نيويورك تايمز | هل سيكون بايدن رئيسًا نشطًا على الساحة العالمية؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

قبل عقد من الزمان، دلف “جوزيف بايدن الابن” إلى قاعة الاستقبال في العاصمة اليونانية أثينا ليلتقي رئيس اليونان، وهي آنذاك كانت دولة غارقة في الديون، ودخلت في مفاوضات متوترة مع الاتحاد الأوروبي. وقال بايدن لمضيفه، مشيرًا إلى أحد أعضاء وفده الذي يرتدي بزة رمادية: “هذا الرجل يمثّل وزارة الخزانة.. لقد أحضر مئات الملايين من الدولارات.”

انفجر المتواجدون بالقاعة ضاحكين، كان من الواضح أن نائب الرئيس لم يأتِ بحقيبة نقود لسداد ديون اليونان، بيد أن مزحته استوعبت حقيقة أعمق، ففي عام 2011، كان الكثيرون لا يزالون ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأسمى للنظام الدولي. ومن الواضح أن بايدن رأى نفسه وكيلًا لهذا الإرث، فثقته الطبيعية بنفسه جاءت نتاج أربعة عقود من عمله كعضو في مجلس الشيوخ يجوب العالم.

وبينما أدى بايدن اليمين الدستورية يوم الأربعاء، تعهد قائلًا: “إننا سنصلح تحالفاتنا وسنتواصل مع العالم مرة أخرى”، فإن السؤال بالنسبة للكثيرين في الخارج هو ما إذا كانوا سيرون هذا الرئيس هو رجل العالم قريبًا.

في عواصم العالم من أوروبا إلى آسيا، تساءل دبلوماسيون وخبراء في السياسة الخارجية عما إذا كانت الولايات المتحدة شديدة الانقسام، وأشد ضعفًا وأكثر انشغالًا بالاضطرابات الداخلية، بحيث لا يمكنها لعب ذلك الدور القيادي الذي اعتبره بايدن أمرًا مفروغًا منه حين كان عضوًا في مجلس الشيوخ ونائبًا للرئيس.

ومع ذلك، هناك أسباب للاعتقاد بأن الرئيس بايدن سيكون أكثر وضوحًا ونشاطًا مما يتوقعه الكثيرون، حتى في الوقت الذي يواجه فيه الوباء، والمساعي الحثيثة للتعافي الاقتصادي، ومعالجة الانقسامات العميقة التي خلّفها عهد ترامب. فمن الأشخاص الذين اختارهم لشغل مناصب رئيسية في السياسة الخارجية إلى فرص السفر المتاحة له هذا العام، يقول الذين يعرفون بايدن إنه من غير المرجح أن يظل بعيدًا عن الساحة العالمية لفترة طويلة.

فمن جانبه، قال “بيتر وستماكوت”، السفير البريطاني السابق لدى واشنطن خلال إدارة أوباما: “هذا رجل أمضى 40 عامًا في التعرف على قادة العالم.. فبمجرد أن تجد نكهة للعلاقات الدولية، لا يمكنك أن تتخلى عن ذلك”. وقال “وولفجانج إيشينجر”، السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة، إنه يتوقع أن يعتمد بايدن على علاقاته الشخصية لإصلاح العلاقات التي قطعها الرئيس السابق “دونالد جيه ترامب” مع الحلفاء الأوروبيين. وأضاف إيشينجر، الذي يدير الآن منتدى ميونخ للأمن، أن “جو بايدن خبير في العلاقات، وسيعمل بسهولة على إصلاح انعدام الثقة”.

ويهدف إيشينجر مباشرة إلى إقناع الرئيس بايدن بحضور مؤتمره السنوي المؤثر، فلديه فرصة جيدة لإقناعه، فقد كان بايدن عنصرًا أساسيًّا في منتدى ميونيخ لسنوات، ولا ينسى أحد ما أعلن عنه في عام 2009، بأن الرئيس “باراك أوباما” يريد الضغط على “زر إعادة الضبط” في العلاقات مع روسيا.

وفي خطاب تنصيبه، قال بايدن: “إن العالم يتابعنا”، ووعد بأن الولايات المتحدة “خرجت أقوى” من اختبار الإجهاد الذي مرت مؤخرًا، متعهدًا باستعادة القيادة الأمريكية التي كما قال: “إننا سنتبوأ القيادة، ليس فقط بمثال قوتنا؛ وإنما بقوة مثالنا”.

ومن المرجح أن يظهر بايدن لأول مرة رسميًّا في اجتماع لزعماء مجموعة السبعة في يونيو، والذي تستضيفه بريطانيا في منتجع ساحلي في كورنوال، وقد يوسِّع تلك الرحلة لتشمل وجهات أوروبية أخرى، بما في ذلك ألمانيا، حيث يمكنه توديع المستشارة “أنجيلا ميركل” قبل أن تتنحى.

أما في الخريف، فمن المتوقع أن يحضر بايدن اجتماع مجموعة العشرين في روما ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في جلاسكو بأسكتلندا، حيث يمكن أن يعلن قراره بالانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ. وإلى جانب التواريخ الواردة في الأجندة الدبلوماسية، يؤكد الخبراء أن اختيار بايدن لأعضاء إداراته لا توحي بوجود بيت أبيض يتطلع إلى الداخل.

فاختياره لـ “كورت إم كامبل” للعمل كمنسق لسياسة آسيا، على سبيل المثال، يمكن أن يتنبأ باتّباع نهج صارم مع الصين إلى جانب جهود نشطة لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية، فحين كان مسئولًا في وزارة الخارجية في عهد أوباما، ابتكر كامبل ما يسمى بـ “محور آسيا”. وتعليقًا على ذلك، قال “توماس رايت”، خبير السياسة الخارجية في معهد بروكينجز: “اختار بايدن أشخاصًا يفهمون ويلتزمون بالمنافسة الاستراتيجية”.

ويقول بعض الخبراء إن الفوضى في مبنى الكابيتول قد أضعفت الدور التقليدي للأمة وهو نصير الديمقراطية، وأن الأزمات المحلية المتتالية ستستهلك طاقة بايدن؛ ما يصرف انتباهه عن الشئون العالمية. فقد كتبت “إيما أشفورد”، الزميلة البارزة في المجلس الأطلسي في مجلة “فورين بوليسي”: “أهداف السياسة الخارجية الطموحة لا تتماشى مطلقًا مع حقائق الخلل السياسي والاقتصادي الداخلي في البلاد.. كيف يمكن للولايات المتحدة أن تنشر الديمقراطية أو تكون قدوة للآخرين، إذا كانت بالكاد تتمتع بديمقراطية فاعلة في الداخل؟”.

بيد أن “توماس رايت” أكد أن التهديدات المحلية للديمقراطية يجب أن تعزز تصميم إدارة بايدن على محاربة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين وروسيا والدول الأوتوقراطية الأخرى، وقال: “لم أفهم قط المقارنة بين الطموح في الداخل والطموح في الخارج… فبسبب تحدي الديمقراطية في الداخل، على الولايات المتحدة أن تكون أكثر نشاطًا في الدفاع عن الديمقراطية في الخارج”.

وقد تعززت الروابط بين السياسة الداخلية والخارجية من خلال تعيين “سوزان رايس”، التي عملت مستشارة للأمن القومي لأوباما، مديرةً لمجلس السياسة الداخلية لبايدن، وأشار الخبراء إلى أن الأولويات المحلية الرئيسية، مثل الوباء، تدخل أيضًا ضمن التحديات العالمية.

وفي السياق ذاته، استخدم أحد مساعدي بايدن البارزين، وهو “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي، موقع تويتر للتدخل في القضايا الحساسة حتى قبل أن يتولى رئيسه منصبه؛ حيث أدان اعتقال روسيا لزعيم المعارضة “أليكسي نافالني”، وناشد الاتحاد الأوروبي التفكير مرتين قبل توقيع معاهدة الاستثمار مع الصين، وقال إن تصنيف السيد ترامب للمتمردين الحوثيين في اليمن جماعةً إرهابية “لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة الشعب اليمني”.

ويبقى أن نرى بالطبع ما إذا كانت إدارة بايدن ستدعم هذه الكلمات بالأفعال، ولكن البعض يقول إن غرائز بايدن ومزاجه وخلفيته كعضو منذ فترة طويلة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تجعل من غير المرجح أن يتجاهل فرص قيادة الساحة العالمية.

فحين كان نائبًا للرئيس، كان معروفًا بقدرته على الوصول إلى قادة العالم. ففي رحلة إلى تركيا عام 2011، كانت هناك شكوك في أن يقابله الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الذي كان يتعافى من إجراء طبي تعرض له. وبدلاً من ذلك، دعاه أردوغان إلى منزله الخاص، حيث تبادلا الحديث – وهما مرتديان النعال المنزلية – لمدة ساعتين حول قضايا سوريا وإيران.

وقال بايدن مندهشًا للصحفيين: “لا أريد أن أبدو وكأنني أضخم من حجمي أو علاقتي به، لكننا استمعنا لبعضنا البعض. وكان يستمع بصدق إلى وجهة نظري ولم يكن يعارضها”. وفي أوقات أخرى، كان السيد بايدن يفتخر باستعداده للتحدث بصراحة مع الزعماء الأجانب، كما أنه خرج من مأدبة عشاء مع الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، في عام 2009 بعد تبادل حديث ساخن حول الفساد.

وفي عام 2012، جرى تكليف بايدن باستضافة “شي جين بينج”، نائب الرئيس الصيني آنذاك، عندما زار الولايات المتحدة، وفي أثناء تناول نخب “شي” على مأدبة غداء بمناسبة عيد الحب، عبّر بايدن عن سلسلة من الشكاوى، من سرقة الصين للملكية الفكرية إلى انتهاكات حقوق الإنسان. وقد قال بايدن حينها: “التعاون، كما تحدثت أنا وأنت، يمكن أن يكون مفيدًا للطرفين حين تكون اللعبة عادلة”.

وفي رحلته إلى الصين في العام التالي، انتقد بايدن الصين علنًا لرفضها الإعلان عن حقيقة نيتها حول تجديد تأشيرات المراسلين الأمريكيين ولحجبها مواقع وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية. وبعد عدة سنوات، طردت الصين مراسلي صحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها من الصحف الأمريكية.

ومن المؤكد أن التحدث كرئيس يختلف عن كونه نائب الرئيس، فخلال رحلته إلى اليونان في عام 2011، فكر بايدن مليًّا في مخاطر التعليق على التوترات المالية بين اليونان والاتحاد الأوروبي. وقال بايدن للصحفيين آنذاك: “كما تعلمون، ففي الأيام الخوالي عندما كنت عضوًا في مجلس الشيوخ، كنت أعبّر عن نفسي.. كنت أخبركم عن آرائي، ولكن الآن كل ما أقوله يُنسب إلى الإدارة”.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا