ذا ناشيونال| هل يصبح لبنان جزءًا من صفقة كبرى في الشرق الأوسط؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

كان لبنان يوصَفُ في بعض الأحيان بأنه “بركان من عدم الاستقرار”، ونظرًا لاستحالة التنبؤ بمستقبله الذي ترسمه إلى حد كبير جهات فاعلة أجنبية بقدر ما ترسمه الجهات الفاعلة المحلية، فإنه وصف ملائم.

وعلى الرغم من كون حجمه لا يتعدى 10,452 كيلومتر مربع وعدد سكانه أقل من سبعة ملايين نسمة، هذا البلد العربي الصغير جار مهم لسوريا وإسرائيل. إنه يخدم كنوع من القاعدة العسكرية غير الرسمية للنظام الإيراني ووكلائه. لذلك، تُجبر القوى الكبرى على التعامل معه بجدية من وجهة نظر استراتيجية – على الرغم من الصدام المتكرر مع طبقته السياسية العنيدة، والتحفظية والطائفية بشدة.

ومن المقرر أن يدخل الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير. ومع توقع حدوث نقلة في السياسة الخاصة بالشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بعلاقة أمريكا العدائية مع إيران، يركز قادة الدول الرئيسية على تحسين ثرواتهم في المنطقة، والمثال الأبرز هو روسيا.

تحاول موسكو، التي تعتبر سوريا بوابتها إلى الشرق الأوسط، وضع نهاية للحرب الأهلية الدائرة منذ تسع سنوات في البلاد. على مدار العقد الماضي، قدمت الدعم العسكري لنظام الأسد في دمشق ضد قوات المتمردين المدعومين من تركيا ودول أخرى. لكن لكي تجلب السلام الدائم إلى سوريا، تؤمن موسكو بأنها يجب أن تساعد في جلب الاستقرار والأمن إلى منطقة جوارها – التي تضم لبنان.

في حقيقة الأمر، إرساء الاستقرار السياسي في بلد غير مستقر سياسيًّا يصب في مصلحة موسكو. السبب وراء هذا بسيط: ما دامت الطبقة السياسية في لبنان ضعيفة ومنقسمة، تبقى الدولة ساحة للتدخل الأجنبي، الذي يقوّض استقرارها، ومن ثم استقرار الدول حولها.

غير أنه من أجل تحقيق تغيير حقيقي، تحتاج مؤسسات لبنان لأن تتحرر من نفوذ متطفل أجنبي واحد: وهو إيران.

تفهم موسكو أن طهران تريد أن يظل لبنان ورقة رابحة في لعبتها الإقليمية، وبالتالي لن تكون مهتمة بتشجيع سن الإصلاحات في ذلك البلد. وموسكو مدركة تمامًا أيضًا للنفوذ الذي تمتلكه فرنسا هناك، لكونها المستعمر القديم للبنان. ولشهور، كانت باريس تحاول حل المأزق السياسي في لبنان وخلال هذه العملية، تقريبه من الغرب، بيد أن تلك العملية أثبتت كونها مهمة شاقة.

ومثل فرنسا، تسعى روسيا أيضًا إلى مساعدة لبنان في الوقوف على قدميه وأن يصبح لاعبًا ذا سيادة.

اقترح تقرير لفريق عمل في موسكو عددًا من الحلول، والتي تشمل فرض قيود على حزب الله لوقف التدخل المباشر والنفوذ؛ ومنع أي تهديد من الظهور في لبنان والانتشار إلى الدول الأخرى؛ وتأمين مساعدة اقتصادية جماعية لإعادة بناء الدولة؛ وإدراج لبنان في العمليات الإقليمية، والسياسية والدبلوماسية المختلفة؛ وإبرام اتفاقيات سياسية داخلية لتعزيز الاستقرار – حتى لو كانت تلك الاتفاقيات ذات طابع سري؛ ودفع القادة لتحمل المسئولية الشخصية عن التنمية الوطنية.

كل هذا يتطلب إزالة أسباب عدم الاستقرار في لبنان، بحسب التقرير، الذي شدّد على الحاجة لتحويل لبنان “من ساحة للصراع إلى دولة ذات مستقبل بأي ثمن”.

وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا باتجاه جلب سوريا، وإيران وإسرائيل إلى الطاولة. وتأمل في أن تتوصل سوريا وإسرائيل إلى اتفاق بخصوص حجم التواجد العسكري الإيراني الذي ينبغي السماح به في ذلك الجزء من المنطقة، والذي يعتمد عليه نظام الأسد من أجل أمنه – والذي تراه إسرائيل تهديدًا لأمنها القومي.

وفي المخطط الأكبر للأمور، ترى روسيا إسرائيل كشريك محتمل في خطتها لتحقيق تغيير جذري في المنطقة – لكنها لن تفعل هذا عن طريق التخلي عن إيران، حليفتها في سوريا. ولكسب دعم إسرائيل في دعم مصالحها في المنطقة، سوف تحتاج موسكو إيجاد طريقة لإقناع إيران بتخفيض تواجدها العسكري في سوريا.

إن الانتخابات المقبلة في كلٍّ من إيران وإسرائيل ستصعب على موسكو جلب البلدين إلى الطاولة، غير أنها لا يردعها هذا التحدي. إنها تتعاون مع إسرائيل بالفعل في هذه المسألة وتنوي عقد محادثات مع إيران في بداية العام القادم.

تمتلك روسيا نفوذًا على إيران، نظرًا للأعمال التي يقومون بها مع بعضهما البعض. وبالإضافة إلى هذا، تعتمد الدولتان على إحداهما الأخرى في إدارة الصراع السوري. إن خطة روسيا هي منع الهيمنة الإيرانية الكاملة على النظام السوري، لكن في نفس الوقت ضمان أنها تمتلك بعض النفوذ في البلاد – وهي تنوي عقد صفقة مع النظام في طهران في هذا الصدد، يجب أن تفعل نفس الشيء في سياق لبنان أيضًا.

إذا حصلت موسكو على ما تريد، يمكن للمرء أن يتوقع إصلاحات جادة في الشرق الأوسط على مدار الأعوام القليلة القادمة، حيث ترى روسيا نفسها والولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل القوى التي سترسم المستقبل الجيوسياسي للمنطقة – طبعًا، من دون إقصاء الأطراف المعنية الإقليمية الأخرى، مثل إيران والدول العربية الرئيسية.

ويبقى التساؤل: من سيتحمل مسئولية عملية تحقيق الاستقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط؟ ستكون التكاليف السياسية والاقتصادية مرتفعة، وروسيا يمكنها أن تتحمل مسئولية محدودة فقط في تلك العملية.

ومن المناسب أيضًا أن نسأل ما إذا كان يمكن إقناع رجال السياسة في لبنان، الذين يبدون غير مهتمين بغياب الاستقرار والسيادة عن بلدهم، بالعمل لتحقيق مصالح شعبهم.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا