بلومبرج| هل تنكشف الانتهاكات الإيرانية أمام أعين الأوروبيين؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

وربما ينطبق أخيرًا مغزى هذه الحكاية على الزعماء الأوروبيين الذين ظلوا يمنعون الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الغرق في المياه على مدى السنوات الأربع الماضية. ولكن بعد أن تلقوا القليل من الامتنان من طهران لجهودهم للحفاظ على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، يتلقون الآن التذكير تلو الآخر بطبيعة النظام الإيراني الحقيقية.

إن ميل الأوروبيين إلى التخفيف من سجل إيران المروّع في مجال حقوق الإنسان يواجه تحديًّا عبر الكشف عن قيام النظام بخطف منتقديه من الأراضي الأجنبية، وإعادتهم إلى طهران لتنفذ عليهم عقوبات عاجلة، ووجود حالتين بارزتين من خطف منتقدي النظام الإيراني ممن يقيمون في أوروبا يؤكد الشك حول طبيعة النظام.

في كلتا الحالتين، جرى إغراء الهدفين أولًا خارج القارة قبل اختطافهما، لكن هذا لا يعني أن طهران تخشى ارتكاب المخالفات فوق الأراضي الأوروبية، فقد بدأت محاكمة دبلوماسي إيراني في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة أنتويرب. ويقول ممثلو الادّعاء إن “أسد الله أسدي”، الذي كان يعمل في السفارة الإيرانية في فيينا، خطّط لهجوم بقنبلة على جماعة معارضة في فرنسا، وسلَّم المتفجرات إلى بلجيكيين من أصل إيراني في لوكسمبورغ، ولكنه اعتُقل في ألمانيا في طريق عودته إلى النمسا.

كان أسلوب العمل في حالات الاختطاف الأخيرة يتعلق بجواسيس ومُهرّبين وليس دبلوماسيين؛ حيث قُبض على “روح الله زام”، الصحفي المقيم في باريس، الذي نشر فضائح فساد وجنس تورّطت فيها شخصيات بارزة في النظام، مما رأي فيه النظام في طهران تهديدًا له، وخلال زيارة له لمدينة كربلاء في العراق، أُلقي عليه القبض عبر الحدود، وأُعدم الأسبوع الماضي بتهمة “الإفساد في الأرض”، وهي تهمة يستخدمها النظام الإيراني عادةً عندما يكون غير قادر على تلفيق أدلة لجريمة حقيقية.

كذلك اختُطف المعارض “حبيب شعب”، الذي كان يقيم في السويد، من مدينة اسطنبول ونُقل إلى إيران، بمساعدة مهرب مخدرات على ما يبدو. واحتجزت السلطات التركية 11 شخصًا على صلة بعملية الاختطاف، ووُجِّهت أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات الإيراني لتمويل العملية. ويقبع “شعب” الآن في سجن إيراني، مُتهَمًا بالتورط في هجوم عام 2018 على عرض عسكري في مدينة الأحواز جنوب غرب البلاد.

واستخدم النظام الإيراني أيضًا رجال العصابات لاختطاف “جمشيد شارمهد” الإيراني الألماني من دبي في يوليو، حيث تزعم طهران أن شارمهد، الذي كان مقيمًا في كاليفورنيا، كان عميلًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأنه كان العقل المدبر لتفجير أحد المساجد في شيراز عام 2008.

ويمثّل استهداف المنتقدين في الخارج، سواء للاغتيال أو الاختطاف، مستوىً مختلفًا للتهديد بعمليات احتجاز رهائن في طهران، والتي غالبًا ما تطال مواطنين إيرانيين يحملون جنسيات أوروبية. وكانت ردة الفعل الأوروبية أكثر حدة أيضًا، وبعيدًا عن الإدانات الغاضبة بعد إعدام “روح الله زام”، فقد قاطع سفراء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا منتدى يهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية الأوروبية الإيرانية، فيما نشرت الحكومة الفرنسية تغريدة تحمل هاشتاج (#nobusinessasusual) للإعلان عن الانسحاب.

وفي الولايات المتحدة، أثار إعدام زام انتقادات الحزبين، حيث ندد وزير الخارجية “مايك بومبيو” واصفًا الإعدام بأنه “بربري”، بينما وصفه “جيك سوليفان”، وهو مرشح الرئيس المنتخب “جو بايدن” لمنصب مستشار الأمن القومي، بأنه “مرعب”.

من جانبه، تجاهل الرئيس الإيراني “حسن روحاني” الاحتجاجات، ولكن عمليات الاختطاف، وخاصة عملية إعدام “زام”، ستضر بمكانة إيران بين الأوروبيين العاديين، وعلى الرغم من جهود النظام لحشد التعاطف بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب، فإن أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث تُظهر وجهات نظر سلبية للغاية تجاه إيران في الدول الأوروبية الكبرى.

كما أن هناك دلائل أخرى على انكشاف الخداع الإيراني أمام عيون الأوروبيين، فقد أشار وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” مؤخرًا إلى تحول نحو الموقف السلبي لإدارة ترامب بشأن الصفقة النووية من خلال الإشارة إلى أن النظام سيحتاج إلى الاتفاق على قيود على برنامج تطوير الصواريخ. فيما أصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تحذيرًا شديد اللهجة إزاء خطط طهران لتكثيف برنامج تخصيب اليورانيوم.

وينبغي أن يكون المؤشر أكثر وضوحًا حول التفكير الأوروبي حيال سلوك إيران هذا الأسبوع، وذلك عندما يعقد دبلوماسيون من الموقّعين الباقين على اتفاق 2015 اجتماعًا بالفيديو، في أثناء ظهور علامات جديدة على البناء في موقع نووي إيراني تحت الأرض.

إن إعادة التقييم الأوروبي للسلوك الإيراني سيكون متسقًا مع تطور تلك الحكاية الفارسية القديمة: “تنجو السلحفاة من اللدغة، بفضل قوقعتها التي لا يمكن اختراقها، ولكنها تصبح أكثر حكمة من تلك التجربة”.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا