مودرن دبلوماسي: أفريقيا.. نجم صاعد في النظام الاقتصادي الجديد

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة: آية سيد

كانت القارة الأفريقية على رأس أجندة صُناع السياسة في كل العصور. من الناحية التاريخية, ظهر تضارب المصالح في عصر الاستعمار, عندما لم تتردد القوى العالمية في غزو مناطق متعددة من أفريقيا للحصول على الموارد الثمينة مثل الذهب, والعاج, والملح, والمزيد غيرها. لقد أرادوا جميعهم هذه الموارد لأنهم احتاجوها في التصنيع. ومع مرور الوقت, أراد الأفارقة تحدبد مصيرهم بأنفسهم, لذلك ظهرت الدول الأفريقية الـ54 الموجودة اليوم بشكل رئيسي بداية من منتصف القرن العشرين، إلا أنه في العصور الحديثة, وفي ظل سيادة الدول الأفريقية, تغيرت القواعد بحيث لم تعد القوى المألوفة والجديدة تحكم أراضيها بل أصبحت تستثمر في أسواقها.

لماذا أفريقيا مهمة لهذه الدرجة؟

من حيث البُعد العالمي, تُعد القارة الأفريقية الغنية بالموارد واحدة من الأسواق الاستهلاكية الأسرع نموًا؛ حيث إن الاستهلاك الأسري ارتفع أسرع من ناتجها المحلي الإجمالي في السنوات الماضية. وإضافة إلى هذا, تخطى متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي المتوسط العالمي بثبات. من الناحية العددية, في السوق المحتملة لـ1.35 مليار شخص, منذ 2010, وبمعدل مضاعف, ارتفع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 3.9% سنويًّا وبلغ 1.4 مليار دولار أمريكي في 2015. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 2.1 تريليون دولار بحلول 2025 و2.5 تريليون دولار بنهاية 2030.

على الجانب الآخر, الزيادة الضخمة في فئة الشباب في عدد السكان الذي ينمو سريعًا في القارة تخلق بيئة مناسبة للتنمية الصناعية. يبلغ متوسط العمر على القارة 19.7, بينما يبلغ هذا الرقم 37.4 في الصين, و38.1 في الولايات المتحدة, و42.9 في الاتحاد الأوروبي, و30.6 عالميًا. وعلاوة على هذا, يتيح عامل الشباب المهم الانتشار الأسرع للإنترنت والهواتف المحمولة. وبجانب المجالات التقليدية, يبدو أن مستقبل الصناعة الرقمية مشرق أيضًا في أفريقيا.

تكمن أهمية أفريقيا جزئيًّا في موقعها الجغرافي, وبالتالي الإمكانات التي يخلقها. إن الموانئ الأفريقية هي البوابات الحيوية لعمليات التصدير والاستيراد المحلية والعالمية. ولو أنه في الوقت الحالي, تقوم صادرات الاقتصادات الأفريقية على السلع بشكل رئيسي؛ على المدى الطويل, سوف تتنوع اقتصادات الزراعة الأحادية بينما تنمو. لذلك, سوف تلعب الموانئ دورًا أساسيًّا في ضمان استدامة الديناميكيات الاقتصادية الأكثر قوة ومرونة وتنوعًا في اقتصادات القارة من خلال صادرات وواردات المنتجات الصناعية والبضائع المصنعة الأخرى. وبالإضافة إلى هذا, هذه الموانئ لن تخدم الاقتصادات الأفريقية وحدها؛ إنها ستساهم بشكل كبير في أنظمة سلسة الإمداد العالمي مثل مرافق النقل الحديثة.

اللاعبون التقليديون والجدد في أفريقيا

إن أفريقيا جذابة جدًا للمستثمرين من ناحية الاتجاهات الإيجابية والفرص في النمو الاقتصادي. يضع الإصدار التاسع من تقرير مؤشر الجاذبية بأفريقيا الصادر عن مؤسسة إرنست آند يونج في سبتمبر 2019, يضع القارة الأفريقية في المرتبة الأولى بالعالم بحسب الاستثمار الأجنبي المباشر مقابل بيانات الناتج المحلي الإجمالي للعام 2018.

ووفقًا لتقرير الاستثمار العالمي 2020 لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية, فإن أكبر 5 مستثمرين في القارة الأفريقية هم بالترتيب هولندا (79 مليار دولار), وفرنسا (53 مليار دولار), والمملكة المتحدة (49 مليار دولار), والولايات المتحدة (48 مليار دولار) والصين (46 مليار دولار). وبصورة مثيرة للاهتمام, في حين أن الدول الأخرى على القائمة خفضت استثماراتها المباشرة في الفترة بين 2014 و2018, فقط هولندا (20 مليار دولار) والصين (14 مليار دولار) زادا استثماراتهما في أفريقيا.

إن تدفق الاستثمارات مُعقد بشكل مشوّق. كانت الولايات المتحدة تحذر الدول من أن بعض المخاطر الأمنية قد تصاحب التكنولوجيا التي تطورها الشركات الصينية مثل هواوي وزد تي إي. مع هذا, أقامت هواوي وزد تي إي كابلات الألياف الضوئية والكابلات البحرية قبالة سواحل أفريقيا. وفي هذا السياق, تشكل البنية التحتية التكنولوجية الصينية الأساس لشبكة التكنولوجيا الفائقة في بعض الدول على القارة ضمن حدود “طريق الحرير الرقمي.” على سبيل المثال, في إثيوبيا, كان الاستثمار المباشر في قطاع التكنولوجيا 2.4 مليار دولار, بينما كان هذا الرقم 1.8 مليار دولار في كل من النيجر وزيمبابوي. يبدو أن الصين في موقف مواتٍ في أفريقيا حيث إنها تشكل “البنية التحتية المستقبلية” عن طريق المساعدة في دفع نمو انتشار الهواتف المحمولة والإنترنت, على عكس الولايات المتحدة.

وبعيدًا عن القوات التقليدية, بعض الدول الجديدة, مثل تركيا وروسيا, حريصة على اختراق الأسواق الأفريقية. بدأت مبادرة تركيا في أفريقيا في 2003. وفي غضون 15 عامًا, ارتفع عدد السفارات التركية في أفريقيا ارتفاعًا كبيرًا من 12إلى 44، وارتفعت الاستثمارات التركية المباشرة ارتفاعًا صاروخيًّا من 100 مليون إلى 6.5 مليار دولار أمريكي, وزاد حجم تجارة تركيا مع دول القارة بستة أضعاف, حيث بلغ 17.5 مليار دولار. وبالإضافة إلى هذا, تركيا هي ثاني أكبر مستثمر في أثيوبيا بـ2.5 مليار دولار, وفي السنوات الأخيرة زادت نفوذها السياسي في شمال شرق أفريقيا.

تمتلك روسيا خبرة تعاون عميقة مع الدول الأفريقية من العصر السوفيتي. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, كافحت روسيا من أجل إدامة العلاقات لكنها فشلت في الغالب بسبب تحول التركيز إلى شئونها الداخلية، غير أنها في هذه الفترة حافظت على منطقة نفوذها السياسية إلى حد ما في مناطق معينة من القارة الأفريقية. ومع هذا, تعرضت العلاقات الثنائية لتجديد جذري منذ أول قمة روسية – أفريقية في سوتشي يومي 23-24 أكتوبر في 2019.

في 2018, زادت تجارة روسيا مع الدول الأفريقية بأكثر من 17% وتجاوزت 20 مليار دولار. في قمة سوتشي, أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن توقعه زيادة حجم التجارة بمقدار الضعف على الأقل خلال الـ4-5 سنوات القادمة, وهو ما يعني قفزة من 20 مليار دولار إلى 40 مليار دولار. ومؤخرًا, في 23 نوفمبر, وفي ندوة تفاعلية عبر الويب نظمها مجلس الاتحاد الروسي, وغرفة التجارة والصناعة الروسية, ورابطة رجال الأعمال الروسية, أظهر المسئولون الروس مجددًا نيتهم لاستعادة العلاقات التاريخية عبر التعاون في عدة مجالات.

العقبات والقيود

على الرغم من أن أفريقيا تقدّم فرصًا لا تُحصى, لديها بعض المشاكل الهيكلية المصحوبة ببعض الصراعات والنزاعات بين الدول وداخل الدول، لا يزال الإرهاب والتفكك هما التحديان الرئيسيان للقارة،  فيما حدث النزاع المسلح, الذي يراقب حوادث الصراع حول العالم, إنه كان هناك 21.600 حادثة صراع مسلح في أفريقيا حتى نوفمبر 2019. وحتى نفس الفترة في 2018, كان ذلك الرقم 15.874 فقط، وهذا يمثل زيادة بنسبة 36%.

لقد قدمت دول كثيرة في القارة الأفريقية أداءً سيئًا في الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مستقرة وتحقيق مستويات تنمية اقتصادية ملموسة، ويمكن ربط هذا بمجموعة من العوامل, الاضطراب السياسي في المقام الأول حيث إنه يقلل القدرات الإنتاجية والمتعلقة بالتعامل التجاري للاقتصاد. ويُقدّر أنه حدث 100 انقلاب ناجح على الأقل في أفريقيا خلال العقود الأربعة الماضية, ومحاولات انقلاب بأكثر من ضعف العدد. ومن ثم, هناك ارتباط واضح بين انعدام الاستقرار في المسرح السياسي واختلال التوازن الاقتصادي.

يتأخر معظم أفريقيا عن بقية العالم في تغطية فئات البنية التحتية الحيوية, مثل الطاقة والطرق والسكك الحديدية, والبنية التحتية للمياه. على سبيل المثال, يفتقر 600 مليون شخص تقريبًا في أفريقيا جنوب الصحراء إمكانية الوصول إلى شبكة الكهرباء, وهو ما يمثل أكثر من ثلثي سكان العالم من دون كهرباء. وإضافة إلى هذا, تلعب فكرة البنية التحتية دورًا أساسيًّا في المنطقة من ناحية الكفاءة. على سبيل المثال, الزراعة هي أكبر قطاع اقتصادي في أفريقيا, حيث تمثل 15% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للقارة, أو أكثر من 100 مليار دولار سنويًّا، ويُقدّر الخبراء أن أفريقيا جنوب الصحراء وحدها تحتاج لاستثمارات سنوية إضافية بمقدار 50 مليار دولار لكي تجعل النظام الزراعي يعمل بشكل أفضل، ويمكننا أن نرى بوضوح أنه من ناحية التنمية الاقتصادية, فإن سد هذه الفجوة في البنية التحتية ضروري للقارة حيث إنه سيرفع جودة الحياة ويحفّز نمو قطاع الأعمال.

ماذا نتوقع؟

في ضوء عدة مؤشرات, يبدو أن مستقبل القارة الأفريقية مُعقد بشدة. وفقًا لآخر توقعات الأمم المتحدة, من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة بحلول 2050. إذا لم يرتفع تدفق الاستثمار, سوف تواجه أفريقيا تحديًّا ديموجرافيًّا كبيرًا. وبخلاف هذا, رأس المال الفكري والموارد البشرية سيساهمون في التحول إلى نمر اقتصادي مدعومين بالاستثمارات المتواصلة, وهذا العامل سيكون مسارًا إلى الازدهار.

لقد اتُّخذت خطوة كبيرة باتجاه العقبات المتعلقة بالاندماج في مارس 2018 بتوقيع 54 دولة أفريقية على اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية. إنها تقدم فرصة هائلة للدول الأفريقية عن طريق انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع ورفع دخول 68 مليون شخص آخر ممن يعيشون بدخل أقل من 5.50 دولار في اليوم. تتضمن الاتفاقية أيضًا تبسيط الإجراءات الجمركية التي ستحفز 292 مليار دولار من مكاسب الدخل المحتملة البالغة 450 مليار دولار. وأيضًا, تنطوي تبسيطات الإجراءات الجمركية على تطوير أنظمة سلسلة الإمداد في القارة، وقد يصبح تطبيق الاتفاقية إيذانًا ببداية التنمية المتكاملة لتعزيز الاستدامة طويلة الأمد في البلدان الأفريقية.

سوف تكون بلا شك رحلة طويلة للأفارقة لكي يتغلبوا على كل المشاكل، إلا أن ظهور جيل جديد بأفكار تقدمية ربما يهييء بيئة مختلفة على القارة، والعوامل الأكثر حسمًا داخل العملية ستكون الابتكار, والانضباط, والأهم, الصبر. في تلك الحالة, سوف يلعب الاقتصاد الأفريقي المستدام والديناميكي دورًا أساسيًّا في النظام العالمي. بصفة عامة, لا تزال هناك بعض العلامات الإيجابية لكي نشعر بالتفاؤل حول مستقبل أفريقيا؛ فمثلما يقول المثل الأفريقي الشهير “مهما طال الليل, سيبزغ الفجر من جديد”.

للوصول إلى الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا