معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي | ينبغي أن يتبع بايدن نهج ترامب الصارم تجاه الصين

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

في خطاب تنصيبه، أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن الأمريكيين “سيتم الحُكم عليهم” بشأن مدى قدرتهم على “حل المشاكل المتتالية في عصرنا”. وعبّر بايدن عن ثقته في أن البلاد “سترقى لمستوى الحدث”، مُتعهدًا بـ“إننا سنتبوأ القيادة ليس فقط بمثال قوتنا، وإنما بقوة مثالنا“.

إن التناقض مع خطاب ترامب المثير للانقسام والانعزالي لا يمكن أن يكون أوضح من ذلك. لكن اتباع لهجة مختلفة أسهل من عكس مسار التراجع النسبي لنفوذ أمريكا، ولتحقيق ذلك، سيحتاج بايدن لاتباع قيادة حكيمة وتطلعية. وهذا لا يعني بالضرورة إجراء قطيعة مع كل شيء فعله ترامب.

إن الاستقطاب السياسي المُهلك في أمريكا قوّض موقفها الدولي، كما عرقلت الاعتبارات الحزبية الأهداف طويلة الأمد في مجال السياسة الخارجية.

إن دعوة بايدن للوحدة، تعكس وعيه بهذا الأمر. لكن الحقيقة هي أن معالجة الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي، ربما يتجاوز قدرة أي رئيس، لأسباب ليس أقلها أنّ العديد من الناخبين الجمهوريين فيما يبدو تخلوا عن إيمانهم بالشواهد والخبرات. بالتالي، بدلًا من الانشغال بالانقسامات السياسية المحلية، يجب على بايدن أن يسمو فوقها.

مع هذا، هناك قضية تحظى بإجماع من جانب الحزبين: ضرورة الوقوف في وجه الصين. وقد فهم ترامب هذا الأمر. في الواقع، فإن سياسته الصارمة تجاه الصين هي إرثه الأهم – والأكثر إيجابية- في مجال السياسة الخارجية.  وإن لم يتبع بايدن نهجًا مماثلًا، فإن تآكل القيادة العالمية الأمريكية سيصبح حتميًّا.

إن منطقة المحيط الهندي – الهادئ، وهي مركز اقتصادي وبؤرة جيوسياسية عالمية، عنصر أساسي في أي استراتيجية فعّالة ضد الصين. وتدرك بكين أهمية هذه المنطقة الهائلة للنظام الدولي، لهذا عملت بثبات على إعادة تشكيلها لخدمة مصالحها، مُستخدمة الإكراه الاقتصادي القاسي والقمع السياسي والتوسع العدواني، بداية من الهيملايا وهونغ كونغ، وصولًا إلى بحري الصين الجنوبي والشرقي.

إن الطريقة الوحيدة للحفاظ على استقرار ميزان القوى الإقليمي، هو عبر وجود نظام مبني على القواعد وتقوده الديمقراطية – أو كما وصفته إدارة ترامب “محيط هندي – هادئ حر ومفتوح”. على مدار العام الماضي، دفعت هذه الرؤية ديمقراطيات المنطقة لتعميق روابطها الاستراتيجية، كما ألهمت حتى ديمقراطيات بعيدة جغرافيا في أوروبا لاتباع سياسات داعمة. وتحت قيادة إدارة بايدن، يجب على الدول الآن أن تستفيد من هذا التقدم، وأن تنشئ تجمعًا للديمقراطيات قادرًا على تحقيق الاستقرار والتوازن في منطقة المحيط الهندي – الهادئ.

ويبدو أن بايدن فهم هذا الأمر؛ حيث أشار إلى نيته بناء جبهة ديمقراطية للتصدّي للصين، غير أنه يخاطر أيضًا بتقويض رؤيته الخاصة.

في البداية، لم يتبن بايدن مصطلح “المحيط الهندي – الهادئ” إلا بعد نصره الانتخابي، وعندما فعل هذا استبدل كلمتي “الحر والمفتوح” ب “الآمن والمزدهر”. لكن، بينما يشير مصطلح “حر ومفتوح” تلقائيًّا إلى وجود نظام قائم على القواعد وتقوده الديمقراطية، يترك مصطلح “آمن ومزدهر” مساحة لضمّ – أو حتى قيادة – أنظمة مستبدة. لكن هذا يتجاهل فحوى التحدّي في المحيط الهندي – الهادئ: تسعى الصين الرجعية جاهدة للحلول محل الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في المنطقة.

وما يزيد الأمور سوءًا هو أن بايدن أشار إلى احتمال إعادة ضبط العلاقات مع الصين، وهو ما سيخدم مآرب الأخيرة.

إن سياسة ترامب تجاه الصين لا تتعلق فقط بالتجارة وحقوق الإنسان، فقد بعثت تلك السياسة برسالة صحيحة مفادها أن الصين هي دولة شيوعية عدوانية تفتقر للشرعية السياسية وحكم القانون، وساعد ذلك في قلب الموازين لصالح أمريكا. على مدار العام الماضي، وصلت الانطباعات السلبية تجاه الصين لمستويات تاريخية في دول عدة. وبالرغم من أن ذلك كان يُعزى بشكل كبير إلى جائحة كوفيد19 التي نشأت في الصين، بيد أن هجوم ترامب الأيديولوجي ونهج الصين العدواني – مثلما حدث على حدودها المشتركة مع الهند في الهيملايا – كان لهما دور مهم أيضًا.

ولو تخلت إدارة بايدن عن سياسة فك الارتباط الاقتصادي، وتعاملت مع الصين كمنافس رئيسي وليس كخصم عنيد، فإنها ستقلب الموازين لصالح الصين، ما سيخفف الضغط على نظام الرئيس “تشي جين بنيغ” ويقوّض الثقة في القيادة الأمريكية. وهذا يمكن أن يشجع بكين على زعزعة استقرار المحيط الهندي -الهادئ أكثر، وربما تكون تايوان هي هدفها التالي.

علاوة على ذلك، قد يدفع نهج الولايات المتحدة التصالحي الهند لإعادة التفكير بشأن تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، وربما يدفع اليابان نحو العسكرة – وهو ما قد يغيّر قواعد اللعبة في منطقة المحيط الهندي – الهادئ، كما سيساعد هذا النهج التصالحي الصين على استخدام سوقها الهائل لجذب حلفاء أمريكا الديمقراطيين – وهو خطر تجلّى بوضوح في اتفاق الاستثمار الذي عقدته الصين مع الاتحاد الأوروبي. كل هذا سيقوّض رؤية بايدن المتمثلة في تشكيل جبهة ديمقراطية متحدة، ويفاقم من التهديد الذي يشكله استبداد الصين العدواني.

إن أسوأ خيار يمكن أن يتخذه بايدن هو السعي لمشاركة الصين في قيادة المحيط الهندي -الهادئ، كما يدعو البعض. والأمر المثير للقلق، هو أن فريق بايدن لا يبدو واضحًا فيما يخص هذا الاقتراح. في مقالة منشورة عام 2019، ناصر “جايك سوليفان (مستشار بايدن للأمن القومي) و “كورت كامبل” (الذي يُطلق عليه “قيصر المحيط الهندي – الهادئ” في مجلس الأمن القومي الأمريكي لإدارة بايدن) فكرة “التعايش مع الصين”، واصفين هذا البلد بأنه “شريك مهم للولايات المتحدة”.

من المؤكد أن “سوليفان” و”كامبل” لم يطالبا بهيمنة أمريكية – صينية مشتركة في المحيط الهندي – الهادئ أو خارجه، لكنهما لم يتخذا الموقف الواضح والضروري المتمثل في ضرورة أن تؤسس الولايات المتحدة تجمعًا للديمقراطيات لوضع ضغط متعدد الأطراف ومستمر على الصين.

بعد أربعة سنوات من حكم الرئيس ترامب، يبدو بايدن محقًّا في الترويج لأهمية الوحدة الداخلية. لكن اتباع نهج صارم تجاه الصين، هو واحد من الميادين السياسية التي يمكن أن يتوحّد خلفها الأمريكيون، والأهم من ذلك، هو أن هذا النهج الصارم هو السبيل الوحيد لضمان استقرار المحيط الهندي – الهادئ والنظام العالمي.   

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا