ناشيونال إنترست | كيف تعزز العقوبات الأمريكية القاسية المصالح الصينية والروسية بالخارج؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

على مدار السنوات الأربع الأخيرة، دفعت العقوبات الأمريكية القاسية فنزويلا وإيران إلى أحضان الخصوم التقليديين للولايات المتحدة. تسعى الصين وروسيا إلى استغلال هذه العداوة الجماعية تجاه الولايات المتحدة من خلال تقديم شريان حياة اقتصادي، وتكنولوجيا متقدمة، وبرامج تدريب عسكري إلى كاراكاس وطهران في تحدٍّ للعقوبات الأمريكية. وعلاوة على ذلك، منحت جائحة كورونا الحالية بكين وموسكو المزيد من النفوذ في الشئون الداخلية الفنزويلية والإيرانية، حيث يصبحان أكثر اعتمادًا على المساعدات الصينية والروسية. وفي حين أن التشابك الاقتصادي المتزايد مع فنزويلا وإيران قد يقيد الصين وروسيا بمسئوليات مالية، فإنه يوفّر نفوذًا جيوسياسيًّا مطلوبًا لمزيد من التحوط ضد الولايات المتحدة وأنظمة عقوباتها.

وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، يعاني ثلث سكان فنزويلا تقريبًا من انعدام الأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن التضخم المفرط والإدارة السيئة للصناديق الوطنية هما المسئولان غالبًا عن الصراع الاقتصادي في البلاد، فإن العقوبات الأمريكية الأحادية فاقمت الوضع، وبدافع الخوف من الدعم الداخلي المتزايد للخصم السياسي المدعوم أمريكيًّا خوان جوايدو والتدخل العسكري الأمريكي، رفض الزعيم الفنزويلي غير الشرعي نيكولاس مادورو باستمرار المساعدات الإنسانية من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه قبل لاحقًا أربعة وعشرين طنًّا من المعدات الطبية من الصليب الأحمر في أبريل 2019، انتهزت الصين هذه الفرصة لتوسيع نفوذها الخارجي. في الفترة بين أبريل وديسمبر 2019، قدمت الصين 40% على الأقل من واردات الغذاء إلى فنزويلا وعددًا ضخمًا من المستلزمات الطبية لمواجهة الجائحة الحالية، إلا أن التحالف بين الصين وفنزويلا يمتد أبعد من المساعدات الإنسانية والتجارة.

في 2017، تحت رعاية جهد حكومي بقيمة 70 مليون دولار لتعزيز الأمن القومي، استعانت كاراكاس بعملاق التكنولوجيا الصيني زد تي إي لابتكار بطاقة هوية ذكية من أجل مراقبة سلوك المواطنين والتحكم به. أرسلت زد تي إي أيضًا وحدة عمال خاصة للانضمام إلى CANTV، وهي شركة الاتصالات المملوكة للدولة، لكي يقدموا الإشراف الإداري والخبرة إلى موظفي الشركة. ومؤخرًا، أدرجت وزارة الخزانة شركة الصين الوطنية لاستيراد وتصدير الإلكترونيات على قائمة العقوبات لدعمها جهود CANTV غير الديمقراطية لتقييد خدمة الإنترنت وإجراء مراقبة رقمية وعمليات سيبرانية ضد الخصوم السياسيين. وعلى الرغم من أن بكين خفضت دعمها المالي في السنوات الأخيرة، إلا أنها تواصل مخالفة العقوبات الأمريكية لصالح نظام مادورو.

وبالإضافة إلى شريان الحياة الاقتصادي والعقود العسكرية، سعت روسيا إلى تدخل أكبر في شئون فنزويلا الداخلية. في 2019، شجب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة لتحديها شرعية رئاسة مادورو، واتصل بكاراكاس للإعراب عن دعمه. خلال نفس ذلك العام، أدرجت وزارة الخزانة بنك إفروفينانس موسناربنك الكائن في موسكو على قائمة العقوبات بسبب مساعدة فنزويلا في التهرب من العقوبات الأمريكية عبر تمويل العملة المشفرة الفاشلة للبلاد “بترو”.

مع هذا، أظهرت موسكو وكاراكاس مؤخرًا تحالفهما المعزز عقب استيلاء مادورو غير الشرعي على الجمعية الوطنية لفنزويلا في 7 ديسمبر 2020. وبعد يوم واحد من الانتخابات المزورة، اجتمع مادورو مع مسئولين روس على التليفزيون الوطني وشكر الرئيس بوتين على “اهتمامه ودعمه للديمقراطية في فنزويلا”، مضيفًا: “روسيا مثال للاحترام والتعاون”. إن شكر مادورو السريع للرئيس بوتين بعد تعزيز السلطة السياسية والقانونية، وإن كانت غير شرعية، تشير إلى تحوط مستقبلي موحد ضد الولايات المتحدة وأنظمة عقوباتها.

وبصورة مماثلة، سعت إيران لتعاون أكبر مع الصين وروسيا في ظل العقوبات الأمريكية الشديدة. على سبيل المثال، ورد أن بكين وقّعت على خطة مدتها 25 عامًا مع طهران تشمل استثمارًا بقيمة 280 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، وتحديث بقيمة 120 مليار دولار للبنية التحتية الخاصة بالنقل والتصنيع. بالإضافة لذلك، لدى طهران الآن اتفاقية عسكرية مشتركة مزعومة مع موسكو. وعلى الرغم من أن العدد الدقيق للاستثمارات محل خلاف، يُزعم أن إيران وافقت أيضًا على منح القاذفات والمقاتلات وطائرات النقل الصينية والروسية إمكانية دخول غير مقيدة إلى القواعد الجوية الإيرانية. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تجري طهران على ما يبدو تدريبًا عسكريًّا مشتركًا سنويًّا مع القوات المسلحة الصينية والروسية. وبغض النظر عن صحة الجانب العسكري من هذا الاتفاق، أي اتفاق من 25 عامًا بين إيران والدول المخالفة للعقوبات مثل الصين وروسيا له تداعيات وخيمة على قدرات تطبيق العقوبات الأمريكية والأمن القومي الأمريكي بشكل عام.

وعلى الرغم من أن الصين كانت أول دولة ترسل المساعدات والمستلزمات الطبية إلى إيران وسط الجائحة، وحذت روسيا نفس الحذو بسرعة بنحو 50 ألف مُعدة تشخيص وإرادة قوية لتحدي العقوبات الأمريكية. وفي نوفمبر 2020، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف بشكل سافر عن نية موسكو المستمرة في مخالفة العقوبات الأمريكية على إيران، مصرّحًا أن “العقوبات لن تؤثر على سياستنا بأي شكل من الأشكال”. وساعدت روسيا أيضًا في مرافقة ناقلات النفط الإيرانية إلى سوريا وضغطت على الموقّعين الآخرين على الاتفاق الإيراني لكي يستأنفوا العلاقات الاقتصادية مع إيران. وفي السنوات الأخيرة، سعت الصين وروسيا أيضًا إلى تعزيز جهود الأمن التعاونية مع إيران، والتي شملت مناورات بحرية مشتركة في المحيط الهندي وخليج عمان في ديسمبر 2019. وبينما تواصل العقوبات الأمريكية القاسية سلب قدرة إيران على تنشيط اقتصادها بوسائلها الخاصة، فإن حملة الضغط الأقصى المعززة ستحفّز طهران أكثر على توطيد علاقاتها مع بكين وموسكو من أجل النجاة.

وحيث إن أربعة أعوام من الضغط الأقصى فشلت في استدعاء أي تغيير في السلوك، يجب على صُنّاع السياسة الأمريكيين الآن أن يفكروا في طرق بديلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية المباشرة مع طهران وكاراكاس. بالنسبة إلى إدارة بايدن القادمة، يمكن أن يشمل هذا دعم برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة واليونيسيف، ومنظمة أنقذوا الأطفال، والجهود الإنسانية الدولية الأخرى في إيران وفنزويلا لضمان أن تصل المساعدات الخاصة بفيروس كورونا إلى السكان الأكثر عرضة للخطر. وفي حين أن تقديم المساعدات هو مجرد نهج مُسكن للتخلص من مخاطر فنزويلا وإيران، إلا أنه قد يقلل اعتمادهم على الصين وروسيا، حيث يظل الاكتفاء الذاتي الاقتصادي أولوية قومية. وفي المستقبل، ينبغي أن تتجنب الحكومة الأمريكية إسناد المساعدات الإنسانية إلى الحوافز السياسية الشفافة وجهود تغيير النظام، حيث إن هذا سيفسح المجال للمزيد من التدخل الصيني والروسي.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا