فورين أفيرز | التهديد الحقيقي للسيطرة المدنية على الجيش

آية سيد

ترجمة – آية سيد

بمجرد أن أعلن جو بايدن أنه سيرشح الجنرال لويد أوستن لمنصب وزير الدفاع، بدأ النقاد في التشكيك في هذا الاختيار. كان أوستن قد تقاعد قبل أربع سنوات من مسيرة مهنية طويلة في الجيش الأمريكي، وبالتالي، مثل الجنرال جيمس ماتيس من قبله، سيحتاج لاستثناء من الكونجرس من القانون الذي يشترط أن ينتظر الفرد العسكري في الخدمة الفعلية لسبعة أعوام قبل أن يصبح وزيرًا للدفاع. يزعم النقاد أنه تحت قيادة ماتيس، تدهورت السيطرة المدنية على الجيش بدرجة كبيرة. والموافقة على أوستن، في الجلسات التي ستبدأ هذا الأسبوع، ستخاطر بتسريع ذلك التدهور عن طريق تسليم الوظيفة إلى جنرال متقاعد حديثًا – وهو جنرال ربما يفتقر للخبرة السياسية والارتياح للاعتماد على طاقم مدني قوي – للمرة الثانية في أربع سنوات.

لكن التركيز بشكل كامل على تداعيات ترشيح أوستن (أو ماتيس) يغفل تحديًا أعمق بكثير للسيطرة المدنية على الجيش – في ثقافة المهنية التي تهيمن على ضباط الجيش الأمريكي اليوم. إن المشكلة ليست كما يظن الكثيرون أن الضباط سياسيون أكثر من اللازم؛ المشكلة هي أنهم يعتقدون أن بإمكانهم تجاهل السياسة كليًّا. تحافظ الثقافة المهيمنة للمهنية في الجيش اليوم على فصل صارم بين الدوائر العسكرية والمدنية وتمنع الضباط من التفكير في السياسة. إنها بالتالي تقوض دور الجيش في ضمان أن تربح الولايات المتحدة حروبها وتعفي قادة الجيش من المسئولية عندما تفشل الدولة في فعل ذلك. تلك الثقافة تدفع الجيش أيضًا إلى الاستياء عندما يتدخل القادة المدنيون في القرارات الخاصة بميدان المعركة، وهو ما يعوق قدرة المدنيين على التدقيق في النشاط العسكري والتأكد من أنه يخدم الأهداف المدنية. ببساطة، الثقافة السائدة للمهنية العسكرية تقوض الأمن القومي الأمريكي.

وفقًا لذلك؛ السؤال الأهم حول مستقبل السيطرة المدنية ليس ما إذا كان أوستن سيحصل على استثناء الكونجرس الذي سيسمح له بتولي المنصب أم لا. إنه ما إذا كان أوستن أو أي وزير دفاع آخر يستطيع تحقيق نقلة ثقافية في الجيش الأمريكي.

الجندي مقابل الدولة

تعكس ثقافة اليوم للمهنية العسكرية الإطار الذي أوضحه العالم السياسي صامويل هنتنجتون في كتابه عام 1957، الجندي والدولة. طرح هنتنجتون مفهوم السيطرة الموضوعية على الجيش، الذي يتطلب أن تلتزم القيادة العسكرية والسياسية بالفصل الصارم بين الدوائر. ينمي الجيش الخبرة في إدارة العنف؛ ويصارع المدنيون مع الأبعاد السياسية لاستخدام القوة، وبكونهم منعزلين في دوائرهم المعنية، يحترم كل جانب مجال الآخر.

والنتيجة هي مجموعة من التوقعات غير الرسمية وواسعة الانتشار حول كيف ينبغي أن يفكر الضباط ويتصرفون في وظائفهم وفيما يتعلق بالقادة المدنيين – ثقافة المهنية. تلك الثقافة تؤثر على كيفية فهم الضباط العسكريين لعلاقتهم بالسياسة والتفكير السياسي. إنها تجعلهم حذرين من الخوض في مناقشات مع القادة المدنيين تتعلق بالسياسة الداخلية أو الحكومية، كما تحتاج لعقلية حازمة خالية من السياسة والتي تركز على عالم “النشاط العسكري الخالص”، متجاهلة حقيقة أنه لا يوجد شيء كهذا. يتعلم الضباط ألا يلفتوا الأنظار وأن يبقوا في مساراتهم.

في بعض النواحي، ذلك النهج يخدم الدولة جيدًا. يحترم الضباط السلطة المدنية ويبقون ملتزمين بالبقاء بعيدًا عن السياسة الحزبية والانتخابية. إنهم يقودون جيشًا يجسد التميز التشغيلي والتكتيكي في حروبه بالخارج. وبطرق أخرى، مع هذا، يقوض مفهوم فصل الدوائر الأمن القومي.

من ناحية، تعمل ثقافة المهنية هذه بالتقاطع مع مطالب السيطرة المدنية. تؤخذ السيطرة المدنية في أكثر الأحيان على أنها تعني أن الجيش يتبع الأوامر، لكن هذا نهج ضيق للغاية. ولكي ترسم القيادة السياسية السياسة والنشاط العسكري وتوائمهما مع مصالحها، يحتاج المدنيون لما هو أكثر من سلطة اتخاذ القرارات. إنهم يحتاجون لعملية استشارية عسكرية مناسبة لأسلوبهم واحتياجاتهم، عملية سلسة وتفاعلية وتأخذ في الاعتبار الوسائل العسكرية والغايات السياسية جنبًا إلى جنب. يريد المدنيون في أغلب الأحيان من المستشارين العسكريين نظرية حول كيف يمكن (أو لا يمكن) للقوة أن تعزّز نوعًا من النتيجة السياسية المقبولة – نتيجة ربما لم يبتّوا فيها سلفًا.

وتجعل ثقافة المهنية أيضًا الكثير من ضباط الجيش ميالين إلى الشعور بعدم الارتياح، أو حتى الاستياء، من المطالب المدنية. تصبح العملية تبادلية: يتوقع القادة العسكريون أن يحصلوا على توجيهات محددة من المدنيين ويردوا باستنباط خيارات، في عملية متكررة لكن تبادلية بطبيعتها والتي تعكس فكرة الحدود الواضحة بين المجالين العسكري والسياسي. عندما يفشل المدنيون في لعب دورهم المحدد، يربطه القادة العسكريون بالاختلال الوظيفي والقيادة السيئة بدلًا من ربطه بطبيعة عملية اتخاذ القرار السياسي.

دوائر النفوذ

يخلق فصل الدوائر نفورًا من الرقابة المدنية على ما يعتبره الضباط نشاطًا عسكريًا. في نهج هنتنجتون، الاستقلال العسكري ليس ميزة بل حق: ينبغي أن يسيطر الجيش على الأمور التشغيلية والتكتيكية دون تدخل خارجي، وتخضع جميع المنظمات للتدقيق، لكن مفهوم فصل الدوائر يعامل المدنيين كغرباء يخالفون الطبيعة الصحيحة للعلاقات المدنية – العسكرية عندما يتدخلون في الأمور التشغيلية والتكتيكية. وتزداد المشكلة سوءًا عندما يعتقد قادة الجيش أن التدخلات المدنية تدفعها السياسة الداخلية، وهو من وجهة نظرهم فرض غير مناسب في مجال النشاط العسكري الخالص. وعندما يحد رجال السياسة القوات، أو يفرضون جداول زمنية للعمليات، أو يديرون التفاصيل الدقيقة للأحداث في ميدان المعركة، فإنهم، كما يُعتقد، يَخطون على أرض الجيش.

المشكلة هي أن الفاعلية الاستراتيجية ربما تتعلق بالرقابة المدنية التطفلية. تمتلك المستويات التكتيكية والتشغيلية للحرب منطقها وإيقاعها الخاص ويمكن بسهولة جدًّا أن تصبح منفصلة عن الاعتبارات السياسية الكبرى، وكما يُظهر التاريخ، يمكن أن تحقق الدول الكثير من النجاحات في ميدان المعركة دون تحقيق نجاح استراتيجي أو سياسي في الصراع المسلح. ووفقًا لذلك، لا يمكن تجاهل القيود السياسية الداخلية على أنها فروض خارجية على الاستراتيجية والعمليات. إن الاستراتيجية المنفصلة عنها محكوم عليها بالفشل.

يعلم الكثير من القادة العسكريين ذلك بالتأكيد، لكن تلك المعرفة وحدها ليست كافية. هناك سبب وراء احتواء هيكل الأمن القومي للدولة في جوهره على مكتب بقيادة مدنية وطاقم مدني لوزير الدفاع (ووراء اشتراط الكونجرس، عند استحداث المنصب عام 1947، لوجود عدة سنوات تفصل بين تقاعد الضابط وترشيحه): يساعد صُناع السياسة المدنيون في البنتاجون، الذين يديرون الرقابة بشكل يومي، في ضمان تكامل الغايات والوسائل. إنهم الأدوات التي من خلالها يترجم الرئيس ووزير الدفاع الأهداف السياسية إلى وسائل عسكرية، وربما لا يكون المدنيون ناجحين دائمًا، لكن إذا نُظر إلى عملهم باستخفاف، فكأنما يجري إعدادهم للفشل.

تنبع مجموعة أخرى من المشاكل من حظر التفكير السياسي في التقييم الاستراتيجي. تمزج الاستراتيجية، بطبيعتها، الاعتبارات السياسية والعسكرية، ولا يستطيع الخبراء الاستراتيجيون تجنب الدخول في الوحل السياسي: القيود على الموارد، والسياسة الداخلية والحكومية، وسياسة الحلفاء والخصوم. لكن القادة العسكريين يتعلمون أن يتراجعوا عندما ينحرف النقاش باتجاه تلك الاعتبارات.

والأكثر مكرًا من كل هذا، أن أعراف المهنية هذه تُضعف إحساس الجيش بملكية نتائج حروب الدولة. يتجه القادة العسكريون إلى رؤية وظيفتهم كتقديم للخيارات وتنفيذ الخيار الذي يختاره المدنيون، فيما يُقدِّر القادة النجاح بناءً على ما إذا كانوا حققوا الهدف العسكري للمهمة أو الحملة الموضح في ذلك الخيار. وترجمة ذلك النجاح إلى نجاح استراتيجي أو سياسي دائم من عدمه تقع خارج مجال مسئوليتهم. الحرب – سواء ربحها أو خسارتها – هي مسئولية المدنيين.

تصحيح الثقافة

إن معالجة هذه المشاكل تحتاج إلى استحداث ثقافة بديلة للمهنية العسكرية – ثقافة تشجع الضباط على المشاركة في التفكير السياسي بدلًا من الاختباء منه. ينبغي أن يبدأ هذا بطريقة تعليم الضباط، ويتعين أن تمنح الأكاديميات العسكرية ومؤسسات التعليم العسكري المهني الأولوية لتدريس العلاقات المدنية – العسكرية في مناهجها، ويتعين أن تؤكد دروسهم على المفاهيم البديلة للمهنية وتدقق في فصل الدوائر أثناء تطبيقه على ضباط الجيش.

يحتاج الضباط أنفسهم إلى تنمية وعي أكبر بالافتراضات التي تقوم عليها عقلياتهم والتدقيق في التركيبة المطلقة للأخلاقيات غير المسيسة الرائجة اليوم. وبدلًا من إبعاد أنفسهم عن المشاركة في السياسة كليًّا، ينبغي على الضباط أن يجاهدوا ليصبحوا واعين وفطنين سياسيًّا. هذا سوف يجهزهم ليشاركوا بشكل بنّاء في السياسة عند الضرورة، مثل أثناء التقييم الاستراتيجي، ولكي ينمّوا العقلية اللازمة لإبقاء الجيش بعيدًا عن الخلافات الحزبية.

من جانبه، يتعين على الكونجرس تكليف وزارة الدفاع بإضفاء الطابع المؤسسي على دراسة المهنية العسكرية بشكل أفضل. في الماضي، ترأس رؤساء هيئة الأركان من حين لآخر تلك الجهود، لكن هناك حاجة لجهد أكثر استدامة. وفي مراحل مختلفة من مسيرتهم المهنية، ينبغي أن يُطلب من ضباط الجيش دراسة الأخلاقيات العسكرية، والعلاقات المدنية – العسكرية، والمفاهيم البديلة للمهنية العسكرية… هذه الجهود لا ينبغي أن تعزز الثقافة الحالية فحسب؛ بل تناقش نقاط قوتها وضعفها أيضًا.

لكن لن تثمر أي من هذه الإجراءات عن نتائج حتى يدرك القادة المدنيون والعسكريون حدود فصل الدوائر. وهذا سيحدد، سواء أصبح الجنرال أوستن وزيرًا للدفاع أم لا، إذا كانوا يستطيعون العمل معًا بفاعلية أكبر لتعزيز مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا