الصحافة الألمانية| الإخوان والنازية وجهان لعملة واحدة.. وعلى أوروبا تبني استراتيجية مشتركة لمواجهة الإرهاب

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة – فريق رؤية


في ألمانيا.. جماعة الإخوان المسلمين وجذور الإسلام السياسي


نشر موقع “تلي بوليس” تقريرًا للكاتبة “بيرجيت جارتنر” سلّط الضوء على تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا والجمعيات التابعة لها، وأشار التقرير إلى الاستراتيجية “الخبيثة” للجماعة التي تخطّط لاختراق المؤسسات التعليمية والمهنية في المجتمعات الغربية، لتحقيق ما يدّعون أنه غزو إسلامي بلا سيف ولا قتال، حيث أكّد مُنظّر الجماعة الدكتور يوسف القرضاوي تلك الاستراتيجية في أحد برامجه التلفزيونية.


وقد بدأ ظهور ما يسمى بـ “الإسلام السياسي” في ألمانيا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وارتبط ظهور هذا التيار ارتباطًا وثيقًا بـ”سعيد رمضان”، صهر مؤسس الجماعة حسن البنا، حيث كان رمضان يتولى “لجنة بناء المساجد” في ميونيخ، والتي تأسست على يد الجيش الألماني، وسيطر الإخوان على هذا المشروع بفضل “رمضان”.


وأصبحت “هيئة بناء المساجد” فيما بعد “الجالية الإسلامية في جنوب ألمانيا” ومقرها “المركز الإسلامي بميونخ” (IZM)، الذي كان يضم مسجدًا أيضًا، واستُبدل اسم “الجالية الإسلامية في جنوب ألمانيا” بـ “المجتمع الإسلامي في ألمانيا (IGD)”، لينتقل مقره إلى كولونيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأخيرًا في عام 2017 أُعيد تسميتها مرة أخرى لتصبح “المجتمع المسلم الألماني (DMG)”.


وبذلك أصبحت ميونيخ نقطة البداية لشبكة إخوانية أوروبية تتمتع بعلاقات وثيقة بين شخصيات ومؤسسات مختلفة تنتمي جميعها لجماعة الإخوان، وقد حرصت الجماعة منذ بداية ظهورها في ألمانيا على التخفي والتستر من أجل تنفيذ المخطط المزعوم بغزو أوروبا عن طريق بوابة برلين، فيما عجزت المحاكم الألمانية عن إدانة الشخصيات والمؤسسات التابعة للجماعة بسبب العديد من الأسباب التي يأتي في مقدمتها أن الجماعة ليست حزبًا يمتلك بطاقات عضوية؛ بل هي حركة عالمية تجمع بين أيديولوجية معينة وهدف محدد تسعى لتحقيقه على المدى البعيد.


ويتمثل هذا الهدف في تحويل المجتمعات العلمانية إلى دولة دينية، ومن ثَم فقد كانت الخطوة الأصعب في مواجهة الجماعة هي الإدانة القانونية والمخالفة الدستورية التي لأجلها تسعى المجتمعات الأوروبية اليوم، وفي مقدمتها النمسا وفرنسا، لسنِّ تشريعات جديدة يمكن من خلالها حظر الإسلام السياسي ومواجهته بالسبل القانونية، وتأتي جماعة الإخوان المسلمين على رأس القائمة المستهدف حظرها من قِبل الحكومات الأوروبية.


وتُعدّ جماعة الإخوان المسلمين طيفًا وشبكة من الأشخاص والمنظمات والمؤسسات، التي تعمل لترسيخ مفهوم خاص للإسلام بالمجتمعات الغربية، وتُظهر أنها تسعى لتحقيق المزيد من الحقوق، لا سيما للنساء المسلمات، واللاتي يتعرضن للتمييز والعنصرية والظلم، كما يزعمون. وهذه الأيديولوجية، التي تمجّد الإله الواحد وتأمر الجميع بالخضوع والانحناء له وحده، وأن يضبطوا حياتهم ومجتمعهم ونظامهم القانوني وفقًا لمبادئ دينه، تتوافق إلى حد كبير مع غيرها من الأيديولوجيات، مثل التيارات السلفية، ومع ذلك فإن جماعة الإخوان باتت محظورة في أغلب دول.


ولا تقتصر علاقات جماعة الإخوان بالعالم السني؛ بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالطائفة الشيعية الخُمينية، والتي يمثلها في ألمانيا وأوروبا المركز الإسلامي في هامبورغ (IZH)، والذي يضم مسجد الإمام علي والمعروف باسم المسجد الأزرق، كما تتمتع الجماعة بعلاقات قوية مع الحكومة التركية الحالية وأذرعها في ألمانيا المتمثلة في جمعية “ميلِّي جروش و”الاتحاد الإسلامي التركي”، وهي جماعات تابعة وممولة من قِبل وزارة الشئون الدينية التركية في أنقرة.
وتُعدّ جماعة “ملِّي جروش” الذراع التركي لـجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، والتي ينمتي إليها الرئيس التركي الحالي رجب أردوغان، والذي أعرب بلا خجل عن تعاطفه مع تلك الجماعة التي يقع مقرها في مدينة كولونيا الألمانية. ويمكن تصنيف كل هذه التيارات تحت عنوان: “الإسلام السياسي” أو “الإسلاموية”، وهي أكبر حركة سياسية في ألمانيا تحاول الوصول إلى السلطة من خلال الوسائل القانونية.


أداة لاستغلال المسلمين منذ الحرب الباردة


منذ بداية الحرب العالمية الأولى، كان يتم استغلال المسلمين لصالح الإمبراطورية الألمانية، وتشكَّل – آنذاك – تحالف غير مقدس بين الحكومة الألمانية والمسلمين هناك، وازداد هذا التحالف قوة خلال الحقبة النازية، حيث قام السيد “تيودور أوبرلاندر”، الوزير الفيدرالي للمهجرين واللاجئين وضحايا الحرب، والسيد جيرهارد فون ميندي، المُنظِّر العرقي للهتلرية، والوزير المختص بعد الحقبة النازية بالأقليات الاثنية في الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، بوضع حجر الأساس لحياة المسلمين اليوم في ألمانيا، وخاصة في ميونيخ، حيث جرى تشييد مسجد هناك بهدف أداء الشعائر الدينية الإسلامية، لكن سرعان ما تحول المسجد بعد سيطرة سعيد رمضان عليه إلى منصة سياسية وأداة للتجسس في يد المخابرات الأمريكية وبقايا التيار النازي.


واستغل الطرفان سعيد رمضان وجماعة المسلمين في ميونيخ لمحاربة الشيوعية باعتبارها العدو المشترك للأطراف الثلاثة، وكان الهدف التلاعب بالمسلمين هناك واستغلالهم، حيث كانت واشنطن تراهن على الدين الإسلامي وأتباعه لمواجهة “الإلحاد” السوفيتي وتشكيل جبهة إسلامية بقيادة الإخوان المسلمين لمحاربة الشيوعية، وكان مسجد ميونيخ يمثّل الستار الذي تختبئ خلفه أطماع الجماعة وأجهزة المخابرات النازية والأمريكية.
وقد كشف الكاتبان “ستيفان مينينج” من خلال كتابه “مسجد في ألمانيا”، و”إيان جونسون” عبر كتابه “مسجد في ميونيخ.. النازيون ووكالة الاستخبارات المركزية وصعود جماعة الإخوان المسلمين في الغرب”، عن تفاصيل العلاقة الوطيدة بين الإخوان والمخابرات الأمريكية، حيث أكد جونسون أن الجماعة زُرِعَت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية لتكون أداةً في يد كل من المخابرات الأمريكية والألمانية على حدٍّ سواء؛ فألمانيا كانت ترى حتمية سقوط الاتحاد السوفيتي يومًا ما، ومن ثم أرادت ضمان ولاء اللاجئين ضمن خطة الحرب الباردة.


أما الولايات المتحدة فكانت تهدف إلى استخدامهم كآلة دعاية لمكافحة الشيوعية، ولأكثر من عقد استمر التنافس يبن استخبارات الولايات المتحدة وألمانيا الغربية والاستخبارات السوفيتية والبريطانية على الاستغلال الأمثل للجماعة، ولم ينجح أحد من هذه الأطراف بقدر ما نجحت الجماعة نفسها في فرض أيديولوجيتها، ومن ثم انطلقت في العشرينيات في مصر لتصبح منبعًا لتصدير الاسلام السياسي الذي يدعو إلى الهيمنة الدينية على كافة مناحي الحياة، وباتت الرافد الرئيس لأغلب الحركات والتيارات الأكثر فتكًا ودموية في التاريخ الإسلامي، مثل داعش والقاعدة وغيرهما.


غزو بلا سيف أو قتال


وتهدف استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين إلى تحويل المجتمع إلى دولة ثيوقراطية، عن طريق اختراق المؤسسات التعليمة والفنية لتحقيق التحول التدريجي، ولذلك تخطط الجماعة للاستيلاء على المناصب القيادية في النقابات المختلفة لتتم عملية التغير في المجتمع من القاع، وتتشابه هذه الطريقة إلى حد كبير مع طريقة تعامل الجماعة في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها كأقلية، حيث صرح الدكتور يوسف القرضاوي بأن الإسلام سوف يغزو أوروبا بلا سيف أو قتال.


ولعب المعتنقون للإسلام من الألمان (المتحولون عقديًّا) دورا مهمًّا في هذا السياق، وكانوا أداة في تنفيذ هذه الآلية؛ فقد قام العديد منهم بنشر أيديولوجية الجماعة والدعوة لها، ومن الأمثلة البارزة في هذا الشأن السيدة “فاطمة جريم”، التي قامت بترجمة تفسيرية للقرآن الكريم، والسيدة “نيي هيلجا ليلي وولف”، ابنة الجنرال النازي كارل وولف، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا للمشاركة والتحريض على قتل 300 ألف يهودي، وقضى منها خمس سنوات فقط، وقد أعلن إسلامه بعد ذلك، وكان له ولابنته العديد من الإسهامات الملحوظة في نشر هذه الأيديولوجية في ألمانيا.
ومع ذلك فإن المنظمات المحسوبة على الجماعة، مثل منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، تُتهم بدعمها للإرهاب، كما أن المساجد التي تسيطر عليها الجماعة فرخت الكثير من الإرهابيين، مثل الشاب السوري الذي هاجم زوجين مثليين في مدينة دريسدن الألمانية بالسكين، حيث أثبتت التحقيقات أن القاتل كان يتردد على مسجد “مروة الشربيني” في مدينة درسدن، وهو على علاقة بالإخوان ويخضع لمراقبة وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية في ولاية ساكسونيا.


الجهاد الإمبراطوري


يرتبط ظهور الإسلام السياسي في ألمانيا ارتباطًا وثيقًا بالتحالف العسكري الألماني التركي خلال الحرب العالمية الأولى، حين دعا السلطان محمد الخامس في نوفمبر 1914 المسلمين للجهاد ضد إنجلترا وفرنسا وروسيا؛ لأن ألمانيا ضمنت منح أسرى الحرب المسلمين في المعسكرات الألمانية الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، حتى لو حاربوا ضد الإمبراطورية الألمانية، بخلاف الدول الأخرى التي كانت تتبنى الشيوعية وتعادي الإسلام، وتم إثر ذلك إنشاء معسكرين لأسرى الحرب في برلين، “معسكر الهلال” ومعسكر “حديقة الأعناب”، ليشارك معتقلوه من المسلمين في الجهاد الذي أعلنه محمد الخامس (الجهاد الإمبراطوري)، وفي المقابل بُني المسجد الأول للمسلمين هناك في عام 1915.


أيديولوجيات متشابهة


لم يكن التحالف بين الحكم النازي وجماعة الإخوان المسلمين من قبيل الصدفة، حيث إن الأيديولوجية المشتركة للطرفين تتشابه إلى حد كبير، فقد استغلت الجماعة الدين الإسلامي لـ”إشعال الكراهية ضد اليهود والمجتمع الكافر” ودعت إلى الجهاد، ومن ثم خرجت جماعات تكفيرية من رحم الإخوان قتلت الكثير من أبناء المسلمين أنفسهم، كما فعل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيان، وعلى الجانب الآخر استغل هتلر الأيديولوجية القومية العنصرية وقتل باسمها الملايين من اليهود بوحشية، بالإضافة إلى ذلك فإن النظرة للمرأة هي قاسم مشترك بين الفكر النازي وفكر الجماعة، حيث تُعدّ لدى الطرفين أداة للإنجاب؛ فهي التي تنجب الرجال الذين سيشاركون القائد ويحملون راية القومية للدفاع عن العرق النازي، والأمر ذاته لدى الجماعة؛ فهن (النساء) من سيُنجبن الرجال لحمل راية الجهاد للدفاع عن لواء الإسلام كما يزعمون.


وبهذا يتضح أن شعارات حقوق المرأة التي كان يرفعها كل من النظام النازي وجماعة الإخوان المسلمين لم تكن سوى وسيلة لإخفاء التوجه الحقيقي من قِبل الطرفين لاستغلال المرأة واحتقارها بعيدًا عن كل المعاني الحقيقية للمساوة والعدالة بين الجنسين، والتي كفلتها الأديان السماوية والقوانين الوضعية الحديثة على حدٍّ سواء.


الإسلام السياسي.. بين مؤيد ومعارض


نشر موقع “صوت إذاعة ألمانيا” تقريرًا للكاتب “مايكل هولينباخ” تحدث عن الجدل القائم حول خطورة الإسلام السياسي على المجتمعات الغربية، حيث تثار قضية الإسلام السياسي وخطره على الغرب في الآونة الأخيرة بشكل متزايد، لا سيما بعد الجدل الذي أحدثه إنشاء النمسا لمركز توثيق الإسلام السياسي، لتعلو في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية أصوات تنادي بضرورة اتباع النمسا ومواجهة خطورة الإسلام السياسي بخطوات ملموسة على الأرض، في حين يعترض بعض الفاعلين في المشهد السياسي الألماني على اتخاذ مثل هذه الخطوة على اعتبار أن حظر الإسلام السياسي الذي يحترم القانون والدستور لا يعدو كونه مكائد سياسية لا علاقة لها بالواقع.


وكلما وقعت بعض الهجمات في أوروبا تتجه الأنظار في الغالب صوب الإسلام السياسي وتشير أصابع الاتهام إلى كل من له صله بالإسلام وإن لم يكن ذلك صراحةً، وربما كان سبب ذلك ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي ازدادت ونمت بشكل لافت لأسباب كثيرة في الفترة الأخيرة، وقد استشعرت المجتمعات الأوروبية خطر الجماعات الدينية السياسية، وفي مقدمتها جماعة “الإخوان المسلمين” وغيرها من الجماعات التي يرى كثير من الأوروبيين أنها تعمل في النهاية على أسلمة الغرب وترفض الاندماج، وتفضّل العزلة والعيش في المجتمعات الظلامية الموازية، لكن حكومة النمسا أنشأت مؤخرًا “مركز التوثيق” الذي يهدف في المقام الأول لمحاربة الإسلام السياسي في الغرب والذي ترأسه الباحثة السياسية السيدة “ليزا فيلهوفر”، في خطوةٍ أثارت الكثير من الجدل، خاصة فيما يتعلق باستخدام المصطلح نفسه، فبينما تدافع السيدة “فيلهوفر”، عن استخدام المصطلح من الناحية العلمية والأكاديمية، وأنه يُقصد به أيديولوجية حكم تسعى إلى التغيير أو التأثير على المجتمع أو الثقافة أو الدولة أو السياسة، وأن هذا المصطلح تقني منضبط ولا يمكن الخلط بينه وبين المشاركة السياسية أو الالتزام الاجتماعي من قبل المسلمين للمساعدة في تشكيل المجتمعات الدينية الإسلامية، نجد هناك مَن يعارض هذ التوجه، خاصة الجمعية الإسلامية بالنمسا والتي امتنعت عن التعاون مع مركز التوثيق.


الإسلام السياسي يمثّل ذريعة للتيارات اليمينية المتطرفة


من جانبه، دعا السيد مهند خورشيد، رئيس المجلس الاستشاري العلمي لمركز توثيق الإسلام السياسي في فيينا ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر، الحكومة الفيدرالية الألمانية إلى إنشاء مركز أبحاث مماثل، وتابع قائلًا: “أَودُّ أن يُبدي الساسة الألمان المزيد من الشجاعة للاعتراف بوجود خطر على ألمانيا من قبل جماعة “الإخوان المسلمين” والمنظمات القومية التركية التي يطلق عليها «الذئاب الرمادية»، والتي تتمتع بقوة ونفوذ داخل المنظمات والأحزاب الألمانية والأوروبية، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تروّج لفهم رجعي للإسلام تشاركه فيه جماعة الإخوان المسلمين.


وتابع خورشيد، أن أحد مهام المركز تتمثل في العمل على التمييز بين الإسلامويين والمسلمين الذين يتبنى بعضهم عقيدة محافظة، لكنهم لا يمثلون تهديدًا للمجتمع الديمقراطي الحر، وأضاف أنه عبر هذا التمييز يمكننا أن ندحض إثارة الذعر الذي يستغله اليمينيون في أوروبا، ويمكننا في الوقت نفسه مواجهة استراتيجية الإسلامويين، الذين يريدون إسكات أي انتقاد لهم من خلال استغلال مصطلحات مثل “الإسلاموفوبيا” أو “العنصرية ضد المسلمين”.

ماكرون يعلن الحرب على الإسلام السياسي


نشر موقع “فرنكفورتر ألجماينا” تقريرًا للكاتبتين “لوسيا بوتريتش” و”سوزان شروتر” لفت إلى الخطوات الفعّالة التي يتّخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في محاربة الإسلام السياسي وإرساء القيم الجمهورية للمجتمع الفرنسي، رغم الظروف الصعبة التي واجهت بلاده بسبب دفاعه عن الرسوم الكاريكاتورية التي أدت بالعديد من الدول الإسلامية لمقاطعة المنتجات الفرنسية اعتراضًا على تصريحات ماكرون.


ويسير الرئيس الفرنسي في الاتجاه الصحيح بعد الهجمات الإرهابية على بلاده، ويجب على أوروبا أن تتخذ إعلان الرئيس الفرنسي للحرب ضد الراديكالية الإسلامية نموذجًا لاستراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب، وقد أعلن ماكرون الحرب على الإرهاب في فرنسا بعد الهجمات الأخيرة، ويحاول حاليًا تحقيق التوازن بين الإجراءات القمعية، مثل حل الجمعيات المتطرفة التي تهدف إلى الاندماج والمشاركة الاجتماعية، كما يرغب في دعم كل الجماعات والجمعيات الإسلامية ذات التوجه الأوروبي المستنير، وفي المقابل تضييق الخناق على الجماعات والجمعيات الراديكالية المتطرفة.


ولا شك أن هذا الأمر سيكون له تبعات في الداخل والخارج، لكنه في كل الأحوال لن يكون مماثلة للاحتجاجات والمقاطعات السياسية والاقتصادية واسعة النطاق لأجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، والتي حدثت عقب الأحداث الأخيرة. ومع ذلك، يجب على أوروبا دعم ماكرون في هذه الخطوة الرائدة؛ لأنها بحاجة إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع الإسلام السياسي الذي كان له دور – بلا شك – في الهجمات الأخيرة في فيينا، وفي الهجمات السابقة في كل من لندن وبرشلونة وبرلين وستوكهولم ومدن أوروبية وأخرى.


ومن ثَمَّ فإن مواجهة الإسلاموية الراديكالية تظل تحديًّا سياسيًّا لم تستطع أوروبا حسمه حتى اللحظة. ورغم أن المفوضية الأوروبية قدّمت استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف والإرهاب في بداية ديسمبر الماضي 2020، وسمحت بمزيد من التعاون بين السلطات الأمنية والسيطرة الأفضل على التدفقات المالية، غير أن هذه الاستراتيجيات لا تزال غير كافية، فما يزال الخطر الذي يشكّله التطرف والإرهاب قائمًا بالفعل، ومن الضروري قبل كل شيء مواجهة الأفكار المتطرفة، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ المزيد من الإجراءات في هذا الشأن إذا ما أرد الحفاظ على مجتمع القيم الحقيقي، وأن تصل الرسالة واضحة كما عرضها الرئيس الفرنسي؛ فالنضال من أجل حرية التعبير والقيم الدستورية وحقوق الإنسان هو الغاية المشتركة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد.


المتطرفون يعيشون في مجتمعات منعزلة


ولا يعاني غالبية المسلمين من التطرف ولا يعيشون في مجتمعات معزولة؛ فهم جيراننا وزملاؤنا وأصدقاؤنا، لكن لا يمكن أن نقبل بأن من يجرؤ علنًا على انتقاد بعض الآراء الإسلامية الموروثة يتعرض للخطر والاستبعاد الاجتماعي أو التهديد بالقتل، ولذلك يجب أن نقف إلى جانب هؤلاء، ولا يمكن أن يكون هناك فكر إسلامي أوروبي مستنير دون ضغط أكبر لتغيير جزء من السياسة، ولا يمكن أن ننتظر من المتشددين الإسلاميين الانخراط في ثقافتنا الأوروبية الديمقراطية، بل يجب علهم الالتزام باحترام قيمنا وثقافتنا، تمامًا كما نفعل مع التطرف السياسي.


إن الجريمة الجنائية التي يمارسها الإسلام السياسي – والتي يجري مناقشتها حاليًا في النمسا وتتمثل في المحاولة المستمرة وغير القانونية لاستبدال النظام القانوني الديمقراطي بنظام اجتماعي ونظام حكومي قائم على الدين فقط – يجب أن تدق ناقوس الخطر لأوروبا بأسْرها؛ لذا يجب أن تكون على الأقل نقطة انطلاق لمناقشة استراتيجية أوروبية مشتركة، ويجب المطالبة بضرورة الالتزام بقيمنا، لا سيما أمام الأفكار الدينية؛ لأن الأفكار المتطرفة لا تظهر فجأة؛ بل إن ظهورها يتوقف على التسامح الأعمى والذي يساء فهمه، ولذلك من الضروري تشجيع الغالبية العظمى من المسلمين العلمانيين على الدفاع عن القيم الأوروبية وعدم التزام الصمت تجاه المتطرفين؛ لأن المجتمعات المفتوحة ليست هي التي يجب أن تتغير، ولكن أولئك الذين يستخدمون الإسلام كأداة لتحقيق أهدافهم السياسية هم من يجب عليهم أن يصمتوا، ولن يتم ذلك إلا عن طريق المسلمين المسالمين والمعتدلين أنفسهم.

ربما يعجبك أيضا