الصحافة الفرنسية|جدل جديد حول قانونَي الانفصالية والأمن الشامل.. والإمارات نموذج في مواجهة التطرف

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

مشروع مكافحة الانفصالية.. وهجوم اليمين على قضية الحجاب

مع اقتراب موعد الجلسات العامة لمشروع قانون مكافحة الانفصالية داخل الجمعية الوطنية، يحتل هذا القانون المثير للجدل حصة كبيرة من المناقشات العامة في فرنسا، حيث استعرضت صحيفة “لاكروا” مستقبل المناقشات حول هذا المشروع المهم، وجرى اقتراح 1682 تعديلًا بعد أسبوع واحد من العمل عليه. وبينما يُصرُّ اليمين على التطرق إلى قضية الحجاب، فإن الأغلبية ستبذل قصارى جهدها حتى لا تذهب الأمور بعيدًا عن هذا المشروع.

ورغم بلوغ التعديلات لأكثر من 1600 مقترح تعديل، تستطيع الأغلبية الآن التقاط أنفساها لخشيتهم الأسوأ؛ فالمشروع بدأ يتبلور ليكون أحد الإصلاحات الرئيسية لفترة ماكرون الرئاسية. وبعد أسبوع الإحماء الأول المخصص لجلسات الاستماع، ستبدأ اللجنة المختصة، والتي تضم ما لا يقل عن 70 نائبًا، فحص 51 مادة من نص القانون.

وحتى لو كان هناك الكثير من التعديلات، لكنها لم تكن متتالية بشكل يؤدي إلى إغراق المناقشات، ويبدو أن المعارضة اليسارية غير مستعدة للعب دور السبق في جولة التعديلات، فحزب “فرنسا الأبية” اليساري تقدَّم بمائة تعديل فقط.

ما يقرب من 600 تعديل قدّمها اليمين

ومن ناحية أخرى، ضرب اليمين بقوة مع ما يقرب من 600 تعديل مقترح تهدف بشكل خاص إلى تعزيز الحرب ضد الإسلامويين، وهي القضية التي يعتبرها هذا التيار مخففة للغاية في خطة الحكومة. ويجب القول إن هذا القانون يهدف إلى تعزيز احترام مبادئ الجمهورية حيث يمس العديد من الموضوعات الحساسة، مثل قانون 1905، وحرية تكوين الجمعيات وحرية التعليم، والكراهية عبر الإنترنت وتعدد الزوجات.

وإذا توافقت القوى المعارضة على الهدف من النص، فسيشجبون النطاق الضيق جدًا لمشروع القانون، حيث يريد الحزب الاشتراكي توسيعه ليشمل قضية التنوع الاجتماعي في المدرسة. يقول النائب بوريس فالو، المتحدث باسم الحزب الاشتراكي: “تعني محاربة الانفصالية الكفاح من أجل تحقيق التنوع الاجتماعي في المدرسة”. ومن جانبه، ينوي اليمين، فتح النقاش حول الهجرة، التي تُعدّ، وفقًا للنائبة الجمهورية آني جينيفارد، “أحد مصادر الانفصالية الإسلاموية”.

وخلال الأسبوع الأول من الجلسات التي تحدث خلالها ممثلو الحكومة والطوائف الدينية والمسئولون المحليون المنتخبون والخبراء، لم نكن نسمع أي معارضة كبيرة على هذا النص الواقعي والتقني للغاية؛ فكل شيء جرى تخطيطه بالمليمتر.

قضية الحجاب قد تتسبب في انزلاق المناقشات

لكن العمل الجاد بدأ وقد يأخذ الفحص منعطفًا أكثر إثارة للجدل مع مسألة الحجاب التي تفرض نفسها وتتسبب بالانقسام حتى داخل الأغلبية. فمن جانبه، قدم فرانسوا كورمييه بوليجون، النائب عن حزب الجمهورية إلى الأمام، تعديلًا لتوسيع واجب حيادية موظفي الخدمة المدنية ليشمل جميع موظفي الخدمة العامة، لا سيما الأمهات المحجبات من مرافقات الرحلات المدرسية، كما وقّع نائبان آخران من حزب الجمهورية إلى الأمام الحاكم، وهما أورور بيرجيه وجان باتيست مورو، على مقال يهدف إلى حظر “ارتداء القُصّر لأي علامة دينية واضحة في الأماكن العامة”.

تأطير جان كاستيكس

ومع ذلك، تتمتع مبادرات المعارضة بفرص ضئيلة للنجاح، حيث وجه إيمانويل ماكرون خلال اجتماع لمجلس الوزراء، بعدم صرف النظر عن قضية الإصلاح، التي هي محاربة الانفصالية. وبعد ذلك بوقت قصير، دعا رئيس الوزراء جان كاستكس إلى اجتماع تأطير مع المقررين السبعة لمشروع القانون، والوزراء المعنيين، ورؤساء أحزاب كتلة الأغلبية. وأوضح أحد الأصوات القوية داخل كتلة الأغلبية أن “هناك نقاشًا يدور حاليًا داخل الكتلة، لكن هناك تعليمات واضحة بعدم الدخول في هذا النص من خلال قضية الحجاب لكيلا نجازف بضياع الهدف، ونتسبب بإحداث انسحاب طائفي”.

لكن اليمين لا ينوي ترك الأغلبية وشأنها؛ حيث يؤكد هذا التيار بلا خجل رغبته في المضي قدمًا من خلال طرح قضية ارتداء الأهل والأمهات المرافقات للرحلات المدرسية والطالبات في الجامعة للحجاب، حتى في جميع “أماكن الخدمة العامة” كالقاعات، والمرافق الرياضية، وما إلى ذلك. ومن جانبه، دعا العمدة الجمهوري، فرانسو باريون البرلمانيين إلى “عدم الخوف من الذهاب بعيدًا في هذا الموضوع”، كما تُصرُّ آني جينيفارد، رئيسة المجلس الوطني للجمهوريين، على أن “النمو المتسارع للحجاب في فرنسا هو موضوع يجب على المشرع التطرق إليه”.

لكن هذا الهجوم على قضية الرموز الدينية لا يُقلق النائب فلوران بوديه، المقرر العام لنص القانون، حتى لو أعلن عن التزامه الحذر بهذا الصدد. حيث قال: “أنا لست ساذجًا، فيمكن للأمور أن تتوتر باللجنة وخاصة خلال الجلسة”. ومن المقرر أن ينتهي فحص اللجنة للنص في 23 يناير، وبعد استراحة لمدة أسبوع، من المتوقع أن يجري مناقشة النص في الجلسات المفتوحة بداية من 1 فبراير المقبل.

المغرب والإمارات.. حليفان في الكفاح ضد الإسلاموية

تطرقت صحيفة “ماريان” إلى الدول الصديقة لفرنسا التي تشاركها مكافحة الإسلاموية، حيث يعتقد الجنرال دومينيك ترينكواند، الرئيس السابق للبعثة العسكرية لدى الأمم المتحدة، أنه يجدر بالدول الحليفة أن تكافح ضد التطرف.

وبمناسبة الاحتفال بمرور 150 عامًا على إعلان الجمهورية، صرح الرئيس ماكرون متحدثًا عن التحدي الذي يمثله المشروع الجمهوري: “الجمهورية عبارة عن إرادة لا تنتهي أبدًا، ويجب دائمًا اقتحامها”. وبهذه الكلمات أيضًا، قدّم الرئيس الفرنسي مشروع قانون يعزّز احترام المبادئ الجمهورية، والذي سيتم مناقشته قريبًا في الجمعية الوطنية.

فرنسا تواجه الإسلاموية

الديمقراطية، ودولة القانون، والعلمانية.. هذه المبادئ الثلاثة التي تعزّز المجتمع الفرنسي وتغذي عقده الاجتماعي باتت موضوع نضال مستمر، ويجب إعادة التأكيد عليها بلا كلل، ويدل على ذلك النقاشات المحتدمة حول قانون الأمن الشامل والقانون الذي يؤكد احترام المبادئ الجمهورية اللذين يتسببان في زعزعة تصورات البعض عن القانون والمدينة.

واليوم بات تماسك المجتمع الفرنسي يتعرض للتهديد، شأنه في ذلك شأن جميع المجتمعات الأوروبية الأخرى، وأحد الأسباب وراء هذا التهديد هو الانفصالية وغيرها من الشرور الأخرى، وهذه الظاهرة، التي يمكن أن نسميها أيضًا الطائفية، تتعارض مع فكرة العالمية التي هي أساس مجتمعنا، ففي بعض المدن، وقعت الأحياء المهجورة ضحية لعقود من السياسات الحضرية الفاشلة، وباتت هذه الأحياء تُشكّل الأرض الخصبة للفكر الإسلاموي الراديكالي الذي يرغب في تقديم الخضوع لقيم الإسلام على الخضوع لقيم الجمهورية. وبالنسبة للشباب الذين هم بحاجة إلى مرجعية، والذي يعانون حالة من التخلي أحيانًا، يقعون فريسة سهلة لهذه الأيديولوجية المتطرفة.

وتلك الأيديولوجية قد تُشكّل مشروعًا ناجحًا للغزو السياسي إذا ما جرى استغلالها من قبل القوى الأجنبية التي تستخدم التمويل والأعمال الدينية لتحقيق مآربها، وتلك هذه القوى، الذين تربطهم علاقات تاريخية بفرنسا، لا يترددون في استغلال حالة الشتات التي تعاني منها أجيال الشباب لفرض رؤيتهم للإسلام، لكن ينبغي التمييز بين القوى الذين تمثل نواياها خطرًا على النموذج الاجتماعي الفرنسي، والقوى الأخرى التي تدافع عن الرؤية المعتدلة للدين.

ولنضرب مثالًا بتركيا؛ فالصراع الجيوسياسي الذي يدفع فرنسا وتركيا للخلاف بشأن مناطق الأزمات المختلفة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وسوريا وليبيا، يعود إلى رغبة الرئيس أردوغان في فرض رؤيته القومية الهجومية المستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين، ونجد في فرنسا نحو 200 معلم للغة والثقافة التركية، وكثير منهم مقربون من الحزب التركي الحاكم، بالإضافة إلى الأئمة الذين أرسلتهم رئاسة الشئون الدينية التركية وتكفلت برواتبهم، حيث تحاول إدارة أردوغان فرض رؤيتها للإسلام على الجالية التركية وكذلك المسلمين من جميع الأصول.

لذا؛ فمن الواجب أن نكافح هذا المشروع الذي يستهدف غزو هويتنا. وفي هذا الصدد، جرى الإعلان عن بعض الإجراءات التي صاغها قانون تعزيز احترام المبادئ الجمهورية، كقضية تدريب الأئمة في فرنسا. وبشكل عام، من الضروري أن نتحد حول قيم الجمهورية وأن نكافح تدخلات الدول التي تستغل نقاط ضعف نظامنا وتحوّل الدين لأغراض تخريبية.

هل تساعد المغرب والإمارات فرنسا؟

في هذه المعركة، يجب أن تتحلى فرنسا بالواقعية وتحيط نفسها بالدول الصديقة؛ فدولتا المغرب والإمارات العربية المتحدة، الحليفتان الرئيسيتان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إحداهما في أقصى الغرب والأخرى في الشرق، شريكتان مهمتان في الحرب ضد الإسلام الراديكالي.

ومما لا شك فيه أن المغرب تُعدّ ركيزة الاستقرار السياسي والديني على أبواب أوروبا، حيث تلتزم المنهج الإسلامي الوسطي الذي يتسم بالاعتدال والتوازن، ويبدو هذا المنهج جليًّا في الممارسات عبر الترويج إلى نموذج إسلامي محافظ، لكنها وعدت بإصلاح نفسها لتتماشى مع العصر لأن هذا المذهب المحافظ يمثل حصنًا قويًّا ضد تطور التفسيرات الراديكالية للدين، كما تحاول السلطات المغربية السيطرة على اندلاع الخطاب المتطرف من خلال الإشراف على الجمعيات والأحزاب الإسلامية، تمامًا كما ينص قانون تأكيد احترام المبادئ الجمهورية في فرنسا، وكل هذا يجعل المغرب شريكًا أساسيًّا في مواجهة التهديد المزدوج للإسلام السياسي والإرهاب على أبواب أوروبا.

أما الإمارات العربية المتحدة فلم تتوقف فرنسا يومًا عن التقرب منها، فهي شريك أساسي في الشرق الأوسط، ويجعل نضال الشيخ محمد بن زايد الذي لا هوادة فيه ضد الإسلام السياسي والتوسع الجهادي، منه حليفًا مهمًّا في مواجهة فرنسا ضد تركيا وضد المصادر الأخرى للخطاب الذي يؤجّج التوترات داخل وبين الشعوب.

ومن أجل شن الحرب ضد التهديد الإرهابي وانتشار الإسلام الراديكالي، يجب على فرنسا أن تُعِدَّ نفسها بترسانة قانونية قوية وعادلة على أراضيها، وأن تحيط نفسها بشركاء موثوقين خارج حدودها. إن القانون الذي يعزز احترام المبادئ الجمهورية هو بلا شك موضع ترحيب ودعم من المغرب والإمارات العربية المتحدة، وضرورة في فرنسا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط كذلك، ويمكننا أن نراهن أيضًا على عمل هذين البلدين على تعزيز الإسلام المعتدل على حدود أوروبا.

قلق المدافعين عن الحقوق بسبب مشروع قانون الانفصالية

استعرضت صحيفة “هوفينتون بوست” جانبًا من المخاوف المتعلقة بمشوع قانون الانفصالية في فرنسا، حيث أبدى البعض خشيتهم من أن تتعرض مبادئ حرية تكوين الجمعيات والتعليم عن طريق الآباء للتهديد بسبب بعض أحكام نص قانون “تعزيز المبادئ الجمهورية”.

وقدرت السلطة الإدارية المستقلة للدفاع عن الحقوق في فرنسا، التي أنشئت بموجب دستور عام 2008، أن مشروع قانون “تعزيز المبادئ الجمهورية” ينطوي على مخاطر التعدي على الحريات، بما في ذلك حرية تكوين الجمعيات والتعليم عن طريق الآباء، وقد يتسبب بدلًا عن ذلك في إضعاف المبادئ الجمهورية نفسها. جدير بالذكر أن هذا النص، الذي جرى تقديمه لمجلس الوزراء بعد اغتيال المعلم صموئيل باتي في أكتوبر الماضي، يهدف إلى محاربة الإسلام الراديكالي من خلال قمع التحريض على الكراهية وتعزيز الالتزامات المفروضة على الديانة الإسلامية.

وأشارت الحقوقية “كلير هيدون” إلى أن هذا النص يخاطر بتقوية توجه عام نحو التعزيز الشامل للنظام الاجتماعي، وأعربت عن أسفها لتراجع العمل العام مرة أخرى في التساهل الواضح تجاه تقييد الحريات من أجل تحقيق مصلحة عامة، لافتةً إلى أن أكثر من ثلث مواد نص القانون تهدف إلى تعزيز آليات الرقابة ونحو ربعها نصت على فرض عقوبات بالسجن، كما تأسف إلى أن مشروع القانون لم يتخذ إجراءات مكافحة الزحف الطائفي الإسلاموي هدفًا أساسيًّا له؛ بل استهدف فئات أكثر شمولًا كموظفي القطاع العام والمؤسسات والأديان.

كما أن هذا المشروع يستهدف بشكل غير مباشر، فئة بعينها من السكان، وهذا الأمر قد يثير مشكلة فيما يتعلق بمبادئ المساواة وعدم التمييز، ولكيلا ينص صراحة على هذه الفئة، فإنه يتضمن تحريمات وعقوبات واسعة لدرجة تجعل تطبيقها على قدر ٍعالٍ من الصعوبة. وتوضح هيدون أن “اشتراط التوقيع على عقد لاحترام مبادئ وقيم الجمهورية عند تقديم أي طلب إعانة، كما ينص القانون، يخرج بالجمعيات من مجرد الالتزام بعدم ارتكاب الجرائم إلى الانخراط بشكل إيجابي وصريح في المبادئ التي تخص السلطة العامة”.

ووفقًا لسلطة الدفاع عن الحقوق، قد تؤدي هذه العقوبة إلى وصم الأطباء ومقدمي الرعاية المعنيين بحماية المرضى من ضغوط البيئة الأسرية وحرمانهم من إمكانية مناقشة المعلومات والتربية، وأخيرًا تدين كلير هيدون إنهاء التعليم المنزلي لجميع الأطفال من سن 3 سنوات بخلاف الاستثناءات، وترى أن دراسة التأثير لا تثبت وجود احتمالية التبشير في عملية التربية داخل الأسرة، وتُصرّ على أن حرية الآباء في التدريس، المعترف بقيمتها الدستورية، تتضاءل بشكل كبير.

 مظاهرات في المدن الفرنسية للتنديد بقانون الأمن الشامل

وفيما يخص مشروع قانون الأمن الشامل، استعرضت جريدة “لوموند” مسيرات المدافعين عن “الحق في الثقافة”، حيث بلغت أعداد المشاركين 34 ألف متظاهر، وفقًا لتقديرات الشرطة، أو 200 ألف وفقًا لإحصائيات المنظمين. وتظاهر معارضو المشروع لمنعه بشكل خاص نشر صور ضباط الشرطة في باريس وعدة مدن، وكان قد جرى التخطيط لـ 80 مسيرة في فرنسا للدفاع عن الحق في الحصول على المعلومات وحرية التظاهر، وضد عنف الشرط والمراقبة الجماعية.

كما أبلغ وزير الداخلية السيد جيرالد دارمانين عن 75 حالة اعتقال، بما في ذلك 24 في باريس، وأعلن دارمانين عن إصابة 12 من رجال الشرطة والدرك، وفتح تحقيق بتهمة تعكير صفو الآخرين عبر الاعتداء الصوتي. وجاءت مسيرات الحرية بدعوة من تنسيق الجمعيات والنقابات المحتشدة ضد هذا النص، وهو تجمع جمعيات مثل رابطة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، فضلًا عن العديد من النقابات والجمعيات، بما في ذلك صحفيون ومخرجون. وأعرب الجمع عن أسفهم لأنه “على الرغم من هذا الحشد غير المسبوق منذ شهر نوفمبر للدفاع عن الحريات، عارضتنا الحكومة ولم تقبلنا”.

متظاهرون من أجل الحق في الثقافة

وفي العاصمة، اتجهت مسيرة قوامها 6500 شخص بحسب الشرطة؛ و15 ألف شخص، بحسب المنظمين، في اتجاه ساحة الباستيل، حاملين لافتة تطالب بسحب هذا النص، ومرددين عبارات مثل: “الشرطة في كل مكان ولا عدالة في أي مكان!”، و”حالة الطوارئ البوليسية، لن تمنعنا من التظاهر!”.

وفي العديد من المدن، قررت جماعات الاحتفالات الموسيقية الانضمام إلى المظاهرات التي انطلقت عقب حفل بمنطقة إيل – إي – فيلان، والذي شهد حضور 2400 شخص عشية رأس السنة الميلادية. وفي بداية مظاهرة نانت، حمل المتظاهرون لافتات تندّد بالدولة “القاتلة للحياة والثقافات والحريات”. وفي باريس، وقبل مغادرة الموكب، منعت المحافظة عدة شاحنات من المشاركة في المظاهرة، قائلةً إنهم كانوا يخططون لإقامة “حفلة موسيقى صاخبة غير معلنة”؛ لذا هنأ وزير الداخلية المحافظة لمنعها من إقامة الحفلة بالقرب من التظاهرة، وتغريم المنظمين ومصادرة المعدات الصوتية.

ووفقًا للمنظمين، كانت المركبات، التي كان بعضها يعزف الموسيقى، جزءًا من المظاهرة لكن “منعنا من التعبير عن أنفسنا وإلقاء الخطب على شاحناتنا، وقد طلبنا من المحافظة تزويدنا بنص القانون الذي يستند إليه رفضهم”. وفي أفينيون، تظاهر نحو 300 شخص أمام قصر البابوات، وهو مكان رمزي لمهرجان المسرح، للمطالبة بإعادة فتح الأماكن الثقافية في فرنسا، وفي بيان رسمي أطلقه العمدة الاشتراكي للمدينة، وجمعية سين دافينيون، التي تجمع معظم المسارح التاريخية في المدينة، قال المتظاهرون: “نريد أن نعيد التأكيد على أن الثقافة حيوية وضرورية في حياتنا وتوازننا”.

تجمعات في جميع أنحاء فرنسا

كما انعقدت التجمعات في مدن رين ونانت وكاين وروين وكذلك في ليون وكليرمون فيران وديجون على وجه الخصوص. ومن المقرر أن يتم النظر في مشروع قانون “الأمن الشامل”، الذي جرى تمريره بالفعل في القراءة الأولى بالجمعية الوطنية، في مارس المقبل بمجلس الشيوخ. وتشير التنسيقية إلى أن الرهانات كبيرة، فهي تؤثر على احترام سيادة القانون ومراقبة المواطنين والبرلمان والعدالة والصحافة للسلطات، مضيفة أن تدابير مراقبة السكان يجب أن تظل هي الاستثناء.

ولا تزال الجمعيات المعارضة لنص القانون تطالب بسحب العديد من البنود، بدءًا من المادة 24، التي تعاقب النشر الخبيث لصور أفراد الشرطة. ويستهدف التجمع، الذي يطلب مقابلة الرئيس إيمانويل ماكرون، المادتين 21 و22 الخاصتين باستخدام الشرطة لكاميرات المشاة والطائرات بدون طيار، والمخطط الوطني الجديد لحفظ النظام، الذي تستخدمه الشرطة بانتظام للحد من التغطية الإعلامية للمظاهرات.

لقد أدت التعبئة ضد قانون “الأمن الشامل” المقترح، والتي بدأت في 17 نوفمبر الماضي، إلى اندلاع مظاهرات استمرت عدة أيام، انضمت إليها في الغالب حركة “السترات الصفراء”. وكان أكبر تجمع في 28 من الشهر نفسه عندما خرج نحو 500 ألف شخص في البلاد، بحسب التنسيقية، أو 133 ألف متظاهر وفقًا للحكومة.

ثلاثة تساؤلات حول ميثاق مبادئ إسلام فرنسا

وفيما يخص ملف إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا، أجابت صحيفة “ليكسبريس” عن بعض التساؤلات بعدما أعلن مدراء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية توصلهم إلى اتفاق وتقديمهم الميثاق إلى وزير الداخلية الفرنسي. فبعد أن كاد المشروع يفشل الشهر الماضي، أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ عدة أيام أنه توصّل أخيرًا إلى اتفاق حول “ميثاق مبادئ” لإسلام فرنسا، على الرغم من انسحاب المسجد الكبير في باريس من المشروع. وجرى تقديم الميثاق إلى السيد جيرالد دارمانين خلال اجتماع بوزارة الداخلية مع رؤساء التيارات الرئيسية الثلاثة للمجلس، وأشاد وزير الداخلية بهذا التقدم الكبير جدًّا والالتزام في مواجهة الإسلام السياسي.

ما فائدة المشروع؟

يريد رئيس الجمهورية إطلاق مشروع إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا والذي سيسفر عن إنشاء المجلس الوطني للأئمة؛ ولذلك، كان على قادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية صياغة هذا الميثاق الذي يجب أن يحتوي على القيم الثابتة التي يجب أن يحترمها هؤلاء الأئمة. وكان رئيس الجمهورية قد طالب في شهر نوفمبر الماضي قادة المجلس بإعداد هذا الميثاق في أعقاب هجومه على “الانفصالية” والإسلام الراديكالي، وكادت الخلافات بين قادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن تؤدي إلى عرقلة طموح ماكرون للمصادقة على تدريب الأئمة في فرنسا في إطار مشروع قانون “تعزيز احترام مبادئ الجمهورية”، ولذلك اضطر الرئيس إلى التدخل في بداية يناير، عندما دعا “الاتحادات للتغلب على الخلافات والتلاقي وإنجاز العمل”.

مَن هم الموقّعون؟

وكان رحيل شمس الدين حافظ، عميد الجامع الكبير في باريس نهاية شهر ديسمبر الماضي، قد ألقى حجر عثرة أمام المشروع، حيث انسحب من المناقشات بسبب تأثير “المكون الإسلاموي” داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؛ لذلك فهو ليس من بين الموقعين، كما انتقد العمل قائلًا: “لسوء الحظ، فإن المكون الإسلاموي داخل المجلس، لا سيما العنصر المرتبط بالأنظمة الأجنبية المعادية لفرنسا، أوقف المفاوضات بشكل خادع من خلال التشكيك بشكل منهجي في بعض الفقرات المهمة من الميثاق”.

ووفقًا لصحيفة شارلي إبدو، فإن من بين أعضاء المجلس الذين أشار إليهم شمس الدين حافظ، “اتحاد مللي جوروس الإسلامي”، واتحاد مسلمي فرنسا (الملقب سابقًا باتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا المقرب من جماعة الإخوان المسلمين)، وكذلك جماعة الإيمان والشعائر السلفية، ووفقًا للصحيفة أيضًا، يوجد أيضًا داخل المجلس الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية في أفريقيا وجزر القمر وجزر الأنتيل، الذي يتوافق في توجهاته مع عميد المسجد الكبير في باريس.

ماذا يحتوي الميثاق؟

وبحسب البيان الصحفي الصادر عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي نشره يوم الانتهاء من النص، فإن الميثاق يبرم اتفاقًا “بشأن توافق العقيدة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ورفض استغلال الإسلام لأغراض سياسية، وعدم تدخل الدول في ممارسة الديانة الإسلامية في فرنسا على أساس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ونبذ بعض الممارسات العرفية التي يُزعم أنها من الإسلام”.

ومع ذلك، لم يجر الإعلان عن النسخة النهائية من الميثاق، حيث لا يزال يتعين اعتمادها من قبل جميع الاتحادات المكونة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قبل إرسالها إلى الرئيس ماكرون. وتؤكد صحيفة شارلي إبدو التي تقول إنها تمتلك “أحدث نسخة” من الميثاق، أن الجملة التي تسببت في الخلاف، وهي: “عدم تغيير الاتحاد موقفه من الإمام المخالف و/أو لا يمضي في إقصائه قد يكون سببًا لاستبعاد الاتحاد المذكور”؛ قد حُذفت من نص الميثاق.

ربما يعجبك أيضا