نيويورك تايمز| شجاعة أليكسي نافالني الفائقة في العودة إلى روسيا

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

كان المعارض الروسي “أليكسي نافالني” يدرك جيدًا أنه سيُقبض عليه بمجرد أن تطأ أقدامه الأراضي الروسية، ولم يكن لديه أوهام بشأن ما يمكن أن يعنيه هذا.

فقد ظل نافالني خارج البلاد منذ أغسطس الماضي؛ لأن أعوان الرئيس “فلاديمير بوتين” الحمقى سمّموه، وفشلوا في قتله؛ لأن الطيار حوّل رحلته إلى أومسك، حيث أنقذه الأطباء، وظل على قيد الحياة حتى نُقل إلى ألمانيا. ومن المفارقات أن رحلته غيرت مسارها مرة أخرى يوم الأحد الماضي، ولكن هذه المرة على يد السلطات الروسية التي تخوفت من التجمع الترحيبي في مطار موسكو حيث كان من المفترض أن تهبط رحلته.

كان نافالني يعلم أنه سيُعتقل لأنه اعتُقل عدة مرات من قبل، فالقمع هو الطريقة الوحيدة التي يعرفها بوتين. غير أنه يتعلم أيضًا أن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن كل اعتقال بتهمة ملفقة يزيد من أتباع نافالني، ويؤكد اتهامه بفساد حكام روسيا.

كان نافالني يعرف ما ينتظره، لأنه يعرف كما كان المنشقون عن الحقبة السوفيتية يعرفون أن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع نظام فاسد واستبدادي الالتزام به هو الحقيقة. ففي مطار “شيريميتيفو” بموسكو، تعرض لضغوط من ضباط الشرطة الذين هددوا باستخدام القوة إذا خالف أوامرهم، وقبل أن يقبّل زوجته وداعًا، قال نافالني لمؤيديه: “انا لست خائفًا.. أعلم أنني على حق.. جميع القضايا الجنائية ضدي ملفقة”.

كانت التهمة المستخدمة للقبض عليه هي انتهاكه لشروط حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صدر بحقه بتهمة زائفة بحصول “احتيال واسع النطاق” في عام 2014. وأنه لم يلتزم بالتوجه مرتين في الشهر على الأقل إلى إدارة السجون، حسبما أعلنت إدارة السجون الفيدرالية الروسية، التي تجاهلت أنه كان يتعافى من محاولة اغتيال دبرتها الحكومة، تمامًا مثلما تجاهلت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة أخبار عودته واعتقاله.

ورغم ذلك فإن الروس يعرفون، فقد منحت الإنترنت نافالني، البالغ من العمر 44 عامًا، منصة لم يتمكن بوتين وشرطته السياسية من إسكاتها. فقد شوهدت مقاطع الفيديو الشهيرة ملايين المرات، إذ اتسمت بشدة اللهجة وروح الدعابة في كثير من الأحيان، والتي تسخر من “المحتالين واللصوص” من النخبة، وتطرّق بشكل متزايد إلى استياء متزايد بين الروس من الفساد الفظيع والاقتصاد الراكد. وعلى الرغم من منعه كثيرًا من تحدي بوتين مباشرةً في الانتخابات، فقد شن نافالني وأنصاره في جميع أنحاء روسيا حملة للفوز بمقاعد في المجالس المحلية والإقليمية، مع قدر غير متوقع من النجاح.

وأخيرًا، في أغسطس، جاءت المحاولة الشائنة لاغتيال نافالني، إذْ تسمّم في رحلة إلى سيبيريا، وبالكاد نجا منها، إلا أن الضغط الدولي هو الذي أجبر السلطات على السماح بنقله إلى ألمانيا، وهناك، اكتشف أنه تسمم بمادة “نوفيتشوك”، وهو غاز أعصاب من الفئة العسكرية طوّرته روسيا خلال سنوات الاتحاد السوفيتي، واستخدم بشكل سيئ السمعة في محاولة لاغتيال عميل مزدوج روسي سابق في بريطانيا.

وبعد ذلك جرى الكشف عن المزيد، ففي ديسمبر، استخدم باحثون مستقلون سجلات هاتفية مسربة لإظهار أن العملاء الروس قد تعقبوا نافالني في رحلته المصيرية إلى سيبيريا، وأجرى نافالني نفسه مكالمة هاتفية مع أحدهم متظاهرًا بأنه مسئول أمني رفيع ليستخرج ما يرقى إلى اعتراف مفصل.

وبطبيعة الحال، رفض بوتين الأدلة، متهمًا نافالني بالعمل لدى وكالات الاستخبارات الأمريكية، وقال ردًّا على الصحافيين – بابتسامة متكلفة– إن عملاء الاستخبارات الرويسية لو أرادوا قتله “لكانوا قد أنهوا مهمتهم”، إلا أنهم لم يفعلوا، ونجحوا بدلًا من ذلك في تحويل شخص مزعج تافه إلى بطل عالمي.

وإذا قرر بوتين سجن نافالني، فسيكون لديه سجين سياسي مشهور، أما إذا أطلق سراحه، فسيظهر ضعيفًا أمام مساعديه وأتباعه، ويتعرض لهجوم مستمر من المعارضة بقيادة نافالني. ولكن الخيار الأقل احتمالًا لأن يدرسه السيد بوتين، هو مواجهة نافالني بصراحة ونزاهة في صناديق الاقتراع، وعلى سبيل المثال في الانتخابات البرلمانية التي تلوح في الأفق والمقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا