توماس فريدمان يكتب لنيويورك تايمز| أتمنى أن ينقسم الحزب الجمهوري حتى لا تنهار البلاد

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

عندما يتم الكشف عن جميع الحقائق المتعلقة بالهجوم الخائن على مبنى الكونجرس الأمريكي الذي حرّض عليه الرئيس ترامب، فإن مقاضاته ثلاث مرات لن تكون كافية. خذ على سبيل المثال ما كتبته صحيفة “واشنطن بوست” يوم الإثنين في عنوانها: “فيديو من الكونجرس يُظهر الغوغاء يجرون ضابط شرطة على السلالم..  وأحد المشاغبين يضرب الضابط بسارية العلم الأمريكي”.

بعد قولي هذا، بينما أريد خروج ترامب – ولا أمانع أن يتم إسكاته في مثل هذا الوقت العصيب – لست متأكدًا من أنني أريده بشكل دائم خارج تويتر وفيسبوك. هناك عمل مهم أريد أن يؤديه ترامب في فترة ما بعد الرئاسة، وأريده أن يكون لديه مكبرات صوت مناسبة للقيام بذلك، إنه تفجير الحزب الجمهوري.

أمنيتي الأولى لأمريكا اليوم هي أن ينقسم هذا الحزب الجمهوري، ليفصل الجمهوريين ذوي المبادئ عن معدومي المبدأ من أتباع ترامب، فذلك سيكون نعمة لأمريكا لسببين:

أولًا: لأنه يمكن أن ينهي بالفعل الجمود في الكونجرس ويمكّننا من القيام ببعض الأشياء الكبيرة في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية التي من شأنها أن تساعد جميع الأمريكيين، ليس أقلهم من هم في معسكر ترامب، ممن يتواجدون في صفه؛ لأنهم يشعرون بالتجاهل والإذلال.

إذا كان عدد قليل من الجمهوريين من يمين الوسط – مثل “ميت رومني” و”ليزا موركوفسكي” – قد تخلوا عن هذا الحزب الجمهوري، أو كانوا ببساطة على استعداد للعمل مع فريق بايدن من يسار الوسط، ومجموعة تعزيز التعاون بين الحزبين في مجلس النواب، والأعضاء ذوي التفكير المماثل في مجلس الشيوخ، سيصبحون أقوى من أي وقت مضى، وهذه هي الطريقة التي نبدأ بها في تخفيف حدة الجنون الذي تعاني منه أمتنا، لإعادتنا إلى رؤية بعضنا البعض رفاقًا لا أعداء.

ثانيًا: إذا انفصل الجمهوريون ذوو المبادئ عن طائفة ترامب، فإن الحزب الجمهوري المؤيد لترامب سيواجه صعوبة بالغة في الفوز بالانتخابات الوطنية في أي وقت قريب، وبالنظر إلى ما رأيناه حاليًّا، لا يمكن الوثوق مطلقًا بسلطة هؤلاء الأبواق مرة أخرى.

لنفكر فيما فعلوه، حيث إن كل هؤلاء المشرعين من طائفة ترامب روّجوا لكذبة ترامب الكبرى طواعية، وكم كانت كبيرة، حيث أجرى ترامب أكثر الانتخابات بطولية في التاريخ الأمريكي– وهي انتخابات صوّت فيها عدد ضخم من الأمريكيين أكثر من أي وقت مضى، وبكل حرية ونزاهة في خضم جائحة مميتة – وادعى أنها كانت كلها عملية احتيال، لأنه لم يفز بها. وبعد ذلك، وعلى أساس تلك الكذبة الكبيرة، صوت ثمانية أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ و139 من أعضاء مجلس النواب لإبطال فوز “جو بايدن” في الانتخابات.. يا له من أمر مقزز!

لهذا آمل أن ينقسم الحزب. وهذا هو السبب الذي يجعل من ترامب مفيدًا جدًا في انهياره.

ما الذي كان يحلم به السيناتور “جوش هاولي” و”تيد كروز” عندما تواطآ للخيانة الكاملة وحاولا إقناع الكونجرس بعدم الاعتراف بفوز بايدن على أساس تلك الكذبة الكبرى؟ لقد كانا يحلمان بعالم من الترامبية بدون ترامب. لقد ظنَّا أنهما إذا قاما بذلك الآن، فبمجرد رحيل ترامب ستكون قاعدته لهما.

إن هاولي وكروز متعطشان للسلطة لدرجة أنهما سيحرقان أمريكا عن بكرة أبيها، إذا اعتقدا أنهما سيصبحان “رئيسًا” من رمادها. ولكنهما أحمقان! كما أوضح ترامب وأبناؤه في المسيرة التي حرّضت بعض مؤيديه لنهب مبنى الكونجرس، إذ إن الترامبيون مهتمون فقط بالترامبية في ظل وجود ترامب.

أو كما أوضح نجل “دونالد ترامب” للمشاغبين (الذين وصفتهم إيفانكا بـ”الوطنيين”)، فإن الحزب الجمهوري بحاجة إلى صحوة؛ حيث قال ترامب الصغير إن كل هؤلاء الجمهوريين في الكونجرس “لم يفعلوا شيئًا لوقف السرقة.. هذا التجمع يجب أن يبعث برسالة لهم.. هذا ليس حزبهم الجمهوري بعد الآن. هذا حزب دونالد ترامب الجمهوري، وهو الذي سيضع أمريكا أولًا”.

هذا رائع، لتخبرهم بذلك يا دوني. فكلما اشتد إصرارك على ذلك سيتعين على الجمهوريين أصحاب المبادئ أن يغادروا. وبما أن استطلاع “كوينيبياك” الأخير كشف أن أكثر من 70% من الجمهوريين ما زالوا يدعمون ترامب، يمكنك أن تتيقن من أنه سيواصل الإصرار على أنه حزبه وسيستمر في قول أشياء حقيرة ستشكل اختبارات ولاء يومية لجميع المشرعين الجمهوريين؛ ما يجبرهم على الإجابة بالنفي أم الإيجاب، وهو ما سيكون ضغطًا هائلًا.

شاهد مقطع الفيديو لما حدث عندما التقى بعض أتباع ترامب بالسيناتور “ليندسي جراهام” في مطار ريجان الوطني بعد أحداث الشغب الأسبوع الماضي. لقد سبوه بلا رحمة ووصفوه بأنه “خائن” لأنه كان يخبرهم لأسابيع أن فوز بايدن ليس شرعيًّا، وبعد اقتحام مبنى الكونجرس، أعلن أن فوزه شرعيٌّ، وقد استعان جراهام بالشرطة لحمايته.

كما قال ترامب الابن لجراهام: “ألم تحصل على المذكرة؟ لقد وضعت عائلة ترامب اسمها على كل ما نملكه. لم يعد اسمه الحزب الجمهوري، إنه حزب ترامب الجمهوري. لقد بعت لنا روحك. لا يمكنك استعادتها الآن من سماسرة الرهونات. ما زلنا نمتلك القاعدة؛ ما يعني أننا ما زلنا نملكك”.

ولذلك فإن هذا هو الوقت المناسب لاختيار الجمهوريين، فالطريق القديم – “لن أسمح أبدًا لترامب بتدريب فريق دوري الصغار، لكني أحب التخفيضات الضريبية، وسياسات إسرائيل، والقضاة أو تأييد الإجهاض” – لن يفلح بعد الآن، لقد ذهب ترامب بعيدًا، ولكن القاعدة لا تزال معه.

لذا فالحزب هو حقًّا حزبه، وسيتعين على كل جمهوري أن يسأل نفسه: هل ما زال الحزب ملكي أنا أيضًا؟

وإذا نظرت عن كثب، ستجد في الواقع أربعة فصائل مختلفة داخل الحزب الجمهوري: المحافظون المتمسكون بالمبادئ، والمحافظون التكتيكيون الساخرون، والمحافظون معدومو المبادئ، وأتباع ترامب. ففي معسكر المحافظين ذوي المبادئ، كنت أضع رومني وموركوفسكي، إنهم واضعو فكرة “أمريكا أولًا” الحقيقيون، ففي حين أنهم تحركوا بالأفكار المحافظة حول الحكومة الصغيرة والأسواق الحرة، فقد وضعوا الدولة والدستور قبل الحزب والأيديولوجية.. إنهم ملتزمون بالقواعد.

أما في المعسكر المحافظ التكتيكي الساخر، والذي يمكنك تسميته معسكر “ميتش ماكونيل”، كنت أضع كل أولئك الذين حاولوا مسايرة ترامب لفترة من الوقت – ومن ذلك مواكبة رفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات حتى “تم فرز جميع الأصوات القانونية” – ولكن بمجرد أن أعلن عن صحيح الأصوات في الهيئات الانتخابية بكل ولاية، انحازت إلى العالم القائم على الواقع، مؤكدةً فوز بايدن، وكان بعضهم أسرع من الآخرين.

وهؤلاء قال عنهم خبير استطلاعات الرأي “كريج تشارني”: “أسميهم “بائعي القواعد”.. إنهم مستعدون لخرق القواعد ولكنهم لا يخالفونها”. أما في معسكر الجمهوريين غير الملتزمين بالمبادئ – “كاسري القواعد” بلغة تشارني – فهؤلاء يقودهم “هولي” و”كروز”، جنبًا إلى جنب مع أعضاء مجلس الشيوخ والممثلين الآخرين المثيرين للفتنة الذين حاولوا إقناع الكونجرس بعرقلة تأكيد فوز بايدن.

وأخيرًا، هناك أتباع ترامب المتشددون وأنصار نظيرة المؤامرة “كيو أنون”، فهؤلاء مؤمنون حقيقيون وملتزمون بالكذبة الكبرى. إنني لا أعرف كيف تظل هذه المعسكرات الأربعة متماسكة معًا، ورغم ذلك فإنني آمل ألا يظلوا كذلك من أجل أمريكا.

ولكن الديمقراطيين سيكون لهم رأي في هذا أيضًا. هذه هي أفضل فرصة لهم منذ سنوات للحصول على بعض الدعم من الجمهوريين من يمين الوسط، فقط عليهم أن يكونوا أذكياء، وليمنعوا شعار “أوقفوا تمويل الشرطة”، ولنتحدث بدلًا من ذلك عن “ضبط الأمن بشكل أفضل”، والذي يمكن أن يتجاهلها الجميع. وبدلًا من الحديث عن “الاشتراكية الديمقراطية”، لنتحدث عن “رأسمالية أكثر عدلاً وشمولية”. وقلل من حدة ثقافة الإلغاء الصحيحة سياسيًّا في حرم الجامعات وفي نشرات الأخبار، وعلى الرغم من أنها ليست بعيدة عن أولئك الذين يحاولون إلغاء انتخابات كاملة، إلا أنها لا تزال مزعجة.

أعلم أنه الوضع يبدو مظلمًا حقيقيًّا الآن. ولكن إذا نظرت إلى مجلس الوزراء المتنوع عالي الجودة من يسار الوسط الذي جمعه بايدن والجمهوريين ذوي المبادئ من يمين الوسط الذين يتطلعون إلى حل المشكلات، وليس جنود ترامب، فربما لا يكون هذا الضوء في نهاية النفق قطارًا قادمًا ليطيح بنا بعد كل شيء.

للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا