نيويورك تايمز | القادم أسوأ للجميع.. ما الذي ستؤول إليه احتجاجات السبت الماضي في روسيا؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد حدث شيءٌ مميزٌ يوم السبت الماضي حين اندلعت الاحتجاجات في روسيا، حيث دعا عشرات الآلاف من الأشخاص، في جميع أنحاء البلاد، إلى إطلاق سراح زعيم المعارضة المسجون “أليكسي نافالني”. وبالتأكيد لم يكن مميزًا ذلك العنف الذي واجهه المتظاهرون، والذي لم يسلم منه حتى المارة، مثلما حدث مع امرأة في سانت بطرسبرغ ركلها ضابط شرطة يرتدي ملابس مكافحة الشغب في بطنها، أو استهداف الأمن المتعمد للصحفيين، فمثل هذه الأحداث شائعة للأسف!

كذلك لم يكن مميزًا هؤلاء الأشخاص الذين خرجوا للاحتجاج في أكثر البقاع برودة في روسيا، مثل ياكوتسك، حيث انخفضت درجات الحرارة إلى 60 فهرنهايت، فلم تمنع البرودة الشديدة والبُعد المواطنين الروس من التعبير عن استيائهم من قبل.

وإذا كان هناك أمر واحد دلّت احتجاجات يوم السبت على أهميته، فمن المحتمل أنه يتمثّل في أن لقطات شرطة مكافحة الشغب في موسكو تبدو ضائعة ومشوشة، بينما كان الحشد يهاجمهم بكرات الثلج، أو كما أظهر مقطع فيديو آخر لشبان يواجهون شرطة مكافحة الشغب الذين يرتدون ملابس كاملة بشراسة لدرجة أن الضباط، الذين من الواضح أنهم لم يتوقعوا مواجهة مثل هذه المقاومة، أخذوا يتراجعون.

إن أعمال التحدي والتصعيد هذه – حيث أدين الناس في الماضي بإلقاء أكواب وزجاجات بلاستيكية صوب ضباط الشرطة – سلطت الضوء على عمق الاستياء الشعبي من الحياة في عهد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. وتعدّ هذه الاحتجاجات، التي دعا إليها زعيم معارضة مسجون ضد تحذيرات الحكومة، تطورًا مهمًّا، فبعد سنوات من الهدوء النسبي، عادت روسيا للاضطراب مرة أخرى.

ولكن القمع هذه المرة حطَّم الأرقام القياسية، ففي المظاهرات التي اندلعت يوم 27 يوليو 2019، اعتُقل 1373 شخصًا في أكبر حملة اعتقالات للمتظاهرين منذ عقود. أما مظاهرات يوم السبت، فقد اعتُقل بسببها حوالي 3100 شخص؛ حيث إن عملية الاعتقال في بعض الأحيان كانت شبه ميكانيكية، ففي إحدى المظاهرات السابقة والتي جرى تسجيلها بالفيديو، عرض أحد المتظاهرين، مدركًا أن ضابط الشرطة لا يريد سوى إكمال حصته من المعتقلين، نفسه بدلًا من متظاهر آخر؛ فاعتُقل بدلًا منه!

ولكن لم تعد الطريقة الهادئة لهذا الاعتقال موجودة في مظاهرات يوم السبت التي واجهتها الشرطة بيد من حديد وقمع شديد، فخلال حركة “استراتيجية 31″، التي سُميت على اسم مادة في الدستور الروسي تضمن حرية التجمع، من عام 2009 إلى أواخر عام 2011، تجمّع المتظاهرون في موسكو في اليوم الـ 31 من كل شهر يتضمن 31 يومًا، وعلى الرغم من عدم سماح السلطات بذلك، فقد كانت الاحتجاجات منظمة وقانونية بشكل واضح.

ولكن هذه العادة تغيرت، فقبل تنظيم أي مظاهرة، كان المتظاهرون– على مدى العِقد الماضي– يميلون إلى طلب إذن من السلطات، ومن جانبها أجازت حكومة مدينة موسكو بعض أكبر التجمعات من أجل انتخابات نزيهة في أواخر 2011 و2012. وكذلك كانت مظاهرة “المقاومة الرقمية” في أبريل 2018 ضد محاولة الحكومة حظر تطبيق المراسلة الشهير “تليجرام”.

ولكن هذه المرة لم تعد كذلك، فإذا كنتَ – أي المتظاهر– معرضًا لخطر الضرب والاحتجاز والإجبار على مواجهة تهم سخيفة، سواء حصلت على تصريح أم لا، فلماذا إذًا تهتم بالأوراق؟!

وقد كانت السمة البارزة في مظاهرات يوم السبت عدم وجود تنظيم مركزي، فبدلًا من حصر أنفسهم في ميدان أو شارع مركزي واحد، انتقلت الحشود عبر المدن والبلدات، وهو أيضًا أنه يجعل إحصاء أعداد المتظاهرين أمرًا صعبًا، فبالنسبة لموسكو وحدها، تتراوح تقديرات عدد المتظاهرين من أربعة آلاف إلى عشرة أضعاف ذلك.

وقد أدت عدة عوامل إلى هذه النقطة، والعامل الأوضح هو “أليكسي نافالني” نفسه. فقد رفعه عقد من النشاط المناهض للفساد منذ فترة طويلة إلى موقع الصدارة بين معارضي الرئيس، فعند محاولة تسميمه في أغسطس، والتي ادّعى أنها كانت بأمر من بوتين شخصيًّا، كان يجسّد المعارضة فعليًّا، كما أن عودته الشجاعة إلى روسيا هذا الشهر، مع علمه بأنه سيُعتقل على الفور، أكسبته المزيد من المديح، ولا شك أن تحدي الآلاف من المواطنين الروس، في جميع أنحاء البلاد، لأمر الحكومة بالبقاء في المنزل، يشهد على قوة دعوته.

وبينما كان نافالني في السجن الأسبوع الماضي، أصدر موظفو منظمته غير الربحية، “مؤسسة مكافحة الفساد”، مقطع فيديو مدته ساعتان تقريبًا زعم أنه يكشف عن تفاصيل قصر فخم على شاطئ البحر الأسود – مزود بـ “سبا” وحلبة للتزلج على الجليد وقاعة كازينو – يمتلكه بوتين عبر شبكة من الوسطاء، فيما ينفي بوتين تلك المزاعم.

ورغم أنه من الصعب معرفة تأثير هذا الفيديو على الاحتجاجات، زعم البعض أن هذا الفيديو، الذي تمت مشاهدته أكثر من مائة مليون مرة، لعب دورًا في إخراج الناس في جميع أنحاء البلاد، خاصة في المناطق التي لا تعدّ عادةً أن تكون بؤرًا للنشاط الاحتجاجي.

ولكن الاحتجاجات خرجت أيضًا وكشفت عن عجز الحكومة، التي لا تقدّم لمواطنيها الساخطين أي شيء سوى القمع ونظريات المؤامرة، وغالبًا ما يجري تصوير نافالني على أنه عميل أجنبي، والاحتجاجات على أنها ممولة من “الغرب”. وفي المقابل لا توجد رؤية للمستقبل، مع جهود قليلة في الوقت الحاضر لتحسين حياة الشعب، والتي تدهورت الآن بسبب وباء كورونا.

ومن الواضح أن الدعاية الحكومية تفشل على المنصات؛ حيث تحاول التنافس مع الأصوات المستقلة. ففي يوم السبت، كان عدد من شاهدوا تغطية الاحتجاجات على قناة “تي في راين”، وهي قناة صغيرة مستقلة، أكثر بعشرة أضعاف من مشاهدي البث المباشر على قناة “آر تي “، التي تديرها الحكومة.

وربما تخرج المزيد من الاحتجاجات، كما وعد ليونيد فولكوف، الحليف الوثيق لنافالني؛ ومع ذلك، سيكون من الحماقة الاعتقاد بأن هذه الاحتجاجات ستقود إلى تغييرات سياسية كبيرة أو تنازلات من الدولة. وإذا كان هناك أي شيء، كما هو الحال مع الاحتجاجات الجماهيرية منذ ما يقرب من عقد من الزمان، فمن المحتمل أن تؤدي فقط إلى المزيد من القضايا الجنائية والقوانين القمعية.

غير أن ما حدث يوم السبت هو أمر مهم، فلم يعد القمع والإكراه كافيين لثني الروس عن الاحتجاج، فوفقًا لعلماء الاجتماع الذين درسوا مظاهرات يوم السبت، كان 42% على الأقل من جميع المشاركين من المتظاهرين لأول مرة. ومن الواضح أن نافالني قد ضرب على وتر حساس خارج دائرة مؤيديه المعتادة، ومن المرجح أن يرد الكرملين بمزيد من التصعيد.

وفي النهاية، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما قد يؤدي إليه ذلك، إلا أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا، وهو أن القادم لا يبشّر بالخير للجميع!

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا