ذا هيل |في أوقات الأزمات.. الصين تدعم إيران

آية سيد

ترجمةآية سيد

تُعدّ كل من إيران والصين من أبرز تحديات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، لا سيما وأنهما تتقاربان أكثر: إيران، المثقلة بالفساد الداخلي والعقوبات الدولية وأسوأ تفشي لفيروس كورونا في المنطقة، اتجهت شرقًا إلى الصين في السنة الماضية للحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري. وعلى الرغم من أزمة الدين الحادة التي دفعت الصين إلى التراجع عن مبادرة الحزام والطريق الضخمة، إلا أن انخفاض أسعار النفط الخام الإيراني اجتذب الصين للبحث عن بدائل ذكية وربما سرية، للحصول على مصدر مضمون ومخفض للطاقة، مقوّضةً السياسة الأمريكية في هذه العملية. وفي الواقع، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركات صينية مرتين على الأقل العام الماضي بسبب التجارة مع إيران. 

ومنذ 2017، كانت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم وهي تعتمد اعتمادًا متزايدًا على الشرق الأوسط للحصول عليه. إنها ترى إيران كمورّد حيوي لموارد الطاقة ومشارك في مبادرة الحزام والطريق، مشروع البنية التحتية الضخم العالمي. وتَعتبر الصين حرية الملاحة في الخليج العربي ضرورية لحماية مصالحها. لكن في 2020، اشترت بكين 3 ملايين طن فقط من النفط الإيراني، بانخفاض 77% عن 2019.

وتقدّم إدارة بايدن أملًا في أنه بالعودة إلى الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات، سيبدأ النفط في التدفق بنشاط مرة أخرى. لكن باستثناء الإصلاح المنهجي الذي سيحسن ثقة الشركات الغربية، إيران – وقيادتها – لا تزال معتمدة على المشاركة الاقتصادية الصينية، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في يونيو 2021.   

إن مسودة الاتفاق الاستراتيجي الطموح البالغة مدته 25 عامًا مع الصين (الذي يتصور مشروعات استثمارية بقيمة 400 مليار دولار) والمسربة في شهر يوليو، أشارت إلى عزم الصين لعب دور أكبر في المنطقة، وتزامن هذا مع اتجاه عدة قادة بارزين آخرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بكين من أجل استثمارات البنية التحتية الضخمة، متطلعين إلى رؤية السعودية 2020 وإعادة الإعمار بقيادة النظام في سوريا كأمثلة.

وتسيطر الصين على 75% من صناعة النفط في السودان، وستبدأ إدارة ميناء حيفا في إسرائيل في 2021 وبنت جزءًا كبيرًا من منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة، غير أن هذه الركائز الأساسية للنفوذ، في حين أنها تحقق نفوذًا اقتصاديًا، لم تُترجم بعد إلى نفوذ سياسي كبير. إن العلاقة العميقة ستضخ استثمارات مطلوبة بشدة في البنية التحتية والبنوك والاتصالات والأمن السيبراني والاستخبارات، إلى جانب التعاون العسكري مقابل النفط والغاز بسعر مخفض، وهو ما يقدّم للنظام الإيراني حبل نجاة اقتصادي وسياسي بالتأكيد.

واليوم، تعاني إيران من ضائقة مالية والاقتصاد في حالة فوضى. توقع صندوق النقد الدولي انكماش بنسبة 6% في الاقتصاد بينما يتأرجح التضخم حول 34%. خسر الريال 85% من قيمته منذ 2018، حيث وصل لأدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار في شهر أكتوبر. سجلت الدولة أيضًا عددًا مهولًا من حالات فيروس كورونا – أكثر من مليون – وأكثر من 50 ألف وفاة في بلد تعداد سكانه 80 مليون. ويوشك النظام الصحي على الانهيار في ظل نقص المعدات، والمستلزمات والأفراد.

ومن المتوقع أن تربح الصين من مشروعات البنية التحتية بتكلفة مليار دولار؛ وسوف تكسب أيضًا موطئ قدم استراتيجي في ممر الحزام والطريق الذي يربطها بالأسواق الكبرى في آسيا وأوروبا وأفريقيا. لكن، بدلًا من تخفيف معاناة المواطن الإيراني عن طريق إعادة تنشيط الاقتصاد ورفع الفقر، عززت المشاركة المالية للصين في إيران قبضة النظام على السلطة. لقد أثار الغضب والمعارضة للأوضاع الاقتصادية في العام الماضي قمعًا وحشيًا متزايدًا من النظام، وفي نهاية المطاف، سيؤدي تعزيز جهاز الدولة القمعي إلى الحد بشدة من سبل كسب العيش وحريات المواطنين الإيرانيين. 

ومن الأمور المهمة بنفس القدر حول الشراكة هو أن كلًا من الصين وإيران لديهما طموحات إقليمية وعالمية أوسع، وهما عدوان للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الصين تحدّت بالفعل الولايات المتحدة في شرق آسيا، إلا أن الشرق الأوسط – وإيران بالطبع – ربما يصبح أرض المعركة الجديدة لمواجهة بين الاثنتين.

ولا شك أن توفير الصين الموارد لاقتصاد طهران المتضرر بالعقوبات من شأنه أن يعزّز النظام الثيوقراطي القمعي الفاسد في إيران المضغوط حاليًا. ولا تزال القيادة في طهران تترنح من الصدمة التابعة للاحتجاجات الشعبية المتكررة، وهي في أمسّ الحاجة لانتخابات رئاسية منظمة جيدًا في يونيو المقبل، وربما يمتلك تدفق النقد آثار علاجية مبدئية بتحسين القوة الشرائية للإيرانيين عن طريق خفض التضخم المفرط، لكن الارتفاع سيكون سريع الزوال.

وعلى المدى الطويل، سوف يخدم هذا في تقييد سبل عيش المواطن ورفاهه الاقتصادي، والأكثر أهمية، أنه يُضعف الحريات المدنية للإيرانيين العاديين، حيث إن الاستثمارات تعزز القطاعات التي يسيطر عليها الحرس الثوري، والثروة تُسرق وتذهب إلى النخبة المحلية وتزعزع استقرار المآثر الإقليمية. لقد ظهرت المقاومة المحلية لزحف الصين في حملات التوعية الشعبية بتأثيره الشائن من خلال هاشتاج: “لا تبيعوا إيران” و”تركمانشاي الصينية”.

وعلى الرغم من أن هذا ربما يكون له تأثير محدود على سياسات النظام، إلا أنه يشير إلى السخط المتزايد على النظام، وهذا يُعدّ إدراكًا أن حبل النجاة الاقتصادي المحتمل سيُديم سوء الإدارة الاقتصادية والفساد، بينما يخرج النظام أقوى وأكثر ثقة واستبدادية.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا