيضًا إلى إعادة ترتيب “أولويات المجتمعات، وطبيعة نماذج الأعمال وإدارة الموارد العالمية المشتركة… وذلك لبناء عقد اجتماعي جديد”، مع وضع التنمية المستدامة والمرونة أهدافًا نهائية.

وفي التجمع السنوي المقبل للأثرياء والأقوياء الذي سيُعقد في دافوس، بسويسرا، في يناير 2021، من المتوقع أن يتبنى المنتدى الاقتصادي العالمي مبادرة إعادة التعيين الكبرى، وأن يدمج أيضًا قادة الشباب من جميع أنحاء العالم في المبادرة عبر قمة افتراضية.

إن الأهداف المعلنة للاستدامة والمرونة جديرة بالثناء، غير أن هناك الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لكل من المنتدى الاقتصادي العالمي ومبادرة إعادة التعيين الكبرى.

فعلى سبيل المثال، وفي أكتوبر 2019، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر من تفشي جائحة كورونا، أجرى المنتدى الاقتصادي العالمي، بالاشتراك مع مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، ومؤسسة بيل وميليندا جيتس، محاكاة للوباء تسمى “إيفينت 201″، وتوقعت المحاكاة وفاة ما يصل إلى 65 مليون شخص بسبب فيروس كورونا.

ويتساءل الكثيرون عن سبب فشل هذه المنظمات القوية، بعد أن نفّذت بالفعل السيناريو الدقيق كاختبار، في منع أو على الأقل تهيئة العالم لمواجهة تفشي الفيروس الوشيك.

ويتحرك الاقتصاد السياسي العالمي في اتجاه زيادة التكامل بين التكنولوجيا والسوق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. وفي أعقاب جائحة كورونا، زادت الاتجاهات نحو رقمنة وتسليع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.

وتسعى مبادرة إعادة التعيين الكبرى إلى تسريع وتوطيد هذه الاتجاهات، بالإضافة إلى توسيع سيطرة الشركات على الموارد الطبيعية، ومراقبة الدولة للأفراد. وفي إطار تلك المبادرة، لن يتبقى الكثير من الحياة خارج الصلة بين التكنولوجيا والشركات التي تهيمن على الأعمال التجارية الزراعية المتجانسة، والأدوية والاتصالات والدفاع وغيرها من الشركات المترابطة، والحكومات ووسائل الإعلام التي تخدمها.

ويتصور أنصار مبادرة إعادة التعيين الكبرى عالمًا جديدًا شجاعًا حيث “لن تمتلك شيئًا، ومع ذلك ستكون سعيدًا، فكل ما تريده، ستستأجره، وستتسلمه عبر طائرات من دون طيار…. “، ولكن من المرجح أن هذه الثورة التي تقودها النخبة ستجعل الغالبية العظمى من البشر مجرد ملحق ضعيف للتكنولوجيا، مجرّدين من أي وعي ومعنى في حياتهم.

المقاومة

تميل المؤسسة الإعلامية السائدة إلى إلقاء جميع الانتقادات على رواية كورونا وحلولها السائدة على أنها نظريات مؤامرة. ومع ذلك، فإن المزيد والمزيد من الناس يتساءلون عن السردية حول أصل الوباء وإدارته، وبدلاً من ذلك، يرون الحاجة إلى التحول إلى حضارة ديمقراطية وعادلة وبيئية حقيقية.

وكان تركيز العديد من الاحتجاجات المناهضة للإغلاق في جميع أنحاء العالم محدودًا على القيود الاجتماعية والحرية الشخصية، وهي الرغبات التي تتناغم عادةً مع النزعة الفردية لثقافة المستهلك المعولمة. وبينما حظيت تلك الاحتجاجات ببعض الاهتمام في وسائل الإعلام الرئيسية، فإن المطالب الأكثر تركيزًا وتقدمية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية من جانب جماعات المجتمع المدني لم تحظ باهتمام كبير.

وتشمل الاحتجاجات السابقة مطالب العديد من الجماعات، مثل منظمة أوكسفام الدولية، بجعل أدوية ولقاحات فيروس كورونا مجانية وعادلة للجميع. وهناك أيضًا طلب لإجراء تحقيق عام عالمي، بقيادة علماء مستقلين، لجمع الأدلة حول أصل وتطور الفيروس. بالإضافة إلى ذلك، هناك دعوة لتدشين محكمة جرائم الحرب البيولوجية الدولية، لتقديم المتسببين في الوباء إلى العدالة، سواء كانوا من الولايات المتحدة أم من الصين.

والهدف العام لهذه المطالب هو مزيد من الشفافية والأخلاق والمساءلة في استخدام التكنولوجيا، وخاصة التكنولوجيا الحيوية واللقاحات ضد فيروس كورونا والفيروسات الأخرى. إن المطالبة بتطبيق اتفاقية الأسلحة البيولوجية تدعو “دول العالم، الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، إلى العمل معًا لفرض أنظمة تحقق أفضل لمنع إنتاج الأسلحة البيولوجية في المستقبل، قبل أن يتعرض العالم للأوبئة المتعددة في المستقبل”.

وينبغي تضمين تلك المخاوف في مبادرة إعادة تعيين رائعة أخلاقية وحكيمة ورحيمة، حيث إن جائحة كورونا هي نقطة تحول وفرصة للتغيير. وإعادة التعيين التي نحتاجها الآن ليست خلق عالم “ما بعد الإنسان، أو ما بعد الطبيعة” المحدد بالنمو غير المنظم الذي تقوده الشركات للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.

إننا بحاجة إلى تحقيق التوازن بين الرقمنة والتسليع مع إعادة تعيين بيئية، وطريقة حياة تحترم البيئة، وتعزز البيئة الزراعية، ونظام المنطقة الإحيائية والمجتمعات المحلية.

إننا في النهاية بحاجة إلى رفع وعينا وفهمنا للإنسانية كنوع في الطبيعة، وترابطنا ببعضنا البعض وبقية أنواع الحياة على هذا الكوكب.

للإطلاع على الرابط من هنا

ربما يعجبك أيضا