آسيا تايمز| مع تسارع الأزمة اللبنانية.. منقوشة الزعتر أصبحت سلعة رفاهية

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

ينفق لبنان 160 مليون دولارًا أمريكيًّا كل عام لاستيراد القمح لطحنه وتحويله إلى دقيق. ونصف هذا الدقيق– المباع بأسعار مُدعَّمة – يُستخدم في إنتاج الخبز، والباقي يُستخدم في تحضير مجموعة متنوعة من المخبوزات، والتي تأتي فطائر الزعتر في مقدمتها.

وتُعرف فطيرة الزعتر باسم “المنقوشة”، وهي من بين أرخص الأطعمة السريعة وأكثرها شعبية، وغالبًا ما يتناولها سائقو سيارات الأجرة وغيرهم من العمال. ولكن في الأسبوع الماضي، أبلغت الحكومة المخابز أنها لن تستطيع توفير سوى نصف كمية الدقيق المدعوم، وأنه ينبغي استخدامه للخبز فقط.

أما المخبوزات الأخرى، بما في ذلك المنقوشة رخيصة الثمن التي يتناولها الجميع، العمال والموظفون على حدٍّ سواء، لا يمكن إعدادها إلا بالدقيق غير المدعوم، وبالتالي ستصبح طعامًا “فاخر الثمن”. (تخيل قطعة بيتزا تعدّ من الكماليات). وهذا التطور الخطير يوضّح عمق الأزمة التي تعصف بالاقتصاد اللبناني.

وفي محاولة لتجنب حدوث المجاعة، سارع البنك الدولي إلى تقديم قرض “ضمان اجتماعي” بقيمة 264 مليون دولار إلى بيروت، وينبغي أن يغطي هذا القرض تكلفة استيراد البلد من المواد الغذائية الأساسية المُدعَّمة للعام المقبل.

لكن في حين أن القرض سيموّل واردات لبنان من القمح، غير أنه قليل للغاية لتغطية حاجة البلاد من الطاقة. فبتكلفة سنوية تبلغ 300 مليون دولار–  7.5 مليون برميل من النفط بمتوسط ​​سنوي حالي يبلغ 40 دولارًا لكل منها– لن تتمكن بيروت من استيراد ما يكفي من النفط.

ولن يؤدي هذا فقط إلى جعل النقل باهظ التكلفة بالنسبة للكثيرين، ولكنه سيعيق قدرة الدولة على توليد ما يكفي من الكهرباء. وحدّث ولا حرج، عندما يأتي الصيف وتقترب درجات الحرارة من 40 درجة مئوية، حينها سيجد اللبنانيون أنفسهم في جحيم.

وقد توقف البنك المركزي اللبناني منذ عدة سنوات عن نشر احتياطاته من العملات الأجنبية على أساس شهري، قبل وقت طويل من بدء انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، حيث انخفضت إلى 8.500 ليرة للدولار الآن بعد أن كانت 1500 ليرة للدولار في سبتمبر 2019. ومع ذلك، فقد تمكن البنك المركزي من إدامة تخيل أن احتياطاته تبلغ حوالي 17 مليار دولار.

ومع ذلك، فإن حقيقة أن الحكومة اضطرت إلى خفض إمدادات الدقيق المدعم للمخابز تشير إلى أن الاحتياطيات أقل بكثير مما جرى الإعلان عنه، وربما أقل من مليار دولار، وفقًا لتقديرات مستقلة.

ولكن ما هو أسوأ من الخدع في البنك المركزي هو الأداء المتواضع للحكومة. فحتى الآن، تعامل قادة لبنان– الرئيس ميشال عون، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، وأيًّا كان القائم بأعمال رئيس الوزراء أو رئيس الوزراء المكلف في الوقت الحالي (لا تزال الحكومة في طور “التشكيل”) – الأزمة بتكرار نفس الإجراء، وهو التعديل الوزاري.

فشلت النخب اللبنانية بجميع طوائفها في فهم خطورة الأزمات التي يمر بها لبنان، أو ما هو مطلوب للتعامل معها، فهم يتكهنون إلى ما لا نهاية حول من قد يتولى الوزارة في حكومة جديدة، وكأن هذا سيحدث أي فرق عندما فشلت سلسلة من الحكومات في حل أكثر مشاكل لبنان إلحاحًا.

ربما يستمد هؤلاء الأشخاص، المثقفون والصحفيون وغيرهم، شجاعتهم من مسرحية “الأسوأ هو” للكاتب الأيرلندي “صموئيل بيكيت”، والتي تتضمن مقولة يجري اقتباسها بكثرة: “هل حاولت؟ هل فشلت؟ لا يهم، حاول مجددًا، وافشل مجددًا، ولكن افشل بصورة أفضل”.

وبدلاً من ذلك، فإن الوصف الأفضل للبنان هو مزيد من السقوط: “افشل بصورة أسوأ مجددًا، ولا تزال تفشل بشكل أسوأ مجددًا”.

وإذا كان الجدل والحديث اللامتناهي يمكن أن يغذي الناتج المحلي الإجمالي، فإن لبنان سيتفوق على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في توليد الثروة، ولكن هذا لا يمكن بالطبع، ومع ذلك، هناك موضوع واحد، لم يكن مسئولو الحكومة والرؤساء مستعدين لمناقشته، وهو حزب الله، تلك الميليشيا الحصينة التي تعيق أي فرصة لإخراج البلاد من الوحل.

وطالما أن حزب الله يستخدم السلاح ويسمح لنفسه بالعمل كوكيل للمغامرات الإيرانية في أنحاء الشرق الأوسط، فليس للبنان فرصة للخلاص الاقتصادي. من الذي سيستثمر في لبنان؟ من الذي قد يخاطر برأسماله في بلد يقوم فيه حزب مهيمن يحارب الجميع باستمرار؟

عندما برزت الولايات المتحدة كقوة عالمية كبرى في القرن الماضي، تجنب قادتها إغراء بناء الإمبراطورية، وبدلًا من ذلك رأوا أن مصالحها تتشابك مع مصالح الدول الصديقة التي جرى تشجيعها على ممارسة حقها في تقرير المصير.

وبالطبع لم تكن هذه سياسة ناجحة على الدوام، ومع ذلك، أثبتت العديد من الدول أنها لا تستطيع فقط ممارسة الحكم الذاتي بحكمة، ولكنها لا تستطيع الازدهار أيضًا، غير أن لبنان لم يكن أحدها.

وما زال لبنان الحديث يحتفظ بأحد جوانب ثقافته القديمة الباقية منذ القدم، وهي بيع “الخدمات العسكرية” لمن يدفع أعلى سعر في المنطقة. ففي العصور القديمة، كانت دول المدن الفينيقية الساحلية تتحالف مع القوى الكبرى في بلاد ما بين النهرين ومصر، والآن، ينفذ حزب الله ما تطلبه إيران منه.

فبدلًا من التكاتف لإسقاط حزب الله، ومنع كارثة اجتماعية واقتصادية وشيكة، فإن الأوليجارشية اللبنانية – التي تفشل أسوأ ثم أسوأ مجددًا – تخضع باستمرار للميليشيات. وفي هذا الصدد على وجه الخصوص، العراق الحديث، وريث ممالك بلاد ما بين النهرين، لا ينبغي أن يحتذي بأي نموذج من بلاد الشام.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا