المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية | ما الخيارات المتاحة أمام أستراليا للوقوف في وجه الصين؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لدى أستراليا فرصة رائعة لتشكيل استراتيجية الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” إزاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ بطريقة تضمن زيادة كبيرة في القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة، وهو ما سيكون اختبارًا لسرعة حكومة موريسون في التحرك لاقتناص الفرصة.

حيث تخطط البحرية الأمريكية لإعادة تأسيس “قيادة بحرية سريعة الحركة ومتنقلة” تُعرف باسم الأسطول الأول، وتركز على منطقة جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهندي، وقد صرح وزير القوات البحرية الأمريكية، “كينيث بريثويت”، هذا الأسبوع، أمام لجنة بالكونجرس، قائلًا: إن “هذا سيطمئن حلفاءنا وشركاءنا بوجودنا والتزامنا تجاه هذه المنطقة”.

ومن المقرر أن يصل الأسطول الأول إلى مستوى الأسطول الأمريكي السابع المتمركز في اليابان، إذ إنه يستعيد وحدة جرى حلها في عام 1973 في أسوأ لحظة أثناء تجربة الولايات المتحدة في حرب فيتنام. وكالمعتاد، يبدو أن إدارة ترامب لم تُثر الفكرة مع أستراليا أو في الواقع سنغافورة، حيث جرى طرحها على أنها المقر الرئيسي المحتمل للأسطول على الشاطئ، ولكن لا تذكر ذلك باعتباره أحد إخفاقات ترامب في اللحظة الأخيرة.

فقد أدركت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أنها بحاجة إلى زيادة تواجدها البحري في المحيط الهندي، وذلك عندما تفاوضت أستراليا بشأن “الوجود التناوبي” لقوات مشاة البحرية الأمريكية الذي ينطلق من مدينة داروين [عاصمة الإقليم الشمالي بأستراليا]، حيث كانت الخطة المتفق عليها مع “باراك أوباما” في عام 2010 تتمثل في تحديد موقع بعض البوارج الحربية الأمريكية الكبيرة من القاعدة البحرية الأسترالية اتش إم إيه إس ستيرلينج، بالقرب من مدينة بيرث.

ولكن هذا المسار توقف لعدة سنوات؛ لأن وزارة الدفاع الأمريكية لم تحظ بفرصة مناسبة لا يمكن تبديدها، وها قد حان الوقت لإعادة هذه المحادثة، وعلينا أن نقترح على بايدن أن تعمل عناصر من الأسطول الأمريكي الأول من قاعدة “ستيرلينج” ومن ميناء داروين. وإذا كانت سنغافورة مترددة في استضافة مقر بري، فعلينا أن نُقدّم عرضًا بأن نستضيف القوات الأمريكية.

إن طريقة التغلب على تردد أي إدارة أمريكية جديدة تفكر في تبني إعلان ترامب المتأخر هو أن تتقدم أستراليا للأمام وتعرض تحملها بعضًا من تكاليف استضافة هذه البوارج.

ولا يمكن إنكار قيمة الردع الكبيرة بالنسبة لنا بتواجد البحرية الأمريكية ومشاة البحرية على شواطئنا، وعملها مع قوات الدفاع الأسترالية، حيث إن أي دولة تتطلع إلى إلحاق الأذى بنا يجب أن تضع الوجود الأمريكي في حساباتها أولًا. وعلاوة على ذلك، يمكن أن نهدف إلى وصول بعض البوارج في عام 2021، ولكن على النقيض من ذلك، سننتظر حتى يتم إطلاق غواصاتنا الجديدة لمدة 15 عامًا.

وسيشير القراء سريعًا إلى أن واشنطن لن تكون متحمسة لقاعدة حربية في ميناء داروين، وهي المؤجرة لشركة صينية في عام 2015 لمدة 99 عامًا. إن حماقة هذا الخطأ الفادح تستمر في إعاقة الأعمال الاستراتيجية الملحة، ولكن الحكومة الأسترالية تتمتع بصلاحية استعادة الملكية، ويجب عليها الآن العمل مع إدارة بايدن لجعل ميناء داروين وقاعدة ستيرلينج من أهم المحاور العسكرية والاستراتيجية التي تحتاج إليها.

وفي المقابل، سيندد جوقة من المعجبين المحليين في بكين بمثل هذا العمل الأسترالي بذريعة أنه سوف يسيء إلى الحزب الشيوعي الصيني، ولكنها ستكون النغمة الخطأ، فالوقت ليس مناسبًا، وهناك حاجة إلى مزيد من الفروق الدقيقة.

ويركز قدر كبير من النقد الموجه إلى مقاومة أستراليا لإصرار الحزب الشيوعي الصيني على التمسك بالخطابات الرنانة بدلًا من الاتجاهات الاستراتيجية الأساسية؛ لذا فإن ما يحدث في العلاقات الثنائية لا علاقة له بالدبلوماسية، بل له علاقة كبيرة بحقيقة أن الصين وأستراليا لديهما أهداف ومصالح استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها.

لقد شهد هذا الأسبوع أكثر التوترات غضبًا في العلاقات بين أستراليا والصين، ويبدو أن الكثيرين في حيرة من أمرهم من أن يصل الوضع إلى هذه النقطة. فهل الدعوة إلى إجراء تحقيق في أصل أسوأ جائحة عالمية وأشد أزمة اقتصادية في هذا القرن تُفسّر حقًّا سبب قيام الصين الآن بهدم جسور تقاربها مع كانبرا؟

تظل الخطة الاستراتيجية للحزب الشيوعي الصيني مبهمة ومتعمدة. تخبرنا قائمة الشكاوى الأربعة عشر، والتي أصدرتها السفارة الصينية في أواخر نوفمبر، بالقضايا التي لا تشعر بكين بالرضا حيالها، والتي تتمثل في: الاستثمار الأجنبي، وشبكات الجيل الخامس، وقوانين مكافحة التدخل، ووسائل الإعلام المستقلة، ومراكز الأبحاث المزعجة. ولا يفسر أي من هذا كيف يعتقد قادة الصين أن دبلوماسية “المحارب الذئب” والمناورات العسكرية تتيح لهم الوصول إلى القيادة العالمية التي يتوقون إليها والسيطرة التي يطلبونها.

ويستخدم الاقتصاديون والاستراتيجيون نظرية اللعبة لمحاولة فهم اتخاذ القرارات الفردية أو المشتركة أو الوطنية. وتتطلب استراتيجية “معضلة السجين” من طرفين غير متواصلين الاختيار بين التعاون أو عدم التعاون مع بعضهما البعض. وخلال المباريات المتكررة بين الأطراف المؤتمنة، يمنح التعاون للجانبين أكبر قدر من المكافآت، ولكن بين الأطراف التي لا تثق بها، فإن السعي على المدى القصير لتحقيق المصالح الفردية، حيث يستفيد أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر، وعادة ما يكون هو الرابح.

وعند تطبيق استراتيجية “معضلة السجين” على العلاقات بين أستراليا والصين، فإنها تقدم بعض الأفكار ولكنها لا تقدم الكثير من الأمل في إمكانية إصلاح الأمور.

فقد تعاونت أستراليا والصين في معظم الأعوام الثلاثين الماضية لتحقيق المنفعة المتبادلة. وكان تشكيل رئيس الوزراء “جون هوارد” للعلاقة بحيث يمكننا اختيار التعاون في المجالات التي لدينا فيها منفعة متبادلة، وعلى رأسها التجارة، والاتفاق على عدم إثارة ضجة حيث يختلف البلدان، مثل قضايا حقوق الإنسان وسياسة الصين تجاه تايوان.

كانت “معضلة السجين” ناجحة؛ لأن بكين اختارت التعاون في أغلب القضايا، رغم أنه كانت هناك بعض السقطات العرضية، إذ كان يجب أن يقرأ العالم مذبحة المتظاهرين في ميدان تيانانمين عام 1989 كإشارة إلى أن الحزب الشيوعي الصيني لا ينوي تخفيف قبضته السلطوية.

وبشكل عام، وعلى الرغم من ذلك، كان هناك الكثير من الأشياء التي لا تسمح لأستراليا والصين بالتوقف عن التعاون، لكن طبيعة العلاقة بين أستراليا والصين بدأت تتغير بشكل كبير في العشر سنوات الماضية.

وفي نفس الوقت الذي كان فيه مستوى اعتمادنا الاقتصادي على الصين ينمو ويتوسع ليشمل مجالات مثل التعليم والسياحة والاستثمار الأجنبي، كانت بكين تقوم أيضًا بتوسيع نطاق جيشها بشكل كبير، وتحويل جيش التحرير الشعبي إلى قوة عالية التقنية.

كانت نقطة التحول هي قرار بكين في عام 2014 بضم بحر الصين الجنوبي وعسكرته. ففي الفترة بين عامي 2014 و2016 – وهو الوقت الذي قضيناه بالضبط لإصدار الكتاب الأبيض للدفاع – أنشأت الصين ثلاث قواعد جوية ووضعت ما يكفي من الصواريخ والطائرات في المنطقة لتمكينها من إغلاق حركة المرور الجوية والبحرية في أي وقتٍ تشاء.

وأصبحت محاولات الحزب الشيوعي الصيني لشراء النفوذ السياسي داخل برلماناتنا الفيدرالية وبرلمانات الولايات، ومساعي التجسس البشري والإلكتروني الكاملة في أستراليا، أكثر وضوحًا.

وفي لعبة “معضلة السجين”، كانت الصين تبتعد عن التعاون؛ بل ورأت أنها يمكنها تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة قصيرة الأجل من خلال هذا العمل، وبينما كانت الصين تنشق علانية وسرية عن التعاون، في السنوات العشر الماضية، استمرت أستراليا في التعاون، وكانت بكين أكثر سعادة بالاستفادة من سذاجتنا.

لماذا كنا ساذجين لهذه الدرجة؟

ذلك يرجع جزئيًّا إلى أن العديد من المسئولين والسياسيين قد تشكّلت حياتهم المهنية خلال سنوات طويلة من التعاون، وكانوا مستثمرين في هذا العالم بشكل لم يسبق له مثيل. كان تركيزنا الاستخباري – في حالة من قصور النظر – موجهًا نحو مكافحة التطرف الإسلامي، وكان الكثير من الشركات والجامعات وحكومات الولايات تركز على جَنْي الأموال الصينية دون معرفة الصورة العسكرية والاستراتيجية أو الاهتمام بها.

ورأيي هو أنه لا يوجد الكثير مما يمكن لأستراليا أن تفعله من جانب واحد لإقناع الصين بالعودة نحو نموذج التعاون المتبادل، وذلك لأن بكين أكثر أهمية لنا من الناحية الاستراتيجية مما نحن عليه بالنسبة لها، إذْ يمكنها أن تتراجع عن التعاون.

ولكن مهلاً.. لدينا نحن أيضًا خيارات، إذ تتمتع أستراليا بأربع مزايا في التعامل مع الصين:

وبترتيب أهمية هذه المزايا وقيمتها، فهي: تحالفنا مع الولايات المتحدة، وقدرتنا على توجيه تعامل الدول الديمقراطية الأخرى مع الصين، وخام الحديد، وأخيرًا منتجاتنا التي يحبها الصينيون الأثرياء.

إن التحالف مع الولايات المتحدة هو ما يجعل أستراليا ترتبط بالصين استراتيجيًّا ويعيق رغبتها في السيطرة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ولهذا السبب تهاجم الصين باستمرار هذا التحالف وقاعدته الدفاعية؛ لذلك فإن تقوية هذا التحالف وتعزيزه، بما في ذلك استضافة الأسطول الأمريكي الأول، هو الرد الضروري على الصين.

ومن جانب آخر، لم تستثمر أستراليا كامل قدرتها على توجيه تعامل الدول الديمقراطية الأخرى مع الصين؛ وبل واستخفت بها؛ فقد كرهت بكين قرارنا بشأن شبكة الـ “جي فايف” ليس بسبب قيمة السوق الأسترالية؛ ولكن لأنها رأت أن قرارنا باستبعاد هاتف هواوي سيكون له تأثير على ما ستفعله الدول الديمقراطية الأخرى، وقد تبين أن هذا الخوف يستند إلى أسباب وجيهة.

وأفضل أمل لنا للرد على تعنت الحزب الشيوعي الصيني هو تدويل المشكلة، كما حدث مع شبكة الـ “جي فايف”، وذلك بإقناع الأصدقاء والحلفاء بأنهم سيتعرضون للتنمر أيضًا إذا لم نقف جميعًا في وجه الصين، لنخبرها أن عظمتها لا يمكن أن تُبنى على أساس سلوك الازدراء الذي تنتهجه في معاملاتها.

وفيما يتعلق بخام الحديد، فإن الصين إذا تمكنت من العثور على مصدر معتمد ووفير لخام الحديد غير أستراليا، لكانت قد استبدلته الآن، ومن غير المحتمل أن تحل البرازيل محل أستراليا كمورد مستقر وفعال من حيث التكلفة وطول المسافة. إذًا فلدينا نقطة نفوذ كبيرة إذا كانت الحكومة شجاعة بما يكفي للتدخل والبدء في وضع ضوابط حول السعر والعرض.

ويأتي الطلب على الصادرات الأخرى مثل الغذاء والنبيذ والأخشاب والتعليم والسياحة من المستهلكين الصينيين. وربما يرى الحزب الشيوعي الصيني ميزة سياسية تكتيكية من فرض الحظر أو الرسوم الجمركية، لكنه ربما يفعل ذلك بالمخاطرة بالتضييق على الشعب، الذي يسعى الحزب للحصول على الشرعية منه.

تمنح نقاط التميز هذه مجالًا أكبر لأستراليا لتأمين مصالحها أكثر مما هو مفهوم حاليًا، حيث إن الاستسلام لبكين أمر لا يمكن تصوره، والآن وبعد سنوات من الركون إلى الرضا عن النفس، نحتاج إلى بعض الخيال السياسي واتخاذ القرارات الحاسمة لتأمين مصالحنا المستقبلية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا