موسكو تايمز | الكرملين يواجه عامًا صعبًا في 2021

بسام عباس
الكرملين

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد استنفد الرئيس “فلاديمير بوتين” أجندته السياسية. حتى الاستفتاء الأخير الذي أجراه بشأن “إعادة ضبط” الساعة السياسية لم يساعده. فقد يظل بوتين في السلطة جسديًّا لبعض الوقت، لكنه أصبح فعليًّا “بطة عرجاء” في نظر كثير من الناس، وزعيمًا في طريقه للخروج من السلطة، وليس لدى أحد – ولا حتى الموالين له – أي أمل في أن تتحسن البلاد، بينما لا يزال بوتين في منصبه.

والأسئلة الحقيقية الوحيدة الآن هي:

متى سينتهي كل هذا؟

ومن سيكون الرئيس القادم؟

في روسيا، يعتبر رئيس الوزراء تقليديًا هو الأول في ترتيب المرشحين لتولي الرئاسة، ولهذا كان تعيين “ميخائيل ميشوستين” في هذا المنصب أحد أهم الأحداث السياسية لهذا العام. وعلى الرغم من أن بوتين يمكنه الآن قانونًا الترشح لإعادة انتخابه في عام 2024، فقد يختار التنحي وتعيين خليفته بدلًا من ذلك. وبعد أن شاهد بوتين كيف أن محاولة الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو” للبقاء في السلطة أدت إلى احتجاجات واسعة النطاق هذا العام، ويدرك بوتين أن الأمر نفسه ربما يحدث معه، فقد ملَّه الشعب الروسي.

لقد انخفض تصنيف ثقته إلى أقل من 50٪ ما يعني أن أكثر من نصف السكان لا يريدون التصويت له. وعلى الرغم من أن فوران شعبيته قصيرة المدى لا تزال ممكنة نظريًّا، غير أن من غير المرجح استمرارها لأمد طويل، حيث ستستمر القاعدة الانتخابية للرئيس في التضاؤل. ولأنه شخص ينأى بنفسه عن المخاطرة، ربما يفضل بوتين التنازل عن بعض سلطته لخليفة بدلًا من المخاطرة بكل شيء كما فعل نظيره البيلاروسي “لوكاشينكو”.

ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز “ليفادا” مؤخرًا، ارتفعت معدلات تأييد بوتين وميشوستين وانخفضت بشكل عكسي مع بعضهما البعض. إذ ارتفع تصنيف بوتين من يوليو إلى سبتمبر من 66٪ إلى 69٪، بينما انخفض تصنيف ميشوستين من 60٪ إلى 57٪. ولكن من سبتمبر إلى نوفمبر، انخفض بوتين من 69٪ إلى 65٪ بينما عكس ميشوستين مساره وارتفعت نسبة تأييده، ورغم أن الارتفاع كان طفيفًا بنسبة 1٪ فقط، وهو ما يعد ضمن هامش الخطأ، غير أنه قد يكون معبرًا.

يذكر أنه في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق “بوريس يلتسين”، تمتع جميع رؤساء وزرائه (يفجيني بريماكوف وسيرجي ستيباشين وبوتين نفسه) بارتفاع تلقائي في شعبيته. ولكن في ذلك الوقت، نظر الرأي العام بشكل إيجابي إلى أي شخص يمكن أن يحل محل يلتسين الذي لا يحظى بشعبية، وربما تشير التقلبات الحالية في نسبة شعبية بوتين وميشوستين إلى أن الأخير لا يُنظر إليه على أنه مكمل للزعيم الوطني فحسب، بل على أنه خليفته المحتمل.

ويعطي كل هذا أهمية إضافية للتعديل الوزاري الذي أُجري في نوفمبر الماضي ليس لصالح الموالين لبوتين بقدر ما هو لصالح ميشوستن نفسه، ويشير هذا إلى أن بوتين ربما لا يفكر بجدية في تسليم السلطة فحسب؛ بل ربما قرر ذلك بالفعل.

معارضة منهجية جديدة

وتكتسب التغييرات في الأحزاب السياسية الروسية أهمية كبرى، خاصة في الفترة التي تسبق انتخابات مجلس الدوما. وهناك اتجاهان رئيسيان:

الأول: تطرف الطبقة الدنيا من الحزب الشيوعي، ثاني أكبر حزب في البلاد، وهو ما يمارس ضغوطًا على قيادة الحزب لاتخاذ مواقف متزايدة التعقيد ضد النظام الحاكم، ولهذا السبب صوّت الحزب الشيوعي أولًا ضد استفتاء “إعادة ضبط” بوتين، ثم طرح تعديلات دستورية بديلة ونظم استفتاءً بديلًا، وكانت أحدث مبادرتهم هي تدريب مليون مراقب لمنع السلطات من تزوير الأصوات في انتخابات دوما.

والاتجاه الثاني: ظهور حزب يميني قوي يسمى “الشعب الجديد” أثبت قدرته على الفوز في الانتخابات، ومن خلال السماح للحزب اليميني بالتسجيل والمشاركة في الحملة الانتخابية الأخيرة، أظهر الكرملين أنه يريد إيقاف تآكل قاعدته الاجتماعية.

ومن الواضح أن بوتين لا يريد أن يصبح الناخبون اليمينيون متطرفين، وهو يفهم جيدًا أن منحهم التمثيل السياسي هو الطريقة الوحيدة لتجنب ذلك. ولذلك من المهم أن نلاحظ أن حزب “الشعب الجديد” حقق انتصارات في الانتخابات الإقليمية في سبتمبر دون مساعدة من هم في السلطة، وفي بعض الحالات، كما هو الحال في “فورونيج”، على الرغم من مساعي إحباط نجاحاته.

وهذا يعطي سببًا للاعتقاد بأن اليمينيين الجدد سوف يمدون يدًا قوية لأي محادثات مع الكرملين، ويتمتعون بقدر من الحرية مثل الحزب الشيوعي الآن، ولن يضطروا إلى السير على رؤوس أصابعهم مثل أحزاب مثل “روسيا العادلة” و”من أجل الحقيقة”.

وبطبيعة الحال، لن يقوم حزب “الشعب الجديد” بعمل أي عراقيل، ولكن كما يظهر التاريخ، فإن هذا الاحتمال المخيف وحده غالبًا ما يدفع السلطات إلى الدخول في حوار مع المعارضة المنهجية التي يمكن، بالتالي، أن تكون نقطة التحول الرئيسية نحو الديمقراطية.

عودة أليكسي نافالني

وبعيدًا عن المشهد السياسي المختار بعناية في الكرملين، فإن الأحداث هذا العام الكبرى تهم “أليكسي نافالني” دون شك؛ حيث إن عملية تسميمه عززت موقفه بشدة. وفي الواقع، إن نجاته واستمراره في فضح قتلته المحتملين وإذلالهم، تمنحه يدًا قوية، حيث إن القدرة على مواجهة الموت وقهره هي إحدى السمات النموذجية للقائد الحقيقي. ورغم أن هذا نوع غير عقلاني من القوة، غير أنه لا يمكن أن تدحضه ادّعاءات الكرملين بأن نافالني لديه علاقات مع وكالة الاستخبارات المركزية أو غيرها من الادعاءات “العقلانية” الأخرى.

وربما تلعب عودة نافالني إلى روسيا دورًا حاسمًا في الوضع الحالي، وكلما اقتربنا من بدء الحملة الانتخابية لمجلس الدوما، زاد تأثيرها، وستزداد التوترات السياسية في ذلك الوقت، وقد يكون وصول زعيم المعارضة الرئيسي بمثابة صاعق التفجير، مثلما فعلت عودة “لينين” في أبريل 1917.

وبالنظر إلى الحالة الاحتجاجية الحالية في البلاد، لا يملك الكرملين أي شيء لمكافحة “التصويت الذكي” لنافالني باستثناء الموارد الإدارية وتكتيكات الضغط التي يقوم بها ساسة الأجهزة الأمنية الروسية أو من يعرفون بــ “السيلوفيك”. لذلك، من الممكن أن تقوم السلطات الروسية باعتقال نافالني عند عودته، بكل بساطة، رغم أنها تدرك جيدًا أن الاحتجاجات ستندلع لا محالة، وستكون بمثابة خلفية غير مرغوب فيها للحملة الانتخابية.

الاحتجاج وديناميكيات التاريخ

أهم حدث في العام المنصرم هو احتجاجات سكان خاباروفسك الحماسية والمستمرة بشكل غير متوقع، فقد جعلت تلك المظاهرات ادعاء الكرملين بأن سكان موسكو وحدهم هم من يحشدون بأعداد كبيرة لأسباب سياسية مستحيلاً. وعلاوة على ذلك، فإن ما حدث في خاباروفسك يمكن أن يحدث مرة أخرى في أي مدينة أخرى في روسيا.

وفي الفترة التي تسبق انتخابات مجلس الدوما، من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه كلما بدا النظام الحاكم أكثر استقرارًا واستمرارية للناخبين، كلما زاد احتمال دعم الروس له في صناديق الاقتراع، والعكس صحيح.

وفي هذا المعنى، فإن الوضع الحالي في صالح المعارضة، إذ يتعلق الأمر بأكثر من مجرد حالة احتجاجية متصاعدة، بل إنه يمس “قوس التاريخ” غير المادي شديد الأهمية. وفي حين كانت الرياح السياسية تهب من قبل بشكل مباشر بما يشتهي الكرملين، بينما كانت تحطم كل المنشقين على صخور الغموض السياسي، فإن تلك الرياح قد انعكست الآن، فهناك شعور متزايد لا يتزعزع بأن النظام قد استنفد نفسه، وأن التغييرات لا مفر منها، لقد حان الوقت لخروج الموالين للكرملين من المشهد السياسي – كما يفعل الكثيرون الآن – ولعودة المعارضة.

وهذه هي روح العصر الآن. وعليه، يمكن القول بثقة إن المعارضة ستتمتع بإقبال كبير في انتخابات الدوما المقبلة، وإذا حاولت السلطات منع ذلك من خلال رفض تسجيل أقوى مرشحي المعارضة، فمن المرجح أن تندلع الاحتجاجات بقوة. وعلى عكس الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات مجلس دوما بمدينة موسكو، فقد تمتد هذه المظاهرات إلى ما هو أبعد من العاصمة.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا