ذا هيل | سيادة القانون في أمريكا مقابل “الحكم بالقانون” في الصين

آية سيد

ترجمة: آية سيد

إن التناقض بين سيادة القانون في أمريكا و”الحكم بالقانون” في الصين يتجلى بوضوح في الوقت الحالي.

بصفتها أقدم ديمقراطية في العالم، الولايات المتحدة هي أول نصير لسيادة القانون، التي تطرحها بشكل روتيني ضد الأنظمة الاستبدادية وإملاءاتها التعسفية التي تقوم على رجل واحد أو حزب واحد.

إن الصين الشيوعية، التي تسمي نفسها “جمهورية شعبية” وتستخدم اللقب الديمقراطي “رئيس” لزعيمها غير المنتخب، سعيدة بإخفاء نموذج حكمها تحت عباءة اللغة الغربية. لكن أسلوب حكمها بالقانون المصطنع ليس مكافئًا للأنظمة القانونية ذات الطابع المؤسسي في الديمقراطيات. القانون هو ما يقوله الحزب الشيوعي الصيني – لا حاجة للموافقة، وليس مسموحًا بالمعارضة، والاضطراب السياسي يتم تجنبه. كل شيء منظم جدًا، وعلى الطريقة الأورويلية.

وعلى الرغم من الاستيلاء على المظاهر الغربية، يؤدي الديكتاتوريون أداءً سيئًا على مستوى الأخلاق والسُمعة عند مقارنتهم بالدول الحرة. لهذا السبب تحتفل الأنظمة الاستبدادية في بكين وموسكو وبيونج يانج وطهران بفوضى ما بعد الانتخابات في أمريكا، كما يجد الطغاة المشهد جميلًا على نحو خاص حيث إنه ينطلق على أسس قانونية.

لقد تم ارتجال القواعد التي تحكم الانتخابات – ألا وهي المجموعات الـ 50 لقوانين الولايات – ردًا على القيود التي فرضتها الجائحة. هذا جعلها مواتية للمخالفات ولتصورات وشبهات التلاعب.

تدعي كل جهة في الدولة المنقسمة بالتساوي التفوق الأخلاقي والدستوري وتتهم الأخرى بتخريب الجمهورية الأمريكية. إحدى الجهتين تتهم الأخرى بالتزوير وسرقة الانتخابات؛ والأخرى تشجب الدعاوى القضائية الطائشة وإساءة استخدام الإجراءات، وتزعم كل منهما حدوث “انقلاب” سياسي.

هذه اللغة المروّعة تشوه الصورة الديمقراطية لأمريكا وتقدم موردًا لا نهائيًّا للاستبداديين لكي يسخروا من الفوضى الديمقراطية. والأسوأ من هذا، أنها تشكّل خطر العنف السياسي من المتطرفين في جناحي اليسار واليمين الذين يشجعون الدعوة إلى حمل السلاح أو يتمنون استغلال الفرصة لدفع أجنداتهم الخاصة. يخاطر المتعصبون الموالون لترامب والمعادون له بالوقوع في فخ من المؤكد أن أعداء أمريكا سيبتهجون به.

لقد استغلت بكين بالفعل الإلهاء الناتج عن الحملة الرئاسية والجائحة لإثبات كفاءة أسلوبها في الحكم بالقانون. عندما ضجرت من احتجاجات المواطنين في هونج كونج هذا العام، ألغت ببساطة مبدأ “دولة واحدة ونظامين” المضمون في تسليم المملكة المتحدة للمقاطعة عام 1997.

ثم، بصورة أحادية وتعسفية، فرضت قانون أمن قومي جديد يفرض قيودًا متشددة على حرية التعبير. ونظرًا للرد الغربي غير الفعال حتى الآن، ربما لم يشهد سكان هونج كونج أسوأ ما في الحملة القمعية للصين.

وفي ظل القمع الجاري لهونج كونج، تسعى بكين الآن لتمديد أسلوب الحكم بالقانون خارج حدودها في المرحلة القادمة من حملتها للضغط على تايوان. قالت تشو فينج ليان، المتحدثة باسم مكتب شئون تايوان في الصين، إن بكين سوف تتخذ عما قريب “خطوات موجهة لتعاقب بشدة بما يتوافق مع القانون … قائمة من الانفصاليين التايوانيين المتطرفين”. من المفترض أن يُحاكموا بموجب قانون مكافحة الانفصال 2005 الذي ينص على “إعادة توحيد” تايوان مع الجمهورية الشعبية (التي لم تحكمها أبدًا). 

وقالت تشو إن الحملة العقابية “لا تستهدف مطلقًا الأغلبية الساحقة من المواطنين التايوانيين”. لكن بكين ستكون واهمة إذا أنكرت أن “الأغلبية الساحقة” من مواطني تايوان يعارضون بشدة الخضوع لحكم الحزب الشيوعي الصيني، في تحدٍّ مباشر لقانون مكافحة الانفصال.

ولا تملك الصين نفوذًا قانونيًّا في تايوان، والتايوانيون الموالون للاستقلال سيكونون حمقى إذا زاروا الصين حيث يخاطر الأجانب بالفعل بالاعتقال التعسفي. لذلك تشير الطريقة الأورويلية بفاعلية إلى أنها تنوي “استهدافهم” في تايوان أو في دول ثالثة قد يزورونها أو يعبرون من خلالها.

إن أي محاولة من الصين للقبض على التايوانيين أو إيذائهم بأي طريقة أخرى في وطنهم سيكون عملًا من أعمال القوة أو القسر وفقًا لأحكام “قانون العلاقات مع تايوان” الأمريكي. أعرب وزير الدفاع الياباني هذا الأسبوع عن المخاوف الإقليمية بخصوص عدوانية الصين المتزايدة تجاه تايوان وموقف إدارة بايدن القادمة: “هناك خط أحمر في آسيا – الصين وتايوان. … أنا لم أر بعد سياسة واضحة أو تصريح بخصوص تايوان من جو بايدن. أنا أود سماعه سريعًا. … أمريكا، كوني قوية”.

من المرجح أن تعمل الصين تحت الحد الذي يثير ردًا تايوانيًّا وأمريكيًّا مباشرًا عن طريق اختطاف التايوانيين الذين يسافرون إلى الخارج. في السنوات الأخيرة، اختطفت مواطنين صينيين يعيشون في أستراليا وأكثر من اثنتي عشرة دولة أخرى، ربما من ضمنها الولايات المتحدة.

في كثير من الأحيان، الخطف ليس ضروريًّا لإعادة الفرد إلى قبضة المسئولين الشيوعيين؛ يكفي التعذيب بالخارج، أو التهديدات لأفراد العائلة في الصين. في 2018، ذكرت وزارة العدل الأمريكية خطها الأحمر الخاص بنفوذ بكين خارج حدودها: “سوف تساعد الوزارة الدول الأخرى إذا قُدّمت أدلة على الإجرام، لكننا لن نقبل نشاط إنفاذ القانون الأحادي من دولة أخرى على أراضينا”.

ومن غير المرجح أن تقبل إدارة ترامب أو بايدن مناورة بكين للحكم بالقانون ضد التايوانيين الذين يعارضون الوحدة، لذلك أي طلب لإرسال شخص تايواني في أمريكا إلى الصين من أجل المحاكمة سوف يثير حتمًا مجالًا جديدًا للمواجهة والثأر بين الصين والولايات المتحدة.

ولتجنب جبهة الصراع الجديدة هذه، يجب أن تتراجع الصين عن تهديدها بإعلان الجرائم الجديدة في المقام الأول. يقدم التاريخ درسًا لواشنطن. في أواخر 2004، طرحت بكين أولًا إمكانية تبني إجراء لمكافحة الانفصال – وهو مغيّر محتمل للعبة يهدف إلى مواجهة قانون العلاقات مع تايوان الأمريكي ووضع أساس “قانوني” للصين لكي تهاجم تايوان في الوقت الذي تختاره.

أصدرت إدارة بوش، التي كانت غير راضية عن حديث الرئيس التايواني تشن شوي بيان عن الاستقلال، بيانًا روتينيًّا عن حفظ الاستقرار عبر مضيق تايوان بدلًا من التحذير الحازم الذي حث عليه البعض في وزارة الدفاع. ومع مرور شهور دون أن تشير واشنطن إلى موقف أمريكي أقوى، تحركت الصين وأعلنت تمرير قانون مكافحة الانفصال في مارس 2005.

وينبغي أن يدرس الكونجرس تشريعًا يعلن أن القانون الصيني الجديد المشار إليه باطلًا ويحظر أي تعاون أمريكي لـ”إعادة” المواطنين التايوانيين إلى الصين. وينبغي أيضًا أن يعيد إحياء قانون منع غزو تايوان وتمديد أحكامه لتشمل أي إجراءات يتخذها النظام الصيني ضد أفراد تايوانيين.

وبالنسبة إلى قضايا سيادة القانون الخاصة بأمريكا، بعد تقرير مصير مجلس الشيوخ الأمريكي في جورجيا في 5 يناير، ينبغي أن يوفي الكونجرس بالتزامه الدستوري لاعتماد انتخابات 2020، واستعادة “الهدوء الداخلي”، والبدء في إصلاح مكانة أمريكا كديمقراطية رائدة في العالم.

ينبغي أيضًا أن يعالج الحاجة لأن تدرس الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات أدوارها في تحقيق مستوى من الثقة في انتخابات 2022 و2024 أعلى من المستوى الذي وُجد في 2020. إن تحقيق قدر أكبر من الوحدة في أنظمة الـ50 ولاية ستكون نقطة بداية جيدة.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا