ناشيونال إنترست | رفع السرية عن استراتيجية ترامب لمنطقة المحيط الهندي – الهادئ

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

رفعت الحكومة الأمريكية السرية عن واحدة من أكثر وثائق الأمن القومي حساسية – إطار العمل الاستراتيجي لمنطقة المحيط الهندي-الهادئ 2018، التي كانت مصنفة سرية رسميًّا ولا يحق للمواطنين الأجانب الاطّلاع عليها.

نُشر النص الكامل، باستثناء بعض التنقيحات البسيطة، في 12 يناير، بعد الإذن بنشره في 5 يناير قبيل الفوضى في واشنطن.

إن تبعات الهجوم المحلي المخزي على مبنى الكابيتول الأمريكي سوف تغطي على نشر هذه الوثيقة في نشرات الأخبار، لكن بالنسبة إلى المراقبين المهتمين بالأمن المستقبلي للعالم خارج الأراضي الأمريكية، فإنها تحظى باهتمام طويل الأمد وتستحق القراءة الدقيقة.

قبل وقت طويل من جدال المؤرخين حول إرث إدارة ترامب في هذه المنطقة الحيوية، تقدم هذه الخطوة الاستثنائية برفع السرية قبل موعدها – لم يكن من المقرر نشر النص قبل 2043 – وضوحًا رسميًّا للسجل العام.

إن الخبر المطمئن قليلًا هو أنه خلف عدم إمكانية التنبؤ بالرئيس دونالد ترامب، وغروره ونزعته الأحادية، كان خبراء السياسة يجاهدون من أجل تعزيز أجندة أكثر جدية وترابطًا.     

كانت هناك خطة في النهاية، رغم أن تطبيقها كان غير مكتمل ولا يحظى بموارد كافية.

يعود إطار العمل ومذكرة مجلس الوزراء إلى فبراير 2018، عندما كانت ملامح الخصومة الاستراتيجية في منطقة المحيط الهندي-الهادئ تتشكل سريعًا.

وعلى الرغم من أن النص ينطوي على مفاوضات بين الوكالات، تُعد تلك وثائق خاصة بالبيت الأبيض/مجلس الأمن القومي. يمكن عزو المؤلف الأصلي إلى مستشار الأمن القومي حينها، ماكماستر، وتحديدًا، إلى مدير شئون آسيا في مجلس الأمن القومي حينها ونائب مستشار الأمن القومي لاحقًا، مات بوتينجر، الذي كان من ضمن المسئولين الذين استقالوا الأسبوع الماضي عقب اعتداء الغوغاء على الهيئة التشريعية الأمريكية.

في مذكرة توضيحية لنصيحته برفع السرية عن إطار العمل، يؤكد مستشار الأمن القومي المنتهية مدته روبرت أوبراين أن الاستراتيجية كانت تدور حول السعي لضمان أن “حلفاءنا وشركاءنا … يستطيعون حفظ وحماية سيادتهم”.

هذا يؤكد أن السياسة الاستراتيجية الأمريكية في منطقة المحيط الهندي – الهادئ كانت إلى حد كبير تسترشد وتُدفع بالحلفاء والشركاء، لا سيما اليابان، وأستراليا والهند.

في الواقع، تُعد واحدة من أوضح نجاحات الاستراتيجة هي تحقيق هدف “إقامة إطار عمل أمني رباعي حيث تكون الهند، واليابان، وأستراليا والولايات المتحدة محاوره الرئيسية.”

يحمل إطار العمل الأمريكي بصمات ليس فقط استراتيجية الأمن القومي لواشنطن ديسمبر 2017، بل أيضًا سياسة “منطقة الهندي-الهادئ الحرة والمفتوحة” لطوكيو 2016 ومبادرات كانبرا 2017، أبرزها ورقة السياسة الخارجية البيضاء لحكومة تورنبول وتحركها المبكر ضد التدخل والتجسس الصيني.

يلاحظ أوبراين هذا التقارب الناشئ، والأساس المشترك بين سياسات المحيط الهندي-الهادئ للولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، واليابان، ودول آسيان، وبعض الشركاء الأوروبيين الرئيسيين، وعلى نحو متزايد، كوريا الجنوبية، ونيوزيلندا وتايوان. هذا الإجماع الناشئ يُكذّب الادعاء الصيني بأن منطقة المحيط الهندي – الهادئ هي مجرد اختراع أمريكي أو أسترالي والذي “سيتبدد مثل زبد المحيط”.

ودون قول هذا، تبدو الاستراتيجية المرفوعة عنها السرية وأنها تعترف بأن السياسة الإقليمية الأمريكية الفعالة تدور حول الاتباع بقدر ما تدور حول القيادة. هذا يعني دعمًا مستمرًا للحلفاء والشركاء، بدلًا من السعي وراء نوع من السيادة الأمريكية الشاملة المهزوزة.

يتضح أيضًا أن النهج العام للمسئولين الأمريكيين حول احترام القانون الدولي، وتعددية الأطراف الإقليمية (مثل المؤسسات الدبلوماسية المتمركزة حول آسيان) والمساواة السيادية للدول لم تكن مجرد لغة خطابية: كان هذا هو ما يخبرونه لأنفسهم أيضًا.

سوف يجد المراقبون الجيوسياسيون حول العالم، من الدبلوماسيين إلى محللي المخابرات، ومن رجال السياسة إلى رجال الأعمال، ومن الصحفيين إلى الباحثين، الكثير من الأمور الأخرى لكشفها وتفسيرها. هناك الكثير للكتابة والجدل عنه في كل سطر تقريبًا من الوثيقة المكونة من 10 صفحات.

على النقيض من المخاوف بأن إدارة ترامب كانت تميل إلى سياسة خارجية عسكرية وذات بُعد واحد، كان هناك إدراك واضح للحاجة إلى مشاركة شمولية من أجل تعزيز الحلفاء ومواجهة الصين، عبر الطيف الكامل من العمليات المعلوماتية إلى أبحاث التكنولوجيا المتقدمة واستثمارات البنية التحتية.

وما إذا كانت أمريكا تمتلك القدرة، والتنسيق والإرادة للمتابعة في مثل هذه الاستراتيجية الكلية هو سؤال آخر. إن نقطة قوة الخطة هي أيضًا نقطة ضعفها. لقد كانت جهدًا لرسم الافتراضات التحليلية، والغايات النهائية المفضلة، والأهداف والإجراءات، تاركة إياها مفتوحة للنقد بأنها طموحة بشكل مفرط لكنها تتجاهل بعض الأشياء.

على سبيل المثال، تفتر الوثيقة لتوقع تحدي النفوذ الصيني في جنوب المحيط الهادئ، وهي إشارة إلى أن نشاط كانبرا هناك مبادرة أسترالية، وليست مناورة لإرضاء أمريكا.

تكشف القراءة الناقدة بعض الفجوات الصارخة بين النية والواقع. على سبيل المثال، نرى تطلعًا لتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية من أجل الضغط على كوريا الشمالية، لكن دون أي فكرة عن كيفية فعل هذا.

في بعض الأحيان كان المعيار عاليًا جدًا لدرجة أن الفشل كان شبه مؤكد. كانت هناك جوانب حيث كانت طموحات أمريكا المعلنة بشكل سري – للسيادة المستمرة، ونزع السلاح النووي الكوري الشمالي، والإجماع الدولي ضد الممارسات الاقتصادية الضارة للصين – تتعارض مع الممكن.

عند النظر للأمور بعد حدوثها، فشلت هذه الرؤية الجريئة للسياسة الخارجية الأمريكية في الأخذ في الحسبان الانقسام الداخلي والخلل الوظيفي الذين يعيقون قدرة أمريكا على تعزيز مصالحها بالخارج.

في الوقت نفسه، على الرغم من أنه لم يتوقع صدمة مهولة مثل كوفيد-19، فإن تحذيرات إطار العمل من الجزم الصيني والاستبدادية التوسعية للحزب الشيوعي الصيني بقيادة شي جين بينج أثبتت كونها تنبؤية. لقد أكدتها الأحداث، من جيوسياسة الجائحة و”دبلوماسية” الذئب المحارب إلى سحق هونج كونج، وترهيب تايوان، والاشتباكات العنيفة مع الهند واستخدام القسر ضد أستراليا.

بالطبع، سوف يثير القرار بنشر هذه الوثيقة التاريخية الآن التكهنات حول الدافع وراء هذا.

من ناحية، إنه إجراء جوهري يتسم بالشفافية، يهدف بشكل جزئي إلى طمأنة الحلفاء والشركاء بأن أمريكا، مهما كانت متاعبها، تخطط لمضاعفة جهودها في منطقة المحيط الهندي – الهادئ.

كان هناك الكثير من الجدل الداخلي قبيل القرار بنشر الوثيقة، لكن على الأرجح تم الحكم بأن أي خطر على مصالح أمريكا من إظهار نواياها، مثل الاعتراف الصريح بضرورة تعزيز الهند كثقل موازن للصين، ستفوقه المنافع ونموذج الانفتاح.

هذا يحد من عذر سوء التقدير، ويجعل الفجوة بين ما تقوله بكين وما تفعله واضحة بشكل صارخ.

توجد تصريحات فظة عن نية “الدفاع عن دول سلسلة الجزر الأولى، ومن ضمنها تايوان”، و”حرمان الصين من الهيمنة الجوية والبحرية المستدامة” داخل سلسلة الجزر الأولى، ومواصلة الهيمنة على “كل المجالات خارج سلسلة الجزر الأولى”.

وهكذا، هذه ليست استراتيجية للاحتواء الكامل الذي يمتد عبر المجال الاقتصادي، ولا تبدو وأنها تتوقع وتيرة أو حجم الانفصال منذ اتباعها من بكين وواشنطن.    

إن اللغة دفاعية في أكثر الأحيان: ليس لقطع العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، ولكن لـ”منع السياسات الصناعية والممارسات التجارية غير النزيهة للصين من تشويه الأسواق العالمية والإضرار بالتنافسية الأمريكية”. لا يزال هناك إقرار بالحاجة لـ”التعاون مع الصين عندما يكون هذا مفيدًا لمصالح الولايات المتحدة”، على الرغم من أن هذا مبهم إلى الحد الذي يجعله من المنطقي لإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن أن تجد بعض التفصيلات المبكرة للتجارب الحذرة في الشراكة.

ربما يقول المراقبون المتشككون إن نشر الاستراتيجية الآن، وسط الانتقال المضطرب، هي مناورة واضحة لاستمرار السياسة. هذا في ضوء المخاوف من أن إدارة بايدن ربما لن تلتزم بتحدي مسعى الصين للهيمنة – أو بفكرة منطقة المحيط الهندي – الهادئ، على الأقل في بديلها “الحر والمفتوح”، كصيحة استنفار للتضامن الإقليمي ضد القوة الصينية القسرية.

لكنه ليس شيئًا سيئًا بالتأكيد أن نستخلص الإنجازات القليلة لعصر قاتم في السياسة الخارجية الأمريكية، مع وضع بعض العلامات للإدارة القادمة.

في الواقع، لو كانت النية منذ البداية هي مضاعفة الفاعلية الأمريكية عن طريق احترام وتوحيد الحلفاء، كان التطور الشامل لاستراتيجية المحيط الهندي – الهادئ 2018 سيحصل على فرصة للنجاح تحت حكم بايدن أفضل من فرصته تحت ولاية ثانية لترامب.

توضح الوثيقة أسس ما أصبح في الكونجرس موقفًا من الحزبين حول منافسة تأكيد القوة الجيوسياسية للصين، ودعم الحلفاء والشركاء، وحماية المصالح الأمريكية عبر المجالات التي تترواح من الجيش والتكنولوجيا إلى الجيواقتصاد والمعلومات والنفوذ.

إن إطار العمل المرفوع عنه السرية له قيمة دائمة كبداية لمخطط أولي حكومي للتعامل مع الخصومة الاستراتيجية مع الصين، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن المنافسة طويلة الأمد، لن تكون قادرة على الاختيار بين تنظيم شئونها على الصعيد الداخلي واستعراض قوتها في منطقة المحيط الهندي – الهادئ. سوف تحتاج لفعل الأمرين في وقت واحد.

ومثلما ذكرت في كتابي الذي يشرح مفهوم الهندي – الهادئ، لا تستطيع أمريكا التنافس بفاعلية مع الصين إذا سمحت لبكين بالهيمنة على هذه المنطقة الواسعة، التي تُعد مركز الجاذبية الاقتصادي والاستراتيجي في عالم متصل.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا