فاينانشيال تايمز | الرئيس الصيني ضد مؤسس علي بابا.. مستقبل غامض للأعمال الخاصة في الصين

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

تأتي الحملة ضد شركة علي بابا ومجموعة آنت التابعة لها لتمثل ضغطًا غير مسبوق على إمبراطورية التجارة الإلكترونية في جميع العالم.

فقبل أربع سنوات، عندما كان صندوق سوق المال الأول لمجموعة آنت يتسابق للوصول إلى ذروة بلغت قيمتها أكثر من 260 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة، بدأت العديد من البنوك الصينية المملوكة للدولة ومنظميها في الانفعال. ففي سلسلة من المكالمات والاجتماعات مع “جاك ما”، طالب مؤسس آنت جروب ومديرو البنوك والمسئولون التنظيميون بكبح صندوق “يو إي باو”.

يقول أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات: “كان يو إي باو يسحب الكثير من الأموال من البنوك، فازدادت مخاوف البنوك من تأثير ذلك على السيولة، وأرادت من آنت أن تتخذ تدابير لتقليل التأثير.. كانت المحادثات متوترة للغاية”.

في النهاية، اضطر “جاك ما” إلى التراجع، وفرض على “يو إي باو” سقفًا معينًا على المبلغ الذي يمكن للأشخاص إيداعه. وفي الفترة بين مارس وديسمبر 2018، تراجعت المبالغ التي يديرها بمقدار الثلث إلى 168 مليار دولار، وكنت قد بلغت 183 مليار دولار في سبتمبر الماضي.

وهذه المواجهة ستُثبت أنها مقدمة للمواجهة الكبرى التي حرّضت الحزب الشيوعي الصيني والرئيس “شي جين بينج” ليس فقط ضد مجموعة آنت، ولكن أيضًا ضد “علي بابا”، التي أسسها “جاك ما”. وقد تصبح المواجهة، التي أثارت تكهنات متفشية حول مكان وجود “جاك ما”، لحظة حاسمة لمستقبل الأعمال الخاصة في الصين في عهد الرئيس “شي جين بينج”.

في 24 ديسمبر، أعلنت هيئة تنظيم السوق في الصين أنها بدأت تحقيقًا لمكافحة الاحتكار فيما يتعلق بشركة “علي بابا” وأرسلت المحققين إلى مقرها الرئيسي في مدينة هانجتشو بشرق الصين، مسقط رأس “جاك ما”. جاء هذا الإعلان بعد أسبوعين فقط من إعلان المكتب السياسي للحزب أنه سيستهدف الشركات الاحتكارية لكبح جماح “التوسع غير المنضبط لرأس المال”.

وجاءت الحملة ضد “علي بابا” أيضًا بعد شهرين من قيام المنظمين الماليين بإلغاء طرح عام أولي مخطط لمجموعة آنت بقيمة 37 مليار دولار، والذي كان من الممكن أن يكون الأكبر في العالم.

وكل هذه الإجراءات مجتمعة ترقى إلى ضغوط غير مسبوقة على إمبراطورية تجارية تُعد خدماتها المنتشرة في جميع أنحاء العالم مركزية للاقتصاد الصيني الرائد عبر الإنترنت. وتقول مجموعة آنت إن تطبيق “علي باي” للدفع يستخدمه بانتظام 700 مليون شخص– أي ما يعادل نصف إجمالي عدد سكان الصين– فيما يتعامل 80 مليون تاجر من خلاله بمدفوعات بقيمة 118 تريليون رينمينبي (18.2 تريليون دولار) في السنة المالية الأخيرة للمجموعة.

وإثر هذه الحملة، تراجعت أسهم “علي بابا” بنحو 30% منذ بدء المواجهة الرقابية في أواخر أكتوبر؛ ما أدى إلى انخفاض كبير في صافي ثروة “جاك ما”، الذي لم يظهر علنًا منذ ذلك الحين. وخلال نفس الفترة، انخفضت ثروته من 62 مليار دولار إلى 49 مليار دولار، وفقًا لبيانات بلومبرج. فيما قدرت قائمة هورون للأثرياء في الصين أن “جاك ما” كان أغنى رجل في البلاد مؤخرًا في 20 أكتوبر، غير أنه سيحتل الآن المرتبة الرابعة، بينما حلَّ في المرتبة الأولى قطب المياه المعبأة “تشونج شانشان”.

ستكشف نتائج المواجهة الكثير عن نوع الاقتصاد الذي تطوره الصين، وإذا أصابت الجهات الرقابية مجموعة آنت وعلي بابا بالشلل – أو استهدف المحققون مؤسسها بصفة شخصية – فسيكون ذلك بمثابة لحظة تاريخية في علاقة الحزب المتقلبة مع القطاع الخاص في الصين، على الرغم من أن “جاك ما”، وللمفارقة، عضو في الحزب.

ومنذ إطلاق “دنج شياو بينج” حقبة “الإصلاح والانفتاح” قبل 40 عامًا، أصبح الحزب أكثر اعتمادًا على شركات القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وعائدات الضرائب. ولكن تمسك الحزب بالسيطرة، خاصة منذ وصول الرئيس “تشي” إلى السلطة منذ ما يقرب من عشر سنوات، أدى أيضًا إلى شن حملات قمع دورية على القطاع الخاص ورجال الأعمال البارزين.

ومع ذلك، هناك نتيجة محتملة أخرى من شأنها أن تشير إلى علاقة أقل توترًا بين دولة الحزب وقطاع الأعمال، ويمكن أن تؤدي التحقيقات في “آنت” و”علي بابا” إلى نوع من التسويات لا تختلف عن تلك المتبعة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد مجموعات التمويل والتكنولوجيا الكبيرة، وهذا من شأنه أن يؤثر ماليًّا على شركتي “جاك ما” الرائدتين، إلا أنهما بقيتا رائدتين ومربحتين على المستوى الوطني، وحتى ذلك الحين، كان يمكن إرسال رسالة سياسية قوية.

من جانبه، يقول “تشين لونج” من شركة بلنيوم الاستشارية في بكين: “لا يزال بإمكان أقطاب الإنترنت في الصين الاستمتاع بأعمال مزدهرة وثروات هائلة إذا تمكنوا من إقناع القيادة العليا بولائهم”، مضيفًا أن “القيادة العليا تريد التأكد من عدم تجاوز “جاك ما” أو أي شخص آخر الخط الأحمر لمحاولة ممارسة تأثير شخصي على سياسات الحكومة مرة أخرى، على الأقل ليس علنًا، وستدعمهم الحكومة بشرط أن يخدموا المصلحة الوطنية أولًا”.

ولم يظهر “جاك ما” علنًا منذ 24 أكتوبر الماضي، بعد أن ألقى خطابًا شهيرًا ينتقد البنوك المملوكة للدولة نفسها التي تصادم معها بشأن نمو صندوق “يو إي باو” السريع، بالإضافة إلى انتقاده للهيئات الرقابية التي قال إنها غالبًا ما تضحي بالابتكار على مذبح الاستقرار. ووفقًا للأشخاص المشاركين في الاجتماع، فإن الخطاب أغضب الرئيس شي؛ ما جعله يتخذ القرار النهائي بوقف الاكتتاب العام لشركة آنت.

وقد قال جاك ما: “الابتكار دون المخاطرة هو خنق الابتكار.. لا يوجد شيء اسمه ابتكار بلا مخاطر في العالم. في كثير من الأحيان، تكون محاولة تقليل المخاطر إلى الصفر هي الخطر الأكبر بحد ذاته”.

وأكد “وانج كيشان”، نائب الرئيس الصيني القوي وقيصر مكافحة الفساد السابق، في وقت سابق، على الأهمية القصوى لاستقرار النظام المالي، مشددًا على ضرورة بذل الجهود لمنع وتقليل المخاطر المالية… وقال وانج: “الأمن دائمًا ما يحتل المرتبة الأولى.. وبينما أدت التقنيات المالية الجديدة إلى تحسين الكفاءة وتوفير الراحة، فقد تم تصعيد المخاطر المالية.”

وفي انتقاد علني غير مسبوق لمجموعة “آنت” بعد شهرين، انتقد البنك المركزي الصيني في 26 ديسمبر الماضي، لكونها لا تهتم ملقًا بالمخاطر المالية واستغلالها للثغرات التنظيمية. ولكن على الرغم من الإحباط الذي يشعر به المراقبون تجاه آنت، لا يمكنهم تجاهل الآثار المفيدة للثورة المالية التي قادتها في الصين.

فمن جانبه، اعترف “بان قونج شنج”، نائب محافظ بنك الصين الشعبي، في تعليقاته الانتقادية لمجموعة آنت، قائلا: إنها “لعبت دورًا مبتكرًا في تطوير التكنولوجيا المالية وتحسين كفاءة وشمولية الخدمات المالية”. وأضاف أن البنك المركزي، في إشارة إلى رواد الأعمال المتوترين، كان أيضًا “ثابتًا” في التزامه “بحماية حقوق الملكية وتعزيز ريادة الأعمال”.

ويتمتع “جاك ما” منذ فترة طويلة بالدعم من المسئولين في مجلس الدولة، فضلًا عن هيئات الرقابة المالية الكبرى، التي تقدر مساهمات آنت و”علي بابا” ومنافسيها، الذين ساهموا جميعًا في تحويل اقتصاد الصين وجعلوا قطاع الخدمات عبر الإنترنت ذا ريادة عالمية. وعندما تم تأكيد وضعه كعضو في الحزب لأول مرة قبل عامين فقط، كان ذلك في سياق جائزة تلقاها من اللجنة المركزية للحزب “لجعل الصين لاعبًا رائدًا في التجارة الإلكترونية الدولية وتمويل الإنترنت والحوسبة السحابية”.

كانت خدمات التجارة الإلكترونية والدفع عبر الإنترنت من “علي بابا” وآنت أكثر أهمية في ذروة معركة الصين الناجحة لاحتواء فيروس كورونا، حيث قدمت خدمات أساسية لمئات الملايين من الأشخاص الذين علقوا في الإغلاق الصارم.

يقول “تشين لونج”: “هناك خطوط فكرية مختلفة داخل الهيئات التنظيمية.. حتى جاء خطاب جاك ما، كانت اليد العليا لمؤيدي النمو، غير أن “شي” اعتقد أن الخطاب كان متجاوزًا أكثر من اللازم، وتولت مجموعة ثانية [تجنب المخاطرة] زمام المبادرة. ولو لم يقل ما قاله، لكان كل شيء على ما يرام”.

ولم يكن الاختفاء من عادة “جاك ما”، الذي غاب أيضًا عن نهائيات نوفمبر لبرنامجه التلفزيوني الواقعي الأفريقي “أبطال الأعمال في أفريقيا”، كما أنه يقدّم بشكل روتيني عروضًا موسيقية متألقة في جميع مناسبات علي بابا، ويلتقي باستمرار مع رؤساء الدول وقادة الحكومات.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا