الصحافة الفرنسية| باريس تحت تهديد حجر صحي جديد.. ودبي وجهة السائحين رغم الجائحة

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

ميثاق مجلس الديانة الإسلامية.. انتصار سياسي للإليزيه

استعرضت صحيفة “ليبراسيون” النجاح الذي تحقّقه الحكومة الفرنسية على صعيد تنظيم الإسلام في فرنسا. فبناءً على طلب الرئيس إيمانويل ماكرون في نوفمبر الماضي، جرى تبني ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي رسميًّا، ومن المقرر أن يكون هذا الميثاق أحد أدوات مكافحة الانفصالية التي أطلقتها الحكومة.

وبعد الدخول في مفاوضات نهائية مع وزارة الداخلية الفرنسية، اعتمد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رسميًّا “ميثاق مبادئ إسلام فرنسا”، واكتسب هذا الميثاق الطابع الرسمي خلال اجتماع المجلس مع الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث وصفه الإليزيه بأنه خطوة أساسية. وقال أنور كبيبيش، رئيس تجمع مسلمي فرنسا الخاضع للتأثير المغربي وأحد الاتحادات الخمسة التي وقّعت على الميثاق: “هذا نص طموح يذهب إلى حدٍّ بعيدٍ جدًّا”.

وتثير الوثيقة التي تضم عشر مواد وتتحدث بلغة واضحة وتستشهد دائمًا بآيات من القرآن الكريم، حالة من الفوضى الإسلامية في فرنسا، حيث ينادي النص بالمساواة بين الرجل والمرأة – دون معالجة حقيقية لمسألة الحجاب الشائكة – وأسبقية قوانين الجمهورية على المعتقدات الدينية، ورفض القبضة الخانقة للدول الأجنبية، وإدانة الأفعال المعادية للسامية ولقوانين الجمهورية ورهاب المثلية وكراهية النساء، كما يعترف الميثاق بحرية الاعتقاد وحرية تغيير الدين، وهي قضية محل نقاش كبير في الأوساط الإسلامية المحافظة. يقول أستاذ الاجتماع فرانك فريجوسي “بطريقة ما، هذه هي الوصايا العشر للإسلام الجمهوري”.

خمسة من تسعة اتحادات توقّع على النص

وبفارغ الصبر، كان الجميع ينتظر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وميثاقه لمكافحة تيار الإسلام السياسي الذي تحاربه الحكومة بشدة منذ الخريف الماضي. ويشير نص الميثاق على وجه التحديد إلى الحركات التي تروّج للإسلام السياسي، كالسلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين وحركة التبليغ التي وُلِدَت في باكستان في بداية القرن العشرين، والتي لعبت دورًا مهمًّا في نشر إعادة الأسلمة في صفوف الجيل الأول من العمال المهاجرين بفرنسا.

وحتى الوقت الحالي، وقّعت خمسة من الاتحادات التسعة التي تشكّل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية على الميثاق، حيث انسحب الجامع الكبير بإقليم ريونيون من المشروع لخصوصياته، كما افتقد الميثاق أيضًا لتوقيع حركة الإيمان والممارسة، المقرّبة من جماعة التبليغ، والمنظمتان التركيتان “مللي جوروش واللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا” الخاضعتان لسيطرة أنقرة، وحتى لو قال المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إن جميع الاتحادات ستوقّع في نهاية المطاف، يبقى موقف تركيا من الميثاق مجهولًا.

وبدأ هذا المشروع بناءً على طلب من رئيس الجمهورية خلال اجتماع عُقِد في 18 نوفمبر مع مسئولي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي لا يفشل في إثارة الانتقادات. فهل تتدخل الدولة بذلك في الإدارة الداخلية لديانة ما؟ يقول غالب بن شيخ، أستاذ العلوم الإسلامية: “بموجب قانون 1905، لا يتعين على الدولة التدخل في الشئون الداخلية لأي دين. لكن يمكنني أن أفهم أن السلطات العامة تسعى للحصول على محاورين موثوقين، وقد يبدو هذا الوضع غير عادل تجاه الإسلام، لكنه مبرر، لا سيما في ضوء ما عشناه هذا الخريف من العنف الأيديولوجي الذي أخذ الدين الإسلامي رهينة له”. ووفقًا للإليزيه، لم يحدث أي خرق لقانون 1905.

النجاح أو الاختفاء

وإلى أبعد حد، ضغطت الحكومة بكامل ثقلها من أجل التصديق على الميثاق، لذلك أعادت شمس الدين حافظ عميد المسجد الكبير في باريس إلى طاولة المفاوضات بعد أن انسحب منها أواخر العام الماضي. يقول مصدر مطلع على الأمر: “بالنسبة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لم يكن هناك خيار: إما النجاح وإما الاختفاء”، لذلك يشبه العديد من المراقبين طريقة إيمانويل ماكرون بالطريقة التي استخدمها نابليون عام 1806 فيما يتعلق باليهودية الفرنسية. فمن خلال استبيان، أجبر الإمبراطور بعد ذلك قادة المجتمع اليهودي (آنذاك) على مواجهة الإطار القانوني للمجتمع الفرنسي لما بعد الثورة، كالطلاق، وتعدد الزوجات، والزواج المختلط.. إلخ. أما الرهان الحالي فيتمثل في حشد الجهات الفاعلة الأخرى في العالم الإسلامي لتأييد هذا الميثاق. ووفقًا لمصدر في الإليزيه، لا تخفي الحكومة رغبتها في استخدام النص لمعاقبة الأئمة الذين لا يحترمون الالتزامات المقطوعة عليهم، وباختصار، ستتخذ الحكومة هذا الميثاق كأداة في معركتها ضد ما تسميه “الانفصالية”.

ويمهد التوقيع على الميثاق الطريق لإنشاء المجلس الوطني للأئمة، المنوط به السيطرة على تدريب المسئولين الدينيين المسلمين العاملين في فرنسا ومنحهم تصاريح العمل. ولكن مع من ستعمل هذه السلطة؟ في الوقت الحالي، يسود الغموض حيال هذا الأمر. وبينما تمتلك فرنسا ما يقرب من 2500 دار عبادة للمسلمين، فإن 1000 منها بالكاد تنتمي إلى الاتحادات التي تشكّل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

وفي الواقع، تدار معظم المساجد الفرنسية من قبل جمعيات مستقلة، فهل سيوقعون على هذا الميثاق أم لا؟ يقول كمال قبطان رئيس جامع ليون الكبير: “لا نعرف حتى الآن ما الذي سنفعله، فنحن نكتشف الأمر، وللأسف، كان يجب إشراكنا في المباحثات منذ البداية”، وعبّر عن انزعاجه الشديد قائلًا: “لم تتم معاملة أي دين بهذه الطريقة”.

وفي الوقت الحالي، يريد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المضي قدمًا في إنشاء الهيكل الإداري للإسلام، وهو أحد المشاريع الكبرى التي يقودها رئيسه الحالي محمد موسوي، حيث يحاول المجلس الاقتراب من الميدان، لكنه يواجه انتقادات متكررة بسبب افتقاره إلى تمثيل كافة الأطياف، ويُعدُّ التواجد الإقليمي للمجلس هو مفتاح الميثاق للقيام بدوره بشكل الكامل، ويوضح أحد المشاركين قائلًا: “في الإليزيه، أخبرنا رئيس الجمهورية أنه لا يريد أن يتم التوقيع على هذا الميثاق فحسب، بل أن يجري متابعة تنفيذه أيضًا، لكن حاليًا؛ يظل هذا الأمر المجهول الأكبر …”.

لماذا رفضت الاتحادات التركية توقيع ميثاق إسلام فرنسا؟

وعن الأطراف الرافضة لتوقيع ميثاق مبادئ إسلام فرنسا، بحثت صحيفة “لاكروا” في حوار صحفي مع مدير قسم الدراسات التركية بجامعة استراسبورج “سميم أكوجنول”، أسباب هذا الرفض، حيث رفضت ثلاثة اتحادات من الثمانية (اثنان منها مقربان من تركيا) التوقيع على الميثاق، والذي جرى تقديمه مؤخرًا للرئاسة الفرنسية، وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار:

جريدة لا كروا: كيف يمكن فهم رفض اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا وحركة “مللي جوروش” المقربين من الدولة التركية، التوقيع على ميثاق مبادئ إسلام فرنسا؟

سميم أكوجنول: تطرح المادة السابعة من الميثاق مشكلة لبعض الاتحادات، حيث تطلب من الموقّعين عدم الترويج للإسلام السياسي وعدم نشر الخطاب الوطني الذي يدافع عن الأنظمة الأجنبية، وتخصيص مزيد من التمويل لدور العبادة دون الرجوع في ذلك إلى الصناديق الأجنبية.

ونجد أن أحد الاتحادات الفيدرالية الثلاثة التي رفضت التوقيع، هي جماعة الإيمان والممارسة، فرع حركة التبليغ الإسلامية، وحدّدها الميثاق صراحة بأنها جزء من تيار الإسلام السياسي، بينما يؤكد الاتحادان التركيان الآخران أن عدم ممارسة السياسة أو قطع التمويل الأجنبي يبدو من العبث بالنسبة لهما؛ لأنه جزء من هويتهما.

كيف يروج هذان الاتحادان للإسلام السياسي والقومية التركية؟

تعد اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا جمعية مسلمة، لكنها متداخلة مع وزارة الشئون الدينية التركية، وهي تدعم السياسة القومية الإسلامية المحافظة للرئيس أردوغان، وتكرّس جزءًا كبيرًا من أنشطتها للتعليم والسياسة، وبينما يتشكّل جزء من أعضائها من مواطنين فرنسيين، تتكفل الحكومة التركية بأجور أئمتها وتموّل مقارها.

أما فيما يخص حركة ميللي جوروش، فهي شبكة إسلامية أوروبية مقربة من الحكومة التركية بحكم أن النظام الحاكم حاليًا هو ابن لهذه الحركة الدينية التي تأسست عام 1969 بتوجهات محافظة وقومية للغاية، وتتلقى الحركة تمويلًا تركيًّا غير مباشر من صناديق تابعة للدولة، وأنشأت مدارس وجماعات سياسية ناشطة في فرنسا، وهذان الاتحادان أوضحا أنهما سيرجعان إلى قواعدهما قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن الميثاق، والمقصود بالقواعد هنا هي أنقرة.

ما المخاطر التي تنطوي على رفض الاتحادين المقربين من أنقرة التوقيع على هذا الميثاق؟

يخاطر هذان الاتحادان بشكل خاص بخسارة التأثير لأن أنقرة تستغل الإسلام للتوغل في فرنسا، وتطلب والحكومة التركية من المؤسسات الدينية إظهار نفسها للدولة عبر نشر الخطاب القومي، كما تشارك الاتحادات التركية بشكل أكثر نشاطًا في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ عشر سنوات. وبعد أن كان هذا المجلس يبدو وكأنه عمل مشترك بين فرنسا ومستعمرتيها السابقتين: المغرب والجزائر، وبوصول أردوغان إلى السلطة في تركيا والتوسع في نفوذ أنقرة بأوروبا، غيرت تركيا استراتيجيتها بشكل كامل، وبما أن الأشخاص ذوي الأصول التركية لا يمثّلون سوى أقلية صغيرة من مسلمي فرنسا، يعدّ تمثيل الاتحادات التركية داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ضخمًا إلى حدٍّ كبير لدرجة أنهم صاروا يتشاركون الرئاسة التناوبية للمجلس منذ عام 2013.

هل يمكن أن يعود الاتحادان التركيان في قرارهما؟

أعتقد نعم، لأن هذا الرفض كان بمثابة رفض رمزي يهدف إلى تمييز الاتحادات المرتبطة بالمستعمرات القديمة والتي تُعدّ خاضعة للتأثير الفرنسي. وبالتأكيد تطرح المادة السادسة من الميثاق مخاوف بشأن خسارة الرابط التمويلي والسياسي مع الإدارة التركية، لكن الميثاق يترك أيضًا المجال للتأويل، حيث إنه يشجع على وقف التمويل الأجنبي بأنواعه ولا ينص على منعه بشكل حقيقي، كما أن قضية التأهيل الفرنسي للأئمة لا تزال في بداياتها، والميثاق يرفع المعايير بشكل مرتفع جدًّا ويحول دون تطبيقها بشكل فوري.

ميثاق مبادئ إسلام فرنسا : منعطف تاريخي أم سراب في الصحراء؟!

وحول هذا الميثاق أيضًا، نشرت جريدة “أوبنيون انترناسيونال” مقالًا للكاتب “ميشيل تاب” أكد من خلاله أن الميثاق ليس إلا أداة للمناورة، لكن هل سيكون ماكرون أحمق لدرجة الاعتقاد بأن اعتماد الميثاق قد يغيّر من مجريات الأمور؟!

واعتبر الكاتب أن الآراء حول تطبيق الميثاق الذي جرى التوقيع عليه مؤخرًا تنقسم من قِبل ثلثي الاتحادات التي تُشكّل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، فيما رفضت جمعية العقيدة والممارسة المحافظة، وهي أحد الاتحادات التسع التي من المفترض أن تمثل الإسلام في فرنسا، التوقيع على الميثاق. بينما طالب اثنان آخران، من بينهما اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا المتأثرة بتركيا، تعديل النص قبل النظر في التوقيع عليه.. فهل يجب أن نحييهم على هذه الصراحة؟

ورأى الكاتب أن جميع المعارضين يريدون العودة إلى قواعدهم لأنهم يعلمون جيدًا أنها أكثر صرامة من ممثليهم، فيما يرى بعض المعلقين في هذا الميثاق تقدمًا هائلًا نحو إسلام فرنسا المنخرط تمامًا في الجمهورية، على غرار ذلك الذي حصل عليه نابليون فيما يتعلق باليهود في عام 1807، عندما قبل السنهدرين الأكبر الخضوع الكامل للقوانين العلمانية في مقابل الحصول على المواطنة الكاملة لليهود، لكن هذا القياس متسرع والمقارنة لا صلة لها؛ لأن اليهود، الذين هم أقل عددًا بكثير من المسلمين اليوم، لم يكن لديهم أي مساعٍ تبشيرية.

ومع ذلك، فمن الصحيح أن ميثاق مبادئ الإسلام يعترف بشكل من أشكال خضوع الإسلام للقانون العلماني وبعض مبادئه، بما في ذلك المساواة بين المرأة والرجل، كما أنه قدّم المسيحية واليهودية عليه، مؤكدًا أن فرنسا ليست عدوًّا للإسلام، وهذا الأمر مهم جدًّا بعد احتجاج القادة السياسيين والدينيين في العالم العربي الإسلامي، كما نلاحظ أن النص يحتوي على إدانة السلفيين والإخوان المسلمين. ومن هذا المنظور، يبدو أن مشكلة الإسلام السياسي قد جرى حلها، كما طويت الصفحة ويمكننا المضي قدمًا؛ فتحية لماكرون نابليون القرن العشرين!

واعتبر الكاتب أن هناك محللين آخرين يبدون أكثر حذرًا؛ لأن الالتزام الوارد في هذا الميثاق هو في النهاية مجرد التزام على الورق فقط، ونعلم جميعًا أنه عندما يفشل القادة أو لا يرغبون في تغيير السلوكيات، فإنهم يتبنون ميثاقًا. ولكن هل سيدّعي المسلمون أنهم فيدراليات يرفضون الانضمام إلى الميثاق ويروّجون علانية للنزعة الانفصالية ويمارسونها؟

من وجهة نظر دينية، معظم المدارس الشرعية في الإسلام السُّني لا تتماشى مع ميثاق مبادئ الإسلام، لا سيما ما يتعلق بالمساواة بين المرأة والرجل أو الردة؛ فتعاليمهم واجتهاداتهم هي في معظم الأحيان نقيض للعلمانية. وبعض المذاهب، مثل تلك التي دافع عنها ملك المغرب، تدعو إلى وضع الرسالة القرآنية في سياقها، وبالتالي دمجها في الأطر القانونية والسياسية الحديثة، لكن الصراعات الأيديولوجية داخل الإسلام شرسة.

وفي الواقع، يعمل قادة الرأي في الإسلام السياسي والراديكالي في العالم النقابي أو الثقافي أو الديني، وفي الأندية الرياضية أو الأعمال التجارية أو الخدمات العامة، بشكل منهجي على تثبيت النزعة الانفصالية، وهذه القطعة الورقية لن تُثنيهم عن ذلك. فمن عام إلى آخر ومن استطلاع إلى آخر، تؤكد جميع المؤشرات انزلاق المجتمع المسلم نحو تطرف معين يؤدي إلى الانفصال، لا سيما بين الشباب، وباتت الأغلبية تفضل الآن الشريعة الإسلامية إذا ما تعارضت مع القانون الوطني، وهذا الأمر يمثّل نقيض الالتزامات الواردة في ميثاق مبادئ الإسلام الذي صاغه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

وفي العلاقات الدولية والحروب، من المعتاد التأكيد أن الشركاء يتصرفون بنية حسنة، لكن يتم الاستعداد كما لو لم يكن الأمر كذلك. ومن المؤكد أن الحرب ضد الإسلام الراديكالي هي حرب داخلية، لها آثار وتأثيرات خارجية قوية، ويمكن تطبيق هذه القاعدة على تلك المعركة، ولكن نظرًا لطبيعة بعض المحاورين، من الصعب تصديق الحكاية الخيالية بأن إسلام فرنسا بات فجأة علمانيًّا وجمهوريًّا بالكامل وخاليًا أيضًا من النفوذ الأجنبي الضار.

وفي النهاية، لقد حان الوقت لمؤيدي الإسلام العلماني أن يذهبوا إلى أبعد من الصياغة البطيئة لميثاق المبادئ، وأن يتخذوا آلاف الإجراءات المؤلمة والضرورية في نفس الوقت، ليتمكنوا في النهاية من تأسيس إسلام فرنسا الحقيقي.

فرنسا تحت تهديد حجر صحي جديد

سلطت صحيفة “ليكسبريس” الضوء على تفاقم الحالة الصحية في فرنسا، وحذرت من تضاؤل فرص الحكومة لتجنب الحجر الثالث، حيث تزداد احتمالية إعادة فرض الحجر الصحي في فرنسا نظرًا لتطور الوباء، ولا تزال الحكومة ترغب في تجنب ذلك، لكن قريبًا لن تتمتع بأي فرصة للمناورة.

ويتصاعد الوضع كل يوم، فهل الحجر الثالث بات حتميًّا؟ بالنسبة للكثيرين، لم يعد السؤال هو: هل سيحدث، ولكن متى سيحدث. فبعض المهنيين الصحيين دعوا إلى فرض الحجر الصحي لعدة أيام أو حتى أسابيع في مواجهة الوضع الصحي الهش للغاية في فرنسا، وخطر المتحور البريطاني الذي ينتشر بسرعة في البلاد. وقد حذر وزير الصحة، أوليفييه فيران، من مثل هذا السناريو قائلًا: “يمكن أن نتخذ إجراءات أكثر صرامة، قد تصل إلى حد الحجر”.

مؤشرات مقلقة

وتوضح صحيفة “لو باريزيان” أن مجلس الدفاع الجديد سينعقد هذا الأسبوع، لكن لن يكون هناك إعلان عن إجراءات جديدة؛ لأنه حتى لو تدهور الوضع، يبقى أمل واحد وهو: تعميم حظر التجول من الساعة الساسة مساءً، وتأمل الحكومة في الحد من انتشار الفيروس وتتبع آثاره، وهذا الأمر يتطلب الانتظار لبضعة أيام أخرى.

لكن المؤشرات ليست جيدة في الوقت الحالي، فأعداد الحالات تتزايد، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين استقبلتهم المستشفيات يوم الجمعة الماضي فقط بنحو 137 حالة، وارتفع عدد حالات العناية المركزة بمقدار 36 شخصًا، وهذا الرقم هو الأعلى منذ 10 ديسمبر الماضي. أما بالنسبة للحالات الجديدة، فنحن نعرف الآن جيدًا أن الرقم المستهدف، وهو 5 آلآف حالة يومية بات بعيد المنال، بعد أن جرى تسجيل أكثر من 23 ألف إصابة جديدة في 24 ساعة.

وتكمن المشكلة في أن الموجة الثانية لم تنحسر بما فيه الكفاية؛ ما قد يؤدي إلى موجة ثالثة “قاتلة”، وفقًا لرئيس هيئة سامو فرنسا للطوارئ الدكتور فرانسوا براون، حيث قال لوكالة الأنباء الفرنسية: “لن نكون قادرين على استيعاب الموجة الثالثة بنفس الطريقة التي واجهنا بها الموجتين الأولى والثانية”.

إجراءات جديدة.. وقليل من الأمل

ولمواجهة هذا الوضع، اتخذت الحكومة المزيد من الإجراءات، واعتبارًا من الأحد المقبل، سيتعين على المسافرين الأوروبيين تقديم اختبار “بس سي آر” سلبي يجرى في غضون 72 ساعة قبل وصولهم. وبناءً على توصية من المجلس الأعلى للصحة، دعت الجمهور إلى عدم ارتداء أقنعة نسيجية معينة، بما في ذلك الأقنعة المصنوعة منزليًّا، لأنها لن تكون فعّالة بدرجة كافية، وأخيرًا، سيتم زيادة مسافة الأمان البينية في حالة عدم وجود قناع من متر إلى مترين.

لكن الكثيرين يتوقعون ألا تكون هذه الإجراءات كافية. فمن جانبه صرح مصدر حكومي لوكالة الأنباء الفرنسية أن “فرضية الحجر الصحي الشامل تزداد احتمالًا”، ولسبب وجيه وهو أن: التوقعات التي نشرها المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي ومعهد باستور تتنبأ بزيادة هائلة في الوباء بسبب النسخة الإنجليزية المتحورة.

من جانبه قال أرنو فونتانيت، عالم الأوبئة بمعهد باستور: “في الواقع نحن في آخر فرصة، وكل شيء سيعتمد على انتشار النسخ المتحورة، وخاصة تلك التي ظهرت في المملكة المتحدة وعلى إجبار البلاد في الدخول في الحجر الصحي مرة أخرى في مواجهة تفشي الوباء”.

كيف تمكنت دبي من اجتذاب السياح الفارين من كورونا؟

وأخيرًا، أشارت جريدة “لوباريزيان” إلى نجاح إمارة دبي في إحياء السياحة، حيث يُعدّ هذا القطاع أحد أركان الاقتصاد الإماراتي. وبالرغم من الوباء، يتسابق الزائرون للهروب من القيود المفروضة في بلدانهم، ولا تزال الإمارة الإماراتية مفتوحة أمام السياح من جميع أنحاء العالم؛ فلا شيء تغير في دبي التي تبدو مبهرة على إيقاعات صور ناطحات السحاب والصحراء التي تُنشر على تطبيق انستجرام للتواصل الاجتماعي.

ومنذ بداية الأزمة، تتفاخر سلطات دبي بتمكنها من السيطرة على الوباء باستخدام سلاح التكنولوجيا الحديثة وفرض غرامات على كل من يمتنع عن ارتداء القناع، كما جرى تطبيق التباعد الاجتماعي على نطاق موسع في الأماكن العامة، وكذلك إلزام جميع السياح عند وصولهم إلى مطار دبي بتقديم اختبار طبي حديث يؤكد عدم إصابتهم بالوباء.

اتخاذ كل ما يلزم لتجنب الاتصال

وفي حي الفهيدي التاريخي، يتوافد الزوار إلى المباني الحجرية الصغيرة على ضفة قنوات دبي القديمة، حيث تتوافر المطهرات في كل مكان. من جانبه يؤكد ناصر جمعة بن سليمان، مدير الموقع، أن حماية السكان أولوية بالنسبة لهم، وقال: جرى تحديد عدد السائحين بعدد 20 مرافقًا لكل مرشد بدلًا من 100، وذلك لتقليل أعداد الحضور.

في حين تقول آندي بيتمان، وهي أمريكية جاءت لقضاء خمسة أسابيع في دبي مع أسرتها: “أشعر بأمان هنا أكثر مما أشعر به في الولايات المتحدة؛ لأنني أعتقد أن الناس هنا يحترمون ارتداء الأقنعة ويلتزمون بالتباعد الجسدي بشكل أفضل. لدينا أطفال صغار بحاجة إلى الخروج ورؤية العالم، لذا فنحن على استعداد للمجازفة من أجل ذلك”. من جانبها قالت صوفيا أموش، 24 سنة، التي أتت من فرنسا لقضاء إجازة لمدة أسبوعين ثم قررت تمديدها لقضاء شهر كامل في الإمارة: “جرى اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتفادي الاتصال”، وتعتقد أن “إدارة الوباء في دبي أفضل بكثير مما هي عليه في باريس”، بالرغم من أن فرنسا تفرض حظر تجول وتدابير استثنائية على المسافرين لمحاولة إبطاء وصول طفرات جديدة لفيروس كورونا.

وتشكّل السياحة أحد أركان الاقتصاد في دبي التي استقبلت 16 مليون زائر في عام 2019، وكانت تستهدف فيما قبل الوباء الوصول إلى 20 مليون زائر في عام 2020. وبسبب تنوع اقتصادها وعدم اعتمادها على البترول قررت إمارة دبي فتح أبوابها أمام السياح في يوليو الماضي بعد فترة الحجر الصحي الصارم التي شهدتها في الربيع الماضي.

ولاحظ سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين بمركز أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط، أنه “يبدو أن دبي تحتل موقعًا مهمًّا كوجهة مفضلة لأولئك الذين يريدون الهروب من الحجر الصحي، وهذا الرهان محفوف بالمخاطر؛ لأن الموجة الثانية من كوفيد-19 ستقوّض هذه الاستراتيجية”. ويضيف ليفرمور: لكي تنجح دبي في رهانها، يجب أن تظل الإمارة مفتوحة وعلى تواصل، وعليها قبل كل ذلك استمرار السيطرة على الوباء.

ربما يعجبك أيضا