توماس فريدمان يكتب لنيويورك تايمز| دونالد ترامب.. نهاية تجربة مروّعة!

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

أيها الأمريكيون، لقد نجونا للتو من أمر مريع حقًّا، أربع سنوات يحكمنا رئيس صفيق، يدعمه حزب متخاذل، وتضخمه شبكة إعلامية بلا نزاهة، وجميعهم يضخون نظريات مؤامرة خالية من الحقيقة، مرت إلى أدمغتنا عبر الشبكات الاجتماعية دون وازع أخلاقي، في ظل جائحة تضرب بلا هوادة!

إنه لمن الرائع أن نظامنا لم ينفجر بالكامل؛ لأن البلد بات حقًا مثل مرجل ضخم يغلي، وما رأيناه في مبنى الكابيتول هو دليل على أن البراغي والمفصلات بدأت في التفكك، وها قد حانت لحطة رحيل “دونالد ترامب” من البيت الأبيض واستنفاد قوة داعميه في مجلس الشيوخ قبل فوات الأوان.

ومع أن “جو بايدن” لم يتسلم مهام منصبه، إلا أن ترامب لم يعد يستطيع فعل شيء؛ لأننا لم نبدأ حتى في فهم مدى الضرر الذي أحدثه ترامب – متسلحًا بمواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) واستغلاله لمنبر الرئاسة، وجبن الكثيرين من الخبراء لحياة أمتنا العامة والمؤسسات والحصانة المعرفية.

إنها حقًا كانت تجربة مروعة رهيبة!

ليست المشكلة في أن ترامب لم يقدّم شيئًا جيدًا أبدًا، فهو لم يكن يستحق ثمن ترك أمتنا أكثر انقسامًا ومرضًا – وانغماس كثير من الأمريكيين في نظريات المؤامرة – أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. إننا بحاجة إلى لمّ الشمل، وإعادة برمجتنا، وإعادة تركيزنا وطمأنتنا في نفس الوقت، فالدولة بأكملها تحتاج لاستراحة قصيرة لإعادة اكتشاف هويتنا والروابط التي توحدنا.

إنني أعتقد بصدق أننا يمكن أن نقدّم أفضل ما لدينا مرة أخرى، وعلينا جميعًا تحقيق ذلك.. لكن كيف؟

بالنسبة لي، فقد كانت السمة الأكثر إثارة للانتباه في رئاسة ترامب هي أنه ظل يفاجئنا عامًا بعد عام بالجوانب السلبية؛ حيث كشف أعماقًا جديدة من خرق المعايير والكذب وتلويث سمعة كل من دار في فلكه. إلا أنه لم يُفاجئنا أبدًا – ولا مرة واحدة – في الاتجاه الإيجابي بعمل لطيف أو نقد ذاتي أو مد يده إلى المعارضين.

كانت شخصيته هي مصيره، وقد أصبحت مصيرنا أيضًا. ولكن لديّ أخبار جيدة.. يمكننا التعافي، شريطة أن نركز جميعًا – سياسيين وإعلاميين ونشطاء – على فعل ما لم يستطع ترامب فعله أبدًا: مفاجأة بعضنا البعض في الاتجاه الإيجابي.

المفاجآت الإيجابية هي قوة تم التقليل من شأنها بشكل كبير في السياسة والدبلوماسية، فهي قد كسرت أواصر التشاؤم، وتزيد حدود ما نعتقد أنه ممكن، كما أنها تذكّرنا بأن المستقبل ليس مصيرنا، ولكنه خيار، إما أن الماضي يدفن المستقبل أو أن المستقبل يدفن الماضي.

ما زلت أتذكر أين كنت عندما وصل الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” إلى إسرائيل، حين فاجأ العالم باستعداده لصنع السلام، حينها ملأني الفرح وشعور جديد تمامًا بإمكانيات الشرق الأوسط. لقد فاجأتُ ترامب مرة واحدة، فلم أكن أبدًا مترددًا في الاتفاق معه عندما فعل شيئًا اعتقدت أنه صحيح. لذلك، بعد أن توصل هو و”جاريد كوشنر” إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، كتبت عمودًا أشيد بالاتفاق، بعد أيام قليلة، فوجئت بمكالمة من الرئيس ترامب، كانت كلماته الأولى: “لم أصدق أن نيويورك تايمز سمحت لك بكتابة شيء لطيف للغاية”.

بالطبع، هذه الصحيفة لا تملي عليَّ ما أكتب، لذلك فقد صُدم؛ لأنني أفعل ذلك بمحض إرادتي. وهو ما جعله يعيد التفكير، ولو للحظة، من أكون وما هي صحيفتي.

يا لها من مفاجأة!!

ولو كان ترامب قد خرج من شخصيته ذات مرة في قضية كبيرة وشديدة تقف في وجه قاعدته، وفاجأنا بالجانب الإيجابي، مثل المناخ أو الهجرة، لكنت امتدحت ذلك أيضًا. ولكنه لم يفعل.

إنه أمر سيء للغاية، لأننا كصحفيين وكمواطنين، نعيش من أجل المفاجآت الإيجابية التي يقوم بها قادتنا.

كنت أشاهد “ميت رومني” وهو يؤدي مرارًا وتكرارًا قَسَمه للدفاع عن الدستور وتقديمه على حزبه ومصالحه السياسية الشخصية. وخلال مسيرتنا، تعرّفنا على بعضنا البعض، ورغم أننا لا نتفق في جميع القضايا، إلا أن هناك احترامًا متبادلًا؛ حيث قدّمني رومني مؤخرًا لإلقاء خطاب أمام تحالف العمل المناخي من الحزبين في ولاية يوتا. وذلك قد فاجأ بعض الناس، وربما جعلهم ينظرون إلى القضية برمّتها بشكل مختلف، إنه لأمر مدهش ما يمكن أن يحدث عندما نفاجأ بالأفضل.

لقد فاجأتني “ليز تشيني” تمامًا في الاتجاه الإيجابي الأسبوع الماضي، عندما وضعت الدولة والدستور قبل الطموح الحزبي والشخصي وصوّتت لعزل ترامب، وإني عرفتها عندما عملت في قضايا الديمقراطية في الشرق الأوسط، ما يجعلني أرغب في إعادة الاتصال بها.

في مايو الماضي، وبعد وفاة “جورج فلويد” على يد الشرطة، استعانت “كيشا لانس بوتومز”، عمدة أتلانتا، بمغني الراب “كيلر مايك” للمساعدة في كبح العنف في أحياء السود، لقد فاجأني كيلر عندما قام بتوبيخ متظاهري أتلانتا العنيفين:

“من واجبكم عدم حرق منازلكم بسبب غضبكم من عدوكم. من واجبكم حماية منازلكم لربما تكون هذه المنازل ملجأ لتنظيم أموركم. حان الوقت لرسم الخطط والاستراتيجيات وتنظيم وحشد قواكم. حان الوقت لهزيمة المدّعين الذين لا تحبونهم في صناديق الاقتراع. حان الوقت لمحاسبة مكاتب رؤساء البلدية ونوابهم. أريد أن أشكر عُمدتنا على التحدث إلينا مثل أم سوداء قوية تطالبنا بالعودة للمنزل، وأودّ أن أشكر أصدقائي الذين أقنعوني بالمجيء إلى هنا”.

 لذا، لديّ طلبان من كل أمريكي: امنح “جو بايدن” فرصة لمفاجأتك إيجابيًّا وتحدي نفسك لمفاجأته.

كذلك ينبغي على الشركات الأمريكية أن تفاجئنا بإخبار “روبرت ولاكلان مردوخ” أن شبكتهما دعمت الكذبة الكبرى التي أدت إلى الهجوم على مبنى الكابيتول، وأنها لم تعد تعلن عن أي برنامج ينشر نظريات المؤامرة،   كما ينبغي على “مارك زوكربيرج” و”شيريل ساندبرج” أن يفاجآنا مرة واحدة وإلى الأبد بوقف بث – من أجل الربح – الأخبار التي تثير الفرقة والغضب على حساب الأخبار الأكثر موثوقية والصحيحة.

والآن بعد أن ذهب تهديد ترامب، علينا جميعًا في وسائل الإعلام أن نعود إلى فصل الأخبار عن الآراء، إننا بحاجة إلى المزيد من الأماكن التي يشعر فيها الأمريكيون من جميع الأطياف السياسية أنهم يتلقون أخبارهم مباشرة – دون أن يغضبوا أو ينقسموا؛ لنترك هذا لأقسام الرأي.

أخيرًا، وكما قلت، فقبل أن نهاجم بايدن وننتقده، لِمَ لا يمنحه الجميع بضعة أشهر لمفاجأتنا إيجابيًّا؟ لنمنحه فرصة لوضع البلد قبل الحزب، والوفاء بيمين المنصب.

في الواقع، عندما يقف على درجات مبنى الكابيتول ظهر الأربعاء، يؤدي القسم الرئاسي على أن يقوم بذلك، فلماذا لا نُقْسِمُ جميعًا – أنت وأنا وأطفالك ووالديك– اليمين معه في المنزل:

“أقسم جازمًا بأنني سأقوم….. وبأنني سأبذل أقصى ما في وسعي لأصون وأحمي وأدافع عن دستور الولايات المتحدة”.
ربما إذا فعلنا ذلك جميعًا، ربما إذا أعطينا بايدن فرصة لمفاجأتنا جميعًا على الجانب المشرق، يمكننا كسر الحُمّى السياسية الرهيبة التي اجتاحت أرضنا مترافقة مع جائحة كورونا.. ألن يكون ذلك مفاجأة سارة الآن؟!

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا