معهد الشرق الأوسط | اغتيال فخري زاده إخفاق كبير للمخابرات الإيرانية

آية سيد

ترجمة: آية سيد

يُعدّ اغتيال محسن فخري زاده، أهم شخصية في البرنامج النووي الإيراني، في أواخر نوفمبر 2020، إخفاقًا كبيرًا لأجهزة المخابرات الإيرانية. كان فخري زاده جنرالًا في الحرس الثوري الإيراني، ورئيس منظمة الابتكار والبحث الدفاعي التابع لوزارة الدفاع الإيرانية، وكان معروفًا بكونه مدير القسم العسكري للبرنامج النووي الإيراني.

إن فخري زاده ليس غريبًا عن النخبة السياسية الإيرانية. في الأسابيع الأخيرة، نشرت المواقع التابعة للحكومة الإيرانية صورًا تُظهره يحصل سرًا على وسام رفيع المستوى من الرئيس الإيراني حسن روحاني في 2016. في ذلك العام، بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة القوى العالمية المعروفة بمجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا)، حصل 28 مسئولًا إيرانيًّا مشاركين في الاتفاق وبرنامج إيران النووي على ميداليات وأوسمة شرف. يتضح الآن أن فخري زاده وثلاثة أشخاص آخرين على الأقل حصلوا على أوسمتهم في غرفة مغلقة لأسباب أمنية، بحيث لا يظهرون أمام كاميرات المصورين والصحفيين.

في الأيام الأخيرة، نُشرت عدة تغريدات تنقل عن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي تصريحه بأنه طلب من فخري زاده أن يأخذ حمايته الشخصية على محمل الجد ويلتزم بالبروتوكولات الأمنية الصارمة. وبالرغم من كل السرية والتشديد على حماية زاده، تعرض للاغتيال في منطقة أبسارد، على بُعد 70 كم من طهران، يوم 27 نوفمبر. لماذا قُتل بالرغم من هذا المستوى المرتفع من الحماية، وما تأثير وفاته على الهياكل المخابراتية والأمنية للنظام الإيراني؟

كيف حدث ذلك؟

قال الجنرال علي شمخاني، القائد السابق في الحرس الثوري وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، إن قوات الأمن علمت أن فخري زاده كان هدفًا لمحاولة اغتيال وخمّنت الموقع، غير أن العدو استخدم طرقًا حديثة لاغتياله.

لكن علي ربيعي، المتحدث باسم حكومة روحاني والذي خدم كنائب لوزير المخابرات في الثمانينيات ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في التسعينيات، لديه وجهة نظر مختلفة. لقد قال إن أجهزة المخابرات حذرت من اغتيال فخري زاده، لكن لم يتم اتباع البروتوكولات الأمنية. لم يحدّد ربيعي كيانًا محددًا على أنه الجاني، لكن هذا التصريح فُسّر في الأخبار والدوائر السياسية الإيرانية كدفاع عن وزارة المخابرات وانتقاد للحرس الثوري والأجهزة المخابراتية والأمنية التابعة له.

كانت حماية فخري زاده والشخصيات المهمة الأخرى في برنامج إيران النووي موكلة إلى وحدة في الحرس الثوري تُدعى أنصار المهدي منذ 2012. في حوار مع وكالة تسنيم الإخبارية التابعة للحرس الثوري، قال الجنرال علي ناصري، القائد السابق لأنصار المهدي، إنهم منتشرون لأغراض الحماية بعد اغتيال عدة علماء نووين إيرانيين في الفترة بين 2010 و2012.

تضم وحدة أنصار المهدي الأمنية من 10 آلاف إلى 15 ألف شخص، وهي مسئولة عن حماية الرئيس ونوابه، ورئيس السلطة القضائية ونوابه، ورئيس البرلمان ونوابه، وكذلك أيضًا الوزراء والآخرين ممن يحتاجون لحرس دائم أو مؤقت، وفقًا للمجلس الأعلى للأمن القومي (إلا أن حماية المرشد الأعلى خامنئي وأولاده وأفراد مكتبه هي مسئولية وحده أخرى من الحرس الثوري تُدعى “ولي الأمر”، التي يُقدر أنها تضم من 15 إلى 20 ألف شخص).

سلطة الحرس الثوري المتنامية

على الرغم من أن ربيعي حمّل الحرس الثوري بشكل غير مباشر مسئولية اغتيال فخري زاده، إلا أن أي فرد أو مؤسسة في إيران لا تملك السلطة لانتقاده بشكل مباشر بسبب مكانته في المجتمع الإيراني. لقد أصبحت الآن منظمة مخابرات الحرس الثوري الإيراني، التي تأسست منذ 11 عامًا، جهاز المخابرات الأكثر نفوذًا في إيران، ومنذ إنشائها، نُقل جزء كبير من سلطة وزارة المخابرات، التي تخضع لسيطرة الرئيس، إلى منظمة مخابرات الحرس الثوري الإيراني، التي تخضع للإشراف المباشر للمرشد الأعلى.

يمتلك حسين طيب، مدير منظمة مخابرات الحرس الثوري، علاقة شخصية وثيقة مع مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى والشخصية القوية خلف الكواليس والمرشح لخلافة والده كمرشد أعلى للجمهورية الإسلامية.

إن الحرس الثوري عضو رسميّ في فرع مخابراتي يُعرف بمجلس التنسيق المخابراتي. ينسق هذا المجلس بين 16 وكالة مخابرات على الأقل في إيران، ويرأسه وزير المخابرات، إلا أن جهاز مخابرات الحرس الثوري لا يتبع المجلس وهو أكثر نفوذًا في حد ذاته.

إن قضية القبض على نشطاء بيئيين توضّح أن الحرس الثوري الآن أكثر نفوذًا من وزارة المخابرات. في شتاء 2018، ألقت منظمة مخابرات الحرس الثوري القبض على نشطاء بيئيين بتهمة التجسس. وفي حين أن وزارة المخابرات صرّحت بأنها لا تعتبر المحتجزين جواسيس، تجاهل جهاز مخابرات الحرس الثوري الوزارة. وبصورة مأساوية، مات كاووس سيد إمامي، أحد المحتجزين، في السجن في ظروف غامضة، بينما حُكم على الآخرين بالسجن من أربعة إلى 10 أعوام. وعندما سأل الصحفيون وزير المخابرات، محمود علوي، عن تخفيض سلطة الوزارة، أجاب أنه إذا أراد آية الله خامنئي ذلك، فإنه مستعد لتسليم بقية السلطة إلى الحرس الثوري.   

القليل قد يتغير.. لكن التأثير واضح

على الرغم من أن الحرس الثوري ووحدة أنصار المهدي على وجه التحديد ربما هم المسئولون الرئيسيون وراء إخفاقات المخابرات التي أدت إلى اغتيال فخري زاده، من المستبعد أنهم سيخضعون للمساءلة، ويَعتبر المرشد الأعلى خامنئي الحرس الثوري واحدًا من ثلاثة أعمدة رئيسية لبقاء النظام، إلى جانب السلطة القضائية ومجلس صيانة الدستور، وكل منهم له دوره والثلاثة ضروريون: يقمع الحرس الثوري المعارضة الداخلية ويساعد في رسم السياسة الخارجية لإيران ضد الخصوم مثل الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وتعتقل السلطة القضائية النقاد والمعارضين وتحاكمهم وتسجنهم؛ ومجلس صيانة الدستور يخدم كحارس يمنع النقاد والمعارضين من دخول المؤسسات الرئيسية مثل الرئاسة والبرلمان عن طريق مراجعة واستبعاد المرشحين للمنصب.

بعد فترة، ربما تحدث تغييرات داخل قيادات الحرس الثوري، مثل قائد وحدة أنصار المهدي، لكن من المستبعد بشدة أنهم سيخضعون للمساءلة على اغتيال فخري زاده.

مع هذا، فالاغتيال علامة واضحة على أن خصوم النظام الإيراني وأعداءه يمتلكون اليد العليا عندما يتعلق الأمر بالمخابرات. نقلت نيويورك تايمز عن ثلاثة مسئولين مخابرات هويتهم غير معروفة قولهم إن الاغتيال كان عملية إسرائيلية. وفي حين أن الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضوا تأكيد أو نفي الاتهامات، يُنظر للاغتيال، في الأخبار والدوائر السياسية الإيرانية، على أنه انتصار تكتيكي لإسرائيل وهزيمة للنظام وأجهزة مخابراته. يعتقد الكثير من المستخدمين الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وإنستجرام وتليجرام، أن الاغتيال أذل النظام وأجهزته الأمنية. وبالإشارة إلى مقتل 400-1500 محتج في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أواخر 2019، يقول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي إن النظام وأجهزته الأمنية قادرون فقط على قتل المحتجين في الشوارع، وهم ضعفاء في وجه أجهزة الأمن الأجنبية.

هذا، ويتفق المحللون في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية خارج إيران، مثل إيران إنترناشيونال تي في، وبي بي سي فارسي، ومانوتو تي في، وراديو فاردا، أن الاغتيال أذل النظام.

تساؤلات مزعجة

وبالنظر إلى أن النظام خسر مسئولًا عسكريًّا بارزًا آخر، وهو الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، في بداية العام، فإن اغتيال فخري زاده يعزّز فقط الادعاء بأن النظام عجز عن الرد على مقتل الشخصيات المهمة. مع ذلك، هذا ليس اتجاهًا جديدًا. منذ عشرة سنوات، قُتل الجنرال حسن طهراني مقدم، القائد في الحرس الثوري الإيراني ومدير برنامج الصواريخ الإيراني، في انفجار في ثكنة بالقرب من طهران.

إن اغتيال هؤلاء المسئولين الثلاثة سبب كبير للقلق داخل النظام ويثير تساؤلات مهمة؛ فإذا كان يمكن قتل المسئولين البارزين في برامج إيران الصاروخية والنووية والعسكرية بهذه الطريقة، ماذا يضمن أن أجهزة المخابرات الأجنبية لن تغتال كبار القادة السياسيين؟

في أعقاب اغتيال فخري زاده، دعت وزارة المخابرات الشعب إلى التعاون مع النظام في إلقاء القبض على الجناة، وهو ما دفع الكثير من المحللين والمواطنين إلى الاعتقاد بأن فرق الاغتيال الأخرى لا تزال نشطة داخل إيران، وأن أجهزة المخابرات عاجزة عن القبض عليهم. ومما يزيد المخاوف هو أن بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أعلن أن فريق اغتيال فخري زاده كان نفس الفريق الذي تسبب في التخريب والانفجار في منشآت نطنز النووية خلال الصيف، واعتُبرت تصريحات كمالوندي تأكيدًا على ضعف أجهزة المخابرات، وبعد تصريحه، تساءل الكثيرون: إذا كان مرتكبو تفجير نطنز واغتيال فخري زاده مرتبطين، لماذا لم يُقبض عليهم في الأشهر الستة التي فصلت بين الحادثتين؟

وبعيدًا عن انتشار عدم الثقة في أجهزة المخابرات عقب الاغتيال، فإن النفوذ الإسرائيلي المحتمل داخل أجهزة المخابرات الإيرانية هو الشاغل الأكثر إلحاحًا – وهو غير مقتصر على المحللين والعامة فقط. تحدث الجنرال حسين دهغان، وزير الدفاع السابق والمستشار العسكري للمرشد الأعلى، عن خطر الاختراق. وطالب الجنرال محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، الرئيس روحاني بإلزام أجهزة المخابرات في إيران بتحديد المصادر الرئيسية والعملاء الذين تستخدمهم أجهزة المخابرات الأجنبية.

وردت تقارير عن أنه تم تحديد الشخص المسئول عن المكتب الإسرائيلي في جهاز مخابرات الحرس الثوري والقبض عليه كجاسوس إسرائيلي. وفي حين أن هذا ربما يغلق قضية مقتل فخري زاده، فإن القلق حول نفوذ أهم عدو للجمهورية الإسلامية في جهاز مخابراتها الرائد يبقى ملموسًا. يثير اغتيال فخري زاده أيضًا سؤالًا أكبر: ما مدى اتساع وعمق نفوذ الدول الأجنبية في أجهزة المخابرات الإيرانية؟

الرابط الأصلي من هنا

ربما يعجبك أيضا