منتدى شرق آسيا | منطقة جنوب آسيا ستكون اختبارًا لسياسة بايدن الخارجية

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

إن التمرّد الذي حدث في مبنى الكونجرس الأسبوع الماضي في واشنطن، كان بمثابة تذكير صادم بما سيرثه بايدن عندما يتولى منصب الرئيس في العشرين من يناير. فبالإضافة إلى العار الشخصي والوطني الذي تسبب فيه ترامب عبر تحريض مؤيديه لاقتحام معقل الديمقراطية الأمريكية في السادس من يناير، سيترك ترامب وراءه أيضا بلدًا يعاني من فيروس كوفيد19 وأزمة اقتصادية، ونظامًا سياسيًّا ممزقا؛ ما سيفتح جراحًا عميقة لن تندمل بسهولة.

وبالرغم من أن انتصارات الديمقراطيين في انتخابات الإعادة على مقعدي مجلس الشيوخ في جورجيا، منحت حزب السيد بايدن أغلبية بسيطة في الكونغرس، إلا أن الواقع يقول إن أهم وأثقل عبء سيُلقى على عاتق الرئيس الجديد سيكون محاولة تضميد جراح هذا البلد العميقة، وهو تعهّد قطعه بايدن على نفسه أثناء حملته الانتخابية.  

إن طبيعة وحجم المهمة المحلية التي ستواجه السيد بايدن، تُذكر المحللين الاستراتيجيين في كل مكان بالحدود المستقبلية لسلطة أمريكا الإمبريالية، كما أن فكرة أن رئاسة بايدن ستقود عهدًا جديدًا تتمكن فيه الولايات المتحدة فورًا بقيادتها ونفوذها من إصلاح الضرر الذي ألحقه سلفه ترامب بالتعاون الدولي في مجال الاقتصاد والتجارة والصحة والتحالفات الأمنية في أوروبا وآسيا، فضلًا عن تحجيم نفوذ الصين، وحل مشاكل أخرى كثيرة حول العالم (من بينها الاحتباس الحراري)، هي فكرة أكثر حيوية وانتشارًا في “كانبيرا” و”أوتاوا” وحتى في لندن اليوم، من فيروس كورونا نفسه، ويساهم بعض مؤيدي بايدن الذين يحدوهم الأمل، ربما بطريقة غير مقصودة، في نشر هذه الفكرة.

عندما توصلت أوروبا والصين لاتفاقهما الشامل بشأن الاستثمار في الثلاثين من ديسمبر بعد سبع سنوات من المفاوضات، أدانت وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية عمومًا تلك المبادرة التي تفرض على الصين قواعد جديدة للاستثمار، ويعود هذا بشكل رئيسي إلى أن خلاصة الاتفاق لم تبدِ طاعة واجبة للإدارة الأمريكية المقبلة. وكأن أوروبا عاجزة عن تقدير مصالحها الاستراتيجية في هذا الأمر. لقد جرى الاستشهاد على نطاق واسع بتغريدة السيد “جايك سولفيان”، المرشح لمنصب مستشار بايدن للأمن القومي، والتي قال فيها إن إدارة بايدن – هاريس سترحب بمشاورات مع شركائها الأوروبيين بشأن مخاوف الطرفين المشتركة الخاصة بممارسات الصين الاقتصادية، وقد جرى استخدام تصريح “سوليفان” كدليل على أن مسئولي بايدن منزعجون من تجاهل الأوروبيين لهم قبل توقيع الاتحاد الأوروبي لاتفاقه التجاري مع بكين، ويتناسى هؤلاء أن الأوروبيين حاولوا في هذا الاتفاق الشامل بشأن الاستثمار اللحاق بركب الامتيازات التي انتزعتها الولايات المتحدة من الصين تحت الضغط أثناء الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

إن نجاح مهمة السيد بايدن المحلية ستكون عنصرًا مركزيًّا فيما يخص مكانة الولايات المتحدة ونفوذها في الخارج، ولا شك أن أي استراتيجية للسياسة الخارجية تساهم في تعزيز الاستقرار الجيوسياسي، ستتطلب اعترافًا واضحًا بأن النفوذ الأمريكي – الذي ربما تراجع لكنه لا يزال قويًا – سينتصر فقط في حال وجود تعاون مع القوى الصاعدة في آسيا، خاصة الصين، ولكن أيضًا الهند وإندونيسيا والأمريكيتين وأفريقيا فضلًا عن أوروبا.

في المجال الأمني، أصبحت المملكة المتحدة وسيطًا غير موثوق لانشغالها مع تداعيات طلاقها الفوضوي من أوروبا، وفقدت أستراليا طريقها في آسيا، ونتيجة لهذا بات ما يسمى تحالف “العيون الخمسة” مجرد إلهاء عن اللعبة الجيوسياسية الرئيسية التي يجب على الولايات المتحدة خوضها. إن تحالفات الولايات المتحدة الآسيوية لا تزال ثقلًا موازنًا للإكراه الدبلوماسي والاقتصادي الذي تمارسه الصين، لكن تلك التحالفات لا تعدّ المحرّك الرئيسي للتنافس بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة، ولنأخذ مثلًا إدارة السيد بايدن لأولوية التغيّر المناخي، حيث أشار الباحث “بول هير” مؤخرًا إلى أن “المسارات الاستراتيجية النسبية للولايات المتحدة والصين، ربما أعادت فكرة “التفوق الأمريكي” في شرق آسيا (وربما عالميًّا) إلى طيّات التاريخ، وهذا أمر ربما لم تدركه إدارة بايدن بعد، وربما لن تقرّ به علانية”.

على أقل تقدير، هناك أمل بأن تتبنى إدارة بايدن استراتيجية متجانسة في السياسة الخارجية تجاه حلفائها وشركائها، خلافًا لما فعله ترامب. بالإضافة إلى الصين، فإن نهج الولايات المتحدة تجاه الهند، وجنوب آسيا عمومًا، سيكون عنصرًا حاسمًا للاستقرار في آسيا. وبالرغم من تراجع الهند بسبب عدم انسجام استراتيجيتها الاقتصادية تحت حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وبسبب تأثير سوء إدارتها لفيروس كوفيد 19على الاقتصاد، الذي انكمش بشكل كبير أكثر من أي اقتصاد آخر، إلا أنها لا تزال دولة جيوسياسية متأرجحة مهمة للغاية.

في مقالة له هذا الأسبوع، يجادل “مايكل كوغيلمان” أنه بالرغم من أن سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن ستكون مختلفة للغاية عن سياسة الرئيس ترامب، غير أن “سياسة إدارته المحتملة تجاه جنوب آسيا ستكون حالة شاذة، ما يُعدُّ مثالًا نادرًا على استمرارية النهج الذي اتبعه ترامب”.

ويضيف كوغيلمان أن “بايدن تعهّد بإعادة القيادة الأمريكية للعالم، واحترام الدبلوماسية الدولية، وترميم تحالفات الولايات المتحدة والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج، كما ينوي بايدن إلغاء التغييرات الهائلة – والمؤذية من وجهة نظره – التي أجرتها إدارة ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية، بهدف إجراء إعادة ضبط شاملة للسياسة الخارجية”. لكن كوغيلمان يتابع أن السياسة تجاه جنوب آسيا ستكون حالة نادرة من الاستمرارية.  

سيدعم بايدن الشراكة الأمريكية – الهندية المتنامية بسرعة “والتي شهدت تقدمًا كبيرًا أثناء سنوات ترامب”. وهناك مصلحتان مشتركتان أساسيتان تدفعان هذه الشراكة؛ وهما محاربة الإرهاب ومواجهة الصين. ستشمل هذه الشراكة مواصلة العمل باتفاقية “المحيط الهندي – الهادئ الحر والمفتوح” واتفاقية “الحوار الأمني الرباعي” (المعروفة اختصارًا باسم كواد)، وذلك عبر إجراء تعديلات في اللغة المستخدمة في هاتين الاتفاقيتين. يدعم بايدن أيضًا، تمامًا مثل ترامب، الانسحاب من أفغانستان، وبالتالي ستعطي إدارة بايدن أولوية لإقامة علاقة عملية مع باكستان، تتمحور حول الاستعانة بإسلام أباد في دعم عملية السلام في أفغانستان، ويتطلب هذا دقة في إدارة الدبلوماسية تجاه نفوذ الصين المتنامي في جميع أنحاء شبه القارة الهندية، بما في ذلك علاقاتها مع باكستان.

يوضح “كوغيلمان” أن تشديد بايدن على الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان، يعني أن دول جنوب آسيا، من بينها الهند ودول أخرى غالبًا ما تتجاهلها الولايات المتحدة، ربما تكون موضع اهتمام بالنسبة للولايات المتحدة للأسباب الخاطئة.

إن التغير المناخي، وهو قضية ذات أولوية دولية لبايدن ويمثّل أيضا تهديدًا رئيسيًّا على جنوب آسيا، يقدّم فرصة لتعاون أقل توترًا بين الولايات المتحدة وجنوب آسيا، والمنطقة عمومًا، ويشمل هذا الصين.

ولا ينبغي أن تكون هناك سياسات تهيمن عليها روح المواجهة العنيفة والفردية، التي قد يكون محكوم عليها بالفشل، ضد الصين؛ بل ينبغي العودة إلى التعاون الدولي فيما يخص الاقتصاد العالمي والموارد المشتركة العالمية والأمن العالمي، والإقرار أن ما من قوة واحدة، سواء كان الصين أو الهند أو أوروبا، أو حتى الولايات المتحدة، ستكون قادرة على أن تدير الأمور بالكامل على هواها.   

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا