الصحافة الفرنسية|الاقتصاد أهم أولويات السيسي وماكرون.. وهل انتصرت باريس في مواجهة كورونا؟

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

الاقتصاد أولًا بين السيسي وماكرون

شهدت الساحتان الفرنسية والمصرية اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا، فتحت عنوان “الاقتصاد أولًا بين السيسي وماكرون” سلطت جريدة “لوبوان” الضوء على تغطية الصحف المصرية للحدث.

 واختارت صحيفة الأهرام اليومية المصرية إبراز “العلاقات الفرنسية المصرية الوثيقة”، كما وصفها المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السيد بسام راضي، وأكدت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعطى موافقته للرئيس السيسي على توقيع عدد من اتفاقيات ومذكرات التعاون. وبحسب الصحيفة، فإن الهدف الأول للزيارة هو “تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما في مجالات الاستثمار والتجارة.

وأكدت الأهرام أن “هذه الروابط، ذات الطبيعة الخاصة، التي مضى عليها قرنان من الزمن والمبنية على الاحترام المتبادل، عرفت تقاربًا ملحوظًا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة. وسجلت ما لا يقل عن 20 زيارة رسمية بين البلدين منذ عام 2014″، وهذا الرقم يشمل الزيارات على مستوى الرؤساء والوزراء وكبار المسئولين. وتقول الصحيفة: “كل ذلك يعكس تقاربًا في وجهات النظر حول القضايا الثنائية”، كما ذكرت الصحيفة أن زيادة التجارة بين البلدين عبر إتاحة الفرصة لمزيد من الصادرات المصرية للدخول إلى السوق الفرنسية، كان محور المباحثات.

الإمكانات الاستثمارية القوية

ووفقا لبسام راضي، فإن “فرنسا حريصة على استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، حيث وصل الاقتصاد المصري إلى معدل نمو بلغ 3.6٪، وهو الأعلى في المنطقة وأفريقيا في ظل أزمة وباء كورونا، كما حظي هذا الأداء الاقتصادي بإشادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي شجع العالم وفرنسا على الوثوق بمصر.

وحسب قول الرئيس السيسي، فإن الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة المصرية لتحسين البيئة التشريعية، ومناخ الأعمال في البلاد، فضلًا عن الفرص الواعدة التي تتيحها المشروعات القومية الكبرى، يجب أن تعمل على تعزيز الاستثمارات الفرنسية.

ويتضمن التعاون الاقتصادي بين البلدين أيضًا مكونًا عسكريًّا، فمع عائدات بلغت 1.4 مليار يورو في عام 2017، تتقدم فرنسا على الولايات المتحدة من حيث مبيعات الأسلحة إلى مصر. لكن منذ نوفمبر الماضي، عندما دافع ماكرون عن الرسوم الكاريكاتورية المصورة ضد النبي محمد، صارت العقود أقل عددًا وتباطأت إلى حد كبير مفاوضات كانت في مرحلة متقدمة لشراء مقاتلات رافال وسفن حربية.

وجهات نظر متقاربة حول ليبيا ولبنان

وعلى صعيد الوضع في ليبيا، لا خلاف في وجهات النظر بين ماكرون والسيسي؛ حيث كتبت الأهرام أن الزعيمين يؤيدان “الحل السياسي”، ويدعمان “مؤسسات الدولة والجيش الوطني الليبي لمحاربة الإرهاب والمليشيات المسلحة، وأنهما يدعوان إلى الانخراط على طريق الحوار برعاية الأمم المتحدة”. كما تتفق فرنسا ومصر على إدانة التدخل الأجنبي غير المشروع في الشئون الليبية. أو بعبارة أخرى، فإنهما يتشاركان الموقف من دور ومبادرات تركيا في الصراع.

ومع مصر السيسي، المعارضة لرجب طيب أردوغان، وجدت باريس حليفًا قويًّا في الملف الليبي، وأشارت الأهرام إلى أن الرئيس الفرنسي أشاد بإعلان القاهرة حول الأزمة الليبية. وبخلاف ليبيا، تحدث السيسي أيضًا مع الرئيس الفرنسي عن الأزمات الإقليمية المختلفة، من العراق إلى سوريا مرورًا بلبنان، حيث شارك رئيسا البلدين في سبتمبر الماضي في مؤتمر الدعم الدولي الخاص به، وطالب الجميع في المؤتمر بسرعة الخروج من الأزمة.

الحوار المدهش بين ماكرون والسيسي حول القيم الدينية

فيما تحدثت جريدة “باري ماتش” عن تبادل الرئيسين المصري والفرنسي للأفكار خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد أثناء زيارة السيسي إلى باريس، حيث تبادلا حديثًا لافتًا للنظر حول مكانة القيم الدينية والإنسانية.

وقال الرئيس المصري إن “القيم الدينية يجب أن تكون لها الأسبقية على القيم الإنسانية”، لكن إيمانويل ماكرون أجاب خلال حوار سياسي فلسفي دار بينهما بأن: “قيمة الإنسان أعظم من أي شيء آخر”. وكان المؤتمر الصحفي لزعيمَي الدولتين يقترب من نهايته عندما تحدى صحفي مصري الرئيس الفرنسي بشأن الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وقال له الصحفي إن المسلمين تضرروا من الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، لكننا لم نسمع أي اعتذار لهم. وعلى إثر هذا السؤال انتبه الرجلان مرة أخرى، واغتنام الفرصة لإجراء تبادل مباشر ومهذب ولكنه حازم حول التسلسل الهرمي بين الدين والقوانين.

وتم الحديث بحوار نادر للغاية في مثل هذه المناورات الدبلوماسية، وهو ما يعكس صدى القانون الفرنسي ضد “الانفصالية الإسلاموية” واحترام القوانين الجمهورية. وكان إيمانويل ماكرون قد شكر في وقت سابق الرئيس السيسي، ورحب به بحفاوة كبيرة، لدعمه فرنسا بعد حملة الكراهية الدولية الشرسة التي تعرضت لها لدفاعها عن حقها في رسم الكاريكاتير، وفي حديثه، كرر ماكرون أن الرسوم هي تعبير عن حرية الصحافة وليست رسالة من فرنسا إلى المسلمين.

وقال الرئيس الفرنسي: “الصحفي، ورسام الكاريكاتير الصحفي يكتب ويرسم بحرية، وعندما يكون هناك رسم كاريكاتوري، فهو ليس رسالة من فرنسا إلى العالم الإسلامي. إنه تعبير حر لشخص يثير وينتقد وله الحق في ذلك داخل بلدي، لأنه ليس شريعة الاسلام التي تطبق هنا؛ بل قانون شعب صاحب سيادة اختارها لنفسه، ولن يغيرها من أجلك.”

وأضاف ماكرون: “لا تعتبره استفزازًا من رئيس الجمهورية أو من الشعب الفرنسي، فهو مجرد تعبير يرد عليه الآخرون، وهذا كل شيء في حقوق الإنسان، حيث يمكن للمرء أن يستفز، ويصدم أحيانًا، وأنا آسف لذلك، لكن يمكن للآخر أيضًا أن يجيب عنه؛ لأنهم يحترمون بعضهم البعض ويتحدثون بسلام. هذا هو إسهام فلسفة التنوير والإسهام الهائل لحقوق الإنسان في السلام العالمي، وهذا ما يجعلني دائمًا أدافع عنه في كل مكان”.

وبدوره أخذ الرئيس المصري الكلمة للرد على الرئيس الفرنسي وقال: إن للإنسان الحق في اعتناق الدين الذي يريده، لكن القيم الإنسانية من صنع الإنسان ويمكن تغييرها، بينما القيم الدينية من أصل سماوي وبالتالي فهي مقدسة، ولها السيادة. وبهدوء وبحزم، أضاف وهو ينظر إلى الرئيس الفرنسي: إن جعل القيم الإنسانية والدينية متساوية يتطلب مناقشة هادئة وموضوعية، وقال أيضًا إنه إذا تسبب الإنسان بجرح مشاعر مئات الملايين عن طريق التحدث علانية، ورأيت أنه لا يمكن مراجعة هذا الأمر بسبب قيم فرنسا؛ فإن هذا الأمر يتطلب مزيدًا من التفكير.

من جانبه، أضاف ماكرون: “نحن نعتبر أن قيمة الإنسان أعظم من أي شيء آخر. وهذا هو السبب وراء عالمية حقوق الإنسان. فالإنسان هو أساس ميثاق الأمم المتحدة، ولا شيء يفوق احترام الإنسان واحترام كرامة الإنسان، وهناك حقًّا احترام للفرد فيما يتعلق بالآخرين، ولكن في عالم السياسة، لا دخل للدين، ولا وجود لأي دين على الإطلاق، وليس لأننا نسخر من الدين، فيحق له بذلك إعلان الحرب علينا”. وتابع ماكرون: “إذا اعتبرنا أن الدين يحل محل السياسة، فإن الأنظمة بذلك لن تعد ديمقراطية، بل ستكون أنظمة دينية، ولا أعتقد أن هذا يؤدي إلى الأفضل”. واختتم قائلًا: “من المهم جدًّا النقاش الذي يدور الآن، لكن على الصعيد الدولي، النظام السياسي لا ينظمه رجال الدين، وهذه هي الحقيقة”.

هل تفوقت فرنسا على جيرانها الأوروبيين في إدارة وباء كورونا؟

وعلى صعيد أزمة كورونا، تساءلت جريدة “لوباريزيان” حول وضع الوباء في فرنسا مقارنةً بباقي دول القارة العجوز. فبعدما أقر رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس بأن البلاد كانت من بين الأكثر تضررًا من الموجة الثانية من الوباء، عاد ليؤكد أن الوضع انعكس تمامًا.

وهكذا، صارت فرنسا، البلد الذي أصبح الوباء فيه اليوم أفضل من حيث السيطرة مقارنة بجيرانها من الدول الأوروبية، وهذا ما احتفى به رئيس الوزراء الفرنسي خلال مؤتمره الصحفي الأخير حول إنهاء الحجر الصحي، وأعرب عن سعادته قائلًا: “هذا الأمر يشعرني بالسعادة بشكل خاص تجاه جميع أطقم التمريض لدينا، حتى بالرغم من أن الوضع في بعض المناطق لا يزال مقلقًا”.

وبمجرد إلقاء نظرة على منحنيات الوباء، نلاحظ أن ما يقوله رئيس الوزراء صحيح تمامًا، فوفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن جامعة جونز هوبكنز، فإن فرنسا هي الدولة الأوروبية التي تسجل أدنى عدد من حالات الإصابة اليومية الجديدة مع مراعاة تعداد سكانها. وكانت فرنسا تتصدر القائمة في العديد من المناسبات، لأن ذروة الموجة الثانية من الوباء بلغت أعلى مما سجلته الدول المجاورة، كإيطاليا وإسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة. وقال كاستكس في خطابه الأخير: “كانت فرنسا من بين الدول الأوروبية الأكثر تضررًا من الوباء في نهاية أكتوبر”، حيث كانت البلاد تسجل نحو 800 إصابة لكل مليون نسمة. وبالرغم من أن هذا المؤشر الخاص بعدد الأشخاص الإيجابيين للمرض يقدّم نظرة عامة جيدة على الوباء، إلا أنه ليس مثاليًّا لأنه يعتمد أيضًا على استراتيجية الفحص ونوع العينة.

الهدف المعلن في البداية لم يتحقق

وتسمح هذه الأرقام بإضفاء النسبية على حقيقة أن الهدف المتمثل في الوصول إلى 5 آلاف حالة يوميًّا في فرنسا بحلول 15 ديسمبر، لن يتم بلوغه على الإطلاق؛ فالعدد كان أكثر من الضعف، مع تسجيل 11519 حالة يومية جديدة في المتوسط ​​خلال الأيام السبعة الماضية. وهذا الرقم كان يتزايد لمدة ثلاثة أيام متتالية؛ فتخفيف الحجر الصحي الذي تم نهاية شهر أكتوبر وانخفاض درجات الحرارة يمكن أن يفسرا هذا الارتفاع. وفي تحديثها الوبائي الأسبوعي، أفادت هيئة الصحة العامة في فرنسا بأن “تطور الوباء مقلق للغاية بسبب الانخفاض الطفيف جدًا في تفشي الفيروس وارتفاع احتمالية رؤية مؤشره يتصاعد مرة أخرى في الأسابيع المقبلة، كما حذر رئيس الوزراء من أن اللعبة بعيدة عن تحقيق الانتصار، مبررًا إبقاء المزارات الثقافية مغلقة حتى 7 يناير المقبل على الأقل وفرض حظر تجول من الساعة الثامنة مساءً.

توازن القانون في مواجهة الإسلاموية المتطرفة

وتحدثت جريدة “لوموند” عن شاغل آخر للرأي العام الفرنسي، حيث يظل مشروع قانون “تعزيز احترام مبادئ الجمهورية” الذي جرى تقديمه إلى مجلس الوزراء منذ أيام، والمتوازن للوهلة الأولى، هشًا لأنه قابل للتغيير وفقًا لهوى البرلمان، كما أنه لا يحتوي على أي شيء ملموس بشأن مسار الإدماج.

وتعكس التغييرات المتعددة التي طرأت على اسم القانون، بدءًا من قانون “مكافحة الانفصالية”، مرورًا بقانون “الدفاع عن العلمانية”، وانتهاءً بقانون “تعزيز المبادئ الجمهورية”، النشأة المضطربة لهذا المشروع، والتي تسببت بها الهجمات الإرهابية. وحتى اللحظات الأخيرة قبل تقديم المشروع، قام إيمانويل ماكرون بإجراء تعديلات عليه، بحيث لا يظهر وكأنه نوع من الحرب على الإسلام؛ بل كإعلان حرب على “الإسلاموية المتطرفة”.

ونادرًا ما لعبت فكرة التوازن دورًا كبيرًا، حيث كان من الضروري طمأنة الرأي العام القلق، واحتواء ضغط تياري اليمين واليمين المتطرف وتجنب تأجيج النسيج المجتمعي الذي عانى بالفعل من العديد من التشققات، وكل ذلك يتم تحت مراقبة المجتمع الدولي غير الحريص على فهم التفاصيل الدقيقة للعلمانية الفرنسية.

فخ العلمانية القتالية

كان المأزق الأول يتمثل في المبالغة في تهديد الحريات العامة، لكن بفضل يقظة مجلس الدولة، جرى تعديل النص الذي يهدف إلى إنهاء التعليم المنزلي، وتمديد نظام الإعفاء. والمأزق الثاني تمثل في التفسير الخاطئ لقانون 1905 الخاص بالفصل بين الأديان والدولة. لكن عبر تفضيل الحكومة للمسار الاقتصادي من أجل دفع مسئولي المساجد إلى تبني قانون الجمعيات بموجب قانون 1905، عززت الدولة سيطرتها الفعلية على الطوائف والجمعيات الإسلامية، وتجنبتم فتح جبهة مع الأديان. فحرية الاعتقاد وحيادية الدولة، هما المبدآن الرئيسيان اللذان يحكمان القانون المذكور ولا يزالا قائمين. وهنا مرة أخرى، ساد منهج الحكمة ولم تسقط فرنسا فجأة في فخ العلمانية القتالية التي كان من شأنها أن تؤدي إلى وصم عام للمسلمين، ولحسن الحظ، جرى تجنب هذا الفخ الثالث أيضًا.

ومع ذلك، فإن الحذر كان في محله، لأنه بينما كانت الحكومة تتحلى بالبراغماتية في عملها، لكنها لم تكن بمعزل تام عن المناخ السائد. هذا المناخ الذي شهد حالة من التصعيد في أعقاب اغتيال صموئيل باتي، والمهدّد أيضًا بالتأثر بالتوترات الناجمة عن قانون “الأمن الشامل” المقترح؛ لذلك فمن المرجح أن يتم تعديل النص بشكل كبير أثناء مناقشته في البرلمان بداية العام القادم؛ ولذلك فإن صياغته الحالية تظل هشة للغاية.

كما أنه القانون يبقى غير مكتمل بشكل واضح، لأن جزءًا كاملاً من الخطاب الذي ألقاه إيمانويل ماكرون يوم 2 أكتوبر لم يجد مكانه في مشروع القانون. وفي حديثه عن النزعة الانفصالية، ألقى رئيس الجمهورية بعد ذلك بالمسئولية على النواب المنتخبين في تشكيل الأحياء المنعزلة التي تغذّي اليوم الإسلام الراديكالي.

الحكومة تدافع عن قانون لمواجهة الإسلاموية المتطرفة وليس الأديان

وفي السياق، نشرت جريدة “لوبوان” تقريرًا لفت على دفاع الحكومة عن مشروع قانونها المثير للجدل بشأن الانفصالية، والذي يهدف إلى محاربة “الإسلاموية المتطرفة” وليس ضد الأديان، ودافعت كذلك عن مجموعة الإجراءات التي ستتخذها بشأن التعليم والجمعيات، وبث الكراهية عبر الإنترنت وتمويل الأديان.

وشدّد رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس، على أن “مبادئ العلمانية باتت محل هجمات خبيثة متكررة، وأن هذه الأعمال غالبًا ما تكون نتيجة أيديولوجية خبيثة تحمل اسم الإسلاموية الراديكالية”، وأكد السيد كاستكس أن الدول تعتزم الدفاع عن نفسها في مواجهة الأطفال المنسحبين من المدرسة لتلقي التعليم الطائفي، والجمعيات الرياضية التي تقوم بأعمال الدعوة الدينية، والجمعيات الدينية التي أصبحت ناقلة للنفوذ الأجنبي.

وإذا كان عنوان نص القانون قد تذبذب واستقر في نهاية المطاف على أنه “قانون يعزز احترام مبادئ الجمهورية”، فهو يستهدف بالفعل “الهايدرا الإسلاموية” ومحاولاتها “المضادة للمجتمع”، ويجب أن يتصدى مشروع القانون، الذي كشف ماكرون عن خطوطه العريضة في أوائل أكتوبر الماضي، لما أصبح أحد الشواغل الرئيسية للفرنسيين، بعد قطع رأس المعلم صموئيل باتي في منتصف أكتوبر الماضي؛ ما عزّز من حاجة السلطة التنفيذية لاتخاذ إجرارات حازمة.

ووفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة “فيا فويس” بتكليف من حزب الجمهورية إلى الأمام الحاكم في فرنسا في نوفمبر الماضي، قال 88٪ من الفرنسيين إنهم قلقون من صعود الإسلاموية، و58٪ منهم “قلقون للغاية” من هذه الظاهرة، لكن الحكومة تسير بحذر، خوفًا من اتهامها بوصم المسلمين بعد انتقادات شديدة ومظاهرات في الخارج حول الرسوم الكاريكاتورية ضد النبي محمد.

وشدد رئيس الوزراء الفرنسي على أن مشروع القانون ليس نصًا ضد الأديان ولا ضد الدين الإسلامي على وجه التحديد، وقال: “على العكس، فهذا قانون حرية وحماية، إنه قانون التحرر في مواجهة الأصولية الدينية”. ثم توجه رئيس الحكومة إلى منطقة إيسون، حيث شدّد، بعد لقاء ممثلين محليين قلقين للغاية من تطرف بعض الشباب، على الحاجة الملحة للتحرك، وأن على الجمهورية أن تتصرف، وستفعل ذلك بالقانون، وباتخاذ الإجراءات المستمرة على الأرض عبر إيجاد الحلول الممكنة.

الميزات السيادية

ويتضمن نص قانون مكافحة الإسلاموية، الذي جرى تقُديمه في يوم الذكرى رقم 115 لقانون 1905 الخاص بالعلمانية، حوالي خمسين مادة تهدف إلى سد الثغرات القانونية. ويحتوي نص القانون المقترح، على وجه الخصوص، على أحكام لتقييد التعليم المنزلي الذي يضم الآن نحو 62 ألف طفل، أي ضعف ما كان عليه في عام 2016. وبينما أراد إيمانويل ماكرون في البداية فرض حظر كامل على التعليم المنزلي، ستظل الإعفاءات ممكنة في نهاية المطاف في قطاعات كالصحة، والرياضة، والفن وغيرها، وذلك بعد الرجوع لمجلس الدولة، ولكن سيكون ذلك بإذن مسبق.

كما سيسمح القانون بتشديد الرقابة على عمل وتمويل الجمعيات، التي جرى حل أكثرها إثارة للجدل، وهما مدينة البركة وتجمع مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، وعلى دور العبادة كذلك، وذلك في الوقت الذي تشن فيه الحكومة عمليات ضد عشرات المساجد المشتبه في أنها ذات توجهات انفصالية. ويوفر القانون أيضًا سيطرة أكبر على الكراهية عبر الإنترنت، ويستحدث “جريمة الضغط الانفصالي” لحماية المسئولين الذين يقعون ضحايا للتهديدات أو العنف.

ومن الناحية السياسية، يمكن أن يقدم النص بعض الميزات السيادية لرئيس الدولة، مع احتمال إعادة انتخابه في عام 2022. لكن المعارضين ينتظرون بفارغ الصبر المشروع في الدورة البرلمانية النصفية الأولى لعام 2021، حيث يواصل اليمين جهوده المتساهلة مع النص، حتى أنهم يعتبرون المشروع “غير كافٍ تمامًا لمواجهة التهديد”. وفي المقابل، انتقد جان لوك ميلينشون، من جبهة اليسار، الحكومة “لوصم” المسلمين، كما صاغ الحزب الاشتراكي بالفعل 10 مقترحات، مثل إنشاء مدافع عن العلمانية وزيادة الإنفاق الأمني بنسبة 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي مع إعادة إنشاء الشرطة المجتمعية.

وسيكون من الضروري أيضًا مراقبة النقاشات داخل الأغلبية التي تحرقها مناورات السلطة التنفيذية حول اقتراح قانون أمني شامل تتخطاه مناهج العلمانية المختلفة. وهكذا، قالت السيدة أورور بيرجيه، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الجمهورية إلى الأمام في الجمعية الوطنية، إنها تعمل على تعديل لحظر ارتداء الحجاب للفتيات الصغيرات، حتى لو كان السيد كاستكس قد أغلق هذا الباب بالفعل.

ربما يعجبك أيضا